القدس بين الوعد الحق... والوعد المفترى
المقدمة
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ * وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) [المائدة:51-57]
الحمد للّه الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين، واصطفى هذه الأمة بميراث النبوة والكتاب، ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا [فاطر:32]، وميز طريقها عن طريق المغضوب عليهم والضالين، وجعلها قائمة بالقسط منصورة بالرعب، حاكمة بالعدل، شاهدة على العالمين بالحق.
وصلى الله وسلم على خيرته من خلقه، وصفيه من عباده، الذي دعا ببعثته إبراهيم، وبشر برسالته عيسى -عليهما السلام- وأخذ الله العهد والميثاق على كل نبي بعثه أنه إن أدركه عهده ليؤمنن به ولينصرنه, وظل أنبياء الله وأولياؤه وعباده الصالحون ينتظرون بعثته، ويتلمسون مخرجه، ويحسبون لموعده؛ حتى بزغ نور الفجر المبين، وظهر دين خاتم المرسلين، فأيقنوا أنه الحق، فخروا للأذقان يبكون ويقولون: سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً [الإسراء:108]
الحكمة من وجود الصراع مع اليهود
أهمية عرض الدرس
فهم يلبسون جلود النصارى على قلوب اليهود، ويجهدون لإطفاء نور الله وإخلاف وعد الله ورفع ما خفض الله وخفض ما رفع الله، وإعزاز من أذل الله، وإذلال من أعز الله، وينصرون التلمود على القرآن، ويعاونون قتلة الأنبياء على ورثة الرسالات، وباختصار يسعون لإقامة مملكة المسيح الدجال، ووأد مملكة المسيح بن مريم عليه السلام .
وسار في ركابهم من المنتسبين إلى الإسلام زعامات عميلة، وقيادات ذليلة انسلخت من دينها، وكفرت بوعد ربها، وكذبت خبر رسولها صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واستحوذ عليها حب الدنيا وحطامها، فتجدهم أحرص الناس على كرسي ولو تحت أقدام اليهود.
هذه الزعامات ربطت مصيرها بعجلة الكفر، وخانت أمتها في أعز ما تملك، وحضرت مؤتمر مدريد وما أدراك ما مدريد؟!
لقد اختار أهل الكتاب أن يسجلوا تاريخ نصر اليهود واستعادتهم لمملكة التلمود؛ حيث استعاد النصارى فردوسهم المفقود، وفي البقعة التي انطلقوا منها لاكتشاف العالم الجديد، الذي تزعَّم المؤتمر المنكود.
ولئن كان هذا المؤتمر المتآمر هو سبب المحاضرة المباشر، ومع ذلك فإنني لم أخض في تفصيلات الأحداث وتحليلات الوقائع فيه أو فيما تلاه؛ بل لم أجهد نفسي للبحث في ذلك لسبب واحد: هو أن الإسلام قد غاب -بل غُيِّبَ- عن المؤتمر، وإنما حضره اليهود والنصارى وأولياؤهم الذين لو فتحوا القدس بل لو فتحوا روما لما كانوا إلا مرتدين ملحدين، فكيف وهم يتكففون السلام ويقبلون الأقدام، ويدفعون الجزيات الجسام، وما مدريد إلا زيادة في الكفر وإيغال في الردة.
وإنما القصد الأول لمن وفقه الله لحمل ميراث النبوة، وتجديد الدين أن يعيد الناس إلى حقائق الإيمان وأصول الدين مستمدة من منبعها الصافي ومعينها الزلال، ثم يأتي الحديث عن مكر الأعداء، ومؤامرة الدخلاء تبعاً لا قصداً، ووسيلة لا غاية.
وقد وفق الله تعالى هذه الصحوة الممتدة المباركة لبدء الطريق من أوله، والبناء من أساسه، والإقبال على تصحيح العقيدة، وتقويم المسار، وربط كل قضية مهما صغرت بأصل الدين والإيمان وحقيقة العبودية، فبان لها سبيل الولاء والبراء، وظهر لها كيد المنافقين وأهل الكتاب في الأصل والجملة، وأصبح لزاماً على من تصدر لتذكيرها بأيام اللّه، وتبصيرها بدين الله أن يبينوا لها من المعالم ما هو أكثر تفصيلاً وأبين قيلاً؛ وذلك بالتوعية العامة للقاعدة العريضة من الأمة مع مخاطبة الفئة المثقفة بما يلائمها من عميق الفكر ودقيق البحث.
فالتوعية العامة التي تتخذ شكل العرض الواضح والحقائق المبسطة، والربط الجلي بين مقتضيات العقيدة وأحداث الواقع، من أجلِّ الواجبات على من بصره اللّه بذلك من قادة الصحوة، فهي فوق كونها مقتضى الإيفاء بميثاق الكتاب من أعظم الحقوق لهذه الصحوة عليهم، لتتجلى معالم اليقين، ولتستبين سبيل المجرمين، وهذه الإبانة هي أساس لعقيدة الولاء والبراء، وهذه العقيدة أساس لمخاطبة الغرب الكافر باللغة التي يفهمها، ولا يفهم سواها -اللغة التي يرهبها الغرب- مع أننا لا زلنا في أبجديتها.
إن الحديث عن الحقوق المشروعة، والقرارات الدولية التي استنـزفت وتستنـزف من الإعلام العربي ما يملأ البحار لم يجد أذناً - ولا عُشرَ أذن - كتلك التي أحدثها انفجار مشاة البحرية في بيروت، والهجوم على ثكناتهم في مقديشو، بهذه اللغة وحدها يسحب الكفر أذيال الهزيمة، وتنحني هامات الخواجات العتية أمام مجموعات طائفية، وعصابات قبلية، وليست جيوشاً دولية، وإن استرداد بضعة قرى ومدن في البوسنة قلب المؤشر الصليبي، وأرغمه على إعادة حساباته، وإن أي خطاب للكفر لا يستخدم هذه اللغة هو لغو من القول وزور من العمل .
والغرب الذي يجرد الجمهوريات الإسلامية من سلاحها النووي ويكدسه بيد روسيا الأرثوذكسية، بل يرغي ويزبد إذا اشترت دولة عربية سلاحَا من الصين أو الأرجنتين، إنه لا يرضى بأقل من أن نصبح خدماً بين يديه (كتلك الصورة التي نشرتها الصحف الأمريكية للمسلمين وهم يمسحون حذاء رئيس حكومة اليهود).
مشروع عملية السلام
إن هذه الخطة -ببساطة- قد عدلت عن فكرة إقامة دولة إسرائيل الكبرى، وبعبارة أصح قد عدَّلت هذه الفكرة لأسباب ذاتية ضرورية أهمها أن دولة اليهود وجدت نفسها بعد 40 سنة من قيامها عبارة عن مركب من المتناقضات وكائن غريب في محيط من العداوات.
فعلى المستوى الأمني لم تنجح في السيطرة على ما ابتلعته من أرض فلسطين، فكيف تسعى لمزيد من الأراضي؟ وإن لبنان التي هي أضعف الجيران، وأبعدهم عن العدوان ظلت مصدر قلق وإزعاج لا نهاية له حتى بعد اجتياحها المعروف.
والمشكلة السكانية تشكل أعمق المشكلات وأبعدها تأثيراً، فكثير من اليهود لم تخدعهم الوعود المعسولة والإغراءات البراقة للهجرة إلى أرض تعج بالمساوئ الاجتماعية من اختلال الأمن إلى الطبقية المقيتة إلى التناحر الحزبي.. الخ.
إن هذه الأفاعي عندما تجتمع -على اختلاف ألوانها وأشكالها - لابد أن يذوق بعضها سم بعض إضافة إلى الحجارة التي تهشم رءوسها باستمرار من أيدي أشبال الإسلام، فكيف إذا وصل الأمر إلى الرصاص؟.
ولقد رعبت دولة اليهود من ارتفاع مؤشر الهجرة المضادة، وقلة استجابة السكان لدواعي تكثير النسل، وأظهرت الإحصائيات الرسمية أنه مقابل كل شهيد من أبناء فلسطين المسلمة يولد عشرات وعشرات.
ومن تجربة إسرائيل التي لا تقبل النقاش أنها أعجز ما تكون عن استئصال المقاومة بنفسها، فعملاؤها هم الذين تولوا سحق الفلسطينيين في لبنان والأردن وسورية والكويت وغيرها، فلماذا لا تضع يدها في أيديهم ضمن خطة أخرى تتنازل فيها عن أوسع حدود الأرض التوراتية إلى أضيقها، ولا غرابة في هذا على عقيدة اليهود التي تؤمن بالبداء، وبأن الأحبار يصححون أخطاء الرب تعالى اللّه عما يصفون .
ثم إن إسرائيل لكي تقنع الإنسان الغربي المفتون بدعوى الديمقراطية وحقوق الإنسان لا تستطيع أن تظل ثكنة عسكرية وسجناً كبيراً إلى الأبد.
كما أن المقاطعة العربية مهما بدت شكلية توفر حاجزاً نفسيا لشعوب المنطقة، فلابد من افتعال حركة تكتيكية يتراجع فيها اليهود، ويسلمون بما يسمى: الحكم الذاتي المحدود لكي يتم الهدف الأكبر استراتيجياً , والتخلي عن التوسع الجغرافي مقابل التغلغل السياسي والاقتصادي والثقافي وهو ما عبر عنه أكثر من مفكر ومسئول بمصطلح: (الولايات المتحدة الشرق أوسطية)!!
وهكذا سيؤدي فتح الحدود الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، وإعلان فتح القنوات السياسية إلى أن يصبح يهود إسرائيل في الشرق الأوسط كيهود نيويورك في أمريكا، وتصبح ثروات المسلمين ركازاً لهم، وجامعاتهم ومؤسساتهم الثقافية أوكاراً لفكرهم، وحواضرهم التجارية مراكز لبنوكهم وتجارتهم وأسواقاً لبضائعهم، ويصبح عامة الشعوب العربية عمالاً كادحين لخدمة البارون اليهودي الربوي!!
هذا هو هدف السلام المزعوم مهما غلَّفوه أو قنعوه، والتخطيط الصهيوني لم يتغير ارتجالاً ولا هو نتيجة دراسات فكرية وميدانية بحتة - كما يظهر -، بل إن أسبابه وجذوره تمتد إلى ما هو أعمق من ذلك، إلى خبيئة النفسية اليهودية وحقيقة الجبلة اليهودية، وواقع التاريخ اليهودي القديم والحديث.
فقيام كيان يهودي متميز مستقل كسائر الكيانات السياسية أو العقدية في العالم أمر يتنافى مع تلك النفسية والجبلة والتاريخ , والخطأ الأكبر الذي وقع فيه مسطرو أحلام العودة منذ الأسر البابلي إلى الاضطهاد الأوروبي، وخطط له أمثال هرتسل وفيشمان ووايزمان هو أنهم غفلوا أو تغافلوا عن هذه الحقيقة، فلما قام الكيان المنشود خرجت الحقيقة كالشمس من تحت الركام!!
وليس بخافٍ على اليهود ولا على المطلعين على الحركة الصهيونية الحديثة أن جماعات وزعامات يهودية دينية وفكرية ترفض قيام دولة يهودية متميزة، بل تعكس النبوءات التوراتية على أهلها، وتقول: إن قيام هذه الدولة هو نذير الهلاك والفناء لليهود، ولها على ذلك أدلة وشواهد من الأسفار والمزامير ومن واقع التاريخ.
لقد جسد قيام دولة إسرائيل المأزق الكبير الذي وقع فيه اليهود حين اصطدمت الأحلام التلمودية العنصرية التي لا حدود لها بواقع النفسية اليهودية العليلة التي لم تكن يوماً من الأيام رأساً في قضية ولو كانت قضيتها الذاتية، فكيف تكون رأساً في قضية العالم كله، ولذلك فإنها تعلل نفسها بخروج المسيح الموعود الذي يحمل عنها هذه التبعة.
فاليهود لم يكونوا في حقبة من أحقاب تاريخهم رأساً في قضية وإن كانت قضيتهم، ولو كانوا كذلك مرة واحدة لكانت في هذا العصر وهو ما لم يكن!! فهم كالشجرة الطفيلية لا تنمو إلا على ساق غيرها، أو الدودة المعوية التي لا تأكل إلا قوت غيرها، فمن حادثة بني قينقاع حيث كان المنافقون هم الناطقين الرسميين والمدافعين الظاهرين إلى مؤامرة الأحزاب، حيث كان الجند جند قريش وحلفائها لا جند قريظة وأخواتها؛ إلى الإدارة الأمريكية حيث لا يزال اليهود - وهم يسيطرون على الجزء الأكبر من الاقتصاد والإعلام والتأثير السياسي.. الخ - يستخدمون أمثال: نيكسون، وكارتر، وريجان، وبوش وهم جميعاً نصارى!!
وقد عاشوا في أحشاء أوروبا وتسلقوا شجرة الحقد الصليـبي فكان لهم حبل من الناس.
وعندما أصبح لهم لأول مرة منذ قرابة ألفي سنة دولة وحكومة ظهرت السنة الربانية قال تعالى: تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى [الحشر:4ا] فهذه الدولة تعج بالمتناقضات والصراعات، وتتكفف العالم كله وتعصر اليهود وغيرهم في كل مكان عصراً لإدرار التبرعات، ولا تستغني في أي محفل دولي عن المندوب الأمريكي ونظرائه، وإن كانت في الظاهر تمثل مع أمريكا دور الثعلب مع النمر!!
إنهم دائمَا يحركون الدمى من وراء الستار، ولو ظهروا على المسرح لانكشفت سوءاتهم وبطل سحرهم.
إنهم يحرصون على تبني أي رئيس أمريكي والإحاطة به ولكنهم لا يستطيعون أو لا يفكرون في أن يجعلوه رئيساً يهودياً وحكومته حكومة يهودية صريحة!!
وأمر آخر يقض مضاجع يهود دولة إسرائيل هو أنه ليس في وسع الشراهة اليهودية العمياء أن تظل حبيسة الأرض التي قالت عنها التوراة: أنها تفيض لبناً وعسلاً مع أن المنطقة الكبرى حولها تفيض نفطا وذهباً، ثم تظل رهينة الفكرة الداعية لقيام دولة ما بين الفرات والنيل وفق النموذج النازي العسكري الذي عجزوا عجزاً واضحاً عن السيطرة على ما تم لهم منه.
بل إن ما تحقق من هذا الحلم كافٍ للعدول إلى الفكرة الأخرى التي أقام عليها روتشيلد وذريته مملكة لا نظير لها في التاريخ (مملكة الربا والإعلام والجاسوسية) وهي مملكة تتفق تماماً مع الجبلة الطفيلية، وليكن ما احتلوا من الأرض في حروبهم المتعددة أو جزء منه منطلقاً لهذه المملكة وتربة لهذه الشجرة الطفيلية التي سوف تترعرع وتخترق بثقافتها وفكرها ومناهجها سائر المنطقة التي يسيل لُعاب العالم كله لثرواتها!
فإلى متى يظل وصولهم إلى هذه الثروات الهائلة، والكنوز السائلة ملتوياً يمر بقناة الأمريكان والأوروبيين!! وهم الجيران الأدنون؟!
إن اليهود أكثر دهاءً وشراهةً من أن يظلوا موغلين في خطأ جسيم كهذا - خطأ التوسع الجغرافي غير المضمون حتى لو كان هذا هو ما تخيله أحبار التلمود منذ سحيق العهود، وسواء خرج المسيح أولم يخرج!!
صحيح أن التلمود الذي هو مستند الحركة الصهيونية يقول:
'' يجب على كل يهودي أن يسعى لأن تظل السلطة على الأرض لليهود دون سواهم، وقبل أن يحكم اليهود نهائياً باقي الأمم يجب أن تقوم الحرب على قدم وساق، ويهلك ثلثا العالم، وسيأتي المسيح الحقيقي، ويحقق النصر القريب، وحينئذٍ تصبح الأمة اليهودية غاية في الثراء، لأنها تكون قد ملكت أموال العالم جميعاً، ويتحقق أمل الأمة اليهودية بمجيء إسرائيل، وتكون هي الأمة المتسلطة على باقي الأمم عند مجيء المسيح '' .
ولكن هذا الكلام الذي يقطر حقداً نتيجة ظروف الأسر البابلي لا يمكن أن ينفذ الجانب الحربي منه في أرض الواقع، أما الجانب الآخر وهو الممكن فلا وسيلة لتنفيذه إلا افتعال السلام!!
وهو ما كان.
تنبيه على تأليف الرسالة
والجواب: إن الأفعى اليهودية لا تبالي أركبت الحمار أو الفيل فلكل منهما ميزات في الركوب والحمل، ولكن فوز الحزب الديمقراطي حزب الأقليات التي أهمها اليهود، وحزب الانحطاط الأخلاقي الذي يعد كلينتون أحد وجوهه - هو نجاح مباشر للمخطط الصهيوني، وإذا نجح كلينتون في مشروعات قوانينه الانحلالية كنجاحه في خدمة السياسة الإسرائيلية فإن هذا نذير بأن القوم يهيئون فعلاً استقبال المسيح الدجال!!
وقد جاء كلينتون للرئاسة لكي يؤكد أنه مهما تقلصت اهتمامات أمريكا الخارجية كما يشاع فإن ما يتعلق باليهود يظل رأس كل اهتمام داخلياً كان أو خارجياً.
وجاء كلينتون ليؤكد أن كاهنه يزعم أنه تنبأ له بحكم أمريكا، وأوصاه بدولة اليهود فببركتها يفوز، وببركتها ينجح في حكمه.
جاء كلينتون ليتبنى بصراحة ووضوح علاج أهم تحديات الاستراتيجية اليهودية - التي أشرنا إليها - حيث قال في خطابه أمام القيادات اليهودية في نوفمبر (1992م):
''إنني أعتقد أنه يتوجب علينا الوقوف إلى جانب إسرائيل في محاولاتها التاريخية لجمع مئات الألوف من المهاجرين لمجتمعها ودولتها -وفي الجانب الآخر قال - وهو يضع العربة أمام الحصان! -: ما من شك أن مفاوضات السلام ستأخذ وقتاً، ولكن هناك خطوة كان على العرب اتخاذها منذ زمن بعيد: إنهاء مقاطعتهم اللاشرعية لـإسرائيل، فالمقاطعة هي حرب اقتصادية، والحرب يجب أن تنتهي الآن ''
وعندما زاره رابين لأول مرة لاحظ المراقبون والمحللون بدهشة المرونة البالغة، بل الاستجابة المطلقة لمطالب رابين حتى أن زمن الزيارة اختصر إلى النصف وتم كل شيء على أساس الثقة الشخصية كما عبر رابين!
وعندما أخذ الناس يتساءلون من سيكون مهندس السلام بعد بيكر؟ ومن سيكون وزير خارجية لإدارة كلينتون كان على رأس المرشحين وارن كريستوفر الذي وصف بأنه من الأصوليين، وكان هو الوزير والمهندس وقام بدوره على أتم الوجوه عند اليهود!
الخلاصة
ولا ننسى في النهاية أن نقول: إن كل ما حدث ويحدث هو بقدر الله الذي لا يُرد، وله فيه الحكمة البالغة مهما ادلهمت الخطوب وأحلكت الأحوال، فلن يتغير يقيننا لحظة واحدة أن النصر للإسلام، وأن كيد يهود ومن وراء يهود هابط خاسر -بإذن اللّه- وأن قدر اللّه لا شر فيه محضاً، وأن المكر السيء لا يحيق إلا بأهله، وأنه ما من محنة أصابت دعوة الإسلام إلا وهي متضمنة لمنحة إلهية كبرى.
ولو لم يكن فيما حدث من نصرة للحق، واستبانة لسبيل المجرمين إلا سقوط أقنعة الزيف والنفاق التي ظلت عقوداً تضلل الأمة وتمتص قواها كالثور في الحلبة باسم قضية فلسطين لكفى!
لقد تكشفت الحقائق وأصبح بعض القادة يتنافسون في الادعاء بأنهم الأسبق إلى تبني مشروعات السلام والتبشير بها! ولو كان وايزمان حياً لحكم بينهم! ولكن الأيام ستكشف كل شيء والله مخرج ما كانوا يكتمون.
وفي هذا إشارة لولادة أمة الحق المؤمنة بالوعد الحق والمجاهدة في سبيل الحق حتى تقاتل اليهود ومن ورائهم الدجال، كما جاء عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حيث قال: {يقاتل بقيتكم الدجال على نهر الأردن وأنتم شرقيّ النهر وهم غربيه} .
الوعد الحق والوعد المفترى
فإن القضية التي سنتطرق إليها ليست بعيدة عن واقعنا اليومي، فنحن في كل يوم وساعة وفي كل وسيلة إعلام أو مجلس نسمع أو نتحدث عن هذا الحدث الكبير الذي يسمونه: مشروع السلام بين العرب واليهود، ولا شك أن ما يحدث في مدريد هذه الأيام لهوَ حدث كبير جدَّاً بكل المعايير الدينية والنفسية والتاريخية، ولا أدل على ذلك من اهتمام وسائل الإعلام الغربية به تفسيراً وتحليلاً، حتى أن الغرب تناسى مشاكله الداخلية وقضاياه الكبرى، واشتغل قادته ومفكروه وصحافيوه وأفراد شعبه كله بهذه القضية، وملاحقة هذا الحدث لحظة بلحظة!!
إن السر في هذا ليس مجرد أن نزاعاً إقليمياً يراد الصلح بين طرفيه؛ لأن ما تم في مدريد يفوق ذلك بمراحل كثيرة، إنه معلم تاريخي كبير يراد به إحداث انعطاف هائل في صراع مزمن بين عقيدتين وحضارتين وتاريخين متناقضين!
وها هي ذي الجذور:
إن مدريد في الحقيقة هي محطة لقطار طويل انطلق منذ خمسة آلاف سنة، وسيستمر إلى أن تقوم الساعة، ومدريد ومن بعدها واشنطن وموسكو.. الخ محطات عابرة على هذا الطريق الطويل..، وهو طريق الوعد الذي وعد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى به نبيه وخليله إبراهيم عليه السلام، ووعد به صالح ذريته من بعده..
وتلتقي عند هذا الوعد كل الأديان الثلاثة المعروفة في العالم.. فالمسلمون عندهم في هذا الوعد دعوى ثابتة من كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -كما سنبين-.. واليهود والنصارى عندهم فهمهم لهذا الوعد الذي افتروه على الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
ومن ثم فإن الصراع في أصوله ليس بين قوتين أو بين عنصرين، وإنما هو صراع بين وعدين، بين الوعد الحق والوعد المفترى..، وبالتالي فهو صراع بين عقيدتين: عقيدة التوحيد التي جاء بها نبي اللّه إبراهيم وجددها سيد المرسلين محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وسيجددها آخر الزمان سيدنا عيسىابن مريم عليه السلام، وبين دعوة الشرك والخرافة والدجل التي أسسها الرهبان والأحبار فيما كتبوه من عند أنفسهم، وقالوا: هذا من عند الله، وما هو من عند الله، ابتداءً بحاخامات اليهود ومروراً بـبولس شاوول، ثم البابوات الضالين المضلين وانتهاء بـهرتزل ومن كان معه، ثم ينتهي الأمر إلى النهاية المؤكدة في آخر الزمان بظهور مسيحهم الدجال.. .
وعندما يلتقي المسيحان: المسيح ابن مريم عليه السلام، والمسيح الدجال ويذوب الدجال كما يذوب الملح في الماء لولا أن المسيح يقتله.
عندها تنتهي هذه المعركة الطويلة بين هذين الوعدين.. أي: بين الأمتين اللتين تؤمنان بهما، أمة الإسلام من جهة واليهود والنصارى من جهة أخرى.
هذه هي القضية، ولذلك فإن ما يجري في مدريد ليس للصلح والسلام، وإنما هو تأييد وإيمان بالوعد المفترى، وتكذيب وكفر بالوعد الحق، وهذا هو جوهر القضية وأساسها، ولا يشغلنا بعد ذلك الحديث في تفصيلات الوقائع والأحداث.
ومن المعلوم أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قد اختار بلاد الشام فقال: وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ [التين:1-3]. وأسكن فيها إبراهيم الخليل -عليه السلام-، وهنالك بدأ هذا الوعد الذي يرجع إلى خمسة آلاف سنة تقريباً، ومن هناك بدأت القضية والمعركة؛ أي: منذ إبراهيم - عليه السلام - الذي اختاره الله وجعله إماماً للناس، ومن ثم أمره أن يأتي إلى هذه الأرض المباركة الطيبة، وأن يجدد بناء البيت العتيق، عند هذه النقطة بدأ الخلاف والمعركة بين أتباع هذه الأديان الثلاثة -التي أشرنا إليها-.
مستند الوعد المفترى
في سفر التكوين، وهو أول أسفار التوراة تبدأ القصة العجيبة في عهد نوح عليه السلام، وهي المفتاح لفهم ما سيجري من وعد لإبراهيم عليه السلام .
تقول التوراة المحرفة: ''وابتدأ نوح يكون فلاحاً، وغرس كرماً، وشرب من الخمر، وسكر، وتعرى داخل خبائه، فأبصر حام أبو كنعان عورة أبيه، وأخبر أخويه خارجا، فأخذ سام ويافث الرداء ووضعاه على أكتافهما، ومشيا إلى الوراء، وسترا عورة أبيهما ووجهاهما إلى الوراء، فلم يبصرا عورة أبيهما..، فلما استيقظ نوح من خمره علم ما فعل به ابنه الصغير فقال: ملعون كنعان، عبد العبيد يكون لأخويه، وقال: مبارك الرب إله سام، وقال: ليكن كنعان عبداً لهم يفتح الله ليافث فيسكن في مساكن سام، وليكن كنعان عبداً لهم اهـ.''
هذا النص هو مفتاح الدراسة في عدد هائل من المدارس الإنجيلية في الولايات المتحدة الأمريكية، وعدد هذه المدارس لا يقل عن عشرين ألف مدرسة، يتلقى الدراسة بها الملايين من التلاميذ -كما سنبين إن شاء اللّه-، يفتتحون دراساتهم بهذا الكلام وتتفتح مداركهم عليه.
ثم بعد ذلك تأتي أوصاف في عدة إصحاحات من هذا السفر تصف أرض كنعان، فتقول التوراة المحرفة في الإصحاح العاشر: ''كانت تخوم الكنعاني من صيدون (صيدا اليوم) حينما تجيء نحو الجرار إلى غزة، وحينما تجيء نحو السدوم وعمورة إلى لاشع... ثم يقول: قال الرب لإبرام اذهب من أرضك، ومن عشيرتك، ومن بيت أبيك، إلى الأرض التي أريك، فأجعلك أمة عظيمة وأباركك، وأعظم اسمك، وتكون بركة، وأبارك مباركيك، ولاعنك ألعنه، وتتبارك فيك جميع قبائل الأرض، واجتاز إبراهيم في الأرض إلى مكان شكيمى إلى بلوطة مورة، وكان الكنعانيون حينئذ في الأرض، وظهر الرب لإبرام وقال: لنسلك أعطي هذه الأرض ''
وقال في الإصحاح السابع عشر: ''أقيم عهدي بيني وبينك وبين نسلك من بعدك في أجيالهم عهداً أبدياً؛ لأكون إلهاً لك ولنسلك من بعدك وأعطي لك ولنسلك من بعدك أرض غربتك، كل أرض كنعان ملكاً أبدياً '' .
ومن الغريب أنه في السفر نفسه يحدد أن الختان هو علامة من يرثون الأرض، وهذا يذكرنا بالحديث في صحيح البخاري -حديث هرقل - الذي قال فيه: ''إنني رأيت في المنام أن ملك الختان قد ظهر'' والنصارى لا يختتنون، قيل له: لا يختتن إلا اليهود، فإن شئت تأمر فتقضي على كل من في مملكتك من اليهود، ولما جاءوا له بـأبي سفيان أيقن بالتأويل الصحيح للرؤيا بعدما سأله الأسئلة العجيبة في دلائل النبوة، وشهد قيصر هرقل بأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو الموعود بذلك، ولكنهم يحرفون كل هذه النبوءات والمبشرات.
وفي الإصحاح الخامس عشر تحدد التوراة المحرفة الأرض التي هي ملك وحق أبدي، فتقول: ''لنسلك أعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات ''.
ثم بعد ذلك يقول في الإصحاح (27): ''يستعبد لك شعوب، وتسجد لك قبائل، كن سيداً لإخوتك، وليسجد لك بنو أمك، ليكن لاعنوك ملعونين، ومباركوك مباركين''
هذا ليعقوب، وبعد ذلك يذكرون أن يعقوب نام بين بئر سبع وحران في أرض فلسطين فرأى الله فقال له: ''أنا الرب إله إبراهيم أبيك وإله إسحق، الأرض التي أنت مضطجع عليها أعطيها لك ولنسلك، ويكون نسلك كتراب الأرض، وتمتد غربا وشرقا وشمالا وجنوباً، ويتبارك فيك وفي نسلك جميع قبائل الأرض''.
وأقل الأمم في الدنيا الآن اليهود، ومع هذا أكثر اليهود في العالم الآن ليسوا من بني يعقوب، وإنما من يهود العرب والأوروبيين وغيرهم، فإذن كم يبقى من اليهود الذين من ذرية يعقوب عليه السلام؟!
فالواقع يشهد أن هذه الوعود ليست لبني إسرائيل وأنهم يكذبون ويفترون على الله حين يجعلونها فيهم، وإنما هي في بني إسماعيل .
سبب سعي النصارى لتحقيق الوعد المفترى
ولماذا نجد النصارى اليوم يقفون مع اليهود صفاً واحداً، ويسعون جاهدين لتحقيق الوعد المفترى؟
أستطيع أن أجيب بيسر فأقول:
لقد استغل اليهود الكتاب الذي يؤمن به اليهود والنصارى معاً، وهو القسم الأول من الكتاب المقدس الذي يتكون من قسمين يسمون كلا منهما عهداً، فالأول هو العهد القديم وهو التوراة، والآخر هو العهد الجديد وهو الأناجيل والرسائل.
والتوراة تشتمل على هذه النصوص، فأي نصراني يبدأ بقراءة كتابه المقدس فهو يقرأها أول ما يقرأ، فلا غرابة أَن يعتقد مضمونها كاليهود.
ولكن في الإمكان أن يقال: أليس النصارى في تاريخهم كله يقرأون التوراة ويعلمون بهذا الوعد ومع ذلك يضطهدون اليهود أشد الاضطهاد إلى مطلع العصر الحديث؟ فما الذي جعلهم ينقلبون هذا الانقلاب الهائل ويصبحون أكبر الساعين لتحقيق الوعد اليهودي؟
وأقول: ليس الأمر كذلك فحسب، بل إن من المذهل والمحيِّر أن يكون الحامل لراية التبشير لهذا الوعد الرافع عقيرة إعلامه المتطور بضرورة ذلك هم النصارى، لا سيما الأصوليون منهم ولا سيما في أمريكا، ولهذا فاسمحوا لي أن آتي على هذه القضية الغريبة والخطيرة من جذورها.
الملل والمسيح المنتظر
يقول ابن القيم - رحمه اللّه -: ''والأمم الثلاث تنتظر منتظراً يخرج في آخر الزمان؛ فإنهم وعدوا به في كل ملة''
ويقول ابن جوريون أول رئيس حكومة يهودية: ''تستمد الصهيونية وجودها وحيويتها من مصدرين: مصدر عميق عاطفي دائم، وهو مستقل عن الزمان والمكان، وهو قديم قدم الشعب اليهودي ذاته، وهذا المصدر هو الوعد الإلهي، والأمل بالعودة، ويرجع الوعد إلى قصة اليهودي الأول مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلا نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً [آل عمران:67] الذي أبلغته السماء أن: (سأعطيك ولذريتك من بعدك جميع أراضي بني كنعان ملكاً خالداً لك) هذا الوعد بوراثة الأراضي رأى فيه الشعب اليهودي جزءاً من ميثاق دائم، تعاهدوا مع إلههم على تنفيذه وتحقيقه، والإيمان بظهور المسيح لإعادة المملكة أصبح مصدراً أساسياً في الدين اليهودي يردده الفرد في صلواته اليومية؛ إذ يقول بخشوع وابتهال: أؤمن إيماناً مطلقاً بقدوم المسيح، وسأبقى -حتى لو تأخر- أنتظره كل يوم .
أما المصدر الثاني فقد كان مصدر تجديد وعمل، وهو ثمرة الفكر السياسي العملي الناشئ عن ظروف الزمان والمكان، والمنبعث من التطورات والثورات التي شهدتها شعوب أوروبا في القرن التاسع عشر وما خلفته هذه الأحداث الكبيرة من آثار عميقة في الحياة اليهودية''.
وعلى هذا الأساس فإن معركة المستقبل ستكون بين مسيحين، أحدهما المسيح الدجال الذي يؤمن به اليهود ويسمونه ملك السلام والذي يهيئون لخروجه، ولكنهم لا يسمونه الدجال.
والآخر هو المسيح بن مريم عليه السلام الذي يؤمن بنزوله وعودته المسلمون والنصارى.
ويتفق اليهود والنصارى على أن المسيح المنتظر سيكون من بني إسرائيل، وسينزل بين بنى إسرائيل وسيكونون جنده وأعوانه، وستكون قاعدة ملكه هي القدس أورشليم، كما تتفق الطائفتان على أن تاريخ نزوله سيوافق رقماً ألفياً (نسبة إلى الألف) ومستندهم في ذلك بعض التأويلات، لما جاء في رؤيا يوحنا اللاهوتي، ومنامات الرهبان، وتكهنات الكهان، أمثال أنوسترا دامس الذي حولت السينما الأمريكية توقعاته المستقبلية إلى فيلم لاقى رواجاً كبيراً في العقد الماضي، ثم برز الحديث عنها أيام حرب الخليج بين الغرب والعراق.
والآن مع اقتراب نهاية الألف سنة الثانية من ميلاد المسيح - عليه السلام - واعتقاد قرب نزوله كما يؤمن الأصوليون الإنجيليون، يلتقي الحلمان القديمان اللذان يتكون منهما الوعد المفترى: حلم النصارى بعودة المسيح ونزوله إلى الأرض ليقتل اليهود والمسلمين، وكل من لا يدين بدينهم في معركة هرمجدون (الآتي تفصيل الحديث عنها)، وحلم اليهود بخروج الملك من نسل داوود، الذي يقتل النصارى والمسلمين، ويخضع الناس أجمعين لدولة إسرائيل، وهو المسيح الدجال، ومن هاهنا اتفق اليهود والنصارى على فكرة أن قيام دولة إسرائيل وتجمع بنى إسرائيل في فلسطين هو تمهيد لنزول المسيح، كما يفسره كل منهما!!
وبنظرة منطقية عابرة، يظهر جلياً أن هذا الإلتقاء الظاهري يحمل تناقضاً كبيراً - يجعل من المفترض عقلياً أن يكون قيام دولة إسرائيل واقتراب نهاية الألف الثانية - مسوغاً لحرب لا هوادة فيها بين الطائفتين (اليهود والنصارى) تبعاً للتناقض الكبير، والحرب المتوقعة بين المسيحين (الدجال وابن مريم) وأن يكون النصارى في هذه المرحلة أكثر تقرباً إلى المسلمين، وتعاوناً معهم تبعاً لاتفاق الطائفتين في الإيمان بمسيح الهدى- عليه السلام - وعداوتهما لمسيح اليهود، ولكن ها هنا مربط الفرس وبيت القصيد.
ها هنا يظهر المكر اليهودي الخبيث، ويتجلى معه الحقد النصراني الدفين على المسلمين، أما المكر اليهودي فيتجلى في تلك الحيلة الغريبة التي ابتدعها حاخامات صهيون، وأقرهم عليها بلا تردد قادة الإنجيليين الألفيين (ولا غرابة فبعضهم يهودي مندس) وهي تأجيل الخوض في التفصيل، والاهتمام بالمبدأ الذي هو نزول المسيح، وذلك بالتعاون سوياً والتخطيط اشتراكاً لتهيئة نزوله، فإذا نزل فسنرى هل يؤمن به اليهود، أو يكون هو الذي يؤمن به - الآن - اليهود؟
فلتظل هذه المسالة معلقة تماماً؛ لأن الخوض فيها ليس من مصلحة الطائفتين معاً!! وليعملا سواء للقضاء على العدو المشترك (المسلمين)!! واتفق زعماء الملتين على نسج قناع يستر وجه المؤامرة عن أعين المغفلين من النصارى، والمستغفلين من المسلمين!
وأما الحقد الصليبي فيتجلى في انسياق العالم الغربي النصراني وراء اليهود، حتى في هذه القضية الكبرى التي يقتضي الدين والعقل والمصلحة أن يتفهموا موقف المسلمين منها على الأقل!!
-ونخص بالذكر الكاثوليك أتباع البابا الذين لا يؤمنون بحرفية التوراة-، ولكنه الحسد والبغي الذي يكنه أهل الكتاب للمسلمين كما أخبر الله في كتابه المبين.
وإن يكن شيء أعجب من انسياق النصارى وراء اليهود فهو انسياق المسلمين وراء الطائفتين، كما هو حال المشاركين في مدريد، والموافقين على مشروع السلام المزعوم، بل المنساقين وراءهم منذ وعود الحلفاء في الحرب العالمية الأولى.
الأحداث الكبرى في تاريخ المنطقة
وسنرى أن كل حدث يُقرِّب من النتيجة يكون له قِناعه الذي يبعد أنظار المغفلين والمستغفلين عنها!
والمدهش حقاً أن العرب يكونون أكثر تعلقاً بالمتآمرين وتحالفاً معهم، في الوقت الذي يكون أولئك فيه أكثر إصرارا على الغدر بهم وسلبهم.
1 - الحدث الأول: هو الحرب العالمية الأولى التي كان من آثارها بل من أغراضها تقسيم الدولة العثمانية والقضاء على الخلافة، وإعلان حق اليهود في تأسيس دولتهم - رغم أنف عبد الحميد الذي رفض عروضهم المغرية - وتأسيس دولة عظمى على العقيدة اليهودية الشيوعية!
حينها دخل الجنرال اللنبي القدس، ووضع الراية على جبل الزيتون قائلاً: الآن انتهت الحروب الصليبية، وأصدر الإنجيلي المتعصب -كما سنبين- بلفور وعده المشئوم، فماذا كان قناع المؤامرة؟ وماذا كان موقف العرب؟
لقد افتعلوا قناع الانتداب، ليحكموا باسمه التركة العثمانية الممزعة، وكان مهندس ذلك هو (ابن راعي الكنيسة) كما سمى نفسه، وهو المتعصب الإنجيلي ولسن رئيس أمريكا حينئذٍ (وسيأتي له حديث) .
أما موقف العرب فقد تحالفوا مع أعدائهم على أنفسهم، ودخلوا تحت راية المحتلين لبلادهم، فكانوا جزءاً من جيش اللنبي وقطيعاً وراء لورانس!!
2- والحدث الثاني: هو الحرب العالمية الثانية، التي كان من أغراضها ونتائجها القضاء على النازية منافسة الصهيونية، وإعلاء شأن الحكومة اليهودية الخفية الشيوعية وإعلان ميلاد دولة إسرائيل.
وكان موقف العرب هو الانضمام إلى الحلفاء الذين كانوا يحتلون بلادهم، وفتح بلادهم لقواعدهم، وحشد الحلفاء كثيراً من أبناء مستعمراتهم المسلمين، وتمهيداً لخوض معركة العلمين ضد الألمان جلب الحلفاء بعض الشيوخ من الهند وغيرها يفتون المسلمين بأن قتال الألمان جهاد في سبيل الله!
وكان القناع هذه المرة: ميثاق الأمم المتحدة وإعلان حقوق الإنسان وحق الشعوب جميعاً في تقرير مصيرها والاستقلال عن مستعمراتها!!
وهلل العرب لهذه الشعارات البراقة وفرحوا بما سمي بالاستقلال، وآمنوا طائعين بشرعية الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن، فماذا كانت النتيجة؟
لقد قامت دولة إسرائيل وقام ما هو أسوأ منها: الحكومات العلمانية العميلة التي جعلت الشعوب تترحم على أيام الإنجليز والفرنسيين، وأوصلت الأمة إلى أدنى مستوى من الانحطاط في تاريخها كله.
3- والحدث الثالث: هو الوفاق اليهودي النصراني المسمى (الوفاق الدولي) حيث تقرر انتهاء دور العقيدة الشيوعية ليعود فرعا الشجرة عصا غليظة، وأداة واحدة لتهشيم رأس العدو المشترك: المسلمين، ويفتح الباب لهجرة أكبر تجمع يهودي في العالم بعد أمريكا اليهود الروس، والشرقيون، وتسيطر بيوت المال اليهودية في نيويورك وأخواتها على ثروات العرب، ويصبح يهود إسرائيل طبقة أرستقراطية في محيط عربي كله عمال لمشروعاتها، ويصبح جيش الدفاع الإسرائيلي هو بوليس المنطقة كلها، وتيسيراً لذلك لابد من إجهاض أية محاولة عربية للحصول على السلاح النووي أو بديله المحدود الكيميائي، وتمزيق الأمة تمزيقاً لا رجعة فيه.
وتحقيقاً لذلك صنع سيناريو حرب الخليج، وعاد العرب من جديد جيوشاً للحلفاء وطعماً للألغام بين يديهم، واقتتلوا في معركة كلا طرفيها منهم خاسر على أي حال وبكل اعتبار، ودمروا بأموالهم وبأيديهم وأيدي أعدائهم ما أنفقوا عليه وبنوه في سنين طويلة!! وفشلت كل الأنظمة الأمنية المقترحة إلا نظام الحماية الغربية، وكان الغلاف والغطاء هذه المرة هو: النظام الدولي الجديد والشرعية الدولية.
والعجب أو الأعجب هو أن هذا الغلاف أظهر من سابقيه في الصلة بالمؤامرة الكتابية والعلاقة بتحقيق الوعد المفترى، ولعل السر في ذلك أن الأمة الإسلامية أصبحت من الذل والخذلان -كما أصبحوا هم من الثقة والإصرار- بحيث لا يخافون أن تطلع على مؤامراتهم أو تفضح مكيدتهم.
العلاقة بين النظام الدولي الجديد وحكومة المسيح الدجال
يتفق الجميع على أنه بنزوله وبعد القضاء على أعدائه ستكون للإنسانية حكومة واحدة فقط وهذه هي القضية الجوهرية الأولى، أما الثانية فهي: أن السلام سيشمل العالم كله؛ إذ في ظل هيمنة هذه الحكومة الوحيدة لن يكون هناك قتال بين دولة وأخرى، أو شعب وآخر، بل لن يحتاج العالم إلى الجيوش والأسلحة!!
هذا ما تبشر به نبوءات الأديان، فلم لا يكون هذا مدخلاً للانتهازيين.
من دهاقنة السياسة النصارى وعباقرة المرابين من أحفاد روتشيلد؟
أليست هذه هي الفرصة السانحة -كما عبر نيكسون- لإسقاط فكرة الحكومة الواحدة المهيمنة على أمريكا وفكرة السلام الشامل، وفرض الشرعية الدولية لتدمير القوى العربية التي يخشى أن يرثها الأصوليون ولو بعد حين؟ ومن ثم يعقدون مؤتمر السلام المنشود!!
ومن هنا دخلت الانتهازية الأمريكية مع أوسع الأبواب؛ وذلك أن بوش حين يزج بأموال أمريكا ورجالها لتحقيق المصلحة المشتركة بينه وبين اليهود لابد أن يرفع شعار تفرد أمريكا بحكم العالم وسيادتها له، وهذا الصرح القومي الذي يتربع على قمته هو متسلق الطفيليين -اليهود- ومن مصلحتهم أن يطول ويشمخ؛ وهكذا التقى الطموح الشخصي أو الحزبي بالحلم اليهودي القديم، وربما كان كل منهما يسخر من الآخر، بل يُسخِّر الآخر لغرضه على قاعدة رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ [الأنعام:128] وكما حققه شَيْخ الإِسْلامِ في رسالة العبودية، وكل منهما من جهة يسخر التيار الأصولي المحافظ نظراً لقوته الجماهيرية.
وانطلاقاً من هذه الحقائق سنعرض جهود الساعين لتحقيق الوعد المفترى عرضاً وصفياً إحصائياً، ونستعرض من خلاله الأهداف، ونقترح الحلول دون أن نعرج على الدوافع التآمرية التي قد ينازع فيها من ينازع.
الألفيون وهرمجدون
-كما أشرنا- يعتقد النصارى أن المسيح سيرجع بعد ألف سنة ثم يحكم العالم ألف سنة، وعلى هذه العقيدة اجتمعت آمالهم واتجهت أنظارهم سنة (1000) ميلادية ولكن المسيح لم يظهر فهدأت المسألة وتلاشت في الواقع لكنها بقيت في الأحلام، ولما شارف هذا القرن على البزوغ -أي: قرب سنة (1900م)- بدأت الدعوات تظهر من جديد، واعتقدوا أن المسيح إن لم يظهر في أول القرن العشرين فسيظهر في آخره أي عام (2000) وبما أن ظهوره سيكون في موطنه الأصلي فلا بد للإعداد والتهئية لمقدمه بتجميع بني إسرائيل في أرض فلسطين التي ستكون عليها المعركة الكبرى الفاصلة معركة هرمجدون أو سهل مجيدون وهو سهل صغير في فلسطين، يقولون: إن المعركة ستنشب فيه بجيوش يصل تعدادها إلى (400) مليون جندي -كما قال بعضهم-.
تقول غريس هالسيل في خاتمة كتابها: '' اقتناعاً منهم بأن هرمجدون نووية لا مفر منها بموجب خطة إلهية؛ فإن العديد من الإنجيليين المؤمنين بالتدبيرية ألزموا أنفسهم سلوك طريق مع إسرائيل يؤدى بصورة مباشرة -باعترافهم أنفسهم- إلى محرقة أشد وحشية وأوسع انتشاراً من أي مجزرة يمكن أن يتصورها عقل أدولف هتلر الإجرامي''.
هذه العقيدة الألفية يؤمن بها فئات مختلفة في أمريكا غير الأصوليين الإنجيليين ابتداءً من رؤساء الجمهورية وانتهاء بكثير من العامة. وقد ظهرت كتب عن هذه النبوءات، ولاقت رواجاً هائلاً أهمها كتابان:
الأول: كتاب: دراما نهاية الزمن ومؤلفه: أوترال روبرتس.
والثاني: كتاب: نهاية الكرة الأرضية العظيمة ومؤلفه: لندسي.
وكلاهما يصور بشكل درامي مثير نهاية العالم القريبة وانهيار حضاراته ودمار جيوشه بقيام معركة هرمجدون؛ حتى أن أحدهم يقول: لا داعي للتفكير في ديون أمريكا الخارجية أو ارتفاع الضرائب أو مستقبل الأجيال القادمة، فالمسألة بضع سنوات ويتغير كل شيء في العالم جذرياً.
وقد ارتفع مستوى الإيمان بهذه العقيدة وكثر الحديث عنها أثناء أزمة الخليج، واعتقد بعضهم أن حرب الخليج هي هرمجدون، وتأوَّلُوا كثيراً من وقائعها على ما جاء في رؤيا يوحنا وأمثاله:
(الطائرة في وَسَطِ السماء هلمّ اجتمعي إلى عشاء الإله العظيم، لكي تأكلي لحوم ملوك ولحوم قوّاد ولحوم أقوياء ولحوم خيل والجالسين عليها ولحوم الكل حراً وعبداً صغيراً وكبيراً.
ورأيت الوحش وملوك الأرض وأجنادهم مجتمعين ليصنعوا حرباً مع الجالس على الفرس ومع جنده، فقبض على الوحش والنبي الكذاب معه الصانع قدامه الآيات التي بها أضل الذين قبلوا سمة الوحش والذين سجدوا لصورته، وطُرِحَ الاثنان حيين إلى بحيرة النار المتقدة بالكبريت، والباقون قتلوا بسيف الجالس على الفرس الخارج من فمه وجميع الطيور شبعت من لحومهم. الإصْحَاحُ العِشْرُونَ.
ورأيت ملاكا نازلا من السماء معه مفتاح الهاوية وسلسلة عظيمة على يده.
فقبض على التِّنِّينِ الحية القديمة الذي هو إبليس والشيطان وقيَّدَهُ ألف سَنَةٍ، وطرحه في الهاوية وأغلق عليه وختم عليه لكي لا يضل الأمم في ما بعد حتى تتم الأَلْفُ السَّنَةِ وبعد ذلك لا بد أن يحل زَمَاناً يَسِيراً، ورأيت عروشا فجلسوا عليها وأعطو حكما، ورأيت نفوس الذين قتلوا من أجل شهادة يسوع ومن أجل كلمة الله، والذين لم يسجدوا للوحش ولا لصورته، ولم يقبلوا السمة على جباههم وعلى أيديهم فعاشوا وملكوا مع المسيح ألف سنة، وأما بقية الأموات فلم تعش حتى تتم الألف السَّنَةِ - هذه هي القيامة الأولى - مبارك ومقدس من له نصيب في القيامة الأولى؛ هؤلاء ليس للموت الثاني سلطان عليهم؛ بل سيكونون كهنة لِلَّهِ والمسيحِ وسيملكون معه ألف سنة.
ثم متى تمت الألف السنة يحل الشيطان من سجنه ويخرج ليضل الأمم الذين في أربع زوايا الأرض جُوجَ وَ مَاجُوجَ ليجمعهم للحرب الذين عددهم مثلُ رمل البحر.
مصدر الإنجيليين في عقيدة الرفع في سحاب رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل تسالونيكي
وأما المحبة الأخوية فلا حاجة لكم أن أكتب إليكم عنها؛ لأنكم أنفسكم متعلمون من الله أن يحب بعضكم بعضاً؛ فإنكم تفعلون ذلك أيضاً لجميع الإخوة الذين في مَكِدُونِيَّةَ كُلِّها، وإنما أطلب إليكم أن تزدادوا أكثر، وأن تحرصوا على أن تكونوا هادئين وتمارسوا أموركم الخاصة، وتشتغلوا بأيديكم أنتم كما أوصيناكم؛ لكي تسلكوا بلياقة عند الذين هم من خارج ولا تكون لكم حاجة إلى أحد.
ثم لا أريد أن تجهلوا من جهة الراقدين لكي لا تحزنوا كالباقين الذين لا رجاء لهم؛ لأنه إن كنا نؤمن أن يسوع مات وقام فكذلك الراقدون بيسوع سيحضرهم الله أيضا معه؛ فإننا نقول لكم هذا بكلمة الرب إننا نحن الأحياء الباقين إلى مجيء الرب لا نسبق الراقدين؛ لأن الرب نفسه بهتاف بصوت رئيس ملائكةٍ وبُوقِ الله سوف ينزل من السماء والأموات في المسيح سيقومون أولا؛ ثم نحن الأحياء الباقين سنخطف جميعا معهم في السُّحُبِ لملاقاة الرب في الهواء؛ وهكذا نكون كل حين مع الرب؛ لذلك عزوا بعضكم بعضا بهذا الكلام الإَصْحَاحُ الخَامِس.
وأما الأزمنة والأوقات فلا حاجة لكم أن أكتب إليكم عنها.
لأنكم أنتم تعلمون بالتحقيق أن يوم الرب كلص في الليل هكذا يجيء؛ لأنه حينما يقولون سلام وأمان حينئذ يفاجئهم هلاك بغتة كَالمُخَاضِ لِلْحُبْلَى فلا يَنْجُونَ، وأما أنتم فلستم في ظلمة حتى يدرككم ذلك اليوم كَلِصٍّ.
جميعكم أبناء نور وأبناء نهار، لسنا من ليل ولا ظلمة، فلا ننم إذاً كالباقين بل لنسهر ونصح.
لأن الذين ينامون فباليل ينامون والذين يسكرون فبالليل يسكرون. وأما نحن..) أ.هـ.
ويعتقد هؤلاء أن نهاية المعركة ستكون انتصاراً حاسماً للنصارى وتدميراً كاملاً للوثنيين - أي: المسلمين- وذلك بأن يرتفع النصارى فوق السحاب مع المسيح، وأما المسلمون فيغرقون في بحيرة النار المتقدة بالكبريت على حد قول الرؤيا، أي: أن هؤلاء المنتسبين للمسيح زوراً الذين اتخذوه إلهاً من دون الله سينجون جميعاً حتى عرايا شيكاغو وباريس ومقامري لاس فيجاس وشواذ سان فرانسيسكو ومدمني ميامي، وأما المؤمنون الموحدون القانتون فسيهلكون ولو كانوا عند الكعبة لأنهم كنعانيون، وقد فسروا النار الكبريتية بأنها قنابل نووية يلقونها على المسلمين!!
بهذا يؤمن الأصوليون الإنجيليون، بل يؤمن سبعة من رؤساء أمريكا قبل بوش ويؤمن بها بوش ولو مجاملة، وينقل كتاب: البعد الديني عن الرئيس كارتر أنه قال: '' لقد آمن سبعة رؤساء أمريكيين، وجسدوا هذا الإيمان بأن علاقات الولايات المتحدة الأمريكية مع إسرائيل هي أكثر من علاقة خاصة، بل هي علاقة فريدة؛ لأنها متجذرة في ضمير وأخلاق ودين ومعتقدات الشعب الأمريكي نفسه، لقد شكل إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية مهاجرون طليعيون ونحن نتقاسم تراث التوراة.
وهؤلاء السبعة يعتقدون أن الصراع بين العرب واليهود هو صراع بين داوود وجالوت الذي يسمونه جوليان، وجالوت العصر هم العرب، وداوود هو دولة إسرائيل.
وقد صرح الرئيس ريجن أكثر من إحدى عشرة مرة أن نهاية العالم باتت وشيكة، وأنه يؤمن بمعركة هرمجدون، وقال في حديث مع المدير التنفيذي للوبي الإسرائيلى إيباك:
حينما أتطلع إلى نبوءاتكم القديمة في العهد القديم وإلى العلامات المنبئة بـهرمجدون أجد نفسي متسائلاً عما إذا كنا نحن الجيل الذي سيرى ذلك واقعاً، ولا أدرِي إذا كنت قد لاحظت مؤخراً أياً من هذه النبوءات، لكن صدقني أنها قطعاً تنطبق على زماننا الذي نعيش فيه.
وقال ريجان " إنني دائماً أتطلع إلى الصهيونية كطموح جوهري لليهود، وبإقامة دولة إسرائيل تمكن اليهود من إعادة حكم أنفسهم بأنفسهم في وطنهم التاريخي ليحققوا بذلك حلماً عمره ألفا عام''.
ويقول مايك إيفانز - أحد زعماء الأصولية الإنجيلية -وسيأتي الحديث عنه:
في يناير(1985م) دعا الرئيس ريجن: جيمي بيكر وجيمي سواجارت وجيري فولويل وهم من زعماء الأصوليين -وسيأتي الحديث عن الأخيرين- ودعاني -أيضاً- مع مجموعة صغيرة أخرى للقائهم بصورة شخصية لن أنسى ما قاله لنا، أعرب الرئيس عن إيمانه بأن أمريكا على عتبة يقظة روحية وقال: '' إنني مؤمن بذلك من كل قلبي، إن اللّه يرعى أناساً مثلي ومثلكم في صلاة وحب ابتهالين لإعداد العالم لصورة ملك الملوك وسيد الأسياد " يقصد: المسيح.
فإذا كان هذا هو رأي ريجن فكيف بـجورج بوش الذي كان نائبه وساعده الأيمن والذي قدم لليهود ما لم يقدمه قبله لا ريجان ولا غيره، والذي أظهر أثناء أزمة الخليج من التعاطف مع الأصوليين ما لم يسبقه إليه أحد؟!
كما أن بوش له علاقات صداقة حميمة مع زعماء الأصوليين الإنجيليين وخاصة جيري فولويل الذي يقول عنه بوش: أعتقد بكل أمانة أننا برجال من أمثال جيري فولويل؛ فإن شيئاً فظيعاً كالإبادة الجماعية لليهود لن يحدث ثانية -وسيأتي الحديث عن هذا الأصولي لاحقاً-
وتذكر غريس هالسيل أن فولويك أقام حفل غداء في (25 يناير) (1986م) على شرف بوش وقال في الحفل: بوش سيكون أفضل رئيس في عام (1988م).
ومهما قيل عن ماضي بوش الإجرامي فإنه يصف نفسه في كتابه: التطلع إلى الأمام بأنه متدين، وأن جده كان قسيساً، وأنه هو وأسرته يقرءون الكتاب المقدس كل يوم، ويتحدث كيف واجهته مشكلة تعميد ابنته حينما كان سفيراً في الصين، وصورته وهو يرتدى القبعة السوداء ويلثم حائط المبكى على طريقة اليهود التي يعرفها الجميع.
وإذا كان هذا موقف رؤساء أمريكا من الأصولية النصرانية فإن لهم من الإسلام وأهله موقفاً آخر.
الصراع بين اليهود والأصوليين الإسلاميين
الساعون لتحقيق الوعد المفترى
الذي نسمع عنه وما قرأناه في منهج التاريخ الدراسي أن الذي بدأ هذه الدعوة هو هرتزل واليهود، والحقيقة غير ذلك.
إذ أن أول من بدأ الدعوة لتجميع اليهود ولتطبيق نبوءات التوراة هم النصارى قبل اليهود، وقبل الحركة الصهيونية بأكثر من أربعة قرون..، وإن لم نع هذه الحقيقة جيداً فإننا لن نستطيع معرفة مواقف الغرب عامة وأمريكا بخاصة من الصراع الذي نعيشه الآن، فلنلمّ بعجالة تاريخية لنرى ذلك.
كيف كان اليهود في أوروبا؟
اليهود ملعونون في الإنجيل، وقد لعنهم الله تعالى من قبل حيث قال: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إسرائيل عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ [المائدة:78].
ولكن كونهم ملعونين وإخوان القردة والخنازير، وعباد العجل ومصاصي الدماء، ليست هذه وحدها هي سبب عداوة النصارى لهم؛ بل المسألة عند النصارى أكبر من ذلك بزعمهم، فجريمتهم ليست الكفر بالله وقتل الأنبياء، ولكنها قتل الرب المسيح!!! - تعالى الله رب العالمين - وصدق حيث يقول: وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً [النساء:157].
الطاعون الأسود
ومن طرائف هذا العداء أن وباءً خطيرا انتشر في الغرب يسميه الغربيون: الطاعون الأسود قضى على الملايين من الأوروبيين حتى أقفرت كثير من المدن والقرى , فأعلن البابا في منشور رسمي عمم في كافة أنحاء أوروبا أن هذا الطاعون سببه اليهود!
فكان أي خبث في الدنيا أو شر ينسب إلى اليهود، وقامت حملات عارمة تزعمها البابا لتنظيف المجتمعات الأوروبية من اليهود، وفي القرن الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر استمرت حملات التنظيف؛ فنظفت بريطانيا وألمانيا وفرنسا وكثير من دول أوروبا من اليهود؛ لأنهم يرونهم أخطر خلق الله وأكثرهم شرّاً -وهم كذلك- ويا لها من نظافة لو استمرت!
ومن جحيم أوروبا لجأ اليهود إلى كنف الأندلس وآواهم المسلمون، وبعدما احتل النصارى مدريد الإسلامية وشنوا حربهم الإبادية الشاملة على المسلمين في الأندلس شمل ذلك اليهود معهم؛ فلجئوا إلى الولايات التركية وخاصة اليونان.
وفي تلك الحقبة التاريخية الحاسمة قدر الله أن يقع حدثان كبيران أحدهما: جغرافي، والآخر: ديني، ومن امتزاج آثارهما تولدت أكبر قوة معادية للإسلام ولوعد الله الحق، وساعية لتحقيق الوعد المفترى، والتمهيد للمسيح الدجال، وهي الولايات المتحدة الأمريكية.. أما الحدثان فهما:
1- اكتشاف أمريكا.
2- ظهور الحركة البروتستانتية.
العلاقة اليهودية البروتستانتية
إن على كل إنسان أن يقرأ الكتاب المقدس مباشرة ويطبقه مباشرة، وترفض احتكار رجال الكهنوت لتعليم الدين وتفسير الإنجيل، وقد تأثروا في ذلك بالمسلمين إبان الحروب الصليبية؛ إذ رأوا أن المسلمين يتعاملون مع كتاب اللّه مباشرة، ولا يتوسط أحد بينهم وبين اللّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى , والذي حدث في أوروبا أنه بعد ظهور هذه العقيدة بدأ الناس يرجعون إلى الأصول التوراتية، وقام مارتن لوثر صاحب حركة البروتستانت بترجمة التوراة إلى اللغة الألمانية، وكذلك الإنجليزية، وقد انتشرت الحركة البروتستانتية أكثر ما انتشرت في ألمانيا وبريطانيا وآمن هؤلاء بحرفية الكتاب المقدس وعصمة التوراة، وأن كل حرف في التوراة هو حق من عند اللّه وبدأوا يقرأون مثل نصوص الوعد الذي ذكرنا لإبراهيم وليعقوب، فآمنوا به وبضرورة تحقيقه، وأعرضوا عن تفسيرات البابا ورجاله للعلاقة مع اليهود.
وابتهج اليهود بهذه الحركة ووجدوا فيها متنفساً لهم وفرصة للانتقام من البابا وأتباعه، وضرب النصارى بعضهم ببعض؛ فسخروا مكرهم ودهاءهم وأموالهم لنشرها، وهكذا بدأت العلاقة بين اليهود والنصارى تتحسن بالتدريج وبدأ هؤلاء النصارى يؤمنون بأن أرض فلسطين هي الأرض الموعودة لليهود، وأن الواجب الديني يقتضي تحقيق هذا الوعد.
وأخذ اليهود في نشر هذه المبادئ بين سائر طوائف النصارى، وشهد القرنان الماضيان من الحروب الطائفية في أوروبا ما لا نظير له في التاريخ، واكتشفت أمريكا في وقت كانت الحرب على البروتستانت من قبل الكاثوليك كبيرة وعنيفة مما اضطر البروتستانت إلى الهجرة إلى العالم الجديد، فأخذوا يتدفقون نحوها وإلى الآن لا يزالون هم أكثر سكان أمريكا.
وقد خرجوا من أوروبا بروح التدين التوراتي، فلما دخلوا أمريكا تفاءلوا بأن هذا خروج كخروج بني إسرائيل ودخولهم إلى الأرض المقدسة، وأخذوا يسمون المدن والمناطق في أمريكا بأسماء من التوراة، واعتقدوا أن هذه الأرض البكر بشرى بشرهم اللّه بها في الدنيا، وتأسس المجتمع الأمريكي على أساس بروتستانتي توراتي -كما سبق في كلام كارتر-.
ولعلكم الآن عرفتم الآن بداية الجواب على السؤال السابق وهو لماذا في هذا العصر دونما قبله من العصور يسعى النصارى لتحقيق وعد اليهود ويتحولون من اضطهادهم إلى خدمتهم؟! وعرفتم لماذا كانت أمريكا هي الدولة المهيأة لاحتضان حكومة المسيح الدجال الموعود بها عام (2000م)؟!
ظهور الصهيونية النصرانية
وأبرز رجال هذه الحركة في أمريكا هو: بلاكستون الذي تحتفل الدولة اليهودية بذكراه، وهو ليس يهودياً؛ بل بروتستانتي ولد عام (1841م)، ودعا إلى الحركة الصهيونية قبل هرتزل بزمن وذلك في كتابه المسمى: عيسى قادم، وقد ترجم إلى أكثر من 48 لغة منها العبرية، وطبع عدة طبعات وبيع منه أكثر من مليون نسخة، وكان أوسع الكتب انتشارا في القرن التاسع عشر في الغرب.
ويتلخص فكر بلاكستون فيما أسماه: " الاستعادة الأبدية لأرض كنعان من قبل الشعب اليهودي" واستطاع بلاكستون بعد ذلك أن يصوغ مع طائفة من أعوانه عريضة ويوقعها مع أكثر من 413 شخصية أمريكية من النواب والقضاة والمحامين والنخب، ويرفعوها إلى الرئيس بنيامين هريسون يطالبونه فيها باستخدام نفوذه ومساعيه لتحقيق مطلب الإسرائيليين بالعودة إلى أرض فلسطين، وقد قدمت هذه العريضة عام (1891م).
وفي بريطانيا أسس البروتستانت صندوقاً سمي: صندوق اكتشاف فلسطين، أيام حكم فكتوريا، وكان رئيس الصندوق هو رئيس أساقفة كنتربري - وهو أكبر الأساقفة في بريطانيا -، وذلك بغرض اكتشاف أرض الميعاد وحدودها ومعالمها كما وردت في التوراة.
ثم ظهر بعد ذلك بلفور -صاحب الوعد المشهور- وتقول مؤلفة حياته -وهي ابنة أخته-:
إنه كان يؤمن إيماناً عميقا بالتوراة ويقرأها ويصدق بها حرفياً، وأنه نتيجة لإيمانه بالتوراة أصدر هذا الوعد وكان رئيس وزراء بريطانيا في أيامه هو: لويد جورج الذي يقول عن نفسه:
" إنه صهيوني، وإنه يؤمن بما جاء في التوراة من ضرورة عودة اليهود، وأن عودة اليهود مقدمة لعودة المسيح".
وهناك شواهد كثيرة على سبق الحركة الصهيونية النصرانية ورسوخها يضيق المجال عن ذكرها، ونكتفي بقول حاييم وايزمان: '' إن من الأسباب الرئيسية لفوز اليهود في الحصول على تصريح بلفور من بريطانيا بإنشاء الوطن القومي اليهودي هو شعور الشعب البريطاني المتأثر بالتوراة.
بعد ذلك ظهر الرئيس ولسن الذي كان يحكم أمريكا أثناء الحرب العالمية الأولى حينما كان العرب يحاربون إلى جانب الحلفاء، ويقول ولسن هذا عن نفسه:
إنه يجب على ابن راعي الكنيسة أن يكون قادراً على المساعدة لإعادة الأرض المقدسة لشعبها اليهودي، وتقول عنه إحدى المؤلفات اليهوديات: إن التزام الرئيس ولسن بـالصهيونية كان عميقاً جداً، وكان معنياً بالفكر الصهيوني النصراني للدرجة التي لم ير فيها النتائج الأخلاقية والسياسية والدينية للبرنامج الصهيوني، ومن الغرائب المضحكات كما يقول أحد الكتاب: أن ولسن رئيس أكبر دولة مدعي الثقافة كان يظن أن عدد اليهود في العالم مائة مليون في الوقت الذي لم يكن يتعدى عددهم أحد عشر مليوناً!! فانظروا كيف استطاعوا تربيته لترسخ في ذهنه هذه المعتقدات!
وفي أيام ولسن ومن بعده ظهر رجل لابد من الإشارة إليه وهو أحد الزعماء المهمين في الولايات المتحدة وهو رئيس لجنة العلاقات الخارجية في الكونجرس الأمريكي بعد الحرب العالمية الأولى..، يقول في خطاب ألقاه في بوسطن عام (1922م): " إنه جدير بالثناء أن يرغب الشعب اليهودي في كل أنحاء العالم أن يكون هناك وطن قومي لأفراد جنسه الراغبين في العودة إلى البلاد التي كانت مهدا لهم، والتي عاشوا وعملوا فيها عدة آلاف من السنوات، وإنني لا أحتمل فكرة وقوع القدس وفلسطين تحت سيطرة المحمديين " هذا هو حديث رئيس لجنة العلاقات الخارجية في الكونجرس عام (1922م) - أي: قبل (26 عاماً) على قيام دولة إسرائيل- يؤكد أنه لا يطيق أن تبقى القدس وفلسطين تحت سيطرة المسلمين!!
ذلك كله حتى نعلم أنه قبل اشتداد عود اليهود كان النصارى يؤمنون بضرورة وجود إسرائيل في فلسطين.
ظهور الأصولية الإنجيلية
وهذه الصحوة أو الأصولية التي تتبنى الوعد المفترى، وتؤثر في توجيه السياسة الأمريكية والرأي العام الأمريكي، وتؤيد الدولة اليهودية تأييداً مطلقاً لابد من تفصيل الحديث عنها ومعرفة رجالها وأعمالها.
يؤكد الكتاب التعريفي -الذي توزعه المراكز الثقافية الأمريكية ومنها مركز جدة - بعنوان: " أمريكا اليوم " إن الأمريكان ليسوا شعباً غير متدين كما نظن وهذا صحيح، ولكن الدين عندهم فضفاض ومرن، يكفي أن تؤمن بما تقوله الكنيسة وما توجه به من تعاليم، وتكون عضواً فيها بشكل ما، ولا يعني تدينهم السلوك الجاد، وهناك إحصاءات أجريت تقول: إن أكثر الشعوب النصرانية تديناً من حيث النسبة العددية هي إيرلندا في المقام الأول، ثم أمريكا.
ويذكر معهد جالوب المتخصص في الإحصاءات أن أكثر من (94%) من سكان الولايات المتحدة الأمريكية يؤمنون باللّه -بالطبع على عقيدتهم- وأن (71%) من سكانها يؤمنون بالبعث بعد الموت على العقيدة الإنجيلية.
وتقول أيضاً بعض الإحصاءات: أن عدد أعضاء الجسم الكنسي في الولايات المتحدة سنة (1970م) كان (131) مليوناً من الأمريكان وجميعهم ينتمون إلى الكنائس، وارتفع عام (1980م) إلى حوالي (135) مليوناً؛ ولكنه قفز خلال السنتين التاليتين إلى (139) مليوناً وستمائة ألف.
أما بكم يتبرع هؤلاء الأمريكان للكنائس؟ يقول الإحصاء: في عام (1982م) - وهو يعتبر قديماً -: أنهم يتبرعون بحوالي ستين ألف مليون دولار، في حين أن النشرات الحكومية مثل: أمريكا اليوم تقدره بنصف هذا الرقم وهو كثير، وقد نشرت المجلة الدولية لأبحاث التنصير سنة (1989م) أن مجموع التبرعات الكنسية لأغراض التنصير هو: (151) ألف مليون دولار -أي: في أمريكا وغيرها- وقد ارتفع الرقم سنة (1990م) إلى كثر من (180) مليار، وقد رصدوا لتنصير الصومال وحدها (196) ملياراً.
ثم نأتي للمدارس الدينية والجامعات والشبكات التلفازية في أمريكا.
إن الصحوة النصرانية في أمريكا ليست كالصحوة الإسلامية هنا حيث لا يوجد للصحوة الإسلامية مجلة أو صحيفة أو إذاعة فضلاً عن أية قناة تلفازية عبر الأقمار الصناعية!!
أما الكنائس فتمتلك وتدير عدة مئات من المدارس والجامعات والمعاهد في الولايات المتحدة الأمريكية، ففي عامي (81 -1982م) بلغ عدد معاهد التعليم العالي (1948) معهداً، فكم تكون الآن؟!
أما المدارس فقد كان عددها عام (1954م) لا يزيد عن (123) مدرسة، ثم قفز عددها عام (1980م) إلى ما يزيد على (18) ألف مدرسة.
وليس جديداً أن يقال: إن الجامعات الشهيرة في أمريكا إنما أسست على أساس ديني بروتستانتي ومنها: هارفارد وييل وجورج تاون وديتون وبيلور ودنفر وبوسطن.. الخ.
وإجمالا تستطيع أن تقول: إن للأصولية النصرانية في أمريكا أكثر من (20) ألف مدرسة ومعهد وكلية، والملايين من الطلاب والدارسين للتوراة؛ وكلهم يؤمنون بهذه العقائد التوراتية التي تحدثنا عنها.
ومن الأدلة التي يستدل بها الباحثون على تدين أمريكا وعودتها إلى المحافظة أنها اختارت آخر رئيسين قبل بوش من المتدينين المحافظين وهما كارتر وريجن؛ فـكارتر كان ملتزماً التزاماً صارماً بالكنيسة الإنجيلية، ولا يزال كارتر إلى هذا اليوم مبشراً ويتنقل من أفغانستان إلى الحبشة والسودان وغير تلك البلدان مدافعاً عن التنصير ومبشراً بـالنصرانية، وهذا معروف عند كل من تتبع أخباره؛ فهو رجل منصر وقسيس، والرئيس الذي جاء بعده ريجن، قلنا: إن أحد الإعلانات الانتخابية ذكرت أنه أكد أكثر من إحدى عشرة مرة أنه يؤمن بنبوءات التوراة، ومنها معركة هرمجدون.
ودليل آخر عن انتشار الصحوة الدينية في أمريكا يقول: إن إحصاءات صناعة الكتب الأمريكية سجلت أكبر ظاهرة في شراء الكتب الدينية..؛ ففي عام (1984م) كان بيع أكثر من ثلث السوق كتباً دينية، وتقدر أثمان هذه الكتب بحوالي مليار دولار دفع ثمنها حوالي (37) مليون مشترٍ.
الإعلام الديني
وهناك رابطة مشهورة على مستوى أمريكا اسمها: الرابطة الوطنية للمذيعين الدينيين - أي: المذيعين العاملين في الإذاعات الدينية في جميع أنحاء أمريكا - وقد أنشئت هذه الرابطة عام (1944م) يوم كان عدد المحطات الإذاعية (49) محطة، أما في عام (1980م) فقد أصبحت (800) محطة، وارتفعت عام (1982م) لتبلغ (1000) محطة تنتج وتدير برامج دينية.
ومما يجدر ذكره أن هذه الرابطة أخذت منذ عام (1980م) بعد هذا التوسع الهائل في تنظيم مؤتمر سنوي لأعضائها، وفي هذا المؤتمر تقام صالة إفطار لمصلحة إسرائيل، وتسيطر الحركة الأصولية النصرانية الغربية على جميع شبكات الكنيسة المرئية والمسموعة، ويتلقى نجمان من نجومها وهما جيري فولويل، وبات روبيرتسون يتلقيان أموالاً أكثر مما يتلقاه الحزبان الرئيسان في أمريكا الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري.
كل هذه حقائق من الصحافة الأمريكية، وقد اعتبرت الحركة الأصولية الأمريكية من الظواهر السياسية في القرن العشرين، وانكب علماء الاجتماع والنفس على دراسة هذه الظاهرة، وهناك قضية لابد من النظر إليها إذ يجب أن نربط بين ظهور الإيدز والهيربز وانتشار الصحوة الدينية في أمريكا؛ فالناس قد شعروا بأهمية الدين للحياة، وقد كانت هناك كنائس أقليات نصرانية ترفض الزنا وتحاربه وتحافظ على أبنائها وبناتها منه , ولما انتشرت هذه الأمراض الخبيثة ازداد عدد هذه الكنائس وانتشرت، وازداد عدد تابعيها، وكذلك إدمان المخدرات والضياع والفراغ؛ كل هذه العوامل أدت إلى تنامي الأصولية النصرانية ، وقد تنامت هذه الأصولية ليصبح عددها الآن ما يقارب ثمانين مليونًا؛ ولذلك تعتبر من أهم الحركات في القرن العشرين، ويتوقع لها أحد المحللين أن تستمر خمسمائة عام على الأقل -هكذا يقدرون- التلفاز الديني في أمريكا أمره عجب؛ إذ تنتشر البرامج التلفازية في أمريكا بشكل يصعب معه حصرها على وجه الدقة , ولكن رابطة الإذاعيين الدينيين تقول: إن لديها ألف محطة تلفازية وإذاعية مشتركة في نشاطها، كما تقدر أن عدد المستمعين إلى المحطات الإذاعية المشتركة فيها يصل إلى (115) مليون نسمة أسبوعيًا، وحوالي (14) مليون شخص من أعضائها يشاهدون الكنائس المرئيهّ.
وتقول بعض الدراسات: إن أهم عشر كنائس مرئية في الولايات المتحدة يشاهدها (40%) من مشاهدي التلفاز الأميركي.
وبالطبع هنا تجد الفرق بين يسر الإسلام وعسر غيره؛ فنحن جعلت لنا الأرض مسجدًا وطهورًا - كما قال رسول اللّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولكن النصارى لا يستطيعون الصلاة إلا في الكنيسة، فتفتقت أذهان موجهيهم عن فكرة هي أنهم قالوا: نحن نأتيكم بالكنيسة المرئية يوم الأحد..؛ ففي أي لحظة افتح التلفاز وستجد الكنيسة أمامك، فأصبحت الأسر الأمريكية تجلس وتفتح التلفاز فيجدون الكنيسة أمامهم، ويسمونها: الكنيسة المرئية.
ويقدر معهد جالوب المتخصص في الإحصاء أنه في عام (1982م) كان الذين يشاهدون برنامج الكنيسة المرئية شهرياً (52) مليون أمريكي، وفي عام (1983م) حين ظهر الإيدز ارتفع العدد إلى (60) مليون شخص. وفي الدراسة الاستطلاعية - التي أعدتها منظمة إذاعات الدول الإسلامية بـجدة عن إذاعات التنصير -أن في أمريكا وحدها (38) محطة تلفزيونية، و(66) شبكة كابل، و(1400) محطة راديو، ومن بينها أربع خدمات تلفزيونية تتجاوز ميزانية البرامج لكل منها (50) مليون دولار سنويًا، ولك أن تقارن هذا بواقع الإعلام الإسلامي!!
وقد استفاد هذا الجهد الإعلامي من الأقمار الصناعية، ويقدر أن نصف هذه المحطات تستخدم الأقمار الصناعية، هذا كان في عام (1985م)، أما الآن فإنه من المحتمل أن تكون كل المحطات تستخدم الأقمار الصناعية، وهذا يدل على أنها تبث عبر العالم.
والجدول المرفق يوضح أهم هذه البرامج ومقدميها ومستمعيها.
وفي مجال السينما تذكر الدراسة نفسها أنه تم تخصيص ما يزيد على (100) مليون دولار لإنتاج سينمائي تعده في هوليود للتلفزيون مؤسسة إنتاجية اختارت له اسم genesis ويشمل إنتاج (15) فيلمًا أعدت مادتها في سفر التكوين و(18) فيلمًا من إنجيل لوقا.
جدول رقم (4-1) قائمة بأسماء أهم عشرة برامج في الكنائس المرئية تبعاً لأكثرها شعبية، واجتذابًا للمشاهدين في الولايات المتحدة الأمريكية.
المشاهدون شهرياً: 16.300.000
المشاهدون أسبوعياً: 4.420.000
البث: يومي.
صاحب البرنامج: pat robertson بات روبرتسون
اسم البرنامج: the 700 club السبعمائة ناد
المشاهدون شهرياً: 9.254.100
المشاهدون أسبوعياً: 3.640.000
البث: أسبوعي.
صاحب البرنامج: jimmy swaggert جيمي سواجيرت
اسم البرنامج: weekly crusade الحملة الصليبية الأسبوعية
المشاهدون شهرياً: 7.641.000
المشاهدون أسبوعياً: 2.720.000
البث: أسبوعي.
صاحب البرنامج: robert shuller روبرت شلر
اسم البرنامج: hour of power ساعة من القوة
المشاهدون شهرياً: 5.773.200
المشاهدون أسبوعياً: 2.462.100
البث: يومي.
صاحب البرنامج: jim bakker جيم باكي
اسم البرنامج: praise the (ptl) مجّدوا الرب
المشاهدون شهرياً: 57.732.00
المشاهدون أسبوعياً: 3.037.600
البث: أسبوعي.
صاحب البرنامج: oral roberts أورال روبرتس
اسم البرنامج: expect a miracle توقّع معجزة
المشاهدون شهرياً: 5.603.400
المشاهدون أسبوعياً: 1.870.000
البث: يومي.
صاحب البرنامج: jerry fal well جيري فولويل
اسم البرنامج: old - time gospel hour ساعة من إنجيل زمان
المشاهدون شهرياً: 4.924.200
المشاهدون أسبوعياً: 1.782.900
البث: أسبوعي.
صاحب البرنامج: kenneth copland كينيث كوبلاند
اسم البرنامج: برنامج واستعراض كينيث كوبلاند
المشاهدون شهرياً: 4.584.600
المشاهدون أسبوعياً: 1.867.800
البث: يومي.
صاحب البرنامج: jimmy swaggert جيمي سواجيرت
اسم البرنامج: a study in the word دراسة في الكلمة.
المشاهدون شهرياً: 4.075.200
المشاهدون أسبوعياً: 1.443.300
البث: أسبوعي.
صاحب البرنامج: paul v. gorder بول فان غوردر
اسم البرنامج: day of discovery يوم الاكتشاف.
المشاهدون شهرياً: 3.735.660
المشاهدون أسبوعياً: 1.613.100
البث: أسبوعي.
صاحب البرنامج: rex humbard ركس هامبرد
اسم البرنامج: برنامج واستعراض
وفيما يمكن أن نعده نموذجًا لما تبثه هذه البرامج يقول جيمي سواجارت: أشعر أن الولايات المتحدة الأمريكية مرتبطة بحبل ولادة سري مع إسرائيل، وتعود هذه الروابط في اعتقادي إلى ما قبل ظهور الولايات المتحدة الأمريكية بزمن طويل؛ كما ترجع الفكرة اليهودية النصرانية إلى إسرائيل ووعد الرب له، وهو وعد أعتقد أنه يشمل الولايات المتحدة الأمريكية - أيضاً -؛ لأن اللّه ما زال يقول: إني أبارك الذين يباركون إسرائيل وألعن من يلعنونها، ومن فضل الله على الولايات المتحدة الأمريكية أنها ما زالت قوية إلى اليوم، وأنا واثق أن هذا يعود إلى كونها تقف وراء إسرائيل وأدعو اللّه أن تظل دومًا سندًا لإسرائيل.
أي: أن بركة أمريكا تأتيها من وقوفها إلى جانب إسرائيل ومعنى ذلك أن قوة أمريكا من قوة إسرائيل.
نجوم أصولية
جيري فولويل
بات روبرتسن
إن هذا الرجل يتمتع بنفوذ يمكن أن يصل به إلى رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، وهو من القادة الأصوليين المتطرفين في أمريكا.
إن السياسة محرمة على الأصوليين الإسلاميين فقط!!
وهناك محطة مشهورة هي: (c.b.n) هذه المحطة يملكها: بات روبرتسون وجماعته الأصولية الإنجيلية .
وهي تذيع باستمرار على مدار (24) ساعة، وتركيزها الأساسي على برامج الوعظ.
وكذلك نادي السبعمائة -كما في الجدول- ويملك - أيضاً - جامعة تسمى جامعة: (c.b.n).
وتقول عنه نيويورك تايمز: لا يوجد في عقل بات روبرتسون سوى الأيام الأخيرة من الزمن، والمجيء الثاني للمسيح، ونشوب معركة هرمجدون أي: أنه يتوقع نزول المسيح - عليه السلام - بنهاية هذا الألف الثاني للميلاد، ويعلل ذلك بأن إعادة مولد إسرائيل هي الإشارة الوحيدة إلى أن العد التنازلي لنهاية الكون قد بدأ، كما أنه مع مولد إسرائيل فإن النبوءات أخذت تتحقق بسرعة، أي أن كل ما أخبر به الكتاب المقدس سيأتي اعتباراً من وجود دولة إسرائيل.
وفي برامجه يؤكد -دائماً- على عداوته للعرب ويسميهم أعداء الله، ويعتقد أنه لا مجال للعدل مع الفلسطينيين طالما أن رغبة اللّه هي تأسيس إسرائيل وفي تعيين حدودها.
فالقضية في نظره ليست رأي بشر؛ بل هي إرادة اللّه ومنطوق التوراة.
ومن غرائب سلوك هذا الرجل أنه حينما احتلت إسرائيل جنوب لبنان أسس محطة تلفازية أسماها: نجمة الأمل، وهذه تبث برامجها من المنطقة التي سيطر عليها المنشق اللبناني والعميل الإسرائيلي الرائد حداد، وبافتتاح هذه المحطة التي تغطي سورية والعراق وتركيا ومصر وشمال الجزيرة العربية.
يقول بات روبرتسون: ''لا يسد القرآن والتعاليم الإسلامية أعمق حاجات الروح الإنسانية، وها هي أيام عصيبة حيث يستند الإسلام إلى عقيدة منقسمة على نفسها'' أي: فهو متوقع سقوطه وانهياره.
ويضيف قائلاً: ''ومع وجود مشاعر سلبية عميقة لدى المسلمين فهناك انفتاح جديد عندهم لتقبل رسالة الإنجيل إذا ما قدمت إليهم بواسطة التلفاز''
ويقول في إحدى نشراته: أن احتلال إسرائيل للقدس في حرب حزيران (67م) هو أهم حدث تَنبُؤي في حياتنا، وأن زمان غير اليهود قد قارب على النهاية، وأن شبكته الإذاعية ستكون جزءاً حيوياً من حركة الإله نحو دعم إسرائيل.
وقد كان هذا الرجل -بات روبرتسون - ضمن الوفد الرسمي الذي رافق بوش في زيارته للسودان عام (1985م) والتي وقع على أثرها اتفاق أمريكي سوداني بترحيل يهود الفلاشا إلى إسرائيل، وهذا يدل على قوة العلاقة التي تربط هذا الرجل بالرئيس بوش.
كما بعث بطائرات حملت يهود الفلاشا إلى إسرائيل من أمريكا ومن جنوب لبنان، ومع كل هذا فلا تنس أن الرجل زعيم أصولي إنجيلي وليس يهودياً.
وقد نشرت جريدة الشرق الأوسط بتاريخ - 12/11/1412هـ - خبراً عنوانه: داعية ديني يشتري أكبر وكالة أنباء أمريكية، وذكرت قصة شراء شركة روبرتسن المسماة شركة الإعلام الأمريكية لوكالة يونايتد انترناشيونال الشهيرة وقالت: ''وتنتمي شركة الإعلام الأمريكية إلى شبكة الإذاعة المسيحية التي يمتلكها روبرتسن وهي سلسلة من محطات التلفزيون والراديو، وتنتشر في مختلف أنحاء الولايات المتحدة، وتصل هذه القناة العائلية الخاصة المقصورة على المشتركين إلى 54 مليون أسرة أمريكية''.
جورج أوتس
وهناك شخصية أخرى من شخصيات الأصولية النصرانية وهو: مايك إيفانز، وهو - أيضاً - رجل له علاقة حميمة بالرئيس بوش.
هو من أكثر الأصوليين النصارى تطرفاً , ورأيه يتلخص في أن على الولايات المتحدة الأمريكية أن تسعى سعياً حثيثاً من أجل إقامة إسرائيل، ويرى أن مثل هذا العمل لوجه الله وتأييداً لكلمة الله، ويملك برنامجاً اسمه إسرائيل مفتاح أمريكا للبقاء، وهذا البرنامج يبث لمدة ساعة يومياً في أكثر من خمسين محطة، تغطي أكثر من 25 ولاية أمريكية.
ويقول إيفانز: إن تخلي إسرائيل عن الضفة الغربية سوف يجر الدمار على إسرائيل وعلى الولايات المتحدة الأمريكية من بعدها، ولو تخلت إسرائيل عن الضفة الغربية وأعادتها للفلسطينيين فإن هذا يعني تكذيباً بوعد الله في التوراة، وهذا سيؤدي إلى هلاك إسرائيل، وهلاك أمريكا من بعدها إذا رأتها تخالف كتاب الله وتقرها على ذلك، ويناشد إيفانز الشعب الأمريكي التقدم لتأييد أفضل صديق للولايات المتحدة الأمريكية؛ وذلك بتوقيع إعلان البركة الإسرائيلي، لأن الرب أمره -بوضوح- بإنتاج هذا البرنامج الخاص بإسرائيل.
أي: أن برنامجه الذي تذيعه خمسون محطة وحي من الله إليه بإنتاجه، وتبشير الناس بعودة شعبه إلى أرضه، وهذا البرنامج يشاهده عشرات الملايين من الأمريكيين والأوروبيين، ومن شعوب أمريكا اللاتينية -أيضاً-، ومما جاء في هذا البرنامج عبارات تقول: ''إن النصارى في هذه الأيام لن يخلدوا إلى النوم مثلما نام العالم عندما قررت النازية الألمانية تحطيم شعب اللّه المختار قبل خمسة وأربعين عاماً ''.
وإيفانز - كسائر المتخصصين في ميدان الإعلام الديني - يجيد فن الدعاية ويدرسها، ويتقن فنون الإثارة، ومن إثاراته الغريبة والذكية التي تهدف لجذب الشعور الأمريكي نحو إسرائيل فكرة أورشليم دي سي؛ فالمعروف أن الأمريكيين يسمون عاصمتهم واشنطن دي سي تمييزاً لها عن واشنطن الولاية، فقام هذا الرجل بتسمية عاصمة إسرائيل في نظره أورشليم دي سي أي: القدس دي سي، ويقصد بـأورشليم عاصمة داود، وقد استطاع تعبئة الشعور الأمريكي بهذه الأفكار.
ويقول في بيان القدس دي سي موجهاً الكلام إلى الرئيس الأمريكي ورئيس الوزراء الإسرائيلي: '' نحن نؤمن بأن القدس تخص اللّه القدير'' وهذا يعتبر توجيهاً وضغطا على الرئيس الأمريكي ورئيس وزراء إسرائيل على عدم التنازل عن القدس باعتبارها للّه، وليس لأحد حق التنازل عنها، ويضيف: ''إن كلمة اللّه غير قابلة للتفاوض، ونحن نؤمن علاوة على ذلك بأن الكتب المقدسة تعترف بـالقدس عاصمة روحية لإسرائيل، وأن المسيح اليهودي سيعود إليها كذلك''.
ويقصد بالمسيح اليهودي المسيح الدجال.
ويضيف: ''ومن أجل هذا تعاهدنا على الصلاة من أجل شعب إسرائيل، والوقوف معه في كفاحه من أجل الحرية والسلام... -ويضيف: نحن نؤمن بكلمة الله حينما تقول: سوف أبارك من يباركهم وألعن من يلعنهم، نحن نؤمن أن من واجب أمريكا الوقوف بجانب إسرائيل، وكلمة اللّه تعترف بالقدس، وعلينا واجب الاعتراف بكلمة الله''.
وقد وزع إيفانز بيان القدس دي سي على عدد من الأمريكان، ووصل عدد الذين وقعوا عليه إلى مليون أمريكي، وأرسلوا هذه التوقيعات إلى رئيس أمريكا وإلى رئيس وزراء إسرائيل.
السفارة النصرانية الدولية
وتؤمن هذه المنظمة بأنه إذا لم تبق إسرائيل فإنه لا مكان للمسيح عند مجيئه الثاني.
ولا تكتفي هذه المنظمة بدعم إسرائيل؛ بل تدعم سياستها التوسعية، وتعتبر أن الضفة الغربية والقطاع حقوق أعطاها الرب للشعب اليهودي.
وهذه المنظمة التي تعتبر من أخطر المنظمات في أمريكا والعالم كله كانت لها سبعة أهداف، والهدف الأخير منها هو تنصير اليهود في أرض فلسطين أي: أن يؤمنوا بعودة المسيح ويتنصروا توطئة لمجيئه، ولكن اليهود استطاعوا إلغاء هذه النقطة فبقيت النقاط الست الأولى في هذا البرنامج؛ ولنقرأ هذه النقاط:
أولاً: إبداء الاهتمام البالغ بالشعب اليهودي وبدولة إسرائيل.
ثانياً: تذكير وتشجيع المسيحيين للصلاة من أجل القدس وأرض إسرائيل.
ثالثاً: تعليم المسيحيين في أنحاء العالم، وتثقيفهم في كل ما يجري بإسرائيل.
رابعاً: حث القيادات المسيحية والكنائس والمنظمات الدينية على ممارسة النفوذ المؤثر في بلادها لمصلحة إسرائيل والشعب اليهودي.
خامساً: إنشاء أو مساعدة مشروعات في إسرائيل لتحقيق رفاهية اليهود.
سادساً: ممارسة نفوذ وفاقي بين العرب واليهود، وحذفوا السابعة!!
مؤتمر بال الثاني
إننا نقول ذلك أبداً ولا رجعة للقوى التي يمكن أن تتقدم لاسترجاع أو تكرار اضطهادات جديدة ضد الشعب اليهودي.. وقالوا -أيضاً-: إننا نهنئ دولة إسرائيل ومواطنيها على الإنجازات العديدة التي تحققت في فترة وجيزة تقل عن أربعة عقود، إننا نحضكم على أن تكونوا أقوياء في الله وعلى أن تستلهموا فطرته في مواجهة ما يعترضكم من عقبات، وإننا نناشدكم بحب أن تحاولوا تحقيق العديد مما تصبون إليه، وعليكم أن تدركوا أن يد الله وحدها هي التي ساعدتكم على استعادة الأرض؛ وجمعتكم من منفاكم طبقاً للنبوءات التي وردت في النصوص المقدسة.
وأخيراً فإننا ندعو كافة اليهود في جميع أنحاء المعمورة بالهجرة إلى إسرائيل، كما ندعو كل مسيحي أن يشجع ويدعم أصدقاءه اليهود في كل خطواتهم الحرة التي يستلهمونها من الله'' .
نرجو أن تتذكر أن هذا المؤتمر كله نصارى، فلا توهمنا هذه النصوص فنظن أن المؤتمر للأصولية الصهيونية، ولننظر ماذا قرر هذا المؤتمر، هل كانت قراراته متعلقة بالنصارى وشئونهم الدينية؟ لنقرأ أهم القرارات:
أولاً: عدم تقديم تنازلات من الغرب إلى الإتحاد السوفيتي، طالما أنه لا يسمح بهجرة اليهود منه إلى دولة إسرائيل (وهذا طُبِّقَ تماماً).
ثانياً: تشجيع إسرائيل ومواطنيها على المشاركة الكاملة في كل الهيئات والمؤسسات الدولية، والمطالبة بانسحاب جميع الدول الأوروبية والأمريكية من أي اجتماع يعقد ولا تمثل فيه إسرائيل (وهذا القرار وضع لأن العرب يهددون أحياناً بالانسحاب فتضطر الدول لمجاراة العرب لأنهم أكثرية).
ثالثاً: على كل الأمم الاعتراف بإسرائيل وإقامة علاقات دبلوماسية كاملة معها ونخص بالذكر حكومة الفاتيكان، وخصت الفاتيكان؛ لأنها هي عاصمة الكاثوليك، والكاثوليك لا يؤمنون هذا الإيمان العميق للبروتستانت بإسرائيل وهذا يعني أن المسلمين لو تحركوا يستطيعون استخدام عنصرين مهمين استخداماً جيداً، العنصر الأول هم: الكاثوليك، والعنصر الثاني هم اليهود المنشقون غير المؤيدين لإسرائيل؛ ولا سيما في أمريكا حيث يوجد ثلاثة ملايين يهودي غير مؤمنين بدولة إسرائيل، ومنهم كتاب وأدباء ومفكرون يهاجمون دولة إسرائيل، ولكن لا أحد يجيد استخدامهم أو الإفادة منهم.
رابعاً: يعلن المؤتمر أن يهوذا والسامرة بحق التوراة والقانون الدولي وبحكم الواقع جزء من إسرائيل.
خامساً: نطالب كل الأمم بالاعتراف بـالقدس عاصمة أبدية موحدة لإسرائيل وتنقل سفاراتها من تل أبيب إليها.
سادساً: مطالبة الدول الصديقة لإسرائيل بالتوقف عن تزويد أية دولة في حالة حرب مع إسرائيل بالأسلحة بما في ذلك مصر التي وقعت معها اتفاقية كامب ديفيد.
سابعاً: مطالبة كل الحكومات بنبذ منظمة التحرير الفلسطينية واعتبارها منظمة إرهابية، وتأتي هذه المطالبة تنفيذاً لما ورد في التوراة حول أن الله يبارك من يبارك اليهود، ويلعن من يلعنهم.
ثامناً: إدانة كل أشكال معاداة السامية، وهي عداء إسرائيل واليهود.
تاسعاً: الدعوة لتذكر كل الفظائع التي ارتكبتها ما تسمى: بالحضارة المسيحية ومن يسمون المسيحيين، ولا سيما المذابح التي قامت في الحرب العالمية الثانية.
(أي: أنهم يرون أن كل من وقف في وجه اليهود من النصارى ليسوا نصارى حقيقيين).
عاشراً: العمل نحو توطين اللاجئين العرب الذين تركوا إسرائيل عام (1948م) في البلدان التي رحلوا إليها.
الحادي عشر: مساعدة إسرائيل اقتصادياً وذلك بإنشاء صندوق دولي برأسمال قدره مائة مليون دولار للاستعمار في تطويرها.
(وبالفعل ما انتهى المؤتمر إلا وجمع مائة مليون دولار إضافة إلى المساعدات التي تجمع باستمرار لمساعدة إسرائيل، وضمن ذلك يقومون بتشجيع الاستعمار الخاص في إسرائيل).
الثثاني عشر: مطالبة كل المسيحيين وكل الأمم بعدم الخضوع لأنظمة المقاطعة العربية لإسرائيل.
( وبالطبع ستتوقف المقاطعة وتنتهي بعد مدريد لأنها أصلاً لم تكن إلا شكلية في أغلب الأحيان).
الثالث عشر: دعوة مجلس الكنائس العالمي في جنيف إلى الاعتراف بالصلة التوراتية التي تربط بين الشعب اليهودي وبين أرضه الموعودة، وكذلك بالبعد التوراتي والنبوئي لدولة إسرائيل.
(وهذا يدل على أن العقيدة التي قامت عليها دولة إسرائيل عقيدة إيمانية يجب على مجلس الكنائس أن يعترف بها).
الرابع عشر: يصلي أعضاء المؤتمر وينظرون بشوق إلى اليوم الذي تصبح فيه القدس مركزاً لاهتمام الإنسانية؛ حينما تصير مملكة الرب حقيقة وواقعاً عن السفارة النصرانية وهذا المؤتمر.
وقد أحضرت المؤلفة المؤتمر، وشرحت ما دار فيه عن مشاهدة.
ومملكة الرب يفهمها النصارى على أنها مملكة المسيح بن مريم بناء على ما عندهم، أما اليهود فيفهمونها على أنها مملكة المسيح الدجال كما تقدم..
وهنا لا بد أن أؤكد أن الذين يؤمنون بهذا الوعد التوراتي هم المؤمنون بالمسيح الدجال، وبالتالي فكل من يعتقد أو يوافق على مشروع قيام دولة إسرائيل آمنة مطمئنة فإنه شاء أم أبى علم أو لم يعلم يعمل لإنشاء مملكة المسيح الدجال، ويسعى لتحقيق النبوءة التوراتية التي يدعيها هؤلاء، ويخدم راضياً أم غير راض، علم أم لم يعلم، هذه الأهداف الصهيونية التي يؤمن بها هؤلاء الأصوليون مع أولئك اليهود.
السلام المزعوم
فلا حرج ولا تردد في الإجابة القاطعة الواضحة عن موقف الإسلاميين من مؤتمر السلام لأن الإجابة هي الرفض الحاسم والإنكار الجازم، وليس ذلك عناداً ولا تصلباً ولكنه موقف عقدي محتوم.
وإذا كان التوراتيون من اليهود والأصوليون من النصارى لم يترددوا في إعلان رفضهم لفكرة السلام رفضاً مطلقاً منذ ما كان يسمى بمشروع جنيف-وسنذكر كلامهم وفي ذلك- فإن الذين يملكون وعد الله الحق وكلمته الخالدة وخبره الصادق أولى بهذا وأحق.
الرفض المشترك للسلام
والجواب -مع الاعتراض على هذه التسمية الماكرة بالنسبة للمسلمين- أن نقطة الالتقاء هي أن كُلاًّ مِنَّا يؤمن بوعد من الله وفق عقيدته...
فنحن نؤمن بوعد الله الحق...
وهم يؤمنون بوعد مفترى مكذوب على الله تعالى...
والوعدان لا يجتمعان أبداً.
والفرق أننا بحمد الله نستند في وعدنا إلى كلام الله وكلام رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحقائق الواقع، ولعلي هنا أشير إلى بعض بشائر هذا الوعد الحق، ثم أنتقل إلى إتمام الكلام عن هؤلاء.
نحن في كل ركعة من صلاتنا نقرأ الفاتحة ونقرأ فيها كلام الله تعالى: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ [الفاتحة:6-7].
فالمغضوب عليهم هم اليهود، والضالون هم النصارى، فالخلاصة أننا نقرأ في كل ركعة ما لازمه ومفهومه أن الوعد الذي يزعمه هؤلاء منسوخ وباطل ومفترى، وإنه إذا كان إبراهيم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعطى وعداً فإن هذا الوعد هو وعد الله تعالى لهذه الأمة الموحدة.
وهي الأمة التي يباركها الله تعالى كثيراً ويكثر عددها، وتدخل في جميع الشعوب والقبائل كما ذكرت التوراة، وليست إلا أمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إنهم العرب من ذرية إسماعيل صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد دخلوا في جميع الشعوب، فتجد العرب بين الهنود، والأفغان، والأوروبيين، والبربر، وفي الحبشة.. وفي كل مكان..، وهذا هو الشعب الذي دخل في جميع الشعوب، وهذا هو الشعب الذي كثره الله وباركه وله أعطيت هذه الأرض كما في التوراة نفسها، وقد روى الإمام أحمد والترمذي وصححه، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: {إن الله عز وجل اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من بني إسماعيل كنانة، واصطفى قريشاً من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم}.
ويدخل في ذلك كل الآيات والأحاديث المبشرة -وسنذكر بعضها وقد جمع طائفة منها فضيلة الشيخ الألباني في أول السلسلة الصحيحة بظهور الإسلام وتمكينه، أما اليهود فوعد الله تعالى فيهم واضح جلي , قال تعالى: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ [الأعراف:167].
هذا وعد الله لن يخلفه أبداً..، والذين يوافقون على ما جاء في مدريد وغيره يقفون ضد ما جاء في هذه الآية، فوعد الله تبارك وتعالى ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب؛ هتلر جزء من هذا الوعد، ومنظمات التحرير جزء منه! الجهاد القائم -الآن- في الأرض المحتلة جزء منه! وسوف تنتهي هذه كلها بتدمير اليهود كما قال الله تعالى: ضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلاَّ بِحَبْلٍ مِنْ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنْ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الْمَسْكَنَةُ [آل عمران:112].
إن الذلة والمسكنة مضروبة عليهم إلا في حالات عارضة بحبل من الله وحبل من الناس، وهي حالات استثنائية يعطون فيها، فإذا أعطوا وتمكنوا ترجع سنة الله قال تعالى: فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً * عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا [الإسراء:7-8].
فإن عدتم عدنا: أي: في أي مرحلة يعودون سيعود عقاب اللّه تعالى؛ ولهذا بشر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث الصحيح فقال: {لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود حتى يقول الشجر والحجر يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي ورائي فتعال فاقتله}.
وهذا والله هو الذي سيقع ويكون؛ لأن الذي أخبر به هو رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ليس هذا فقط بل نحن نؤمن بأن المسيح عليه السلام سينزل بإذن الله تعالى كما أخبر الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أحاديث متواترة، وإذا نزل المسيح عليه السلام فإنه يقتل اليهود والنصارى، وأول من يقتله المسيح عليه السلام هو ملك اليهود المسيح الدجال، في باب اللد في أرض فلسطين -كما في الحديث الصحيح-.
ثم بعد ذلك لا يرضى ولا يقبل عيسى عليه السلام إلا الإسلام أو القتل، كما قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {يكسر الصليب ويقتل الخنزير ويرفع الجزية}.
ولن يبقى أمام النصارى إلا أن يسلموا أو يقتلوا بسيف ويد المسيح عيسى -عليه السلام- ومن معه من المسلمين، وكل الأحاديث الواردة في عيسى عليه السلام تكذب ما يقولونه في مدريد وفي غير مدريد، وكذلك كل الأحاديث الواردة في خروج المهدي آخر الزمان تكذب ذلك لأن المسلمين هم الذين يقاتلون أعداءهم تحت قيادة المهدي، ثم ينزل عيسى عليه السلام فيكمل المعركة كما قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وإمامكم منكم}.
فيصلي عيسى عليه السلام خلف المهدي إعلاماً وإيذاناً بأن عيسى عليه السلام ما جاء بشرع جديد؛ وإنما هو تابع لشريعة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ ولهذا يصلي خلف المهدي ويقاتل مع المسلمين.
منطقة فتن وملاحم لا منطقة أمن وسلام
ومنطقة الشام هذه هي منطقة المعركة، والساحة الكبرى للمعارك الكبرى، وفيها أيضا تكون معارك المسلمين التي هي مقدمة لفتح القسطنطينية، ومقدمة لفتح روما - المدينة التي جزء منها في البر وجزء في البحر- وكل الأحاديث التي وردت في فضائل بلاد الشام، وذكرها شَيْخ الإِسْلامِ وعلق عليها كثيراً، وذكرت أن بلاد الشام تكون آخر الزمان هي معقل المسلمين.
وموئل هذه الأمة، وأن المسلمين يقاتلون الروم فيها وهذه الأحاديث كثيرة ويضيق المقام عن ذكرها وهي تكذب هذا الكلام الذي قرأناه وسمعناه، سواء في التوراة المحرفة، أو فيما قاله زعماء أمريكا أو ما قاله الأصوليون الإنجيليون، أو كل ما يقوله أعداء الله تبارك وتعالى.
لقد قال بوش في مؤتمر مدريد: '' إن غرض المؤتمر ليس إنهاء الحرب بين الطرفين وإنما إنهاء العداوة'' ولكن الله تعالى يكذب هذا القول وهذه الدعوى، فسيظل المسلمون يعادونهم قال تعالى: وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ [محمد:38] وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [المائدة:51] إلى قوله تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ [المائدة:54].
إذا تركنا الجهاد في هذه المرحلة، وآمنا بأن العداوة قد انتهت فنحن ينطبق علينا الارتداد عما أمر الله تبارك وتعالى به وسوف يأتي الله بقوم آخرين هذه صفاتهم وهذه هي أحوالهم.
ونقرأ قول الله تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ [النور:55]، فهذا وعد من الله تعالى للمؤمنين بالاستخلاف، وقد قال الله تبارك وتعالى -أيضاً- وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ [الأنبياء:105]، وغير ذلك من البشائر بأن هذا الدين يبلغ ما بلغ الليل والنهار، وهناك بشائر كثيرة كلها تؤكد الوعد الحق، وتدحض وتدفع الوعد المفترى والباطل قال تعالى: بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ [الأنبياء:18].
السلام عند دعاة الأصولية الإنجيلية
هذا هو التشابه معهم في الموقف الرافض لـمدريد وما بعدها، فنحن نقول مهما وقعوا فالمعركة قائمة، وهم يقولون كذلك، ولنر من هو صاحب الوعد الحق وصاحب الوعد المفترى قال تعالى: قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنْ اهْتَدَى [طه:135].
ويقول صنوه جيري فولويل: '' إن النوايا السليمة هي أعمال غبية... ويقول: إنه لا يحق لإسرائيل أن تتنازل عن شيء من أرض فلسطين؛ لأنها أرض التوراة التي وعد الله بها شعبه ''.
ويقول أصولي إنجيلي آخر -هو دوغلاس كريكر- من جملة تحذيره لدولة إسرائيل من اختيار المنهج السلمي: " إن الأصوليين الإنجيليين مثل اليهود والأرثوذوكس مغرمون بالأرض التي وعد الله بها إبراهيم وذريته، وإن إسرائيل تستطيع أن تستعمل الإنجيليين الأصوليين لتعكس من خلال شبكاتهم الإذاعية والتلفازية صور إسرائيل التي يريدها ويتقبلها الأمريكيون؛ وذلك من خلال نشر فكرة أن الله يريد إسرائيل عسكرية ومسلحة، وإنه كلما أصبحت إسرائيل عسكرية أكثر فإن اليمين الديني في الولايات المتحدة يؤيدها أكثر ويصبح متعلقا بها أكثر " يقصد أن اليمين الديني الأمريكي يحب إسرائيل بقدر رفضها للسلام؛ لأنهم يرفضونه بطبيعة الحال.
ويقول جيم روبيسون -وهو إنجيلي أصولي ومتمكن جدا في الحكومة الأمريكية حتى أن ريجن دعاه ذات مرة ليفتتح احتفال الحزب الجمهوري بصلاة..-: ''لن يكون هناك سلام حتى يعود المسيح''.
والمسلمون يوافقون على هذه العبارة من منطلق ومعنى آخر، ويضيف قائلاً: ''إن أي تبشير بالسلام قبل هذه العودة هرطقة أي: زندقة وكفر، ويضيف قائلاً: إن كل من يؤمن بالسلام فهو ضد كلمة الله وضد المسيح''.
ولهذا تقول مؤلفة كتاب النبوءة والسياسة: ''إن الأربعين مليون إنجيلي أصولي يؤمنون بقوة أن الله نفسه يريد أن تحصل إسرائيل على أي جزء من الأراضي العربية، وعلى كل الأراضي العربية التي تتمكن من مصادرتها'' وكما يقولون: '' إننا نحن المسيحيين نؤخر وصول المسيح من خلال عدم مساعدة اليهود على مصادرة مزيد من الأراضي'' ولهذا يفتتح اليهود مزيدا من المستوطنات الجديدة في الضفة والجولان حتى إبان انعقاد المؤتمر، ومن ورائهم الأصوليون الإنجيليون في أمريكا والذين يقولون: '' إن أي أحد يعترض على شيء من ذلك - أي: على استحداث المستوطنات - إنما يؤخر عودة المسيح أو يساهم في هذا التأخير''.
وقد وجه أحد الزعماء الأصوليين نداء إلى اليهود يقول فيه: '' إنه لا يجوز أن يبقى اليهود أوفياء إلى هذه المبادئ البراقة (القوانين الدولية) إذ أنه على إسرائيل أن تكسر من وقت لآخر القوانين الدولية، وأن تقرر بنفسها ما هو قانوني وما هو أخلاقي، وذلك على قاعدة واحدة هي ما هو جيد لليهود؟، وما هو في مصلحة اليهود؟، فما هو جيد لليهود أخلاقي وقانوني وشرعي؟ ''.
وإذا كانت الشرعية الدولية ضد بناء مستوطنات لليهود وضد مصلحة اليهود فلا شرعية ولا دولية، اضربوا بهذا عرض الحائط؛ ولذلك يقول أحد معارضي حكومة شامير، وعضو جمعية حقوق الإنسان وهو إسرائيل شاهاك: ''إن اليمين المسيحي الجديد يبرر أي عمل عسكري أو إجرامي تقوم به إسرائيل، وبالتالي فهو يؤيد هذه الأعمال''.
نتائج مشروع السلام
الشق الأول: النتائج المتوقعة لما يسمى بمشروع السلام الحالي، ومعرفة التخطيط لهذه المنطقة عندما تدفع إلى الإيمان بالوعد المفترى وتكفر بالوعد الحق من الله تبارك وتعالى.
والشق الثاني: الحلول والمقترحات.
أقول: إن الأهداف كثيرة والنتائج خطيرة، وأرجو ألا تستغرق جزئيات وتفاصيل هذه الأحداث فننسى هذه الأهداف البعيدة وسأذكر لكم مؤشرات جمعت من خلال البيانات التي أصدروها في كتبهم قديماً وحديثاً.
أولاً: يريدون القضاء على الجهاد الفلسطيني داخل الأرض المحتلة، وهو الذي يسمى بالانتفاضة، وبعد السلام لا يعود المجاهدون الفلسطينيون مدافعين عن بلادهم المحتلة؛ وإنما يكونون مواطنين يحاربون دولتهم؛ وبالتالي فلا شرعية لأي عمل يعملونه، ومن حق أية دولة أن تقمع رعاياها إذا خرجوا على قانونها كما هو مقرر في القانون الدولي! وهذا هدف كبير لأن أخطر ما تخافه إسرائيل الآن هم هؤلاء المجاهدون -مجاهدي الانتفاضة- فالدول العربية ليست مهددة لإسرائيل وهي تعلم ذلك، ولكن الخوف من هذا الوعي الإسلامي المتنامي داخل الأرض المحتلة وخارجها.
ثانياً: يريدون بهذا السلام العام بين العرب واليهود التضييق على الدعوة الإسلامية، وضرب الحركة الإسلامية في كل مكان، فربما يهدفون إلى ضربها ضربات قوية في كل مكان من المغرب حتى إندونيسيا.
ثالثاً: تدمير القوة العربية المحيطة بإسرائيل، على الرغم من أنها حالياً لا تشكل خطراً عليهم، وقد دمر العراق وسوف تكون الخطوة الثانية تدمير الجيش السوري، وذلك لأن الجيش السوري يملك بعض القوة والتدرب والممارسة والخبرة، وسيشكل خطراً على اليهود فيما لو خلف الإسلاميون السلطة الحالية، وربما كان تدميره بتسريحه بأيدي الحكومة البعثية الباطنية كما فعل السادات في مصر.
رابعاً: إخضاع المنطقة للرهبة اليهودية العسكرية، وفرض الحماية الأمريكية على المنطقة، ومنع تطوير أي جيش من جيوش المنطقة، وإنما يراد بقاء الجيوش للمحافظة على الأمن الداخلي فقط، ومبرراتهم أنه في ظل النظام الدولي الجديد لا يحتاج إلى تطوير الجيوش؟! فيقولون: أتريد أن تستخدمه في العدوان كما فعل صدام؟! وإذا كنت تريد الأمن والحدود فإن النظام الدولي يكفل لك ذلك! ولكن لا مانع من أن تكون هناك قوات للأمن الداخلي ولا تفكر في حالة اعتداء على الجيران، وهذا هو الهدف الذي من أجله خططوا لسيناريو احتلال الكويت وحرب الخليج، وثبتوه وأصلوه حتى أصبح قاعدة راسخة عند شعوب المنطقة.
خامساً: تغيير المناهج الإعلامية والتعليمية لمحو كل ما يثير العداء نحو اليهود وهذا خطير جداً، وقد أعلنه شامير في المؤتمر -مؤتمر مدريد- حيث قال: لا بد من تغيير ثقافتكم العدائية نحو اليهود، فعلى مراحل تنتهي كل شعارات العداء لليهود، بل ينتهي حتى كل ما يثير العداء دينيّاً!
وقد عمل بهذا في مصر وغيرت المناهج، وحذفت معارك اليهود مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وحذفت الإشارات إلى عداواتهم للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المناهج والتعليم، حتى أن بعض مفسري التلفاز يتجنبون الحديث عن آيات اليهود، ويتجاوزونها وينتقلون إلى ما بعدها.
وهذا ما يريدونه في المنطقة عموماً، وكذلك في مناهج التعليم تغيرت كل حيثيات القضية، وإن كانت مع الأسف درست لنا من منظور قومي -العرب واليهود- لا من منظور إسلامي؛ بينما في أمريكا تدرسها عشرون ألف مدرسة على أنها قضية دينية توراتيه..!!
سادساً: فرض السيطرة المالية الاقتصادية اليهودية على المنطقة كلها، وماذا يساوي اقتصادنا مقابلة باقتصاد الغرب، فقد سيطر اليهود على الاقتصاد الغربي عن طريق الربا والبنوك الربوية، فكيف إذا انطلقت أيديهم في منطقتنا! سوف يتحكمون في سنوات قلائل في كل الدورة الاقتصادية لدول المنطقة جميعها.
سابعاً: اجتياح المنطقة بالثقافة اليهودية والنصرانية، ويصحب ذلك حملات تنصيرية، فقد رفع النصارى رءوسهم وبدءوا يقولون: إن أحداث الخليج هيأت لنا الفرصة لإدخال الدين المسيحي في مناطق لم نكن نحلم أن ندخله فيها من قبل، والتبشير علني، والكنائس علنية ومؤيدة علناً في بعض دول المنطقة...، فهذه البلاد المقدسة محاطة بالتنصير من كل جانب..، كما نتوقع حملات تشويه للإسلام في كل المستويات؛ لأنهم يملكون هذه الآلة الإعلامية الضخمة، وستعينهم الصحافة العربية على هذا الهدف بتشويه صورة الدعاة، وتشويه التاريخ الإسلامي، كل هذا وارد ومتوقع، وإن كان سينفذ بنوع من البطء والتؤدة.
ثامناً: نهب ثروات المنطقة النفطية والمائية وتسخيرها لليهود والأمريكان، فقد قالوا لا بد من حربين، حرب النفط، وحرب المياه، وإن كانوا قد فرغوا من حرب النفط؛ فالحرب الأخرى المنتظرة هي حرب المياه.
يريدون أن ينتزعوا مياه الفرات ومياه العاصي ومياه الليطاني ومياه نهر الأردن، وحتى النيل يسحبون مياهه عبر قنوات من تحت القناة إلى أرض فلسطين، والمياه الجوفية في شمال الجزيرة العربية، وذلك لبناء المستوطنات، ولذلك يشيرون إلى أن الحرب القادمة ستكون حرب مياه.
قد تفتعل معركة بين تركيا وسورية - مثلاً- فتكون قضية يضطر معها الأمريكان للتدخل العسكري، فتحل الحرب وتكون هناك مشكلة الجيش السوري من جهة؛ ومشكلة المياه من جهة أخرى، وتركيا بالطبع عضو في حلف الناتو، و-الآن- تتوالى الاجتماعات في الغرب لتقوية حلف الناتو وتطويره بانضمام دول شرقية أوروبية له.
والسؤال: ضد من هذا التطوير وهذه التقوية؟ إنهم يريدون ضم دول المعسكر الشرقي إلى الغربي لمقاومة العدو المشترك الذي لن يكون بالطبع إلا إيانا.
تاسعاً: إفساد المنطقة أخلاقياً، وهكذا طبع اليهود إذا دخلوا في أية بلاد.. فعن طريق السياحة والآثار يفسدون المنطقة كلها، فدول المنطقة جميعا مهددة بالإفساد عن طريق المخدرات والدعارة والأفلام القذرة، وقد نشرت الصحف كيف أرسلت إسرائيل فتيات من حاملات وباء الإيدز إلى مصر؛ لأنها مركز الثقل والقوة في العالم الإسلامي، وسيعمم هذا على جميع البلدان، وما القنوات الإباحية اليهودية إلا جزء من ذلك!!
عاشراً: فتح الباب لغزو الجاسوسية اليهودية لأماكن ما كانت تحلم بها من قبل، وهذا هدف مهم جداً؛ لأن إسرائيل تخطط على مقدار ما تعلم عن المنطقة وتعرف حقائقها، فهي تود أن تعرف كل التفاصيل عن الصحوة الإسلامية، وعن حالة الدفاع والجيوش العربية, وربما لا يخفى عليهم شيء ذو بال ولكن من الضروري الإلمام التام بكل الدقائق.
حادي عشر: وهناك هدف يسعى وراءه اليهود هو اكتشاف الآثار اليهودية القديمة، وهناك دعوى تقول أن الأرض التي خرج منها اليهود ليست مصر وإنما هي جنوب جزيرة العرب، وجاء بعضهم بصور من أبها ومناطق حولها وقال: إن أسماء التوراة تطلق على هذه المناطق، ويدللون على آثارهم في هذه الأرض بأن الملك الذي حفر الأخدود كان يهودياً، وبوجود خيبر ومهد ذهب سليمان، وهذا كله تمهيد لقولهم أن هذه الأرض هي أرضنا.
هذه بعض الأهداف التي يسعون لتحقيقها وبعض ما يمكن أن يقدم على المنطقة إذا تحققت مخططاتهم ونسأل الله أن يحمينا ويحمي ديننا وبلادنا من شرورهم.
الخاتمة
مقترحات للمواجهة
1- نشر الوعي العقدي في الأمة قاطبة، والعقيدة الصحيحة في كافة المستويات ولا سيما عقيدة الولاء والبراء، وأن نعلن إسلامية المعركة، وأن مؤتمر مدريد لم يمثل فيه الإسلام، ولم نسمع فيه قال الله وقال رسوله، أو أن القدس إسلامية، فالقضية في أساسها إسلامية لا تخص الفلسطينيين وحدهم، ولا العرب وحدهم، ولا المسلمين المعاصرين اليوم فقط؛ بل هي قضية إسلامية تهم كل المسلمين إلى قيام الساعة.
2- إحياء رسالة المسجد.. لمقاومة هذا التيار الإعلامي والثقافي الجارف، ونحن لا نملك إلا المسجد، والحمد لله فإن تأثيره كبير، ويجب أن نستزيد منه، فإذا كنا لا نملك أقماراً صناعية لمواجهة الأقمار الصناعية الغازية، فلا بد من الاستفادة القصوى من الوسيلة التي بين أيدينا.
3- يجب توحيد صفوف أهل السنة والجماعة في جميع أنحاء العالم، وأن يكون ذلك مقدمة لتوحيد صفوف الأمة كلها على نهج السلف الصالح بإذن الله.
كما يجب الالتقاء على خطط دعوية وعملية لنشر هذه العقيدة مع تجنب إثارة الخلافات في الأمور الفرعية الاجتهادية، بل تحل عن طريق المودة والأخوة والرحمة؛ وذلك بإحياء أدب الخلاف كما كان بين السلف.
4- ضرورة إنشاء المصارف الإسلامية لمقاومة الاجتياح الربوي الذي يريد أن يجتاح المنطقة.
5- التنبه الشديد لخطر التغيير المتدرج للمناهج الدراسية؛ بل يجب أن يزداد فهم الطلاب للآيات والأحاديث عن مكر اليهود بنا، وتطبيقها على الواقع الذي نعيشه.
6- يجب أن نبعث الأمل في الأمة بالوعد الحق الذي وعده الله تبارك وتعالى، ونقرن ذلك بالأدلة الشرعية والواقعية حتى لا تيأس الأمة، فالأمة الإسلامية هي الأمة التي لا تعرف اليأس أبداً في أي مرحلة من تاريخها، فنحن على ثقة بأن الله ناصرنا.
7- تنشيط الدعوة في الغرب عامة وفي أمريكا بوجه خاص، ورصد خطط وحركات المتآمرين هناك، ووصيتنا إلى إخواننا المقيمين في الغرب أن يرصدوا هذه الحركات، وعليهم بعد التمسك بدينهم أن يدعوا الغربيين للإسلام، فالفراغ الديني والحريات هناك يتيح فرصاً لنشر الدعوة الإسلامية؛ ولا سيما في أمريكا..، وإذا استطاع المهتدون اختراق أجهزة الإعلام والسياسة فيمكن أن يفعلوا الكثير.
8- الوقوف الحقيقي بكل قوة مع الشعب الفلسطيني داخل الأرض المحتلة، وإمداده بالدعوة والكتب والمال وكل ما يحتاج إليه في جهاده، والحرص على بقائه في الأرض المحتلة وعلى زيادة عدده؛ وهذا ما يفقد إسرائيل توازنها البشري والسياسي والمعنوي، فالأمريكان والبريطانيون وغيرهم - اليهود منهم والنصارى - يتبرعون بمئات المليارات لإسرائيل، وعدد المسلمين في هذه الدول يصل عشرات الملايين ولا حواجز ولا موانع من دخولهم الأرض المحتلة، فلماذا لا يساعدون إخوانهم المسلمين في فلسطين مع التنسيق بيننا وبينهم.؟!
9- المطالبة بسحب كل الأموال والأرصدة من بنوك هؤلاء الأعداء وصرفها على حاجات الأمة الضرورية في أنحاء العالم الإسلامي، فأعداؤنا يعيشون على المليارات مما نضعه من أرصدة عندهم؛ بينما يموت الملايين من المسلمين جوعاً وفقراً وتشريداً، وكذلك المحافظة على ثروة الأمة ورصيد الأجيال المقبلة من أن يستنزفه اليهود والنصارى في غمرة ما يسمى السلام فلا يمضي حين إلا وبلادنا يباب بلقع.
10- يجب علينا محاربة الترف والإسراف والفراغ الذي تعيشه هذه الأمة، وحشد كل طاقات الأمة لمواجهة هذا العدو الأخطبوطي الحقود، ووفروا من مرتباتكم ونفقاتكم وأوقاتكم؛ لأننا أمام عدو ضخم وشرس، فالمعركة ليست معركة غالب ومغلوب؛ وإنما هي معركة وجود أوغير وجود وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [يوسف:21].
11- يجب على الدعاة جميعاً والخطباء وكل الأمة المطالبة بتطوير الجيوش, وإعدادها دعوياً -وهذا أهم شيء- وتربيتها على الإيمان والجهاد, وأيضاً علمياً بحفز الطاقات المبدعة وتطوير الأسلحة التي يمكن بها أن نقاوم هذا العدو, وأن لا نركن إلى ما يسمى بالنظام الدولي الجديد ولا إلى السلام الذي يريدون أن يفرضوه علينا, زاعمين أننا لن نحتاج معه إلى جيوش لنحمي أنفسنا وأوطاننا.
ولقد أثبتت التكنولوجيا اليابانية تفوقها, مما دفع بالأمريكان إلى الاعتراف بأنهم استفادوا من التقدم التكنولوجي لليابان في حرب الخليج, فقد كانوا يضعون المواصفات العامة لما يريدون تصنيعه, فتتسابق الشركات اليابانية لإنتاجه وفق المواصفات المطلوبة.
فلو كان عندنا إرادة وصدق مع الله وجهاد لأمكننا استغلال الأموال الطائلة التي لدى الدول العربية -وخاصة الدول الخليجية- للاستفادة من التكنولوجيا اليابانية.
كما يمكن لقوة المال أن تحدد مسار الأحداث والسياسات الدولية, حتى إنه بالإمكان أن نؤثر على شخصية الرئيس الأمريكي المنتخب, ومن ثم على السياسة الأمريكية بناء على ذلك.
فنحن أموالنا تعطى لمن يفوز في تلك الانتخابات, فلماذا لا تكون هذه الأموال بدلاً من ذلك وسيلة إلى تعيين من يفوز ولو إلى حد ما, فضلاً عن ما يجب علينا بعد ذلك وقبله من الخطوات الأخرى.
وبناءً عليه فأيضاً يجب علينا أن نطالب بحفظ ثروات المنطقة واستغلالها وفق خطط سليمة تراعي مستقبل الأجيال القادمة من أبناء المسلمين؛ لأن المعركة القادمة طويلة, ويجب مراعات حاجات الأمة, لا حاجات شركات التطفيف ودول المطففين العالميين الذين يأخذون خيراتنا بأبخس الأثمان، ومن ثم يعيدوها إلينا بأعلى الأثمان, ويخزنون الثروات في مستودعاتهم تأهباً للمعركة القادمة.
أستغفر الله العظيم أولاً وآخراً وأقول: هذه نصيحة وهذا تحذير النذير العريان لكم أيها الإخوة الكرام! وأسأل الله تبارك وتعالى أن يجعل لهذا الكلام موضعاً وقبولاً, وأن أكون قد وفقت لإعطائكم صورة ولو موجزة عن حقيقة عداء هؤلاء القوم وعن ما يجب أن نفعله نحوهم.
إعلان المبادئ
وبعبارة جامعة: نسف عقيدة الولاء والبراء!!
إنه ليس صلحاً ولكنه تهويد قسْري لأمة الإسلام التي لن تتهود بإذن اللّه؛ بل ستنقض على نوعي اليهود بلا هوادة مهما طال الزمن!
تعبيراً عن هذه المشاعر جاءت هذه الأبيات ورأيت إلحاقها بالموضوع وهي كما يلي:
أنْجَب المكرُ سَلِيلَه وشَفَى الغَدرُ غَلِيله
وَجَرى المغرورُ لَهثاً تَابعاً كُلَّ مَخِيلة
فإذا الجَولاَت آلٌ وإذا الجائِلُ غُوله
تِلك إجراءَاتُ بدءٍ >>>>>في المتَاهَاتِ الطَّوِيلَة
ذَاكَ إِعلانُ مبادٍ >>>>>للمَسارات المهِيلَة
فَمتَى نَدخُلُ في صُلب >>>>>المعانَاةِ الثَّقِيلة
وَمتى تُنصب سُوق الرِّقِّ >>>>>في ظل الخميلة
ومَتى يَزْهُو خِطَام الذُل >>>>>في أنفِ القَبيلة
ومَتى تعبث "إستير" >>>>>بأحلام الفحُولَة
ومَتى يفترش الغَرقَد >>>>>صَحراء البُطُولَة
ويُغطي وادي الثّأر >>>>>ويستاق نخيله
ألهاث وسُعار >>>>>قبل إطفاءِ الفتيلة؟
أجُنُون وجُنوح >>>>>قبل إجهاضِ الفَسِيلة؟
أصُراخٌ وَعَوِيلٌ >>>>>قَبل إِخماد القَتيلة؟
و حُييٌ وكُعَيْبٌ >>>>>لهما مليُون حِيلَة
كل بند من شُروط الذل >>>>>يَبْغي ألف جولة
هذه دَوامة الإحباط >>>>>واليَأس القَتُولة
جعَلوا الذُلّ وِسَاماً >>>>>للتَّحَدي والبُطُولَة
جَرَّعُونا الكاس مُرّاً >>>>>حَطَّموا فِينا الرُجُولة
ألبسونا ثَوْبَ عارٍ >>>>>يَسْحَبُ الخِزي ذُيُولَه
نَحن في التَّاريخ نسْيٌ >>>>>كُلَّمَا أرخى سُدُولَه
أعَليْنَا وحدَنَا تَستَأسد >>>>>البُومُ الذَّلِيلة
أعَلينَا وحْدَنَا تَستَكبر >>>>>الأيْدي الهَزيلَة
أعَلَينَا وَحْدَنَا تَقْوَى >>>>>القَرارَات العَلِيلَة
يَا خليج الذُّلِّ دَوماً >>>>>تَدفَع الجِزيَة دُولة
فادفَع المهرَ كَثِيراً >>>>>يَرفُض الرَّاعي قَلِيلَه
واضْمَن الصُّلح رَخَاءً >>>>>للزَّعَامَاتِ العَمِيلَة
وَاسقِها العَارَ فُرَاتاً >>>>>يشرب الكَافِرُ نِيلَه
واجعل الأقصَى مُبَاحاً >>>>>للعِصَابَات الرَّذِيلة
واجعلِ الأعلاجَ تَبنى >>>>>غُورَه ثُم جَلِيلَه
سُلبت عكا ويَافَا وتُقَاضِيهِ خليله
يَخجَلُ التَّاريخُ مِن فِعل >>>>>الزَّعامات الخَتِيلَة
ما عَلى جَسَّاسِ ما >>>>>يُنهش من عرض الجليلة
مَا عَلى البَراضِ مَا >>>>>يُنهب من سَرْحِ القَبيلَة
الخَواجَات رَضُوا فلتـ حزن الدُّنيَا الكَليلة
وإذا الجَحشُ تَخَلى >>>>>أركَضَ السَّائِسُ فِيلَه
يختلون الآفة العقرى >>>>>وتُختَال الختِيلة
يَشْرَبُون النَّفْطَ حُراً >>>>>في القَواريرِ الصَّقِيلَة
والخَنَارِيُر تُغني >>>>> فَوقَ هَامَاتِ الخَليلَة
والعَدُوّ الصِّرف هُم >>>>>أهل الفدى أهل البطُولَة
الأصولِيُّونَ مَن يدعُونَ >>>>>الدَّعوى الأصِيلَة
وبَنُو صُهيون مُنذُ الآنَ >>>>>إخوان الفَسِيلَة
غَير مغضُوب عَلَيهِم >>>>>عند أصحابِ الفَضِيلَة!
فاحذِفُوا ما قيِلَ قُدْماً >>>>>في التَفاسِير الطَويلَة!
واشطُبُوا ما قيلَ فيهِم >>>>>(بِئسَما) تِلك المقُولَة!
عَدِّل التاريخ واحذِف >>>>>مِنه حِطين الدَّخِيلَة!
عدِّل السِّيرة واحذف >>>>>ذِكر "كَعب" وقَبِيلَه
واجعل الكُفَّار حَصْراً >>>>>في قُريش أو بَجُيلَة
كُلّ هَذا شَرط شَامِير فأوفُوا المرءَ كِيلَه!
وبِهَذا عَقْد مدريد فأعطُوا العَهدَ قِيلَة
سُورةُ الأحزابِ والحَشْرِ مَعانيها ثَقِيلَة!
فاطْلُب التَأوِيلَ شَيْخاً تَلْقَ للإسراء حِيلَة
أو تَجاوزَهَا إِلى الكَهفِ وَلا تَخشَ المثِيلَة
آه يا شَعبَ المآسِي >>>>>إنك المقتُولُ غِيلَة
كبِّر الله وجاهد >>>>>كُل خوَّار الفصيلة
أنت يُنبوع التَّحدي >>>>>أنت بُركان البطولَة
أنت منصُور بدينٍ >>>>>عزّ مَن يَقْفُو سَبيلَه
وبِهذَا الوَعْد حَقّا >>>>>أرْسَلَ اللّه رَسُولَه
سبحان ربك رب العزة عما يصفون... وسلام على المرسلين... والحمد لله رب العالمين.
الأسئلة
دور نصارى البروتستانت في دعم عقيدة أرض الميعاد
الجواب: ورد أكثر من سؤال في هذا الموضوع, ونوجز الإجابة عليه لأننا قد تناولنا فيما سبق البروتستانت والإنجيليين, ونعيد القول بأن حركة مارتن لوثر الإصلاحية أعادت النصارى إلى الإيمان الحرفي بالكتاب المقدس, ومن ثم أصبحوا يؤمنون بوعد التوراة ونبوءاته, ولذلك نشأت الحركات الإنجيلية الصهيونية قبل الحركات اليهودية الصهيونية.
قول علماء فلسطين في مؤتمر مدريد والصلح مع اليهود
الجواب: الحمد لله هذه فتوى صدرت من علماء فلسطين, ولهذا أبشركم وأقول: إن الأمة الإسلامية سوف تستيقظ إن شاء الله فلابد أن يقاوم الباطل بالحق, ولابد أن يتوحد علماء المسلمين في كل مكان تحت راية الحق.
شراء المصانع الروسية بعد سقوط الاتحاد السوفييتي
الجواب: لا نستطيع أن نجزم بشيء عن هذا لعدم توفر تفاصيل لدينا بهذا الخصوص، وإنما نحيلها إلى المختصين بذلك.
موقف المسلم من مؤتمر السلام
الجواب: الموقف الصحيح هو الرفض لهذا المؤتمر، ورفض السلام بكل شكل من أشكاله, والإيمان بالعقيدة التي ذكرناها -في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم- حول نهاية اليهود ومصير ومآل دولتهم.
دور المسلم بين القيام بواجبات التعبد, والعمل على نصرة الأمة
الجواب: إن شاء الله لا مشكلة في الجمع بين الأمرين, بل إن الإسهام الذي ذكره الأخ هو جزء من العبادة, وهو خير من النوافل التعبدية، إذ لا يجوز أن تشتغل بالنافلة وتترك الفريضة الواجبة كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, والاهتمام بأحوال المسلمين بقدر لا يؤثر طبعاً على واجباتك الأخرى، فلابد من التوازن ولابد من الشمول في هذا.
موقف الحزب الحاكم في سوريا من أهل السنة والجماعة
الجواب: يا إخوان! إن حزب البعث أسسه النصارى, والطائفة الحاكمة في سوريا طائفة نصيرية, واليهود أعضاء في حزب البعث والذين كان منهم كوهين, فالطائفة المضطهدة التي دمرت في حماه وفي أدلب وفي جسر الشغور وفي طرابلس هي الطائفة المسلمة السنية فقط.
كتاب إظهار الحق
الجواب: كتاب جيد وجامع وشامل في موضوعاته, وأنصح الإخوان بالاطلاع عليه لتبيّن عقيدة النصارى وبطلانها.
دين عيسى عليه السلام عند نزوله لقتل الدجال
الجواب: بينا أنه سيكون الإسلام قطعاً.
المؤتمر الإسلامي المنعقد في الخرطوم
الجواب: لم يبلغني شيء مؤكد عن ما دار فيه, ولا أتكلم عن ما لا أعلم.
معوقات الجهاد من خارج الأراضي الفلسطينية
الجواب: لا يمكن ذلك في الوقت الحالي, إذ أنه قبل الصلح مع إسرائيل ما كان يسمح بهذا, فكيف الآن؟! ومن أي دولة تريد أن تنطلق لمحاربة اليهود؟! كل الدول العربية المحيطة بـفلسطين أول ما تحارب الأصوليين المتطرفين -حسب زعمهم- قبل اليهود.
فمن أين تنطلق لمحاربتهم؟ هذا هو السؤال.
فيجب علينا أن نكون واقعيين, ونبدأ بما قبل الجهاد.
فالجهاد يكفينا مؤنته إخواننا الذين في الأرض المحتلة, أما في غيرها فلابد من خطوات إعدادية قبل الجهاد.
علاقة أزمة الخليج وتداعياتها بمؤتمر السلام في فلسطين
الجواب: قطعاً100% ولقد صرح بهذا كل الزعماء وكل الصحفيين, وكل التحليلات مجمعة على هذا, فلا خلاف في ذلك.
جهود بعض الطوائف لدعم دولة إسرائيل
الجواب: أظن أن الأخ كتب هذا السؤال قبل المحاضرة أو في أولها؛ لأن موضوع المحاضرة كان حول هذا الموضوع تقريباً.
وحقيقة أنني أعبر عن فرحي بمثل هذه الورقة؛ لأنها دليل على أن هذا الأخ قد قرأ هذا الكلام قبل أن يأتي للمحاضرة, ونرجو أن يكون لدينا الكثير من الشباب ممن يهتم بمثل هذه القضايا.
علاقة الأنظمة العربية مع إسرائيل
الجواب: هذا متوقع أن يحصل! أما القضاء على المنافقين الله يعين! [[ سمع الحسن البصري رجلاً يقول: اللهم اهلك المنافقين, قال: يا ابن أخي! لو أهلكهم لأوحشت بنا الطرقات ]] فهذا لا يعني أنه لا يدعو عليهم, ولكن يريد أن ينبه إلى كثرة النفاق وخطره.
علاقة الحكومة المصرية مع دولة إسرائيل
الجواب: هذا الكلام يعبر عن وجهة نظر عدد من إخواننا في مصر.
الضوابط الشرعية للدخول في صلح مع الأعداء
الجواب: القضية ليست قضية صلح؛ ولهذا يا إخوان! لا يلبس أحد عليكم, أزيلوا من أذهانكم أن الموضوع صلح, وماذا جاء في كتاب الصلح وكتاب الجزية وكتاب الموادعة والأحكام الفقهية هذه لا وجود لها؛ لأن القضية ليست قضية صلح.
القضية كما قال بوش: ليست القضية إنهاء حالة الحرب مع إسرائيل, وإنما إنهاء العداوة, أي: أن القضية قضية عقيدة يراد بها تغيير القلوب, فلما حارب صلاح الدين الصليبين صالحهم فترة وحاربهم فترة, وهذا لا أحد يخالف فيه, وليس موضع نقاش، فلو كنا في حالة حرب وجهاد مع اليهود وصالحناهم، فهذا أمر وارد ولا بأس من حصول الصلح.
لكن الآن لا حرب ولا جهاد أبداً, وإنما إقرار بسلام دائم وحق أبدي لإسرائيل في الوجود, عرفت يا أخي! ما الفرق ؟! فرق مهم جداً! فأرجو أن لا يقع الإخوة في هذا اللبس.
النظر إلى فريضة الجهاد على أنها ليست الحل الأمثل لصراعنا مع اليهود
الأخ في كلامه قدر من الصحة, لكن نحن الآن لا نطالب بإعلان حرب حتى نخاف من آثار الحرب, وإنما نطالب بتعبئة الأمة عقائدياً لمواجهة خطر عقائدي إذا فرض السلام, حتى إن إسرائيل في المنظور القريب لن تحاربنا عسكرياً, وإلا فالترسانة النووية لابد أن تستخدم, لكن الكلام الآن ليس عن بدء الحرب من جهتنا أو من جهتهم وإنما عن ما سيجره علينا هذا السلام, فإذاً الأخ تصور القضية غير ما أردنا.
النقطة الثانية: لا نؤيدك على نصح الفلسطينيين بالسّكوت ولو إلى حين؛ لأن القضية هي: هل يوجد أو لا يوجد شعب فلسطيني؟! اليهود لا يقبلون منا إلا ذلك, فالرضوخ والإقرار بهذه الدولة المحتلة يعني نهاية القضية بالكامل, وهذا على كل حال يحتاج إلى تفصيل ليس هذا مقامه.
الغرض من عملية السلام عند اليهود والنصارى
الجواب: مصدرها في نظر أعداء الله كما قال نيكسون: الأصولية الدينية.
عقيدة أهل السنة والجماعة في المهدي
الجواب: نؤمن بأنه يخرج من ذرية رسول الله صلى الله عليه وسلم, وينصره الله سبحانه وتعالى بعد أن يبتلى ومن معه من المؤمنين, وينزل في أيامه عيسى عليه السلام, وتمتلئ الأرض عدلاً بعد ما امتلأت جوراً, وسيصلي بعيسى عليه السلام, وشيخنا الشيخ عبد المحسن العباد حفظه الله له كتاب في موضوع المهدي: الرد على من كذب بالأحاديث الصحيحة الواردة في المهدي وغيره من المؤلفات.
الدعوة في المجتمعات الكافرة عن طريق المناظرات العلنية
الجواب: أحب أن أقول للإخوان أنني لا أؤيد فكرة المناظرات العلنية في أمريكا في هذه الظروف, كما فعل الشيخ الداعية أحمد ديدات، وهو مأجور إن شاء الله, لكن العدو الآن يملك هذه الوسائل الضخمة فتأتي أنت لتثيره, ولهذا بدأ النصارى بالالتفاف أكثر حول كنائسهم لما وجدوا مثل هذه المناظرات.
فنقول أولاً: يجب علينا اتباع الأسلوب الأمثل لمجادلتهم؛ الله تبارك وتعالى يقول: (( وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ))[العنكبوت:46] فمجادلة أهل الكتاب لابد أن تستند إلى أسلوب علمي شرعي, كما جادلهم شيخ الإسلام رحمه الله في الجواب الصحيح مثلاً.
والأمر الآخر أننا الآن لسنا في مرحلة مواجهة, وقد لا يسمح لنا بالمناظرات, نحن نحتاج إلى مراحل تمهيدية قبل ذلك وهي مراحل إعداد الأمة عقائدياً, وإعداد الشباب المسلم بالعلم الشرعي, والإدراك الصحيح للأحداث المرتبطة بالواقع؛ ليستطيع أن يقوم بواجبه, أما والمسلمون هناك أكثرهم يعيش على هامش المجتمع الأمريكي, أو كما يعيش الأمريكان أنفسهم فإن مخاطبتهم لن ينتج عنها إلا إثارة عاطفية لا يترتب عليها شيء له قيمة.
كتاب برتوكولات حكماء صهيون
الجواب: الكتاب سواء كان حقاً أو غير حق فالواقع يؤكده, يعني: حتى لو كان خيالاً تخيله واحد منهم فالواقع يؤكده, وهذا هو ما يهمنا نحن في الموضوع بغض النظر عن حقيقة ثبوته.
السائل: لماذا لا يمنعونه؟
الجواب: هم لن يمنعوه؛ لأنهم الآن يريدون أن يوهموا الناس بقوتهم وجبروتهم ودقة تخطيطهم, وإلا يا إخوان! فإن خطط إسرائيل كثيراً ما تفشل! خطة احتلال لبنان فشلت, وتصوروا أن المقاومة التي قاومتهم في لبنان -على تمزقها وضعفها وقلة عقيدتها- قد أعطتهم دروساً ما كانوا يتوقعونها!
حتى حرب الخليج لم تكن نتائجها كما توقعوا ولا كما خططوا, فقد كسبوا جوانب لكن خسروا جوانب أخرى, وهكذا فاليهود والنصارى وغيرهم لا يكسبون دائماً كما نظن.
ومن هنا فإن نشر مثل هذه المخططات قد يوحي بأنهم يخططون وينجحون, بينما الواقع يثبت أنهم كثيراً ما يخطئون, ولولا ضعفنا ما كانوا أقوياء, ولولا تفرقنا ما كانوا متحدين, فاليهود متلاعنين, متجادلين, متناحرين, في فلسطين وفي أمريكا, وفي كل مكان, لكن نحن الذين جعلناهم يتحدون.
كتاب المسيح الدجال لسعيد أيوب
الجواب: أنصح من يستطيع منكم أن يدرك بعض الأخطاء والملاحظات التي عليه أن يقرأه؛ ولكن دون أن يعتمد على كثير من تفصيلاته, وإنما قد يؤخذ منه فكرة النصارى عن عودة المسيح وأنها حقيقة, والتعرف على ما يريدون من عودته, وكيف يتهمون -قاتلهم الله- النبي صلى الله عليه وسلم بأنه هو المسيح الدجال؟! لعنهم الله لعناً كبيراً.
وفي الأخير فقد اقترح بعض الإخوة أن تنشر هذه المحاضرة في كتيب, فنرجو أن يتوفر لنا الوقت لذلك.
وختاماً نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لما يحب ويرضى, ولا تنسونا من دعواتكم يا إخوان! والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المصدر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق