الثلاثاء، 13 فبراير 2024

قد تكون معركة رفح هي الشرارة التي تقلب الحسابات

قد تكون معركة رفح هي الشرارة التي تقلب الحسابات
عامر عبد المنعم


اندفاع نتنياهو وحكومة الحرب الإسرائيلية لاجتياح رفح يكشف حالة الجنون التي يعيشها الكيان الصهيوني بسبب الفشل العسكري، فالبحث عن أي نصر أو تحقيق أي بطولة على حساب المدنيين لن يكسر المقاومة ولن يؤدي إلى استسلام حماس ورفع الراية البيضاء كما يتوهم مجرمو الحرب في تل أبيب وواشنطن، ومصير هذا العدوان الفشل وتكرار تجاربهم الخاسرة في شمالي قطاع غزة ووسطه.

سواء كان الهدف من الإعلان عن الاجتياح هو الضغط على حماس للقبول بالشروط الإسرائيلية في صفقة الرهائن، أو لتحقيق الحلم الاستراتيجي بتخريب ما تبقى من القطاع وطرد الفلسطينيين إلى مصر بالقوة النارية، فإن تماسك الشعب الفلسطيني الرافض للتهجير سيُفشل المكر الإسرائيلي، ولن يحقق القادة الإسرائيليون النصر المستحيل الذي يحلمون به في النوم واليقظة.

إذا كان الاحتلال قد تعثر في شمالي قطاع غزة ووسطه طوال 4 أشهر ولم يحقق أي إنجاز فإن دخول جنوبي القطاع سيكون أكثر صعوبة وأشد مقاومة، فرفح بها 1.4 مليون فلسطيني معظمهم من النازحين من الشمال، وليس أمامهم مكان آخر يذهبون إليه، وإذا دخلت الدبابات فستشق طريقها وسط حشود من البشر، وسيرتكب الاحتلال المجازر المعلوم مدى بشاعتها وفظاعة ما ينتج عنها من مآسٍ إنسانية.

النفاق الغربي والمشاركة في الإبادة

تكشف الاستعدادات الإسرائيلية لاجتياح رفح النفاق الغربي، فحكومات الولايات المتحدة وغالبية الدول الأوروبية التي أيدت العدوان على غزة كانت تشارك في تشجيع الفلسطينيين للنزوح جنوبا حيث الأمان المزعوم في رفح، وعندما أعلن نتنياهو عزمه على احتلال رفح صدرت التصريحات الرافضة، ولكن سرعان ما التزموا الصمت وابتلعوا تحذيراتهم وأبدوا تفهمهم، حتى أن الرئيس الأمريكي بايدن الذي حاول تحسين صورته بإظهار تعاطفه من النازحين سرعان ما أعلن موافقته، وأعطى الضوء الأخضر لنتنياهو، ولكنه طلب منه خطة واضحة وضمانات لحماية المدنيين!

عندما قام جيش الاحتلال بعمليته العسكرية ليلة الاثنين 12 من فبراير/شباط 2024، بزعم تحرير اثنين من الرهائن في رفح، استخدم قوة نارية هائلة من سلاح الجو والمدفعية والبحرية ضد أحياء ومبانٍ مدنية، خلّفت العشرات من الشهداء والمصابين، ولم نر أي إدانة من الحكومات الغربية، بل أعلن معظم القادة الغربيين التأييد لجنون نتنياهو للقضاء على حماس التي يعُدونها عدوا لهم، رغم أنها حركة تحرر وطني تقاوم احتلالا غاشما وتعمل في فلسطين فقط.

لكن التأييد الأعمى والسير خلف جنون نتنياهو وضع القادة الغربيين في موقف حرج أمام شعوبهم الغاضبة، بسبب الصور التي تُنشر يوميا عن الإبادة في قطاع غزة، وتمتلئ الشوارع والميادين في العواصم الغربية باحتجاجات صاخبة ومتواصلة، تحاصر الطبقة السياسية المؤيدة للعدوان، وأصبح من الشائع مواجهة الزعماء الغربيين بعاصفة من الهتافات في أي ظهور لهم في الأماكن العامة.

يسيرون كالعميان خلف جنون نتنياهو

نتنياهو يرى في استمرار الحرب إلى الأبد نجاة له وإفلاتا من المحاكمات التي تنتظره، لكن الذي يثير الاندهاش هو سير بايدن والقادة الأوروبيين خلفه، ولا يبالون بنسف العلاقات مع الشعوب العربية والإسلامية وخسارة السمعة، وتوجيه ضربة قاضية إلى قيم التعايش والتحضر، ولا يعيرون اهتماما لظهورهم وكأنهم مصاصو دماء، يشاركون في جريمة إبادة صريحة، يشاهدها الناس بالصوت والصورة لحظة بلحظة على مدار أسابيع.

القادة الغربيون يعلمون أنهم تورطوا في مساندة عدوان مجنون، ولكن كراهيتهم للإسلام تجعلهم يقفون مع الظالم لكون المظلوم من المسلمين، وفي أبلغ توضيح للحالة التي يعيشها سياسيو الغرب ما قاله مفوض السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل عندما عبّر عن ضيقه بما وصلوا إليه بقوله “نتنياهو لا يصغي لأحد ويريد منا تصديق الادعاءات بلا أدلة وإغلاق أعيننا عن الالتزام بالقانون الدولي”!

الاحتلال مهزوم حتى إن دمر رفح

إذا حدث الاجتياح فإن مصير المعركة في رفح سيكون وبالا على نتنياهو والحلف المتطرف، فالمقاومة جهزت نفسها لخوض جهاد طويل، وقد أثبتت المقاومة فعالية خططها في تحقيق خسائر كبيرة للاحتلال في المعدات والأرواح، ورغم قوتهم النارية وأسلحتهم وآلياتهم الفولاذية فما زال الإسرائيليون لم يعرفوا أسرار القلب الصلب للمقاومة، الأمر الذي يزيد من الضغط الميداني وفي الداخل الصهيوني على حكومة الحرب التي تبدو عاجزة عن تحقيق أي إنجاز.

أكثر من مرة يعلن الإسرائيليون أنهم انتصروا في غزة أو اقتربوا من النصر، لكن النصر لم يأت، وفي كل مرة تصدمهم العمليات البطولية وتوقع فيهم المزيد من الخسائر، فعلى سبيل المثال، في الليلة التي أعلنوا فيها أنهم دخلوا رفح و”حرروا رهينتين”، كان الإعلام الصهيوني طوال الليل يتحدث عن حدث صعب في خان يونس، وأن المروحيات تنقل أعدادا كبيرة من القتلى والأشلاء إلى 4 مستشفيات، وكان من المقرر أن يعلنوا التفاصيل في الصباح، لكنهم قرروا التكتم حتى لا يشوشوا على ما عَدُّوه إنجازا!

الاحتلال ينزف من المعارك في غزة وخان يونس، ومحاولة الهروب إلى الأمام بخوض معركة في رفح لن تنقذه من الضغوط التي تحاصره، وإذا أصر نتنياهو على التوجه جنوبا فسيجد الهزيمة في استقباله، وسيفشل الهجوم على صخرة الصمود الفلسطيني، فالمعركة هذه المرة ستكون أشرس من المعارك السابقة، فالمقاومة ستقاتل بروح استشهادية دفاعا عن الوجود، وفوق ذلك لن يترك الفلسطينيون أرضهم حتى لو تم تدمير ما تبقى.

قد تكون معركة رفح هي الشرارة التي تُحدِث التحولات الكبرى في المنطقة، فهي تعني إصرار المتطرفين اليهود على الانقلاب على كل الاتفاقات والعهود، وهذا ما قد يقلب الحسابات، ويغيّر الكثير من المواقف التي يظن نتنياهو أنها مستقرة وتحت السيطرة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق