الأربعاء، 3 يوليو 2024

زمن الاستضعاف.. والتحرر!

 زمن الاستضعاف.. والتحرر!

م.محمد إلهامي
باحث في التاريخ والحضارة الإسلامية


 نحن أمة في زمن استضعاف، وأولى ضرورياتنا مطلقا هي: التحرر!

هذا التحرر لا بد له من قيادة تجمع بين الذكاء والجسارة والصبر.. وقليل ما هم!

فإذا وُجِدت هذه القيادة ذات الكفاءة فاظفر بها واقبض عليها بيدك وأسنانك، ودعك من كل ترهات الديمقراطية والتداول وكل ما من شأنه أن ينزع الرجل الكفء من مكانه المناسب، ليضع فيه غيره!

فإذا لم يوجد هذا القائد الكفء، فالمجموعة قد تقوم مقام الشخص، تجتهد وتثابر وتحاول، وإن كان رأيي أن مجموعة ممن يجتهدون لا تبلغ شأن القائد الموهوب.

على أنه يجب أن أقول مع ذلك..

إن أخطر العناصر التي يمكن أن توجد في قيادة عمل إسلامي هم ثلاثة:

القانونيون والدبلوماسيون والأكاديميون.. ولما تأملتُ وجدت أنه قد يجمعهم جميعا وصف “التنظيميين”!

1- فأما أهل القانون، فالندرة النادرة جدا جدا من الإسلاميين (مثل حازم أبو إسماعيل وعصام سلطان) هم من يعرفون أن القانون في بلادنا إنما صنع لغرض السيطرة على الناس لا لغرض خدمتهم ولا إيفاء الحقوق لهم..

وأما بقية الإسلاميين فإن ما فيهم من الدين والاستقامة الأخلاقية والغفلة عن تناقض النظام المعاصر مع النظام الإسلامي يثمر أن يكونوا قانونيين دولتيين ومواطنين صالحين.. فيسلبهم القانون وسمته وظاهريته وحرفيته ما يجب أن يكون فيهم من الثورية والجرأة والتقاط الفرصة.

وقد يكون القانوني ثوريا على الورق وفي الكتب ولكنه في واقع الحياة ظاهري دولتي تنظيمي قح، وقد كان من أهم أسباب هلكة الإخوان في مصر أن كان في قيادتها مطلع الخمسينات: حسن الهضيبي وعبد القادر عودة وحسن عشماوي وأمثالهم. مع أن كتب عبد القادر عودة فيها من الثورية ما هو حقا في باب الغلو والشطط، وله كلام سيئ في معاوية رضي الله عنه.

2- وأما الدبلوماسيون فكإخوانهم أهل القانون.. إلا أن قانونهم ليس هو القانون المحلي، بل هو القانون الدولي والبروتوكول والتقاليد والأعراف الدبلوماسية..

وأسوأ هؤلاء من كان متدرجا على هذه الصيغة: بيت ثري، جامعة مرموقة، التحق بالسفارة، تدرج في العمل الدبلوماسي، حتى وصل وزيرا للخارجية..

فهذه هي الدائرة المغلقة الجهنمية التي لا يمكن معها أن يدرك هذا الدبلوماسي كيف تدار المعارك، ولا كيف هي الأهوال والمحن التي تجري على الأرض!

وأقل هؤلاء سوءا من يكون وزيرا للخارجية بعد عمل في الأمن والمخابرات أو بعد عمل تنظيمي على الأرض.. فساعتها يحسن أن يُنْجِز.

(انتبه معي: إنما أتكلم الآن عن الشخصيات التي لا تصلح في موقع قيادة الحركة الإسلامية في الزمن الحاضر.. أما أنها تتولى ملفات قانونية أو دبلوماسية فهذا شأن آخر.. وأما أنها تصلح قيادة في غير زمن استضعاف فهذا أيضا شأن آخر.. هذا تنبيه مهم جدا!!)

3- وأما الأكاديميون فالغالب عليهم، لا سيما من لم تكن له خبرة بالحياة، أنهم يتعاملون مع قضايا الناس كما يتعاملون مع المسألة الهندسية الرياضية البحتة، بمن في ذلك المتخصصون في العلوم الإنسانية..

وذلك إن إحدى مشكلات هذه العلوم المعاصرة أنها ثمرة حضارة غربية مادية، وهي لذلك نزَّاعة إلى التنميط، وهي بما لها من نزعة مادية تدفع بالمعارف والعلوم الإنسانية إلى أن تكون علوما مادية يقترب فيها الإنسان من كونه شيئا خاضعا لقوانين ثابتة ومضطردة.

لذلك فالعلوم الإنسانية ذاتها حفية بالإحصاء والأرقام والنسب، وهذا في ذاته ليس عيبا ولا مشكلة، ولكني أتحدث الآن عن النزعة الكامنة وراءه..

ومن هنا فإن الذي عُجِن وخُلِط بعالم الأكاديميا، ومناهجها البحثية، وتشكل عقله في تصور المسائل والقضايا على هذا النحو، ندر أن يحسن تصور الأمور على طبيعتها في الواقع.. ولابن خلدون كلمة بديعة جدا جدا في مقدمته عن هذا الأمر، وكيف أن كثيرا من العلماء لا يفهمون السياسة وأحوال الناس ويشتبه عليهم ما لا يشتبه على الجاهل ذي الفطرة، إذا هم تكونت عقولهم على آلية إلحاق المسائل ضمن أصول كلية معروفة كائنة في عقولهم.

(انتبه معي مرة أخرى.. هذا تنبيه مهم جدا: إنما أتكلم الآن عن الشخصيات التي لا تصلح في موقع قيادة الحركة الإسلامية في الزمن الحاضر.. أما أنها تتولى ملفات قانونية أو دبلوماسية أو علمية فهذا شأن آخر.. وأما أنها تصلح قيادة في غير زمن استضعاف فهذا أيضا شأن آخر)

قلتُ في طليعة هذا المنشور، إن ما يجمع هذه الأصناف الثلاثة أنهم “تنطيميون”.. أي بالمعنى الإداري الإجرائي التنفيذي..

وبالتالي يندرج معنا في ذلك كل من كانت شخصيته شخصية “الموظف”.. فتلك الشخصية لها سمات عامة من أهمها: قلة المبادرة، المحافظة على سير العمل كما هو، التخوف من الفرص، النزوع إلى سحب الذرائع (أن يكون الورق سليما وموقفه القانوني لا غبار عليه)، ضعف الطموح إلا في مدارج الترقي الثابتة التقليدية المتاحة… إلخ!

إن كثرة الموظفين في بلد ما ليس شيئا حسنا، وإنما هو من ثمرات تضخم الدولة الحديثة وجهازها الإداري لفرض مزيد من التوغل والسيطرة على الناس، وهو أمر بدأ في الغرب ثم جاء إلى بلادنا في زمن الاحتلال.. والآن يأخذ الغرب في إنقاص عدد موظفيه لا لأنه تخلى عن منطق الدولة الحديثة والهيمنة بل لأنه اكتشف الآلات التي يمكنها أن تؤدي المهمة بكفاءة أعلى وتكاليف أقل.

أما في بلادنا نحن فالأمر أشد سوءا.. فقد تضخم الموظفون في تاريخنا مع أزمنة الاحتلال وجهازه الإداري، لتحقيق هذه الهيمنة والسيطرة والتغول والتغلغل للدولة على المجتمع، وهذه السوأة الأولى.

ولئن كان الغرب مستقلا وساعيا إلى مزيد من التفوق قد سار على نحو جعل الموظف عندهم أكثر تفتحا وإبداعا وأقل خوفا ومحافظة، فإن الأمر في بلادنا على العكس من ذلك.. فالطغيان والاستبداد والدولة العنيفة جعلت الموظفين عبيدا لا يجرؤون على التفكير والإبداع، لأنه قد ثبت بالتجربة أن المبادرين المبدعين قد يكونون أول الخاسرين في حال لم يحقق إبداعهم الهدف المطلوب أو لم يكن على هوى السلطة المتوحشة!!

فكان الموظفون في بلادنا أتعس حالا..

ثم هم ظلوا يتضخمون مع استمرار التخلف في استعمال بلادنا للآلات، حتى صار ذلك سمتا ونمطا اجتماعيا غالبا حتى في الشركات الخاصة والصغيرة وفي بقية المساحات المتفاعلة.

وهذا ما يجعل خرِّيج هذه البيئة غير صالح في الغالب لأن يكون قيادة في زمن استضعاف، مهمتها التحرر.. فكافة المطلوب في هذه القيادة مفقود في هذه الطبيعة الشخصية.

ستكون قد أخطأت قراءة المنشور وفهمه إذا ظننت أنني أنتقد هذه الأنواع من الناس.. على العكس، ليس انتقادا، بل ربما كان النظر إليهم وإلينا كضحايا أولى من النظر بأي اعتبار آخر.

ولكنني أقصد بكل وضوح، ما كنت نبهت عنه مرتين، وسأكرره للمرة الثالثة: إنما أتكلم الآن عن الشخصيات التي لا تصلح في موقع قيادة الحركة الإسلامية في الزمن الحاضر.. أما أنها تتولى ملفات قانونية أو دبلوماسية أو علمية فهذا شأن آخر.. وأما أنها تصلح قيادة في غير زمن استضعاف فهذا أيضا شأن آخر.

السودان.. فؤاد الأمة المنسي!

 كلمات في الصميم

 السودان.. فؤاد الأمة المنسي!

 مضر أبو الهيجاء

يا مسلم يا موحد يا عبد الله هل تعلم أن من يقتلون ويذبحون ويشردون في السودان في اليوم والليلة يكافئون ويزيدون عمن يقتلون في عموم الشام مدة عام!

هل تعلم أن اغتصاب فتياتنا في السودان الجريح بات حالة شائعة متواترة وسببا لقتل الفتيات أنفسهن قبل أن يمس عفتهن المجرمين!

إن تكالب الغرب على السودان وأهله ليس بالأمر الجديد، فالغرب اللعين قد أفقرهم وهو يسلبهم منذ قرن لعلمه أن السودان أغنى بلاد العرب والمسلمين.

والسؤال المطروح إذا كان السودان منهوبا بذهبه وثرواته منذ قرن، وإذا كان ممزقا سياسيا منذ سقوط الخلافة، فلماذا يستحر القتل المتوحش في النساء والأطفال قبل الرجال؟

الجواب ببساطة، حيث يوجد إسلام وتوحيد وحيث تتوفر فطرة سوية وقلوب نقية فلا بد أن يستحر القتل والفقر والتشريد والهدم في منظور الصليبيين المجرمين، فيا لويل مصر وأهلها من شر قد اقترب.

وإذا كانت أمريكا قد أطلقت يد إيران وإسرائيل لتفتيت أقاليم اليمن والشام والعراق، وأطلقت يد الوثنيين وحكام الإمارات لإتلاف السودان والفتك بشعبه، فإن مصر يجمع على حرقها الطرفان، فهل تستفيق؟

التحديث العربي المشوَّه

التحديث العربي المشوَّه




حفل صاخب بأغان قديمة لفنان مستهلك عاجز عن التجدد في كل موسم، ترافقه موجة من التفاعلات المتحمسة لفنه ومنها مشاركته الرقص على الرّكح والاقتراب من شخصه إلى حد الالتصاق والعناق، موجة الحماس تثير موجة من النقد الشرس ضد الفنان وفنه وضد المتحمسين وخاصة المتحمسات إلى حد الالتصاق.
تتخذ موجة النقد منحى أخلاقيًا، فترد موجة الحماس بموجة عناد وينتقل الحديث إلى صراع أصالة ضد حداثة ومن الباطن تقدمية ضد رجعية، حدث هذا في تونس في أصياف كثيرة، ويحدث مثله في مسارح عربية أخرى، وقد التحقت بلاد الحرمين مؤخرًا بالموجة، ويغيب في الزحمة سؤال مهم: هل هذا تحديث مشوه وغير أخلاقي أم أنه هو التحديث بصيغته اليتيمة؟ نحاول المساهمة في النقاش لعل نتبيّن الطريق.

الاختلاف حول الطرب ليس جديدًا

الميل إلى الطرب ليس واحدًا عند كل الناس، والثقافة الدينية وضعت دومًا حواجز في تقبل أنواع منه وحكمت عليه، لكن الناس لم يرتدعوا وظل هناك “طربيون” يبحثون عن الملهاة في أي مكان وبأي وسيلة، وظل هناك “متزمتون” يرفضون ويقيسون أخلاق الناس. إذن ليس هذا موضوع النقاش الحقيقي.

المظاهر المرافقة للعرض الحديث كمشاركة الفنان الركح والتغنج له علانية أو حتى التعري له رمزيًا برميه بالملابس الداخلية على رؤوس الملأ، أو كغرام سيدة حصان بفنان يقودها زوجها إلى وراء الكواليس لعناق الفنان المغني والبكاء بين يديه هيامًا به، هذه المظاهر لا تمر دون أسئلة عن المرجعية الأخلاقية للأسرة الحديثة. 
هذه الأسئلة قريبة جدًا من الأسئلة التي يطرحها المتزمتون، لكننا لا نرد عليها بأحكام وفتاوى، بل نبحث خلفها عن تصور العالم في الزمن الحديث وعن نمط التربية المتبع. وعن غيرة الرجل وعن حفظ البيت والأسرة.
لقد تغيرت الأسرة (ونهتم هنا بالأسرة العربية المسلمة) وتغير نمط التفكير الذي تقام عليه، لكن هل تم اختراع نمط من الداخل الثقافي القديم أم تم استدعاء نمط خارجي مبني على أسس مختلفة؟ نظن أن المعضلة تكمن هنا في المرجعيات التحديثية.

التغيرات اجتماعية أولًا (تحولات من مجتمع ريفي زراعي متماسك حول الجد والنسب إلى أسرة نواه تقوم على مصدر دخل مستقل صناعي أو تجاري) ثم لحقت بها أنماط تفكير هنا بدأت الاستعارة من نمط التحديث الغربي فصار مثالًا وقدوة.

نمط تفكيك الأسرة

نمط تحديث المجتمعات ثقافيًا كما نلاحظه في الغرب الأوروبي تخلى عن الأسرة لصالح الفرد. في مراحله الأخيرة نشهد الفرد الذي يعيش لنفسه ويتمتع بدخله ويكيف حياته على فردانيته بما في ذلك نمط السلوك والمرجعيات الأخلاقية التي يسير عليها. إن الإنجاب وتربية الأبناء تصير أمورًا ثانوية بإطراد حتى إن الحكومات تعاني من توقف النمو الديموغرافي وتتبع سياسات تشجيع على الإنجاب ولو خارج الأسرة بنية ترميم بنية السكان والتصدي للهجرة، فهي تشاهد نهاية مجتمعاتها واستبدال متأن بشعوب وافدة.

في هذا التوجه الفرداني تصبح سلوكيات مثل الغيرة والحرص على الشرف وصيانة العرض سلوكيات مفوتة بمرجعيات أخلاقية متخلفة وغير ذات فائدة للفرد، ومن هنا يتسرب التصريح بالإعجاب بالغير إلى حد عرض النفس عليه، وهذه سيرة الغربيين عامة والغربيات خاصة مع نجوم الفن والرياضة، فهم الأيقونات الجديدة وأهداف الحب والتعلق. دون طرح السؤال هل يجوز ذلك؟ لقد تمت إجازته وصار معيارًا سلوكيًا يوصف بالتحرر مرادف التقدم.

تحديث الفن العربي وإعادة تنشيط المسارح والعروض المفتوحة للجمهور (بعد أن كان الفن حبيس القصور مقصورًا على علية من قوم يكتمون مظاهره) جلب معه نفس الغرام بالفنان وصار هدفًا للتعلق والعشق بمظاهر لا تمت إلى المرجعيات الأخلاقية التقليدية بصلة، وبالنظر إلى ما قدمناه من ذكر التغير الاجتماعي فإن هذا توجه فرداني يصلنا كحتمية سلوكية ضمن باقة التغيير الاجتماعي والثقافي (الأخلاقي المرجعي) التي طرأت على الغرب واستحسنها ويعيشها بامتلاء، لكن هل أن هذه الباقة حتمية ويجب الاستسلام لها وعيشها بنفس الطريقة الغربية؟

تمزق المرجعيات


ما زالت الأسرة العربية/التونسية تربي الأبناء على فكرة الأسرة وترسخ رغم التحديث أن كل فتاة هي مشروع زوجة وأم وربة بيت بما يتبع ذلك من غيرة وتملك وصون للعرض، والفتى الصالح هو فتى يتزوج ويبني أسرة، وفي خلاف ذلك فهما فاسدان، لكن كيف يقود زوج زوجته لمعانقة رجل آخر ويعرب عن سعادته؟ (وما نستشهد به ليس حالة فردية إنما اكتفينا بما جلبت لنا الكاميرا).

هنا يظهر التمزق المرجعي في الأسرة العربية، فهي ليست أسرة تقليدية والمرجعية الأخلاقية لا تقوم فيها ولكنها مبقية رغم ذلك على شكل الأسرة. إنها أسرة تنفر من وصف المحافظة وتعيش حداثتها ولكن هل هي حداثتها أم سلعة وجدتها في سوق المرجعيات؟

لم يرتق الفرد العربي إلى اعتناق فردانيته بشكل كامل، لكنه لم يعد يستريح في مرجعيته التقليدية ذات المرجع الديني. (هناك مقاومة شرسة لهذا التوجه الفرادني لكنها مقاومة بلا مقترحات مغرية) لذلك نراه يسير بلا توقف في هذا الاتجاه ضمن استيعابه بوعي أو دونه لباقة التحديث الغربية، فالأمر عنده أقرب إلى اتباع موضة ملابس أو سيارات أو هواتف. يقتني ويستهلك ولا يسأل هل هذا هو الصواب؟ فإذا جوبه بخطاب مقاوم يصر على تقدميته وحداثته وينعت المقاومة الاجتماعية بالمحافظة والرجعية. (تترجم هذه المواقف بحركات سياسية وتخوض صراعات على السلطة ويدخل الفن في أدواتها الحربية وذلك منذ بواكير استقلال الدول العربية عن الاحتلالات المباشرة).

أجلى مظاهر هذا التمزق المرجعي نقرأه في حديث المرأة التونسية، فهي متعلمة ومتحررة وعاملة ومستقلة وتقرر لنفسها، لكنها تود أن تكون سيدة بيت وأم وتغار على زوجها غيرة مرضية وتقاتل بشراسة ضد التعدد، وهي نفسها من تعمل على أن يرافقها زوجها لتعانق راغب علامة في الكواليس، واحدة فقط تجرأت لكنها حققت شهوة الكثيرات، كيف تجمع بين فردانيتها ومحافظتها؟ هذا هو التمزق الكامن خلف مظاهر الاحتفال والقبلات المرسلة ورمي الفنانين بالملابس الداخلية.

هل هذا هو التحديث أم هذا تحديث هجين وافد مع بقية السلع الغربية الممتعة كالسيارة والهاتف؟ لم أصل بالقارئ إلى إجابة شافية لذلك سأحيله إلى غزة الطوفان، فمن هناك بدأ تحديث مختلف وسيكون له صدى في الأزمنة. لقد بدأ الصراع واستهلك وقتًا وجهدًا بين نموذج أبي عبيدة ونموذج راغب علامة.

عن قرارات "إسرائيل" الأخيرة ودولة الاستيطان في الضفة الغربية.. من يتفاجأ؟!

 عن قرارات "إسرائيل" الأخيرة ودولة الاستيطان في الضفة الغربية.. من يتفاجأ؟!

ساري عرابي


اتخذت حكومة بنيامين نتنياهو في 28 حزيران/ يونيو المنصرم سلسلة قرارات في إطار تكريس الاستيطان وإعدام المجال الحيوي للفلسطينيين في الضفّة الغربية، وهي باختصار "شرعنة" خمس بؤر استيطانية في مناطق نابلس ورام الله والبيرة وبيت لحم والخليل، ومدّ الصلاحيات الإدارية لـ"الإدارة المدنية الإسرائيلية" إلى مناطق (ب)، وإلغاء صلاحيات السلطة الفلسطينية عن محمية طبيعية مصنفة (ب) تمتد شرقي بيت لحم وتبلغ مساحتها 166 ألف دونم بما يساوي 3‎‎ في المئة من مساحة الضفة الغربية، وتوسيع البناء الاستيطاني في المستوطنات المقامة، وتقييد حركة بعض مسؤولي السلطة؛ وهذا القرار الأخير أقلّها أهمّية.

وأعلن وزير المالية (وصاحب الوزارة الثانية داخل وزارة الحرب الإسرائيلية) زعيم حزب "الصهيونية الدينية" بتسلئيل سموتريش؛ أنّ هذه القرارات جاءت ردّا على اعتراف خمس دول أوروبية بدولة فلسطين، وعلى ملاحقة الكيان الإسرائيلي في المحاكم الدولية، لكن المفاجئ لغير المتابعين، أنّ هذه القرارات بعينها ناقشتها لجنة الخارجية والأمن في "الكنيست" الإسرائيلي في 19 تموز/ يوليو 2023، أي قبل عام، وقبل حرب السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، وقبل اعتراف الدول الأوروبية تلك بدولة فلسطين، وقبل قرارات المحكمتين الدوليتين العدل والجنائية!

لفهم طبيعة القرارات وخطورتها، يحسن العودة إلى اتفاق أوسلو الثاني الموقع في طابا المصرية في 28 أيلول/ سبتمبر 1995؛ الذي قُسّمت فيه الضفة الغربية إلى ثلاث مناطق وهي (أ) وتمثّل 2‎‎ في المئة من مساحة الضفة الغربية في 6 مدن فلسطينية (لا تشمل الخليل التي صار لها وضع خاص وفق بروتوكول موقع في 15 كانون الثاني/ يناير 1997 قُسّمت بموجبه إلى منطقتين H1 تخضع للسلطة، وH2 تخضع للاحتلال)، هذه المدن المنفصلة عن بعضها تتولّى فيها السلطة الفلسطينية المسؤولية الأمنية والإدارية، 

كرّست "إسرائيل" واقعا استيطانيّا، وللمفارقة بالاستناد إلى اتفاقية أوسلو، التي كانت تتيح من الناحية الفعلية للاحتلال التمدّد الاستيطاني في مناطق (ج) التي تمثّل المساحة الأكبر من الضفة الغربية، وأفضى هذا الواقع الاستيطاني إلى بنية استيطانية ممتدة ومتضخمة ومترابطة ببنية تحتية وشبكة مواصلات وموارد طاقة ومياه وفيرة، وإلى تجمعات سكانية فلسطينية متفرقة ومنفصلة ويتحكم في عُقد التواصل بينها أكثر من 700 حاجز إسرائيلي، وتعتمد بالكامل في مواردها على التحكم الإسرائيلي

و(ب) وتمثّل 26‎‎ في المئة من مساحة الضفّة الغربية موزّعة بين 420 قرية فلسطينية؛ بحيث تتولّى السلطة الفلسطينية فيها المسؤولية الإدارية فقط، ومناطق (ج) وتمثّل 72‎ في المئة من مساحة الضفة الغربية وتبقى خاضعة بالكامل للسيطرة الإسرائيلية الأمنية والإدارية.

وكان يُفترض وفق اتفاقية "واي ريفر" الموقعة في 23 تشرين الأوّل/ أكتوبر 1998، أن يجري، على ثلاث مراحل، نقل مساحات أخرى من مناطق (ج) إلى (ب) و(أ) ومن (ب) إلى (أ)، مقابل التزامات أمنية من السلطة الفلسطينية، إلا أن ما حصل هو العكس تماما، فقد علقت "إسرائيل" تنفيذ بقية المراحل، وشرع مستوطنوها بعد توقيع "واي ريفر" مباشرة في بناء مواقع استيطانية وشقّ طرق التفافية جديدة.

كرّست "إسرائيل" واقعا استيطانيّا، وللمفارقة بالاستناد إلى اتفاقية أوسلو، التي كانت تتيح من الناحية الفعلية للاحتلال التمدّد الاستيطاني في مناطق (ج) التي تمثّل المساحة الأكبر من الضفة الغربية، وأفضى هذا الواقع الاستيطاني إلى بنية استيطانية ممتدة ومتضخمة ومترابطة ببنية تحتية وشبكة مواصلات وموارد طاقة ومياه وفيرة، وإلى تجمعات سكانية فلسطينية متفرقة ومنفصلة ويتحكم في عُقد التواصل بينها أكثر من 700 حاجز إسرائيلي، وتعتمد بالكامل في مواردها على التحكم الإسرائيلي، مما أنتج نظاما شديد الوضوح من الفصل العنصري. (يعاني فلسطينيو الضفة هذه الأيام من تعطيش مبرمج غير مسبوق في مستواه بسبب تقليص الاحتلال لحصص المياه المخصصة لهم).

في 23 شباط/ فبراير 2023 مُنِح سموتريتش وزارة ثانية في وزارة الحرب الإسرائيلية بموجب اتفاق بينه وبين وزير الحرب يؤاف غالانت، بهدف إيجاد مرجعية جديدة للحالة الاستيطانية في الضفة الغربية غير "الإدارة المدنية" (الإدارة المدنية هي هيئة عسكرية إسرائيلية تتبع جيش الاحتلال تحكم الضفة الغربية بات اسمها "وحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق").

الحكم العسكري في معناه الظاهر؛ هو أنّ الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية مؤقت، ولكن فصل المستوطنين في الضفّة الغربية عن إدارة الجيش من خلال دائرة مدنية خاصة بهم يعني من الناحية الفعلية ضمّ المستوطنات إلى الكيان الإسرائيلي، وفرض نمط من الاحتلال المدني الذي يلغي الطابع المؤقت لاحتلال الضفة الغربية، ويكرّس واقعا أكثر تحديدا من الفصل العنصري، حيث يبقى الفلسطينيون خاضعين للإدارة العسكرية الإسرائيلية.

الحكم العسكري في معناه الظاهر؛ هو أنّ الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية مؤقت، ولكن فصل المستوطنين في الضفّة الغربية عن إدارة الجيش من خلال دائرة مدنية خاصة بهم يعني من الناحية الفعلية ضمّ المستوطنات إلى الكيان الإسرائيلي، وفرض نمط من الاحتلال المدني الذي يلغي الطابع المؤقت لاحتلال الضفة الغربية، ويكرّس واقعا أكثر تحديدا من الفصل العنصري، حيث يبقى الفلسطينيون خاضعين للإدارة العسكرية الإسرائيلية


كانت هذه الخطوة، بالضمّ الناعم غير المعلن للمستوطنات، جزءا من خطة سموتريتش لحسم الصراع بالضفة الغربية التي أعلن عنها عام 2017، والتي تهدف إلى إلغاء أدنى إمكانية لقيام دولة فلسطينية بالضفة الغربية، وتكريس "إسرائيل" دولة يهودية واحدة من البحر إلى النهر.

ما جرى إذن يوم 28 حزيران/ يونيو 2024 من قرارات جديدة، هو تنفيذ لخطة معلنة، وقرارات جرت مناقشتها من قبل، بما في ذلك إلغاء النفوذ الإداري للسلطة عن مساحة واسعة من مناطق (ب)، ومدّ الصلاحيات الإدارية الإسرائيلية إلى مناطق (ب) بما يشمل قرارات الهدم وتراخيص البناء، وما يتصل بذلك بالضرورة من بنية تحتية وطاقة ومياه وترددات الاتصالات وشبكة المواصلات. وأكثر من ذلك؛ فإنّ لجنة الخارجية والأمن في الكنيست في تموز/ يوليو من العام الماضي، ناقشت كذلك مدّ الصلاحيات الإدارية الإسرائيلية إلى مناطق (أ).

وإذا كانت اتفاقية أوسلو قد أتاحت للاحتلال إعدام المجال الحيوي للفلسطينيين في مناطق (ج) التي أطبق عليها الاستيطان وطوّر فيها الاحتلال بنيته التحتية الاستعمارية؛ التي خنقت الفلسطينيين في محميات بشرية صغيرة منفصلة عن بعضها، وصادرت منهم إمكان التطوير الزراعي والصناعي، فإنّ مدّ الصلاحيات الإدارية الإسرائيلية إلى مناطق (ب) كما قُرّر أخيرا، و(أ) كما سيجري بالتأكيد لاحقا؛ يعني خنق التجمعات الفلسطينية من كلّ ناحية، وفرض القلق والخوف واللايقين على الفلسطيني الذي سيصبح منزله معرضا للهدم، ومصالحه في قبضة المجهول.

المفارقة أنّه ومنذ ذلك الاجتماع في تموز/ يوليو العام الماضي درس الإسرائيليون المسوغات القانونية لإجراءاتهم المزمعة بمدّ صلاحياتهم الإدارية إلى مناطق السلطة وإلغاء صلاحيات السلطة في بعض المناطق بنحو كامل، وكانت المفارقة في كونهم استندوا إلى اتفاقية أوسلو نفسها، فقد نصّت الفقرة (1) من البند (7) في الملحق رقم (1)  من اتفاقية أوسلو الثانية الموقعة عام 1995 أنّه: "ليس في هذه المادة ما ينتقص من صلاحيات إسرائيل ومسؤولياتها الأمنية وفقا لهذه الاتفاقية"، أي أن تقسيم الضفة إلى ثلاث فئات لا ينتقص من صلاحيات "إسرائيل" في أيّ من تلك الفئات.

وبالفعل منذ العام 2002 و"إسرائيل" تمارس الدور الأمني المباشر في مناطق (أ) التي تقتحمها باستمرار بغرض الاعتقالات والاغتيالات وهدم منازل منفّذي العمليات وتجريف البنية التحتية أثناء الاقتحامات، في حين يُفترض أن تقتصر الصلاحيات الأمنية في هذه المناطق على السلطة الفلسطينية، وكذلك المحمية البرية التي تقع شرقي بيت لحم والتي سحبت "إسرائيل" صلاحيات السلطة عنها تماما. درست "إسرائيل" منذ عام المسوّغ القانوني لذلك، وهو أنّه اشترط على السلطة في اتفاقية "واي ريفر" أن تخصص هذه المنطقة للمحميات الطبيعية والمناطق الخضراء وأن تمنع التمدد العمراني إليها، فالإخلال بهذا الشرط يمثّل غطاء قانونيّا للاحتلال لتكريس سيطرته على الضفة الغربية. (وقد أجرى نتنياهو مناقشات بشأن هذه المحمية في أيلول/ سيبتمبر 2023، وزارها في الشهر نفسه وزير الحرب غالانت وحذر من كون البناء الفلسطيني فيها مخالفا لاتفاقية أوسلو).

التمزيق المستمرّ للوجود الفلسطيني، وجعله بلا أمل في حياة أفضل يملك فيها الفلسطيني تصورا واضحا عن حياته؛ لا يقتصر على التمدد الاستيطاني الذي يعدم مجاله الحيوي ويشلّ قدرته على الحركة، ولكنه يستند كذلك إلى تنظيم الحالة الاستيطانية في مليشيات مسلحة لها مرجعياتها الحزبية ومنطلقاتها الأيديولوجية ومدارسها الدينية، ومواردها الاقتصادية ونفوذها في الأمن والجيش والحكومة


هذا التمزيق المستمرّ للوجود الفلسطيني، وجعله بلا أمل في حياة أفضل يملك فيها الفلسطيني تصورا واضحا عن حياته؛ لا يقتصر على التمدد الاستيطاني الذي يعدم مجاله الحيوي ويشلّ قدرته على الحركة، ولكنه يستند كذلك إلى تنظيم الحالة الاستيطانية في مليشيات مسلحة لها مرجعياتها الحزبية ومنطلقاتها الأيديولوجية ومدارسها الدينية، ومواردها الاقتصادية ونفوذها في الأمن والجيش والحكومة، هذه المليشيات من أمثال "فتية التلال" و"تمرد" و"تدفيع الثمن" تتحول باطراد إلى صورة أخرى من عصابات "الهاغاناة" و"أريغون: إيتسل" و"ليحي"، وهو ما يتضح بهجمات الاستباحة لبلدات الفلسطينيين بالحرق والإتلاف والنهب والقتل.

ما لا يقلّ عن ذلك مفارقة، هو أن موافقة نتنياهو في "الكابينت" أخيرا على "شرعنة" خمس بؤر استيطانية كان مقابل أن يفرج سموتريتش (بوصفه وزير المالية) عن أموال السلطة التي تحتجزها "إسرائيل" (طبعا بعد أن تقتطع منها حصة غزة في ميزانية السلطة ومخصصات الأسرى والشهداء وعوائلهم، وديونها التي تزعم أنّها مستحقّة على السلطة، وما تزعمه كذلك من تعويضات مستحقة على السلطة؛ مثلا تعويضات عوائل القتلى الإسرائيليين الذين سقطوا في عمليات فلسطينية).

وهكذا يصبح راتب الفلسطيني مقابل التمدّد الاستيطاني؛ في حالة من التشوّه والشذوذ لم تخطر في كوابيس أكثر الفلسطينيين تشاؤما في أيّ يوم من الأيام.. والحاصل هذه هي "إسرائيل" وهذه هي الضفة الغربية، وهذا هو مآل مشروع التسوية وطريق السلام!

x.com/sariorabi

الثلاثاء، 2 يوليو 2024

موت اليسار على يد العجوز بايدن والشاب ماكرون زوايا وائل قنديل

موت اليسار على يد العجوز بايدن والشاب ماكرون


يمكن توقّع فوز كاسح لمرشّح أقصى اليمين الأميركي، دونالد ترامب، من دون أن تحتاج إلى خبراتٍ كبيرةٍ في لوغاريتماتِ اللعبةِ الانتخابية، ومن دون أن تبذل جهدِاً كثيراً في تحليل أداء منافسه الرئيس الحالي، جو بايدن.

ليس فوزُ ترامب المتوقّع مرتبطًا بمدى قوّةِ معسكره وضعف المعسكر الآخر، كما أنّه ليس مبنيًّا على جدارته وإمكاناته الشخصية، مقارنةً بإمكانات مرشّح اليسار الديمقراطى، جو بايدن، كما لا يمكن البناء على أنّ انخراط الرئيس الحالي في الجريمةِ الصهيونية ضدَّ الشعب الفلسطيني سوف يُفقده كتلةً كبيرةً من الأصواتِ التي ستذهب إلى خصمه الجمهوري، ذلك أنّ انحيازاتِ ترامب إلى الكيان الصهيوني ودعمه المطلق جرائم الاحتلال أكبر بكثير من مثيلاتها عند بايدن.

تعودُ المسألة إلى تراجع تيّار الوسط في العالم كلّه، ليس لأنّ العالم ضجّ بالوسطية والاعتدال فاتّجه بمنتهى الاندفاع نحو التطرّف إلى أقصى اليمين وأقصى اليسار، بل لأنّ الوسط لم يعدْ وسطيًاً أو معتدلاً بالمفهوم الصحيح للوسطيّة والاعتدال، وإنّما صار انتهازيًاً وصفيقاً على نحوٍ يبدو معه مُزايداً على أقصى اليمين المتعصّب في لحظاتٍ، ومتجاوزاً أقصى اليسار المتطرّف في لحظاتٍ أخرى، وهو ما يتجسّد بوضوحٍ في حالة الرئيس الفرنسي الحالي، إيمانويل ماكرون، الذي بدا مُصاباً بلوثةِ الإسلاموفوبيا بما جعله يتفوّق على مجانين اليمين الديني المتعصّب أحيانًا، وهو يرفع شعارات علمانية الدولة وحداثتها وقيمها الجمهورية العريقة، في مقابل تناغمه الكامل ودفاعه المستميت عن الفكرة الصهيونية الدينية إلى الحدِّ الذي أوصله إلى سنّ تشريعٍ يعتبر معاداة الصهيونية ومعاداة السامية سواء.

في هذه النقطةِ تحديداً، صار الرئيس الفرنسي الشاب الذي انتُخب لتجديدِ شباب الجمهورية الفرنسية تلميذاً مخلصاً لقيم (وأفكار) الرئيس الأميركي الساقط بعد فترة ولايةٍ واحدةٍ، دونالد ترامب، إذ سلك ماكرون القادم من يسار الوسط بوصفه يمينيًاً صهيونيًاً متعصّباً، ليبدأ منذ العام 2019 سنة الذروة للمدرسة الترامبية وتمدّدها إلى خارج أميركا، تنفيذ إجراءات لحمايةِ الصهيونية في فرنسا، حيث تعهّد الرئيس الفرنسي باتخاذ "إجراءات" قانونية لمكافحة معاداة الساميّة بقوله: "سنتّخذ إجراءات، وسنصدر قوانين وسنعاقب"، ثمّ شدّد، في خطابٍ ألقاه في حفل العشاء السنوي للمجلس التمثيلي للمؤسّسات اليهودية في فرنسا، أنّ بلاده ستعتمد، في تشريعاتها، تعريفًا لمعاداة السامية، كما حدّده التحالف الدولي لإحياء ذكرى المحرقة، بحيث يتضمّن معاداة الصهيونية، وأضاف إنّ "معاداة الصهيونية هي أحد الأشكال الحديثة لمعاداة السامية".

خسر ماكرون بكلّ جدارة واستحقاق الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية الفرنسية، في حين جاءت كتلة أقصى اليمين المتعصّب أولاً، وكتلة أقصى اليسار في المرتبة الثانية، بنسبٍ مرتفعةٍ لا تُقارن بالنسبة الهزيلة للكتلة الماكرونية، يسار الوسط الانتهازي الباهت، وهو الذي قرّر التعجيل بانتخاباتٍ مبكّرةٍ بعد ما رأى اكتساحاً يمينيًاً في انتخاباتِ البرلمان الأوروبي.

الأسبابُ ذاتها التي أطاحت ماكرون هي التي سوف تقضي على مسيرةِ بايدن السياسية، ليكرّر إخفاق ترامب في الاحتفاظِ بالمنصب للولاية الرئاسية الثانية، ليس لأنّ الناس كرهت يسار الوسط الديمقراطي، وإنّما لأن هذا النوع من اليسار السوقي الانتهازي بدا في معاداةِ الديمقراطية والانحياز إلى الدكتاتوريات الشرق أوسطية أشرس من اليمين الجمهوري المتطرّف، لتكون المحصلة أنّ الشاب الذي خطف الأنظار حين جرى انتخابُه رئيسًا للجمهورية الفرنسية ولايتين متعاقبتين، لتجديدِ شباب فرنسا وإنعاش الفرانكفونية، أصبح مسماراً في نعشِ الفرانكفونية، وسبباً في هزيمتها وإهانتها وطردها من دولٍ إفريقية عديدة، كما أنّ العجوز الذي انتخبه الأميركيون لترميم النموذج الذي حطّمه ترامب تحوّل إلى عبءٍ على نموذجِ "الحلم الأميركي" الذي فرضت بها الإمبراطورية الأميركية هيمنتها على العالم.

بين "الاستحقاق" الإسرائيلي.. ووهم الدونية العربية!

 

بين "الاستحقاق" الإسرائيلي.. ووهم الدونية العربية!
يوسف الدموكي
صحفي، وطالب بقسم التلفزيون والسينما في كلية الإعلام بجامعة مرمرة



يتحدّث الاحتلال منذ بدء عدوانه على قطاع غزّة عن "اليوم التالي" للحرب، ورغم تمريغ أنفه في وحل غزّة منذ الأشهر الأولى، فإنّه ما زال يتشدّق بالحديث نفسه بين وقتٍ وآخر، وإن انخفضت وتيرته، ولعلّ آخر ذلك الحديث "الإسرائيلي" تصريحات وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، بالنيابةِ عن الاحتلال، حول السيناريوهات التي تنتظر غزّة بعد الحرب، حول احتلالها أو إحلالِ قوّةٍ إقليميةٍ أو دوليةٍ فيها، أو السيناريو الأخير (المُستبعد عندهم من باب العجرفة) أن تحكم قطاع غزّة نفسها، وأن يقودها أهلها من مقاوميها الذين دفعوا ما دفعوا لأجل إكرام هذا الشعب، وقبلها دفع الشعب ما دفع لتُواصل طريقها على طريقتها.

تستفزّني تلك النبرة المُتعالية من الاستحقاق عند الحديث عن غزّة ومستقبلها، كأنّها طفلة صغيرة يقرّرون لها مصيرها، رغم أنّها وحدها تضرب بهم المثل في الفشل والانهزام والخسارة والحسرة والنكساتِ في رمالِ القطاع، ويطير وزير الخارجية الأميركي في جولاتٍ عابرةٍ للحدود والقارات، تباحثًا حول مستقبل غزّة. يعني يأتي من أقاصي الأرض، من أميركا الشمالية إلى أطرافِ آسيا وأفريقيا، ليخبرَ العرب ماذا يفعلون في هذه الصبيّة المُشاكسة التي من صُلبهم، وكيف يؤدّبونها، وكيف يختارون لها (برعايةِ واشنطن) مستقبلًا بديلًا غير هذه السبيل الضالة التي تزعج أحباب أميركا في المنطقة، وتؤرق فتيتها المدلّلين، وحرّاسها المخلصين.

أنزعجُ وأنا أواصل بحثي عن سرّ ذلك الاستحقاق الغربي، وتلك البجاحة في الحديث عن "شؤون بلادنا"، وكيف يتجرّأ عدوّك على أن يضربك بالرصاص ويذبحك بالسكين ويمزّق أشلاءك بالبراميل المتفجّرة، ثم يمسك قلمًا وممحاةً، وكوب مياه وعصير، ويدخن سيجارته نافثًا دخانها في وجهك مع ابتسامةٍ مبتذلةٍ وقحةٍ، ثم يرسمُ لك الخريطة على طاولتك؛ هنا سنضعُ قواتٍ بريّةً، وهنا سنبني رصيفًا عائمًا، وهنا سنُشكلُ حكومةً من العشائر، وهنا ستفتح أنت المعبر ولكن في ثقبٍ آخر من الجدار يكون تحت إمرتي وبالشراكة معي، وأنت ستدخل بعض الشاحنات من الشمال لنخفّف الصداع المتزايد قليلًا، وأنت ستطبّع معي بعد قليل، وأنت طبّعت معي قبل قليل، وأنت ستؤدّي دورك في اللامبالاة، حتى لا تعود غزّة ملهمةً، تهدّد عروشنا جميعًا!

 ليست غزّة هذه "التورتة" التي يتوهمها الاحتلال وداعموه، ولن تكون إلا عبوة شواظ مُفخّخة، تتنكّر في قطعةِ حلوى                                                                          

حتى وجدتها، ذلك "الاستحقاق" نابع من "الاستحمار" الذي لدينا، من "الاستحماق" لدى قصورنا، بأنّ كلّ شيءٍ يسيرُ بأمر السيد الأميركي، فتوتنا الكبير، العدوّ المخلص، والصديق الخبيث الوفيّ، البلطجي الذي نحترمه ونقدره، ومن ثم ينتقل ذلك الاستحقاق بالتبعية إلى "تل أبيب"، والحديث عن غزّة مدينةً مارقةً يتحتَّم تأديبها، وعن المقاومةِ وفصائلها بوصفها جزءًا مطموسًا من الماضي، رغم أنّها ما زالت حاضرة وبقوّة، أشدّ من ذي قبل، تلقنهم الدروس وتصنع منهم العبَر، لكنهم (بما منحه لهم السادة من دون سيادة) أصبحوا المشرف الكبير على المنطقة، "نبَطشي الزنزانة" الذي يكون غالبًا الأكثر إجرامًا، وقتّال قتلى، ليكون هو المسؤول عن كلّ شيء.

ذلك الاستحقاق الاستعلائي الاستعماري نابعٌ من ذلك الهوانِ العربي والاستغراق في الذل، وأن تصنع من عدوّك الذي كان بإمكانك مجابهته وحشًا تخاف منه، ووهمًا يكبر كلّ صباح، حتى تتحوّل إلى كائنٍ واقعٍ في غرامِ سيّده، الذي يجلده وينهبه ويسرقه، لكنه يؤمّنه على كرسي صغير منحه إياه على السفرة حول "التورتة"، فيسبّح بحمده كلّما أراد قول دعاء الطعام!

وعلى كل حال، غزّة ليست هذه "التورتة"، ولن تكون إلا عبوة شواظ مُفخّخة، تتنكّر في قطعةِ حلوى!


نقد مذهب الشنقيطي في فقه الثغور وحلف إيران (10)

نقد مذهب الشنقيطي في فقه الثغور وحلف إيران (10)

بقلم: مضر أبو الهيجاء


الخلاصة:

إن معاركنا في فلسطين معارك واجبة ومشروعة كما أن بطولاتنا كانت دوما عظيمة ومشهودة، لكن علاقة وحلف حركة حماس مع إيران قد أوقع فلسطين في الفخ الذي أحرق وأغرق غزة، وخسرت الأمة جميعها الرصيد والمكون الاسلامي السني الوحيد في مواجهة المشروع الصهيوني على أرض فلسطين المباركة، حتى أن معركة الطوفان التي ابتدأت من غزة وهي ماضية في التوسع نحو لبنان والقدس والضفة تكاد تسدل الستار عن مسرح قديم ليرتفع الستار مجددا أمام مسرح جديد تعيد ترتيبه أمريكا بأشكال جديدة ستتجاوز النكبة الفلسطينية ولن تتوقف ولو لبرهة عند محرقة غزة.

لقد حان الوقت الذي يجب فيه التوقف والمراجعة الجادة للعلاقة والحلف القائم بين حركة حماس وإيران، لاسيما وقد أثمرت تلك العلاقة اتلافا للقضية الفلسطينية من الناحية السياسية وتشويها للنسيج الفلسطيني المنسجم ثقافيا واجتماعيا -وهو ما لم تحقق ربعه سلطة التنسيق في رام الله-، وانتهت مؤخرا بإتلاف واغراق غزة، وفتحت الباب أمام العبث في الضفة وعبدت الطريق أمام مصادرة الأقصى، لاسيما وقد أثبتت قدرتها وبرهنت لأمريكا أنها الأقوى والأقدر على ضبط الساحات لصالح الرؤية الأمريكية في إدارة المنطقة وإعادة ترتيبها من جديد -الأمر الذي يزعج إسرائيل-، وذلك عقب ثورات الربيع العربي والتي كانت إيران أكبر أسباب اجهاضها لصالح الرؤية الأمريكية ولصالح أمن إسرائيل، والعراق والشام خير الشاهدين.

وفي الوقت الذي باتت فيه المراجعة والتراجع عن الحلف مع إيران هي واجب الوقت في المشروع الفلسطيني، يتصدر كثير من الكتاب وتضخ مواد إعلامية ضخمة عبر قنوات فضائية، وتتزاحم كلمات الشكر والعرفان الحمساوي لإيران لتغلق الطريق أمام المراجعة الداخلية التي تستهدف إنقاذ عموم الأمة من الأخطبوط الإيراني المتوافق استراتيجيا مع الأمريكان.

إن الإرادة الدولية تصر على بقاء المشروع الإيراني كإطار حاضن ومدير للملف الفلسطيني، لاسيما وقد حققت إيران ما تريده أمريكا العميقة وأوقعت حركة حماس في الفخ ثم تركتها تتآكل وتستهلك رصيدها ورصيد الأمة في غزة وفلسطين أمام وحشية العدو الإسرائيلي للدرجة التي أصبحت فيها غزة الأندلس الثانية، دونما تدخل فاعل يقلب الموازين، بل كان الايقاع الإيراني العسكري في ساحات تواجده مثالا للالتزام بقواعد الاشتباك مدا وجزرا، وحتى يتموضع بشكل قادم وكبير فقد أحاط بالحدود الأردنية العراقية، وما ذلك إلا ليثبت كمال قوامه وقوة أدواته القادرة على ضبط أي دولة في محيط فلسطين في حال خرجت عن السيطرة -لاسيما وهو رافع لواء النصر والتحرير للأقصى-، تماما كما أثبته من قبل في العراق واليمن والشام وأنهى حلم ومحاولة النهضة فاستحق نفوذا واسعا في اليمن والشام وساد في لبنان واستلم سدة الحكم في العراق العظيم.

لم تنجح إسرائيل خلال قرن بإنهاء القضية الفلسطينية أو إتلاف المحيط العربي لفلسطين رغم كل الحروب التي خاضتها ورغم حجم الإنفاق الغربي عليها ورغم الفيتو الأمريكي الدائم لأجلها.

لكن إيران دولة الملالي -ومنذ أن نقل الغرب الخميني ومكنه من طهران- نجحت في تفكيك دول المنطقة سياسيا بعد أن أسست لاحتراب ثقافي في شعوبها، كما أنها نجحت في إفشال ثورات الربيع العربي لصالح أمن إسرائيل فكافأتها أمريكا بمد نفوذها، ثم إنها قد نجحت فيما فشل فيه الصهاينة عبر إتلافها القضية الفلسطينية وسحق مكونها المقاوم عبر جره لحرب كونية غير متكافئة في ظل خنوع عربي رسمي، وفي ظل استلامها لزمام المبادرة في محيط فلسطين وضبطها الساحات والتزامها بقواعد الاشتباك.

إن خطورة طرح الشنقيطي -رغم تهافته- والضخ الإعلامي لقناة الجزيرة في سياق تدعيم وتشريع وتأصيل العلاقة بين حركة حماس وإيران هو في منعهما من انبثاق وعي جديد في لحظة اهتزاز عنيف، وكأن المكون الثوري الفلسطيني الذي بدأ يفوق من سكرته بسبب حجم الزلزال الذي أصابه فيدرك الأمور كما هي على حقيقتها، لن يجد إلا من يسقيه خمرا من جديد ليبقى مختلا في وعيه وعاجزا عن القيادة الحقيقية بل تاركا للمقود في يد إيران التي تتوسع وتعيد صياغة تفاهماتها مع الأمريكان في مسقط وما خفي أعظم.                                                                 

لكن المسؤولية الكبرى والحساب الأكبر سيبقى في رقبة القيادات الفلسطينية والتي تعرف وتحرف، وبعد أن تحرك ضميرها واهتز وعيها وتمتم لسانها مع الغدر الإيراني الكبير في بداية المعركة، إلا أنها مضت وقبلت وسوقت للعلاقة مع المشروع الإيراني من جديد، فيالويلها من وقفة أمام الله وعذاب في القبر شديد.

إن المراهنة الصحيحة لأجل تحرير فلسطين والأقصى هي على الشعوب العربية والمسلمة، وليست على إيران المجرمة في حق الأمة والدين وفلسطين، وإن الله سبحانه لا يستعجل مهما استعجل عباده تحصيل النتائج وتاهوا في الطريق.



نقد مذهب الشنقيطي في فقه الثغور وحلف إيران (7)


أين النخب العربية من حرب الطوفان؟

 

أين النخب العربية من حرب الطوفان؟



على أنوار غزة نفكر في أقطارنا المتخاذلة عن كل نصرة ونطرح أسئلة تؤرقنا لماذا لم ينصر العرب غزة في أحلك فترات حياتها؟ تتجمع إجابات كثيرة بعضها يبرر التخاذل وبعضها يحاول تخفيف العبء على الشعوب المضطهدة وبعضها بكل بساطة يهز كتفيه، فغزة ليست من مجال اهتمامه. هذه ليست مقالة إضافية عن غزة المنتصرة بدمها، بل محاولة في فهم الخذلان العربي لمعارك الحرية، فغزة قبل كل حساب هي معركة حرية.

من السهل توجيه سهام الإدانة للأنظمة الحاكمة، فهي التي تمنع شعوبها من التضامن، لكن هذه تبريرات لا تعفي النخب من التفكير والحركة في اتجاه الحرية، انسجامًا مع ملايين الصفحات التي كتبت منذ قرن عن تلازم حرية الأقطار مع تحرير الأرض المحتلة. لنقل أولًا إن غزة حررتنا من الدجل.

تراث من الأكاذيب الكبيرة

يحتاج المرء إلى وقت طويل وجهد جبار ليحصي المفكرين العرب الذين كتبوا في تلازم تحرير فلسطين مع تأسيس الحريات في كل قطر، لقد قامت أنظمة ودول على هذا التلازم النظري، واشتغلت نخب كثيرة على هذا ودونت مكتبات لم يخرج منها إلا هواء فاسد، فقضية فلسطين كانت ذاهبة إلى النسيان إلى حد يوم السابع من أكتوبر تحت أنظار هذه النخب المبدعة في التنظير الكسول.

غزة تدخل الآن شهرها التاسع وقد حملت نصرها وحدها وستلده وحدها وتقطع مشيمته بظفرها، بينما نخب كثيرة لا تزال تجادل في طبيعة الدولة الفلسطينية القادمة هل تكون علمانية أم دينية كما كان دأبهم قبل نصف قرن أو يزيد.

يجري التداول في القضية من كل الزوايا إلا الزاوية العملية الحقيقية وهي حرية تلازم التحرير الشامل في الأرض المحتلة احتلالًا مباشرًا وفي الأرض (الأقطار) الخاضعة لأنظمة تابعة ومعادية لحرية شعوبها، لذلك فإنه في لحظة معركة التحرير لم تقم الشعوب بدورها.

انكشف العائق الحقيقي لتخلي الشعوب عن النصرة، إنها شعوب غير حرة، بل رازحة تحت احتلال غير مكشوف الوجه، وخذلان غزة في معركة تحررها هو فعل مطابق للتصفيق للانقلابات العسكرية والاعتداء على الديمقراطية والحرية. هذه من تلك فمن المتسبب الحقيقي؟

الأنظمة التي احتلت شعوبها

يمكننا تعدادها بالاسم، لكن سنكتفي بذكر ما يربط بينها جميعها، لقد قامت كلها بعد معارك تحرير وكتبت لشعوبها كراسات تنموية ورفعت أمامهم شعارات عظيمة لمستقبل عظيم. بعد نصف قرن نجد من الشعوب من يتحسر على زمن الاحتلال المباشر، فالأنظمة احتلت شعوبها بأسوأ الوسائل والطرق. القهر الأمني والتجويع والتجهيل وأخيرًا الخيانة بلا حياء، لكن الأسباب لا تتضح كلها، فهذه الأنظمة استخدمت نخبًا لتبرير حكمها القهري، وهذه النخب ساندت وبررت واستفادت وصار تغيير الأنظمة يلحق بها ضررًا كبيرًا، فالتغيير يعني إعادة توزيع السلطة وقسمة فيئها على قواعد جديدة بما يقلل من غنائمها أو يقصيها، فصارت هي الأحرص على بقاء الأنظمة والتبرير لها.

لقد حدثت ثورة في المنطقة ودفعت فيها دماء، وكان شعار الحرية والاستقلال الجديد على الأفواه وفي كل شارع، فبدأت النخب بإنكار الثورة وهونت منها واستهانت بأحلامها لينتهي الأمر بعودة الأنظمة واستقرارها واحتضان النخبة من جديد، بل تجرأت النخب على تمجيد الانقلابات العسكرية في القرن الواحد والعشرين وهي ترى أن استيلاء الجيوش على السلطة بقي محصورًا في أكثر المناطق تخلفًا في العالم ومنها المنطقة العربية.

هو تكامل سياسي وأدوار موزعة بعناية بين أنظمة قمعية ونخب معادية للحرية انتهى بوأد الثورة وهو يعمل على طمس معركة غزة المزعجة، لأنها معركة تحرير يصيب شرارها أنظمة الخيانة ولو بعيد حين. انكشفت اللعبة، مصلحة النخب العربية مع قوى الاحتلال لا مع شعوبها، لذلك نراها دائبة على تحقير شعوبها وامتهان تطلعاتها ونسمعها تسخر من غزة وتتظاهر بالشفقة.

من هذه النخب الخائنة لشعوبها؟

إنها نخب التحديث العربي المسيطرة على الثقافة والتعليم وصناعة الرأي وتعمل بتوافق تام مع نخب الاقتصاد التابع الذي يتسوّل المناولة من الاقتصاد الغربي وكلها تعمل في أوركسترا مع نخب عسكرية وأمنية شحنت بعداء مقيت للحرية، وكان من أدواتها دومًا الإقصاء السياسي.

لقد كشفتهم الثورة وأكملت غزة تعريتهم، ففي مجريات الثورة وإقرار الصندوق الانتخابي ظهر خصمهم اللدود بحجمه وظهروا بأحجامهم (الصفر فاصل) ووجدوا في الصندوق تهديدًا وجوديًا فأسقطوه وعادوا لمواقعهم، أما في غزة فهم في حيرة يدارونها، فلا يفصحون عن خيبتهم إذ تقود غزة حركات إسلامية تتكلم بالقرآن وتستقي من معجم الجهاد، لا يجرؤون على موقف معاد ولا يفصحون عن موقف مساندة صريح، فيتلاعبون بالألفاظ والمسميات، فتثقل على ألسنتهم أسماء حماس والجهاد ويقولون مقاومة وطنية كأن الإسلامي ليس وطنيًا وله حق الدفاع عن بلاده.

في كل كراسات الثورات العالمية وكل تجارب التقدم السياسي والاستقرار في الديمقراطية وجدنا النخب الفكرية والاقتصادية تقود الأنظمة والمجتمعات في اتجاه هوى الحرية الشعبي وتعدل من غلواء القمع وتحمي أوطانها، لكن النخب العربية رغم احتكارها لصفة التحديث تقوم ضد الحريات والديمقراطية وبالتبعية ضد تحرير الأرض المحتلة ولو بإرادة شعبها دون مساعدة، وكثير منها لا يخجل من ترديد مقولات استشراقية عن أن العرب والحرية لا يجتمعان.
الدرس لمن يفهم

إذا كانت غزة الآن مهدمة، فهي تعد لإعادة بناء نفسها في البشر والحجر ولا تحسب الثمن، أما الأنظمة العربية ونخبها المتنوعة فهي مهدمة وتصر على البقاء في خرائب السياسة، ونرى غزة تسبق دومًا وقد قرأنا في فعلها الإرادة والتصميم ووضوح الأفق. ستنتهي حرب الطوفان بنصر وستكون غزة جديدة منيعة وقوية ضمن مشروع استقلال تام تتوالى بشائره، لكن نخب العرب ستمكث طويلًا في معارك الاستئصال السياسي التي صنعتها وعاشت منها، فنهاية الاستئصال تعني نهايتها، ولا تبدو نهايتهم قريبة.

حتى ذلك الحين سنتابع قومًا يحتفلون بوائل الدحدوح سفير قناة الجزيرة ويقبلون جبينه، لكنهم يسمون المؤسسة التي أرسلته بقناة الخنزيرة، تمامًا كما يسميها العدو الصهيوني، لقد حررتنا غزة من الدجل.
 | 

ما الذي دهانا يا قوم؟!

ما الذي دهانا يا قوم؟!


 أدهم شرقاوي 

ما الذي دهانا يا قوم؟ ألسنا الذين يتغنّون ببطولة المعتصم الذي جهّز جيشا كاملا لأجل امرأة واحدة استنجدت به؟! فما لنا وضعنا أصابعنا في آذاننا فلا تسمع صراخ حرائر غزّة؟ ما لنا نراهُنَّ يُخرجنَ من تحت الأنقاض أشلاءً فنشيحُ النظرَ، وإن نظرنا فلا تتحرك فينا غيرة الرجل على عِرضه؟ بئس الخلف الذي لا يحفظ من سلفه إلا حكايات مروءاتهم ولا يسير سيرتهم!

ما الذي دهانا يا قوم؟ تُعجبنا مكارم أخلاق الجاهليين وحُقَّ لنا أن نُعجبَ بها، ولكننا ندّعي بهم وصلاً ونحن لا نُشبههم، نطرب لمروءة مطعم بن عديّ حين جاءه النبي صلى الله عليه وسلّم مستجيراً، فصرخ في أولاده قائلاً: البسوا السلاحَ، وكونوا عند أركان البيت، فإني قد أجَرت محمداً! 
 فما لنا ينشُدُنا أهلُ غزَّة اللهَ والرَّحمَ صباح مساء، ينادوننا هل من مجير؟! فلا ننبس ببنتِ شفة، كأن على رؤوسنا الطير! 
ونحن نعرف أن هذا الذي يُسفك دم لا ماء، وهذا الذي يُقطع أشلاء لا أغصان! 
ما لنا قد ألِفنا المشهدَ كأنه فيلم نشاهده للمرّة المئة والرابعة والثلاثين، هي أيام مذبحة إخواننا!

ما الذي دهانا يا قوم؟
نحدِّث فيما بيننا عن حصار قريش للمسلمين في شِعْب أبي طالب، ويطربنا قول زهير بن أبي أمية وهو يومذاك على الشرك: يا أهل مكة أنأكل الطعام، ونلبس الثياب، وبنو هاشم هلكى لا يبتاعون ولا يُبتاع منهم؟ والله لا أقعد حتى تُشَقّ هذه الصحيفة القاطعة الظالمة! فما بالنا نحن نأكل ونشرب ونلبس وأهل غزّة هلكى، برزتْ من الجوع عظام أولادهم، وقوافل المساعدات عند المعبر تنتظر إذْنَ عدوّهم لتصل إليهم، استكثرنا عليهم أن يُقتلوا وبطونهم ملأى، رضينا أن نجمع عليهم الجوع والقتل، أليس عارا ألا تكون فينا أخلاق الإسلام ولا مروءة الجاهلية؟!

ما الذي دهانا يا قوم؟
نتغنّى بقول هشام بن عمرو بن الحارث مستحثّا صاحبيه على دفع الظلم عن قومهم: “يا زهير: أرضيت أن تأكل الطعام، وتلبس الثياب، وتنكح النساء، وأخوالك حيث علمت؟! يا مطعم: أرضيت أن يهلك بطنان من بني عديّ بن عبد مناف وأنت شاهد ذلك موافق فيه؟”.. ثم ها نحن رضينا أن نشيح النظر عن مقتل أهلنا، بترْنَا عضوا كان يجب أن نتداعى له بالحمى والسهر، نِمْنا ليلا طويلا، وقلنا له: فلتُصبِحْ على موتك!

ما الذي دهانا يا قوم؟ كيف نضع عيوننا بعيون أطفالنا وهم يعرفون أنه لو أصابهم غدا ما أصاب أطفال غزّة اليوم فإننا لن ندفع عنهم! كيف نضع عيوننا بعيون نسائنا وقد علمنَ أننا لسنا ممن يدفع عن عرضه، وأنه لو أصابهُنَّ غدا ما أصاب نسوة غزّة اليوم فإننا سنُسلمهُنَّ، فلا فرق بين عِرض وعرض!

أشهد أنه رسول الله، وأنه صادق مصدوق، وأنه ما فينا من قِلّة، ولكننا غثاء كغثاء السيل!

الكراهية ضد المسلمين في الهند يصنعها ناريندرا مودي وحكومته

 

الكراهية ضد المسلمين في الهند يصنعها ناريندرا مودي وحكومته

مودي حبيب الحكام العرب

تقرير بقلم الإعلامى

هشام محمود

عضو مؤسس بمنظمة “إعلاميون حول العالم

“نزاع مانيبور أنزل “مسيح الفقراء” ناريندرا مودي إلى أسفل سافلين”

تشير تقديرات تقرير حالة سكان العالم لعام 2023 الصادر عن صندوق الأمم المتحدة للسكان إلى أن عدد سكان الهند سيصل إلى 1.4286 مليار مقابل 1.4257 مليار للصين.

واذا كان عدد السكان في الهند والصين معاً يبلغ حوالى ثلاثة مليارات نسمة، فإن صندوق الأمم المتحدة للسكان يقدر أيضاً أن عدد سكان العالم سيصل إلى 8,045 مليارات نسمة بحلول منتصف العام. ومن غير المتوقع أن يتراجع إلاّ اعتباراً من سنوات 2090، بعد بلوغ ذروة هي 10,4 مليارات نسمة بحسب الأمم المتحدة.

الكراهية ضد المسلمين في الهند يصنعها ناريندرا مودي وحكومته
الهند أصبحت أكثر ظلامية بات يميز الهند التي يحكمها مودي حبيب الحكام العرب ، فالحكومة تقوم باضطهاد منظم وتهميش لسكانها المسلمين البالغ عددهم 220 مليون نسمة. وشددت على أن هذه الحملة أخذت زخما على مدى السنين ووصلت مستويات عالية، وأن الهند ليست ديمقراطية صحية. ونجد أنه في الاشهر الأربع الماضية، شهدت مومباي وعدد من المدن الهندية 50 تظاهرة معادية للمسلمين وشارك فيها آلاف الهندوس وعادة ما يقودها ويشارك فيها قادة حزب بهارتيا جاناتا. كما أنه في مظاهرات في غرب الهند تجد “حشودا ضمت من الأطفال الصغار إلى من أعمارهم 80 عاما وهم يزحفون في الشوارع يعبرون عن الغضب الهندوسي “أكروش” ويهاجمون “النمل الأبيض” و “الخونة الملتحين”، وكلها مصطلحات مستخدمة لوصف المسلمين في الهند التي يحكمها مودي والذين يجب محوهم من على وجه الهند.
والمتابع للشعب الهندوسى يشاهد نساء شابات يرتدين الزي العصفري وهن يؤدين الرقصات التقليدية، ويحملن اليافطات التي تطالب المسلمين بالاختيار بين “باكستان أو قبرستان” (باكستان او المقبرة)، ولم يحدث هذا بشكل عفوي. فقد انُتقد مودي واتُهم بالفشل وتحمل المسؤولية في وقف أعمال الشغب في كوجرات عام 2002 والتي قتل فيها أكثر من 1.000 شخص عندما كان رئيس وزراء الولاية، بل وقام بإشعال المشاعر قبل المذابح”.

إن أعضاء حزب بهارتيا جاناتا يواصلون، منذ ذلك، إثارة الكراهية والتوترات الطائفية. وفي واحدة من الأمثلة الأخيرة، شارك فيها ديفندرا فاندياس، نائب كبير الوزراء في منطقة مهارشترا وفي تظاهرة عقدت الشهر الماضي في أيوديا، حيث قام الغوغاء الهندوس بتدمير مسجد باربري الشهير عام 1992.

وتخطط هند مودي لبناء معبد هندوسي جديد في مكان المسجد قبل انتخابات 2024، وكان فاندياس هناك لكي يؤكد الموقف “سواء (قلتها بصوت عال) أم لا” قائلا أمام الجمهور “فالحقيقة هي أن الهند هي ذات غالبية هندوسية”.
وفي الشهر الماضي، قال مسؤول إقليمي آخر في حكومة مودي ويترأس الولاية الشمالية، أوتاراخاند إن حكومة مودي لن تتسامح مع “أرض الجهاد”، وهي تهمة شائعة للتخلص من المهاجرين المسلمين الذين يعتقدون أنهم يشترون الأراضي لتشريد الغالبية الهندوسية.


ويترك هذا الخطاب المسموم أثره، وبعد هذه الخطابات وخلال الاحتفالات التي تحيي ذكرى ولادة “إله الهندوس رام”، حدثت عدة هجمات حول البلد. وأهمها، هجوم شارك فيها 1.000 من الغوغاء الهندوس وهم يحرقون مدرسة إسلامية عريقة في الولاية الشمالية بيهار. وتم حرق مكتبة المدرسة.

وتتواصل الاستفزازات، حيث قال ساتيا بال سينغ باغل، وزير مودي للعدل “المسلمون المتسامحون يعدون على الأصابع وعددهم لا يصل الآلاف” و “حتى هذا تكتيك، للبقاء في الحياة العامة بقناع”. وفي الوقت نفسه أثنى مودي على فيلم معاد للإسلام في تظاهرة انتخابية محلية هذا الشهر.
وبعيدا عن جماعات المجتمع المدني التي تدعو لهند بها تعددية وتحترم حقوق المسلمين، كانت المحكمة العليا أقوى سلاح للحد من حزب بهارتيا جاناتا، وحتى بين قضاة البلاد المؤثرين هناك حس باليأس والعجز. وقال القاضي كي أم جوزيف أثناء جلسة استماع شجب فيها السلطات المحلية لأنها لم تقم بمحاكمة انتهاكات خطاب الكراهية في تظاهرة “الدولة عقيمة، الدولة عاجزة ولا تتحرك في الوقت المناسب ولماذا يكون لدينا دولة تختار البقاء صامتة؟”.

وفي الوقت الذي يواصل فيه المسؤولون البارزون زيارة الهند عليهم عدم حرف نظرهم عما يحصل في الهند.

ففي الوقت الذي وصلت فيه زندايا وجيجي حديد وبينولبي كروز وتوم هولاند للمشاركة في مناسبة ثقافية كبيرة في مومباي رقص الغوغاء على إيقاع موسيقي تمجد قتل المسلمين ولوحوا بالسيوف خارج مسجد.
وفي الوقت الذي رحب فيه مودي برؤساء وزراء استراليا واليابان وفرنسا وإيطاليا ووزير الخارجية الأمريكي انطوني بلينكن، تم سحل ثلاثة مسلمين. ويحاول مودي تمرير رسالة بانه شخصية لا يمكن الاستغناء عنها ويحمل مفتاح السلام في العالم. وينظر إليه قادة العالم كشريك لهم ضد الصين الصاعدة والوقوف أمام روسيا وعدوانها ضد أوكرانيا.

أما في الأخير على أن مودي السياسي القومي لم يجد نفسه متجرئا كما اليوم. ومن غير المعقول أن يظل العالم ساكتا حول ما يجري”.

بينما يستعد رئيس وزراء الهند الحالي ، ناريندرا مودي ، للترشح لولاية ثالثة في العام المقبل ، تحولت جسد المرأة المسلمة مرة أخرى إلى بؤرة تركيز السياسات المجتمعية في البلاد. أعاد حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم بزعامة مودي.

جنبًا إلى جنب مع الجماعات الهندوسية المتطرفة التابعة لمودي ، إحياء محاولات تطوير التشريعات التي من شأنها تنظيم حياة النساء المسلمات بشكل أكبر. وهذا يشمل القانون المدني الموحد (UCC) ، وهو اقتراح مثير للجدل من شأنه أن يضع قوانين الأحوال الشخصية التي تحكم الجماعات الدينية المختلفة بموجب قانون عام موحد.

في 14 يونيو ، أصدرت لجنة القانون رقم 22 في الهند إشعارًا للحصول على تعليقات وآراء من الجمهور والمنظمات الدينية في UCC في غضون 30 يومًا.عقد وزير الداخلية الهندي ، أميت شاه ، مؤخرًا أول اجتماع رفيع المستوى حول لجنة التنسيق الموحدة ، مما أثار تكهنات بأن الحكومة قد تقدم مشروع القانون في الجلسة المقبلة للبرلمان.

ذكرت وسائل الإعلام الهندية أيضًا أن لجنة القانون في البلاد تدرس بدء العمل على مشروع قانون يونيون كاربايد كوربوريشن. يتعارض قانون الأحوال الشخصية مع نظام قانون الأحوال الشخصية الحالي في الهند.

والذي بموجبه تخضع بعض مسائل الأسرة والممتلكات – مثل الزواج والطلاق والتبني والميراث للهندوس والمسلمين والمسيحيين وغيرهم – لقوانينهم الدينية الخاصة.

كان تنفيذ اتفاقية يونيون كاربايد ، إلى جانب إلغاء المادة 370 في منطقة كشمير المتنازع عليها وبناء معبد أيودهيا رام ، من المطالب الأساسية للقوميين الهندوس الراديكاليين. كانت قضية يونيون كاربايد كوربوريشن أيضًا جزءًا من بيان استفتاء مودي في الانتخابات الوطنية لعام 2019 والتصويت الأخير في ولاية كارناتاكا الجنوبية.

في مارس ، أغلقت المحكمة العليا الهندية مجموعة من الالتماسات التي تطالب بـ UCC ، مشيرة إلى أن مثل هذه القضايا كان على البرلمان أن يبت فيها.

تسليح الخطاب الجنساني

إن تبني قانون يونيون كاربايد في المجتمع الهندي التعددي الديني من شأنه أن يؤدي بشكل فعال إلى إلغاء قوانين الأحوال الشخصية الإسلامية التي تحكم شؤون الأسرة المسلمة ، مع إعادة تقنين القوانين والطقوس العرفية لمختلف المجتمعات القبلية في الهند.

يزعم النقاد أنه من شأنه أن يقوض النسيج الاجتماعي والديني للهند ويعمل كأداة لإنشاء دولة هندوسية موحدة. يتشكل هذا الاعتقاد من رواية هندوتفا القائلة بأن إحدى طرق التعامل مع الوجود “التخريبي” للمسلمين في الهند هو استيعابهم في نظام اجتماعي هندوسي “عالمي”.
كما أعرب المسلمون عن مخاوفهم من إمكانية استخدام يونيون كاربايد كوربوريشن لتعطيل أسلوب حياتهم ، وإجبارهم على الامتثال للمعايير الهندوسية المضمنة في القانون الوطني.على العكس من ذلك ، يدعم بعض نشطاء حقوق النوع الاجتماعي فكرة مجلس الكنائس العالمي ، والتي يقولون إنها يمكن أن تساعد في إنهاء التمييز ضد المرأة.

لطالما تم تصوير هذا النوع من المدونات على أنه إصلاح قانوني لتجريم الممارسات مثل تعدد الزوجات ، والتي أكد اليمين الهندوسي خطأً أنها ممارسة إسلامية شائعة (على الرغم من المسح الوطني لصحة الأسرة لعام 2006 ، الذي أظهر أن 2.5 بالمائة فقط من انخرط المسلمون في تعدد الزوجات).

“هناك بعض الناس في الهند الذين اعتقدوا أنهم يستطيعون الزواج من أربع نساء. كان هذا تفكيرهم. لكني أقول ، لن تكوني قادرة على عقد أربع زيجات. قال هيمانتا بيسوا سارما ، أحد كبار قادة حزب بهاراتيا جاناتا في ولاية آسام ، الشهر الماضي ، إن هذه الأيام سوف تنتهي.

غالبًا ما استشهدت جماعة هندوتفا بتعدد الزوجات في سياق الطلاق الإسلامي الفوري “الطلاق الثلاثي” المحظور الآن ، بهدف تصوير قوانين الأحوال الشخصية الإسلامية على أنها “رجعية” وبحاجة إلى إصلاحات عاجلة.ولكن كما جادلت الباحثة النسوية الهندية نيفديتا مينون ، لا علاقة لمجلس الكنائس العالمي بالعدالة بين الجنسين .

وهو جزء كامل من الأجندة القومية الهندوسية: “سيتعين على يونيون كاربايد كوربوريشن أن تعيد هيكلة الأساس المفترض للزواج بين الجنسين كمؤسسة. ولكن بالطبع ، لا العدالة ولا التكافؤ بين الجنسين هو الهدف الحقيقي لمركز يونيون كاربيون ، كما رأينا “.

تاريخ الاستياء لخطاب مجموعات هندوتفا

على مدى القرن الماضي ، كانت “قضية المرأة المسلمة” مركزية لمشروع التفوق للجماعات الهندوسية المسلحة في الهند. تم استخدام جسد الأنثى المسلمة كموقع للعنف الحضاري الانتقامي ، وأصبح محورًا رئيسيًا لخطاب هندوتفا.

أثناء الحكم الاستعماري البريطاني ، تم انتقاد القانون الهندوسي ، وتم إصلاحه لاحقًا ، في سياق ممارسات مثل زواج الأطفال ، وحرق الأرامل ، وحظر زواج الأرامل مرة أخرى. قال المؤرخ Purushottama Bilimoria أنه بالنسبة للقوميين الهندوس .

فإن مجموعة منفصلة من قوانين الأحوال الشخصية للمسلمين تعني أن الهندوس وحدهم يتحملون “عبء الأجندة التنظيمية والإصلاحية” في ظل “الدولة العلمانية”.بعد التنقيحات التي أدخلت على قوانين الأحوال الشخصية الهندوسية في الخمسينيات من القرن الماضي ، بدأ يُنظر إلى هذه القوانين على أنها أكثر عدلاً بين الجنسين.

بينما لا يزال يُنظر إلى قوانين الأحوال الشخصية الإسلامية على أنها “بدائية” و “غير حضارية”. بدأت مجموعات هندوتفا في الضغط من أجل إصلاح القوانين الإسلامية في الثمانينيات خلال قضية شاه بانو ، حيث استخفت محكمة هندية بقوانين الأحوال الشخصية الإسلامية في منح المرأة المسلمة دعمًا أعلى بعد الطلاق.

ردد الحكم رواية هندوتفا ، التي أكدت أن الأسرة المسلمة هي كيان فضفاض لا يُحترم شرف المرأة ، وحيث يمارس الرجال تعدد الزوجات ويحاولون جذب النساء الهندوسات إلى حظيرة. وقد تجلت مثل هذه الخطابات في نظرية المؤامرة المعادية للمسلمين المعروفة باسم “جهاد الحب” .

حيث يُزعم أن الرجال المسلمين يلاحقون النساء الهندوسيات لتحويلهن إلى الإسلام. على الرغم من عدم وجود دليل على وجود جهاد الحب ، يواصل القوميون الهندوس الادعاء بأنه يستخدم كأداة للتحول الديني.

في فبراير / شباط ، هدد رئيس جماعة هندوسية بارزة باختطاف مسلمات لمواجهة هذه الممارسة: “إذا فقدنا فتاة هندوسية واحدة من أجل” حب الجهاد “، يجب علينا أن نحبس 10 نساء مسلمات ونغريهن بالانتقام … يجب أن نحمي ديننا من قوى خارجية.

“قالت الباحثة رونا داس إن “سؤال المرأة” كان محوريًا لمشروع هندوتفا ، حيث كان يُنظر إلى النساء الهندوسيات من الطبقة العليا على أنهن محل شهوة الذكور المسلمين وكأوصياء على الشرف الوطني. ركز خطاب حزب بهاراتيا جاناتا أيضًا على هذه الفكرة كجزء من جهوده لإعادة بناء دولة هندوسية.

منظمة التطوع القومية في الهند.. للمسلم أحد مكانين: القبر أو باكستان


نظمة تطوعية شبه عسكرية تدين بعقيدة هندوسية متطرفة، ومكونة من ميليشيات، وتدعي تفوق الهندوس على غيرهم من مواطني الهند، وتدعو لجعل الهند “أمة هندوسية”.

تأسست عام 1925 ومرت بعدة مراحل، وكان لها دور في تشكيل المشهد السياسي الهندي، وفي عام 2014 عين أحد أعضائها السابقين بمنصب رئاسة الوزارء وهو ناريندرا مودي.

وبعد فوز حزب بهارتيا جاناتا بالحكم في الهند، تنامت قوة المنظمة وزاد نفوذها بشكل بارز، وارتفعت معها الأصوات القومية المعادية لكل ما هو “غير هندوسي”.


الأغاني الهندوسية تتحول إلى سلاح

نشرت وكالة Associated Press الأمريكية تقريراً عنوانه “في الهند: الأغاني المليئة بالكراهية سلاح لاستهداف المسلمين”، ألقى الضوء على فصل جديد مما تتعرض له الأقلية الأكبر عدداً في العالم من اضطهاد وقمع.

ففي يوم 10 أبريل/نيسان، تحول مهرجان هندوسي لإحياء الذكرى السنوية لميلاد الإله راما إلى أعمال عنف في مدينة خارغون بولاية ماديا براديش، بعد أن مرت حشود الهندوس أمام أحياء ومساجد المسلمين وهم يلوحون بالعصيّ والسيوف. وأظهرت مقاطع فيديو مئات منهم يرقصون ويهتفون بصوت واحد، مع أغانٍ ردَّدتها مكبرات صوت، وتدعو لاستخدام العنف مع المسلمين.

كانت الأمور قد وصلت إلى حد دعوات علنية لإبادة المسلمين جميعاً من جانب قادة هندوس متطرفين، بينما لا تتخذ حكومة ناريندرا مودي خطوات جادة لوقف ما يحدث، فالمسلمون في الهند يواجهون جميع أشكال الاضطهاد التي لم يسلم منها أحد ولا حتى نجوم بوليوود المسلمون مثل شاروخان.

وشهدت أواخر 2021 تعرُّض المسلمين في ولاية آسام شمال شرقي الهند لإجراءات قمعية، وصلت إلى حد القتل والتهجير، من جانب الحكومة الهندوسية التابعة لحزب بهاراتيا جاناتا الذي يتزعمه مودي، وهي إجراءات متسقة مع سياسة اضطهاد المسلمين في أكبر ديمقراطيات العالم، والتي يطبقها مودي منذ مجيئه إلى سُدة الحكم.

كما كانت البشاعة والوحشية، التي أظهرها مقطع فيديو انتشر لقتل شاب مسلم في ولاية آسام والقفز على جثته، سلطت الضوء على ما تقوم به حكومة مودي، ثم نشرت صحيفة New York Times الأمريكية تقريراً بعنوان “صمتٌ من قادة الهند إزاء دعوات متطرِّفين هندوس لقتل المسلمين”، رصد قيام المئات من النشطاء والرهبان الهندوس اليمينيين في مؤتمرٍ عُقِدَ الأسبوع الأخير من عام 2021، ليقسموا على أن يحوِّلوا الهند، الجمهورية العلمانية دستورياً، إلى أمةٍ هندوسية، حتى لو تطلَّب ذلك الموت والقتل.

ما قصة “أغاني الزعفران”؟

ومؤخراً أصبحت الأغاني التحريضية الموجهة ضد المسلمين مقدمة للهجمات الهندوسية القاتلة. وهذه الأغاني جزء مما يعرف باسم “أغاني الزعفران”، في إشارة إلى اللون المرتبط بالديانة الهندوسية، والمفضل لدى القوميين الهندوس.

ويدعو العديد من هذه الأغاني صراحة إلى قتل المسلمين ومن لا يؤيدون “هندوتفا”، الحركة القومية الهندوسية الساعية لتحويل الهند العلمانية رسمياً إلى دولة هندوسية صريحة.

ويخشى ملايين المسلمين الهنود، الذين يشكلون 14% من سكان البلاد البالغ عددهم 1.4 مليار نسمة، أن تكون هذه الأغاني المليئة بالكراهية أداة أخرى في أيدي القوميين الهندوس لاستهدافهم.

ويعيش أكثر من 300 مليون مسلم– أي خُمس مجموع المسلمين- في بلدان لا يمثل فيها الإسلام دين الأغلبية، فالصين على سبيل المثال لديها مسلمون أكثر من سوريا، وألمانيا أكثر من لبنان.