في هذا العالم الظّالم.. مَن الذي أرخَصَنَا وأرخَصَ دَمَنا؟!
مع كلّ هجومٍ إجراميّ يستهدفُنا -نحن العربَ والمسلمين- سواءٌ في بلادنا أو بلاد غيرنا ونرى دمنا مسفوحا لا يُكتَرَثُ له ولا يُعبَأ به؛ تبدأ على الفور المقارنة مع أيّ تفجيرٍ أو عملٍ يستهدفُ الغربَ ويُقتَلُ به عدد من النَّاس فيتداعى العالم استنكارا لما حلّ بهم وتضامنا معهم.
عندَها يبدأ لطمُ الخدودِ وشقّ الجيوبِ منَّا على دمنا الرّخيصِ الذي لا يلتفتُ إليه أحد، ويعلو العويلُ على ازدواجيّة المعايير التي يمارسُها الغربُ مع التّدليل على ذلك بالمقارناتِ بينَ أعدادِ الضحايا في فلسطين وغزة تحديدا وسوريا والعراق واليمن؛ وبينها في دولِ الغربِ وردود الفعل المتناقضة عليها، والرّثاءُ لأرواحِ المسلمينَ التي لا بواكيَ لها.
وتبدأ الغالبيّة العظمى من المتفاعلين بالمقارنة بين ردود الفعل الباهتة تجاه هذه الجرائم المروعة؛ وبين ردود فعلهم تجاه هجوم باريس على صحيفة شارلي إيبدو عام 2015م -على سبيل المثال- إذ تقاطر قادة العالم وفي المقدّمة منهم قادة العالم العربي والإسلامي للمشاركة في مسيرة التّضامن مع فرنسا واستنكار الهجوم الإجرامي، في حين غابوا وغابت غضبتهم المُضَريّة عن دمنا الذي يملأ الشاشات صباح مساء.
الإنسانيّة المصلحيّة وضَعفُنا
من لا يزال معتقدا بأنَّ موجات التّضامن الدّوليّة والرّسميّة من الغربِ أو معه تحرّكها الإنسانيّة الرّهيفةُ في قلوبِ القومِ فعليه الخروج من مستنقع السّذاجةِ والبلاهةِ، فمشاعرُ السّاسةِ إنّما تولّي وجهها حيثما كانت المصلحة، وحيثما كانت القوّة فَثَمَّ المصلحة؛ فأينَ قوّتنا ومصلحةُ القومِ معنَا؟!
فالضّعيفُ لا يكترثُ له أحد، والنّمور بلا أنياب ومخالب ترفسُها الضّباع ولا تلقي لها الأرانب بالا فضلا عن ازدراء جوارح الغابة لها.
إنَّنا -نحن لا غيرنا- من يتحمّل المسؤوليّة -بضعفنا وهواننا- عن إرخاص دمائنا، ونحن لا سوانا من جعلنا دمنا في موازين الأمم أخف من دمائهم وموتنا أرخص من موتهم.
قل عن الغرب ما تشاء؛ قل: إنّه مجرمٌ وازدواجي ومنافق و.. الخ؛ فلن أناقشكَ في كلّ هذا، ولكنّه رغم كلّ ما وصمتَه به ليسَ هو الذي أرخَصَنا، بل نحنُ من أرخَصنا أنفسَنا، وهانت علينَا أرواحنا، ولم يعد لدمِنا المسفوح عندَنا قيمة ترتجى، وقد قالت العرب: أنتَ حيثُ تضعُ نفسَك، فأينَ وضعنَا أنفسَنا؟!
لقد تفرّقَت جهودُنا، وتبعثَرَت قوانا، وفشلنا إذ تنازَعنا، وغلبَتنا العصبيّةُ المقيتة، واستحوذت علينَا الحزبيّة الضّيقة، واستبدّت بنا الأنا المتضخمة، وغدَت السّهام والنّصالُ الموجّهةُ إلينا منّا أشدّ بأسا من الموجهة منّا إلى عدوّنا والمرسلةُ منه إلينا، فحارَت قوانا وهُنَّا على بعضنا فكنّا على غيرنا أهون؛ فكيف يكون لدمنا وأرواحِنا قيمة ترتجى؟!
وحيثُما يمَّمتَ وجهكَ ترى الجميع -الإسلاميّين قبل غيرهم- يحدّثونكَ عن ضرورة وحدة الصّفّ وجمعِ الكلمة فتقفُ مشدوها ومتسائلا: فمَن وما الذي يفرّقكم إذن؟!
الاستبداد وإرخاصُنا
ثمّ كيفَ لا تكون دماؤُنا رخيصة على غيرنا وقد أرخصها الطّغاةُ والمستبدّون في ديارنا وأوطاننا؟!
ألا تذكرونَ ما قالته أمّ الطالب الإيطالي جوليو ريجيني الذي قتل تحت التّعذيب في سجون النّظام الانقلابي في مصر: "لقد عذّبوه وقتلوه كما لو كان مصريّا"؟!
إنَّ الدّماء التي تكون رخيصة في أوطانها، ورخيصة عند أبناء جلدتها ودينها بفعل الطغيان والاستبداد؛ لن تكون غالية عند المتربّصين بهذه الأوطان وعقائد أبنائها الدّوائر.
وكيفَ لا تكون دماؤنا رخيصة و"قادةُ" دولٍ إسلاميّة يحرّضون الغرب على الإسلام؛ فيدعونهم إلى مراقبة المساجد، ويخوّفونهم من المسلمين ويتّهمون ملياري مسلم بالإرهاب؟!
إنَّ ما يشدّد عليه بعض القادة العرب في كثير من لقاءاتهم بالغرب هي ضرورة الحذر من المساجد؛ يجعلهم هم ومن سار مسيرتهم سببا من أسباب إرخاص دمنا عند احترام الآخرين دماء شعوبهم وأبناء جلدتهم وعقيدتهم.
إنَّ حريّتنا وقوّتنا هما السّبيل إلى إيجاد قيمتنا في هذا العالم الذي لا تحكمه المبادئ، ولا مكان فيه للإنسانيّة الحقيقيّة في التّعامل بين الدّول ولا يعترف بالضّعفاء.
twitter.com/muhammadkhm
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق