الخميس، 31 أكتوبر 2024

نكسة مصر من دون حرب

 نكسة مصر من دون حرب



كاتبة صحفية وباحثة سياسية

في حفل باذخ كبير، في استاد العاصمة الإدارية الجديدة، تم حشد الأحزاب السياسية المصرية، والشخصيات العامة والوزراء، وعدد من المسؤولين، وأعداد كبيرة من موظفي الدولة وطلاب الجامعات ورجال الأمن، للاحتفال بنصر أكتوبر 1973، تحت عنوان “حكايات الأبطال”.. فوقف السيسي يحدث الحضور عن تشابه أيام حكمه الحالية مع فترة هزيمة مصر أمام إسرائيل عام 1967م.


كان كل شيء مثيراً للدهشة ويدعو للاستغراب، بدءاً من منظم الحفل والداعي إليه، الشخصية التي صعدت في مصر بسرعة الصاروخ، من مهرب للمخدرات، ومجرم سابق كما تقول تحقيقات وزارة الداخلية المصرية زمن مبارك، إذ سبق أن اختطف في عام 2008م قوة أمنية في سيناء، قوامها 25 شرطيا بينهم ضابط كبير، وقد حوكم بسببها ودخل على إثرها السجن، إلى أن وصل اليوم لأن يكون الرجل الثاني في البلاد، وزعيم التنظيم الغامض المسمى “اتحاد قبائل سيناء”، رجل الأعمال ذا الثروة الخزعبلية والنفوذ غير المفهوم، المسؤول عن المنفذ الحدودي بين مصر وقطاع غزة (معبر رفح)، وشركته المسماة “هلا” هي المسؤولة عن تنظيم عبور الأفراد والشاحنات من خلاله.. إنه السيد “إبراهيم العرجاني”.


وتتوالى دواعي الدهشة مرورا بموعد الحفل، يوم السبت 26 أكتوبر/ تشرين الأول، والذي تجاوز موعد نصر أكتوبر بما يقارب ثلاثة أسابيع، ويتزامن مع الاحتفالات اليهودية في إسرائيل، وانتهاء بتكلفة الحفل الأسطورية، التي تحدثت بعض التقديرات عن تجاوزها مئات الملايين من الجنيهات، في وقت يعلو فيه صوت مسؤولي الحكومة المصرية باستمرار عن أزمة اقتصادية خانقة تعاني منها البلاد، وديون نعجز عن سدادها، وعقب أسبوعين فقط من حديث رئيس الوزراء المصري “مصطفى مدبولي” عن لجوء مصر إلى اقتصاد حرب في حالة تفاقم الأوضاع.


لم يتفوق على تلك العجائب بنظر المتابعين سوى حديث السيسي عن نكسة يونيو 67 أثناء احتفاله بالانتصار!


ولم تكن تلك هي المرة الأولى، التي يشبه فيها السيسي فترة حكمه بهزيمة مصر أمام إسرائيل، فقد فعلها من قبل في احتفال أكتوبر 2022م، وقال نصّاً: “هل مستعدين يا مصريين تضحوا وتتحملوا كما تحملتم وضحيتم من 67 إلى عام 82”.. وكأنه يشبّه فترة حكمه والأزمات التي تواجهها البلاد بفترة الاحتلال الإسرائيلي لمصر، حتى خروج المحتل منها نهائيا بمفاوضات تحرير طابا في عام 1982!. تشبيه صريح وصادق لا يحتمل التأويل أو التحريف، السيسي يرى فترة حكمه متشابهة مع فترة نكسة مصر، والاحتلال الصهيوني لأراضيها في الخامس من يونيو/ حزيران 1967.. وهذا هو رأيه هو، وليس اتهاماً قاسياً من معارضيه.


يبدو أن السيسي- بحكم مولده ونشأته في حارة اليهود- صار مهووسا بالرموز والإشارات والتنبؤات، كما يفعل مشاهير ونخب اليهود؛ ففي كل عبارة له، أو قصة يحكيها، نجد إشارة لخطة موضوعة، أو أفعال ينتويها، كما حدث من قبل حين صدم المصريين في فبراير/ شباط 2016 بعبارته الشهيرة: “والله العظيم أنا لو ينفع أتْباع لاتْباع”، لتتوالى بعدها عمليات ممنهجة لبيع أراضي ومقدرات وأصول مصر وثرواتها.


جاءت البداية مع الاتفاقية الكارثية التي تنازلت القاهرة بموجبها عن جزيرتي تيران وصنافير الاستراتيجيتين لصالح المملكة العربية السعودية، بعد شهرين وحسب من حديثه هذا عن بيع نفسه، وتحديدا في 8 أبريل/ نيسان 2016، في اتفاقية ترسيم حدود، أصبح “تيران” بموجبها مضيقا دوليا، بعدما كان مصريا خالصا، وهو المضيق الذي كان سببا مباشرا في حرب إسرائيل وهزيمتها لمصر في عام 1967، حينما قرر الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر إغلاقه أمام الملاحة الإسرائيلية في 23 مايو/ أيار من العام ذاته.


شكل تنازل السيسي عن ملكية مصر لذلك المضيق الهام انتهاكا مؤلما لسيادتها، وخسارة أمنية واستراتيجية واقتصادية كبرى؛ فبعد أن كان العبور بخليج العقبة حقا أصيلا لمصر وحدها، أصبح المضيق مياها دولية، يحق لإسرائيل وغيرها من دول العالم المرور به، بينما مُنح الاحتلال فرصة ذهبية لتنمية اقتصاده وزيادة استثماراته، من خلال عقد اتفاقيات لنقل البترول إلى ميناء “إيلات” مرورا بمضيق تيران، بالإضافة إلى مساعدته على المضي قُدُما في مشروعه لحفر قناة مزدوجة تربط البحر المتوسط بالبحر الأحمر، ويُراد لها أن تكون بديلا عن قناة السويس، كي تفقد الأخيرة أهميتها الملاحية والتجارية التي تمتعت بها لعشرات الأعوام، ما يجعل تلك الاتفاقية هزيمة كبرى لمصر، وانتصارا لدولة الاحتلال حصلت عليه دون حرب.


تلا ذلك تنازل السيسي عن شريان الحياة في مصر (نهر النيل)، بموجب اتفاقية خضوع وإذعان لدولة أثيوبيا، وافقت مصر من خلالها، على بناء أثيوبيا لسد عدائي ضخم على الحدود الأثيوبية السودانية، وفوق مجرى النيل الأزرق، وذلك في أبريل/ نيسان 2015، يحرم بلادنا من حصتها التاريخية في المياه، وهي الاتفاقية التي أعادت التمويل للسد، بعد قرار دولي بإيقافه.. وهذا أيضا يُعدّ انتصارا لدولة الاحتلال، حصلت عليه دون حرب.


 كذلك يأتي بيع مصر لموانيها المهمة على البحر المتوسط والبحر الأحمر، باتفاقيات مجحفة مع شركات إماراتية (لها علاقات مباشرة مع الكيان الصهيوني)، كالاتفاقية التي تم توقيعها في مارس/ آذار 2023 مع مجموعة “موانئ أبو ظبي”، وأعطتها حق التشغيل والانتفاع بميناء سفاجا الاستراتيجي، أحد أهم وأقدم موانئ البحر الأحمر، وكذلك ميناءي العريش وغرب بورسعيد على البحر المتوسط، ومحطات للركاب والسفن السياحية بميناء السخنة التابعة للمنطقة الاقتصادية بقناة السويس، ما يمثل أركان خيانة عظمى، وانتهاكا صارخا لأمن مصر القومي، وتفريطا في سيادتها، وتنازلا عن مراكز قوتها الإقليمية والاقتصادية.. وهذا يمكننا وصفه بأنه انتصار ضخم، حصلت عليه بدون حرب دولة الاحتلال.


يُضاف إلى هذا التنازل عن أراضي مصر ذات الأهمية الاستراتيجية، مثل منطقة “رأس الحكمة” على البحر المتوسط، الواقعة بالقرب من قاعدة محمد نجيب وميناء جرجوب العسكريَّين، والتي استحوذت عليها الإمارات. وكذلك التفريط في منطقة “رأس جميلة” بمدينة شرم الشيخ، البالغة مساحتها 860 ألف فدان، بموقعها الحدودي الخطير، حيث تقع قبالة مضيق تيران مباشرة، وتطل على جزيرتي تيران وصنافير، اللتين سبق أن تنازل عنهما السيسي للسعودية.


ومؤخرا، جاء إعلان نظام السيسي عن نيته التفريط في منطقة “رأس بناس”، وهي رأس وشبه جزيرة كبيرة، وفيها محميات طبيعية وميناء، ومنطقة سياحية في جنوب محافظة البحر الأحمر، جنوبي شرقي مصر، ولها موقعها اللوجستي الخطير، وقربها من قاعدة برنيس العسكرية، التي جرى افتتاحها في 15 يناير/ كانون الثاني 2020، وهي المنوط بها حماية حدود مصر الجنوبية. هذا فضلًا عن قربها من مطار برنيس الدولي، الذي يمتلك ممرات جوية بطول 3000 متر تقريبا، ورصيفا حربيا بطول 1000 متر، يسمح بتلبية احتياجات القوات البحرية التي تحتاج إلى غاطس كبير لحاملات الطائرات والغواصات والفرقاطات.. هذه المنطقة جاء عرضها للبيع في صفقة أعلن عن طرحها رئيس الوزراء المصري “مصطفى مدبولي”، في سبتمبر/ أيلول من هذا العام، ما يُعد خسارة كبرى تُضاف لخسائر مصر، ونزيفا لأمنها القومي والاستراتيجي، وهي انتصار كذلك، حصلت عليه دون حرب دولة الاحتلال.


كما كانت السياسات الاقتصادية لنظام السيسي، والتي أوصلت مصر إلى هذا الوضع المزري، حيث أكبر مستوى من الديون الخارجية في تاريخ مصر، إذ زادت في السنوات العشر الأخيرة (وهي فترة حكم السيسي) بثلاثة أضعاف ما كانت عليه، حيث بلغ إجمالي الدين الخارجي لمصر بنهاية يونيو 2013 نحو 43.233 مليار دولار، بينما بلغ بنهاية العام الماضي 168.034 مليار دولار، وذلك بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. وتُقدّر الفوائد المطلوب سدادها عن القروض المحلية والأجنبية لمصر بحسب موازنة (2021/ 2022) بنحو 579.6 مليار جنيه، (3.7 مليار دولار)، ليبلغ إجمالي أقساط وفوائد الديون المستحقة نحو 1.172 تريليون جنيه (7.5 مليار دولار).


هذا الواقع وصفه محللون اقتصاديون، بأنه خطة ممنهجة لاستنزاف موارد مصر، وإغراقها في دوامة لا تنتهي من الديون، تلتهم ثرواتها وتدمر حاضرها، وترهن مستقبلها لعشرات السنوات، كما تعرضها لخطر انتهاك سيادتها، وضياع أمنها القومي، بتعريض أصولها للبيع من أجل سداد تلك القروض، ‏الأمر الذي وصفه الخبير الاقتصادي البارز، الدكتور عبد الخالق فاروق، قبيل اعتقاله من قبل السلطات المصرية، في تغريدة نشرها على حسابه، قال فيها: “السيسي يحمل أجندة شيطانية خفية لتدمير وتحطيم مصر، وتقويض أركانها، وتحويلها إلى بلد يستولي عليه الأجانب”.


تدمير ممنهج سبق أن وصفت ملامحه بكل دقة، وأوضحت أركانه، صحيفة الـ”إيكونوميست” البريطانية الشهيرة في تقرير موسع لها، نشرته في أغسطس/ آب عام 2016  بعنوان “خراب مصر على يد السيسي”.


هذا التدمير والتخريب للدولة العربية الكبرى، التي تعتبرها إسرائيل عدوها الأبرز، والتي سبق أن خاضت ضدها من قبل 5 حروب، واستولت في إحداها على كامل شبه جزيرة سيناء لمدة 6 سنوات، أفلا يُعتبر ذلك انتصارا، حصلت عليه دون حرب دولة الاحتلال؟!


كذلك يقابلنا الموقف المخزي الذي كشفه الصحفي الأمريكي “بوب وودورد”، في كتابه الذي صدر مؤخرا تحت عنوان “الحرب” والذي يمكننا وصفه بأنه مشاركة فعلية من إدارة السيسي في حرب الإبادة، التي تشنها إسرائيل اليوم بحق الفلسطينيين في قطاع غزة..


فالصحفي الكبير، الذي عُرف بأنه مفجر فضيحة ووترجيت، التي تسببت في استقالة الرئيس الأمريكي الاسبق “ريتشارد نيكسون” من منصبه، قد أشار في كتابه هذا إلى الفترة التي تلت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وأورد فيه أحاديث حصل عليها من وزير الخارجية الأمريكي “أنتوني بلينكن” وفريقه الوزاري، خلال زياراتهم المكوكية للشرق الأوسط، والتي بدأها صبيحة 12 أكتوبر 2023 بزيارة إلى تل أبيب، تلاها الأردن ثم قطر والإمارات والسعودية والبحرين، وأخيرا مصر.


يقول الكاتب إن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (الذي وصل إلى الحكم في بلاده عبر انقلاب عسكري) قد طالب بلينكن بمطلبين اثنين، أولهما الحفاظ على اتفاقية السلام مع “إسرائيل”، والتي تم التوقيع عليها عام 1979م، وثانيهما إقناع إسرائيل بعدم تهجير الفلسطينيين إلى سيناء. ثم اقترح عليه لاحقا أن يلتقي بوزير الخارجية المصري “سامح شكري” ورئيس المخابرات السابق “عباس كامل”.


ويقول “وودورد” إنه في هذا اللقاء قدم “عباس كامل” لبلينكن وفريقه معلومات وخرائط جمعتها المخابرات المصرية عن أنفاق غزة، وطلب منه أن يوجه النصح إلى نتنياهو قائلا: “إن حماس متجذرة بعمق في قطاع غزة، ومن الصعب هزيمتها، لذا يجب على إسرائيل أن لا تدخل غزة بريًّا دفعة واحدة، بل على مراحل، وأن تنتظر حتى يخرج قادة حماس من جحورهم، وعندها يقطعوا رقابهم”.


يبدو هذا الموقف المشين متطابقا مع موقف الإدارة المتطرفة لدولة الاحتلال الإسرائيلي، في نظرتها لقطاع غزة والمقاومة فيه، وهي نظرة مخالفة- بل ومضادة تماما- لأمن مصر القومي والاستراتيجي، حيث تعتبر غزة بوابة مصر الشرقية، وصمام أمانها، والمقاومة الفلسطينية فيها هي الحاجز الذي يمنع الكيان الصهيوني من المضي في خططه التوسعية التي لا يخفيها، وتحقيق حلمه بإسرائيل الكبرى، من خلال التهام شبه جزيرة سيناء.. وبالتالي، فهذا الموقف ما هو إلا انتصار جديد، حصلت عليه دون حرب دولة الاحتلال.


وأخيرا، يأتي الموقف الذي صدم الشارع المصري والعربي، واعتبروه عارا كبيرا، وسقطة لا تُغتفر للنظام المصري، وإهانة مذلة لتاريخ مصر باعتبارها الشقيقة الكبرى لإخوانها العرب، حيث كشف حركة (BDS) لمقاطعة إسرائيل عن ظهور سفينة “كاثرين” في ميناء الإسكندرية في مصر، وهي السفينة ذاتها التي رفضت عدة دول استقبالها، من بينها مالطا وناميبيا وأنغولا، لكونها تحمل شحنة عسكرية ومتفجرات، كانت في طريقها لتغذية آلة الحرب الإسرائيلية، من أجل إبادة وتفريغ قطاع غزة من سكانه الفلسطينيين الذين يبلغ تعدادهم أكثر من 2 مليون إنسان.


فالسفينة، التي كانت تُبحر تحت علم “ماديرا” التابعة للسيادة البرتغالية، رفضت البرتغال أن ترفع علمها، فاضطرت لرفع العلم الألماني، ثم أُجبرت على الإبحار عبر طريق رأس الرجاء الصالح، لتجنب استهدافها في البحر الأحمر، ونتيجة لحملات المقاطعة، التي دعت إليها منظمات مناهضة للحرب الوحشية التي تشنها إسرائيل، فقد استجابت دول عديدة ورفضت استقبال السفينة، حتى ولو لمجرد التزود بالمؤن، إلى أن رحبت بها مصر، وأصبحت المحطة الأخيرة لها. وكانت شركة المكتب المصري للاستشارات البحرية (EMCO)، والتي يملكها رائد بحري سابق في الجيش المصري، هي المسؤولة عن استقبالها وتفريغ شحنتها الحربية، وهو ما أكده عدد من المواقع المتخصصة في البحث والاستقصاء، مثل موقع صحيح مصر، وموقع إيكاد.


عارُ وخزي، يجعلنا نتأكد تماما من أن مصر تحت حكم السيسي- كما وصفها هو بنفسه- في نكسة وهزيمة، بالضبط كـنكسة 67، وأن حكم السيسي لها ما هو إلا أسوأ أنواع الاحتلال.

فيديو اليوم

فيديو اليوم

 نظرة عن قرب  للمجتمع الغزي



سنوات طويلة مرت على قطاع غزة، عاشت خلالها عدة حروب، وحصار مستمر، أثر ذلك على مختلف نواحي الحياة في القطاع، وخاصة تركيبة المجتمع وثقافته، وصنعت منه مجتمعاً مختلفاً عن باقي المجتمعات، وهو ما نرى أثره اليوم في ظل حرب الإبادة، في هذه الحلقة نسلط الضوء على تركيبة المجتمع في غزة، وكيف صقلت الحروب والحصار هذا المجتمع


أمةٌ بين العجز والخذلان

 أمةٌ بين العجز والخذلان

م. محمد إلهامي


إنما مثلنا ومثل هذا الواقع الذي نحن فيه، كَمَثل قومٍ وُلِدوا في سجن، لم يعرفوا من الحياة غير السجن، وقد درجوا على ذلك وألفوه حتى لم يعرفوا غيره! فهم يرون زنازينه بيوتا وأوطانا، ويرون سجانيه حراسا، ويرون تقسيم العمل فيه نظاما، ويرون مديره زعيما ورئيسا!

فلئن سألتَهم: ماذا تحبون؟ وفيم ترغبون؟ 

كان مناضلهم وأشجع من فيهم هو من ينبعث ليقول: نريد زيادة وقت التريض، والتحسين من جودة الطعام، وإصلاح أحوال المستشفى لتقديم الرعاية الصحية الملائمة للمواطنين، وتعديل القوانين المنظمة للإدارة لكي يتحسن تعامل الحراس مع النزلاء في أثناء تنظيم الخروج والدخول!

فلئن اكتفى هذا "الشجاع، المناضل، المغوار" بالكلام والمناشدة والنداء، فهو يعمل وفق القوانين القائمة، وقد ينظر إليه مدير السجن إن كان "صالحا" بعين العطف والعناية، وإلا فقد يتخوف من أن هذا الكلام هو أول العمل كما أن النار هي من مستصغر الشرر، فيعمل على عقوبته كي لا تنتشر أفكاره التي تهدد "نظام" السجن، وتشجع أولئك النزلاء على التمرد!

وأما إن كان هذا "الشجاع، المناضل، المغوار" أوسع من ذلك حيلة، فلم يكتفِ بالكلام، وإنما سعى في العمل، فإنه المتمرد الإرهابي الذي يجب أن يؤدب وأن يكون عبرة لمن يعتبر! وعظة لمن يتعظ!

ولكن.. ما هو هذا العمل الذي سيجعله عبرة؟!

إنما هو كأن يشاكس الحراس في مواعيد الخروج والدخول إلى الزنازين، فيسعى لانتزاع وقتٍ أطول من أوقات التريض، أو أن يقاوم معترضا صفعة وضعها حارسٌ على قفاه دفاعا عن نفسه وكرامته، أو أن يسعى سرًّا وبالحيلة لتهريب سجين إلى المستشفى قبل أن يستكمل أوراقه وإجراءاته الإدارية، أو أن يعمل في تثوير النزلاء للمطالبة بحقوقهم المكتوبة في دستور السجن! أو نحو هذا!

إنه، إذن، سجين خطير، وهو قد خرج عن القوانين وخالفها حين فكَّر في انتزاع بعض الحقوق لنفسه، ولم يلتزم بالوسائل القانونية السلمية المشروعة التي تحكم عمل السجن!

ولهذا فقد انقسم حول الرأي فيه: إدارة السجن والسجناء معًا؛ فقوم يقولون: إن الكبت يولد الانفجار ولا بد من إصلاح منظومة القوانين الحاكمة لتهدئة التوتر، ولكي يعود السجناء والحراس والإدارة يدا واحداة وشعبا واحدا، في ظل منظومة أفضل. وقومٌ يقولون: بل لا بد من الحسم والحزم إزاء أولئك المتمردين المشاكسين، فالنظام نظام! والالتزام التزام! والقوانين القائمة يجب أن تُصان وألا تُمَسَّ هيبتها، ولئن حقق هذا المتمرد المشاكس بعض مطالبه بطريق التمرد هذا فإن هذا لتشجيعٌ وتحريض لغيره على أن يتمردوا ليحققوا ما يشاؤون، فأين تذهب هيبة القانون والإدارة والسجن والحراس والرئيس؟!.. بلى، إنه لإرهابي يريد أن يبدلكم من بعد خوف أمنا، ومن بعد نظام فوضى، ومن بعد حكم القانون حكم الغابة!

وما يزال النقاش ساخنا ودائرا بين نزلاء السجن من جهة، وبين إدارة السجن من جهة، وبين الفريقين من جهة أخرى!

يتناقش السجناء: هل ما نحن فيه الآن نعمة تستحق الشكر؟ أم نحن نستحق خيرا من هذا؟ ألا تشاهدون في التلفاز والصحف كيف تبدو السجون الأخرى في هذا المُجَمَّع؟! ألا تنظرون إلى لون الزنزانة في هذا المجمع الغربي واتساعها؟ ألا ترون كيف هي المستشفى متطورة عندهم؟ ألا ترون الحارس منهم كيف يعامل النزيل باحترام وتقدير؟ ألا ترون كيف أن أوقات التريض عندهم ضعفيْ وقت التريض عندنا؟!

ويتناقش السجانون أيضا: هل يستحق هؤلاء النزلاء تحسين أوضاعهم أم أنهم كالكلب؛ إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث، فإذا حصلوا على شيء طمعوا في غيره؟! وهل يصلح عند هؤلاء الناس مثل ما يصلح في المجمع الغربي المتقدم المتطور ذي التعليم والثقافة والأموال الكثيرة؟! وهل حقا كان الكبت هو الذي أدى إلى الانفجار في موجة التمرد السابق، أم أن قلة الكبت وضعف القبضة هو الذي سمح بهذا الانفجار؟!

وبينما يسود هذا النقاش بين السجانين، وبين المساجين أيضا، إذ نبت في الناس قوم يقولون: يا أيها الناس، هل هذه أوطان أم هذه سجون وزنازين؟! وهل هؤلاء حرس يحفظوننا من أخطار الخارج أم هم سجانون لا همّ لهم إلا قهرنا وكبتنا والسيطرة علينا؟! وهل هذا الذي يحكمنا نظام وقانون لخدمتنا وتحقيق مصالحنا وتنظيم حياتنا أم أنه نظام وقانون لشرعنة وتقنين حبسنا وإذلالنا؟ وهل حقا أن منتهى طموحاتنا أن يكون السجن لدينا نظيفا ملونا متسعا مثل سجون المجمع الغربي؟! إن المجمع الغربي نفسه يعيش في سجون وتحتاج شعوبه إلى التحرير مثلما نحتاج إليها!

بدا الكلام كأنه منبعث من الخيال البعيد، فغر الجميع فاه! وحاول أن يتأمل هذا الكلام الجديد! إنه نوع جديد من "الإرهاب" فيما يبدو! وهو نوعٌ لا يستهدف شخص الرئيس مدير السجن، ولا مجموعة قوانين ضمن لائحة السجن! إنه كلام يستهدف طبيعة النظام نفسه، وبنية السجن نفسها! إنها إذن دعوة إلى الفوضى! الفوضى التي يسميها حرية وتحريرا! كيف نخرج بهؤلاء الناس من هذا "الوطن" الذي يسميه سجنا؟!.. وهل في الدنيا شيء إلا الأوطان التي يسميها: السجون؟!.. وهل يستطيع الناس أن يعيشوا بغير قانون ونظام كالذي يحكمهم داخل هذه الأوطان التي يسميها سجونا؟! وكيف يمكن للمرء أن يُعالج إن لم توجد مستشفى السجن؟ أو أن يتعلم إن لم توجد مدرسة السجن؟ وفيم يعمل إن لم يوجد محجر السجن ومصنعه ومزرعته؟!

***

إنه –عزيزي القارئ- حوار شبيه بحوار الجنينيْن في بطن أمهما، الذي ينسب للكاتب اليوناني ديمتري إفرينوس، والذي أراد به الكاتب أن يشير به إلى وجود حياة أخرى بعد الموت:

يُروى أن توأميْن في بطن أمهما دار اندلع بينهما حوار، قال أحدهما: هل تعتقد بوجود حياة بعد الولادة؟

فقال الآخر: لا يمكننا أن نتأكد فلم يعد أحد الولادة ليخبرنا، لذلك أنا لا أعتقد بوجود حياة بعد الولادة، ويكمل متهكما إذا كانت هناك حياة بعد الولادة ماذا عساها تشبه؟! كيف سنحيا خارج الرحم بهذا الحبل السري القصير؟ كيف سنمشي بهذه الأطراف الرخوة؟!! إنها خرافات لا تصدق..

-      لا أدري ولكنى أعتقد أن الأم ستساعدنا!

-      ومن أخبرك بهذا.. ليس هناك شيء اسمه أم!

-      إذا أنت لا تؤمن بوجود بالأم؟

-      أنا لا أؤمن بوجود شيء لا أراه ولا أستطيع أن أسمعه أو ألمسه ولا دليل على وجوده، إذا كانت الأم موجودة فلتظهر نفسها!

-      إن الأم تحيط بنا من كل اتجاه، نحن بداخلها، نحن أبناؤها، جائت بنا إلى الحياة كما أن الغذاء يأتينا منها، ليس بمقدورك أن تراها، لكن إن هدأت قليلا ستسمع صوتها وتشعر بها تربت على الرحم، وستشعر بحنانها يغمر قلبك ويطمئنك!

-      يالك من غبي حقا، الغذاء يأتينا من الحبل السري يا جاهل، وليس من الأم التي لا نراها ولا دليل على وجودها، كما أن الأم لم تأت بنا، نحن تَكَوَّنَّا داخل هذا الرحم عن طريق اختراق الحيوان المنوى لجدار البويضة، هذا هو التفسير العلمي لوجودنا أيها الأحمق، وليست الأم التي اخترعتها أنت! إذا كانت هذه الأم حنونة وتحبنا لهذه الدرجة، فلماذا تركتنا في هذا المكان المعتم الضيق، ستتركنا هكذا لا نستطيع الحركة بحرية حتى تنتهى حياتنا بالولادة ونحن مسجونين هكذا!.. يالك من غبي تؤمن بالخرافات!

-      لست غبيا ولكن أنا أؤمن بوجود الأم، وأن الولادة هى بداية الحياة، لأن هذا هو الاستنتاج المنطقي، فلا يعقل أن يأتينا الغذاء من العدم، لابد له من مصدر، كما أنه لا يعقل أن تأتي البويضة من العدم هكذا لابد لها من مصدر أيضا!.. وبالتأكيد إذا كانت هناك أم أتت بنا فإنها لن تتركنا بعد الولادة وسترعانا وتعتنى بنا..

-      ضاحكا: أنت غبي جاهل متخلف تؤمن بالخرافات أنا أذكى منك! ...إلخ

***

في الواقع، فإن هذا الجنين الملحد! هو أعقل من الملتبس بواقعنا هذا! فإن الجنين لم ير الدنيا، بينما أهل هذا الواقع يعلمون بأدنى استنتاج منطقي أن هذا النظام، نظام الدولة الحديثة، لم يكن يحكم حياة البشر إلا في هذه القرون الأخيرة، وعمره في بلادنا يزيد قليلا عن القرنيْن فحسب، فليس هو من ثوابت الكون ولا من حقائق الحياة!

نحن قومٌ مساجين، وأشد ما في هذا السجن من سوء، أن الناس لا يشعرون أنهم في سجن، بمن في ذلك طائفة كبيرة من شجعانهم ومصلحيهم، لقد تلوثت العقول وفسد الخيال حتى صار الشجاع المصلح يطلب إصلاحا وصورة على ذات النمط، لكن بشروط أفضل للعبودية!

نحن قومٌ مسلمون، عمرنا في هذا العالم الآن أكثر من أربعة عشر قرنا، لدينا نظام حياة سابق على هذه السجون الحديثة التي جعلت سلطة الحكم تتحكم وتمسك بكل تفاصيل الحياة وأنشطتها، فهي تراقب حتى التغريدات التي نكتبها، وتتحكم في الأموال التي بأيدينا، وتحدد لنا مناهج التعليم التي تشكل وعينا، وتسيطر على نوافذ الثقافة والإعلام التي نبصر بها الحياة، وتطلب منا أن ننتمي إليها ونواليها ونخلص لها ونضحي بدمائنا في سبيلها، أي أنها تطلب منا على الحقيقة أن نعبدها! فقانونها شريعة، وعلمها الوطني راية، ودستورها قرآن، والموت عند حدودها ومن أجل ترابها شهادة! وكل ما هو تحت حدودها خاضع لها ولها السيادة عليه، لا تُسأل عما تفعل ونحن نُسأل حتى عما لم نفعل!!

ها هم أهل الزنازين والسجون يرون أن زنازينهم تحجزهم وتمنعهم عن نصرة إخوانهم المذبوحين في غزة وفي لبنان ومن قبلها في الشام والعراق وأفغانستان والبوسنة وكوسوفا، ومن استطاع التسلل منهم إلى تلك الأنحاء ليجاهد فيها قد صار إرهابيا مطلوبا للعدالة!! تأمل.. للعدالة!!

الأمة لم تخذل غزة ولا غيرها.. الأمة محبوسة عاجزة عن نصرة غزة وعن نصرة غيرها..

ولكن الخذلان الحقيقي، هو البقاء في حالة الضعف هذه، بل في حالة الاستسلام هذه لأنظمة قد ثبتت خياناتها وعمالتها وتواطؤها مع العدو وولاؤها له.. هذا هو الذي يجعل الضعف خذلانا، فننتقل من الأمر الذي نحن معذورين فيه شرعا، إلى الحال الذي نحن فيه آثمون!

إن نظامنا الإسلامي الذي ساد قرونا في هذه الدنيا، غلَّ يد السلطة أن تتغول وتتمدد وتهيمن على سائر أنشطة المجتمع، وهو أيضا النظام الذي أسس لاستقلال الأمة بأموالها ومواردها، وحثها على أن تقاوم أي تغول على شأنها وأمرها! ومن قرأ شيئا يسيرا في أبواب كثيرة من كتب الفقه والتاريخ عرف بوضوح أننا الآن في وضع احتلال هو أسوأ من كل احتلال ابتلينا به؛ إنما هو احتلال مغلف بقشرة وطنية ومطليٌّ بطلاءٍ إسلامي، ولكنه أفتك من كل احتلال أجنبي.. طالع مثلا أبواب: الأوقاف، وإحياء الأرض، ومصارف المال، وزكاة الركاز والمعادن، والضرائب والمكوس، الاحتكار، التسعير، والظفر بالحق، تغيير المنكر، والحسبة على السلطان... إلخ!

من قرأ شيئا من الشريعة علم أنها تصنع مجتمعا قويا أمام سلطة محدودة الصلاحيات، وتُمَكِّن الأمة من مواردها المالية ومواردها البشرية، وما السلطة فيها إلا حالة تنظيم حارسة لا حالة سيطرة متوغلة ومهيمنة، وأنها تتولى الملفات العامة الكبرى كالأمن والدفاع وما يتعلق بهما!

أما الآن، فقد أنشأ الاحتلال الغربي في بلادنا دُوَلًا على نمط دوله، زنازين جديدة، وضع عليها أسوأ أنواع عملائه، يحكموننا بقوانينه ومزاجه، ويُمَكِّنونه من أموالنا ومواردنا وعقولنا بل ومن أجسادنا كذلك!

الخذلان حقا أن نبقى مرتاحين في هذا السجن! وألا نعمل على تحطيمه والتحرر منه!

نشر في مجلة أنصار النبي، أكتوبر 2024م

الأمة الإسلامية بين أسباب السقوط وعوامل النهوض

الأمة الإسلامية بين أسباب السقوط وعوامل النهوض


 التعرف على أسباب هوان أمة الإسلام. وكيفية معالجتها؟

حقيقة ما يمر به العالم الإسلامي حاليًاسنّة الله التي لا تتغير ولا تحابي أحد
تبدّل حال المسلمين من التمكين والتأمين إلي الذل والضعف والهوان
الفرق بين انحراف السلوك وانحراف المفاهيم
غربة الإسلام والمطلوب لإزالة هذه الغربة

حقيقة ما يمر به العالم الإسلامي حاليًا

يعيش العالم الإسلامي اليوم مرحلة من أسوأ مراحله التاريخية ، إن لم تكن أسوأ مامر به في تاريخه كله . فلم تكن الأزمات الماضية تصيب المسلمين كلهم في وقت واحد في كل بقاع الأرض كما هو الحال في هذه المرة . ولم يكن الذل والهوان والضياع يشمل الأمة الإسلامية كلها كما يشملها في هذه المرة .

فإذا كانت نكبة الأندلس – مثلا – تعتبر من أسوأ مامر بالمسلمين في القرون الماضية ، فنكبة فلسطين أسوأ . فحينما كان ظل المسلمين يتقلص عن الأندلس ، كانت الدولة العثمانية الفتيّة تقتحم القسطنطينية وتجعل منها عاصمة الخلافة الإسلامية ، ثم تتوغل بجيوشها في أوربا حتى تصل إلى فينا وبطرسبورج . أما نكبة فلسطين فإنها تحدث وظل المسلمين منحسر في كل الأرض ، والمذابح لا تكف عنهم في كل مكان : في الفلبين. في الحبشة . في أريتريا . في تشاد . في نيجريا . في الهند . في سوريا . في العالم الشيوعي كله حيث يخيّرون بين الكفر أو الموت . والمؤامرات تحاك للإسلام والمسلمين على نطاق القوى الدولية كلها مجتمعة . والعالم الإسلامي يفتت ، ثم يعود فيفتت ، ثم يعود فيفتت . وتقوم المحاولة إثر المحاولة لإقامة دول لغير المسلمين في الأرض الإسلامية ، تقتطع في كل مرة جزءًا من أرض الإسلام ، وتستعبد من يبقى فيها من المسلمين أو تقتلهم .. ثم الدعاة المسلمون يُقتلون ويُعذَّبون أبشع تعذيب في التاريخ ، على يد حكومات تناوئ الدعوة الإسلامية ، وترفض أن تحكم المسلمين بشريعة. الله .

سنّة الله التي لا تتغير ولا تحابي أحد

هذا هو الوضع السيئ الذي يعيشه العالم الإسلامي اليوم بغير شبيه له في التاريخ.

ولا شيء في هذا الوضع يحدث اعتباطًا ، ولا يمكن أن يحدث شيء واحد في حياة البشر اعتباطًا ! إنما يجري كل شيء في حياة البشر حسب سنة الله التي لا تتخلف ولا تحابي أحدًا من الخلق :

﴿ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَبديلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَحۡوِیلًا ﴾ ، (فاطر ٤٣)

ومن سنة الله أنه لا يغير نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ، أي ينحرفوا عن الطريق:﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ لَمۡ یَكُ مُغَیِّرًا نِّعۡمَةً أَنۡعَمَهَا عَلَىٰ قَوۡمٍ حَتَّىٰ یُغَیِّرُوا۟ مَا بِأَنفُسِهِمۡ وَأَنَّ ٱللَّهَ سَمِیعٌ عَلِیم ﴾ ( الأنفال ٥٣) .

ومن سنته أنه لا يحابي أحدًا لكونه من ذرية قوم صالحين :﴿ وَإِذِ ٱبۡتَلَىٰۤ إِبۡرَ اهِيـۧمَ رَبُّهُۥ بِكَلِمَـٰت فَأَتَمَّهُنَّۖ قَالَ إِنِّی جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًاۖ قَالَ وَمِن ذُرِّیَّتِیۖ قَالَ لَا یَنَالُ عَهۡدِی ٱلظَّـٰلِمِینَ ﴾ (البقرة ١٢٤) .

إنما يمكنهم حين يكونون هم بأنفسهم مؤمنين صالحين : ﴿وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ مِنكُمۡ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ لَیَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِی ٱلۡأَرۡضِ كَمَا ٱسۡتَخۡلَفَ ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَلَیُمَكِّنَنَّ لَهُمۡ دِینَهُمُ ٱلَّذِی ٱرۡتَضَىٰ لَهُمۡ وَلَیُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعۡدِ خَوۡفِهِمۡ أَمنًا یَعۡبُدُونَنِی لَا یُشۡرِكُونَ بِی شًيئًا﴾  (النور ٥٥).

أما الذين يرثون الكتاب وراثة ، أي لا يعتبرونه خاصًّا بهم . ولا ملزمًا لهم ، إنما هو شيء موروث عن الآباء والأجداد فأولئك هم الخلف السيئ الذين أشير إليهم في كتاب الله في معرض الحديث عن بنی إسرائيل لتحذير المسلمين من عاقبتهم :

﴿فَخَلَفَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ خَلۡفٌ وَرِثُوا۟ ٱلۡكِتَـٰبَ یَأۡخُذُونَ عَرَضَ هَـٰذَا ٱلۡأَدۡنَىٰ وَیَقُولُونَ سَیُغۡفَرُ لَنَا وَإِن یَأۡتِهِمۡ عَرَضٌ مِّثۡلُهُۥ یَأۡخُذُوهُۚ أَلَمۡ یُؤۡخَذۡ عَلَیۡهِم مِّیثَـٰقُ ٱلۡكِتَـٰبِ أَن لَّا یَقُولُوا۟ عَلَى ٱللَّهِ إِلَّا ٱلۡحَقَّ وَدَرَسُوا۟ مَا فِیهِۗ وَٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ خَیۡرٌ لِّلَّذِینَ یَتَّقُونَۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ﴾ [الأعراف ١٦٩]

وهم هم الذين يقول الله فيهم :﴿فَخَلَفَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ خَلۡفٌ أَضَاعُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَٱتَّبَعُوا۟ ٱلشَّهَوَ اتِۖ فَسَوۡفَ یَلۡقَوۡنَ غَیًّا﴾ [مريم ٥٩] هذه كلها سنن ربانية تجرى بها الأمور في الحياة البشرية ، لا تحابي أحدًا ، ولا تتبدل على هوى أحد من البشر.

تبدّل حال المسلمين من التمكين والتأمين إلي الذل والضعف والهوان

ولقد أنعم الله على الأمة الإسلامية بالتمكين والاستخلاف والتأمين ، وفتح عليها بركات من السماء والأرض كما وعد المتقين ﴿وَلَوۡ أَنَّ أَهۡلَ ٱلۡقُرَىٰۤ ءَامَنُوا۟ وَٱتَّقَوۡا۟ لَفَتَحۡنَا عَلَیۡهِم بَرَكَـٰتٍ مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِ وَٱلۡأَرۡضِ ﴾ [الأعراف ٩٦].

ثم تغير الحال من الاستخلاف والتمكين والتأمين إلى الذل والضعف والهوان ، والتشريد والتنكيل والتقتيل حين صاروا إلى الصورة التي أنذرهم بها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وحذرهم منها :« يُوشِكُ أنْ تَداعى عليكم الأُمَمُ مِن كلِّ أُفُقٍ، كما تَداعى الأَكَلةُ على قَصعَتِها، قال: قُلْنا: يا رسولَ اللهِ، أمِن قِلَّةٍ بنا يَومَئذٍ؟ قال: أنتم يَومَئذٍ كَثيرٌ، ولكنْ تَكونونَ غُثاءً كغُثاءِ السَّيلِ .. » ١.

فما الذي تغير؟ .. وكيف حدث التغيير؟

لقد حدثت انحرافات كثيرة في حياة المسلمين في مسيرتهم الطويلة خلال التاريخ.

وكل انحراف وقع في حياتهم عن المنهج الرباني كانت له ولاشك عاقبته البطيئة أو السريعة حسب نوع الانحراف ، ودرجة تفشيه ، وموقف الأمة منه بحكامها وعلمائها وعامتها .. حتى إذا وصل الانحراف إلى حده الأقصى كانت عاقبته ما نراه اليوم من ضعف ومذلة وخوف ، بدلًا من الاستخلاف والتمكين والتأمين ..

الفرق بين انحراف السلوك وانحراف المفاهيم

إن كثيرا من الدعاة المخلصين أنفسهم ليظنون أن ما أصاب المسلمين قد أصابهم بسبب انحراف سلوكهم عن الصورة الإسلامية الصحيحة . و انحراف المسلمين في سلوكهم أمر أوضح من أن يشار إليه .. فإن ما تفشي في حياتهم من الكذب والغش والنفاق ، والضعف والجبن والاستخذاء ، والبدع والمعاصي ، وما صار إليه الشباب من تفلُّت وتحلل ، وما صار الناس إليه من تبلد على الفجور والمنكر.. وعشرات غيرها من الصفات والأعمال ، كلها ليست من الإسلام في شيء، بينها هي الواقع الذي يعيشه « المسلمون »!

ومع ذلك فليس الانحراف السلوكي هو الانحراف الوحيد في حياة أولئك « المسلمين » ، ولا هو الانحراف الأخطر في حياتهم . ولو كان الأمر مقصورًا على الانحراف السلوكي وحده لكان الأمر على سوئه – أهون بكثير !

ولكن الأمر تجاوز ذلك إلى الانحراف في « المفاهيم » .. كل مفاهیم الإسلام الرئيسية ابتداء من لا إله إلا الله !

وحين تجد إنسانا منحرفا في سلوكه ، ولكن تصوّره لحقيقة الدين صحيح ، فستبذل جهد ما لردِّه عن انحرافه السلوكي ، ولكنك لا تحتاج أن تبذل جهدًا في تصحيح مفاهيمه ، لأنها صحيحة عنده وإن كان سلوكه منحرفا عنها . أما حين يقع الانحراف في المفاهيم ذاتها ، فكم تحتاج من الجهد لتصحيح المفاهيم أولًا ، ثم تصحيح السلوك بعد ذلك ؟

تلك هي حقيقة الوضع في العالم الإسلامي اليوم . تجاوز الانحراف منطقة السلوك ، ووصل إلى المفاهيم الرئيسية لهذا الدين .

غربة الإسلام والمطلوب لإزالة هذه الغربة

ومن أجل ذلك يعاني الإسلام اليوم تلك الغربة التي تحدث عنها رسول الله – صلى الله عليه وسلم -:” بدَأ الإسلامُ غريبًا وسيعودُ غريبًا كما بدَأ “٢ ولقد عاد غريبًا بالفعل .. غريبًا بين أهله أنفسهم ، يتصورونه على غير حقيقته فضلًا عن سلوكهم المنحرف عنه- و يستغربونه حين يعرض لهم في صورته الحقيقية كما جاءت في كتاب الله وسنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأخذت تطبيقها الكامل في حياة السلف الصالح – رضوان الله عليهم – !

وعلينا أن نواجه الأمر على حقيقته .. فإن أي جهد نبذله في تصحيح السلوك وحده – مع بقاء المفاهيم منحرفة – لن يؤتي ثماره كاملة ، ولن يخرج الأمة من وهدتها التي انتكست إليها في عصرها الحاضر. إنما نحتاج أن نبذل جهدًا مضاعفًا لإزالة الغربة الثانية كالجهد الذي بذلته الجماعة الأولى من المسلمين لإزالة الغربة الأولى للإسلام .

وهذا الجهد المضاعف هو المهمة الملقاة اليوم على عاتق الصحوة الإسلامية .

ضرورة تصحيح منهج التلقي والتربية علي المفاهيم الصحيحة لهذا الدين وأول ما نبدأ به من هذا الجهد هو تصحيح منهج التلقي..

من أين نتلقى فهمنا لهذا الدين ؟ من كتاب الله وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم – وسيرة السلف الصالح – رضوان الله عليهم – ؟ أم مما دخل على هذا الفهم الواضح المستقيم من أفكار دخيلة ومنحرفة ، بتأثير عوامل متعددة في أثناء المسيرة الطويلة للأمة الإسلامية ، واحتكاكها الدائم بأخلاط من المذاهب وأخلاط من الأفكار ؟!

فإذا صححنا منهج التلقي ، وصححنا بناء على ذلك ما انحرف في حس المسلمين المتأخرين من مفاهيم الإسلام الرئيسية بقيت علينا مهمة أخرى لا تقل خطرًا هی مهمة التربية على المفاهيم الصحيحة لهذا الدين ..

والتربية هي الجهد الحقيقي الذي ترجى معه الثمرة . ولكنه لن يؤتي ثمرته حتى يقوم على أساسه الصحيح .

الهوامش:

  1. أخرجه أبو داود (٤٢٩٧)، وأحمد (٢٢٣٩٧).
  2. محمد ابن عبد الوهاب (ت ١٢٠٦)، الرسائل الشخصية ٢٧٠  •  صحيح  •  شرح رواية أخرى.

المصدر:

كتاب “مفاهيم ينبغي أن تصحح” بتصرف يسير.

قراءة كتاب مفاهيم ينبغي أن تصحح

من المقاومة إلى إيران.. من المسؤول عن خراب مشرقنا العربي؟!

من المقاومة إلى إيران.. من المسؤول عن خراب مشرقنا العربي؟! 

ساري عرابي

عود بعض المثقفين العرب الذين لديهم موقف نقدي، معلن أو ضمني، من عملية السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، وأحيانا من المقاومة المسلّحة برمّتها، لاستدعاء إيران بنحو لا يبدو مفهوم الأسباب بالقدر الكافي، وذلك في إطار مناقشة حرب الإبادة الجماعية على الفلسطينيين في قطاع غزّة. ويتركّز هذا النقد في مسألتين أساسيتين؛ الأولى: الاتهام المتجدد لإيران بتخريب دول المشرق العربي، وبعضهم ممّن لديه نوستالجيا خاصّة تجاه "الربيع العربي" يزيد في ذلك الاتهام بتحميلها مسؤولية الانقلاب على ذلك "الربيع"، وأمّا الثانية: فهي التنويه إلى كون التدخل الإيراني في مواجهة الحرب الإسرائيلية، أقلّ بكثير من سقف الخطاب الإيراني المعلن طوال السنوات الماضية.

ليست المشكلة هنا في التوجّه النقدي نحو إيران ومراجعة سياساتها تجاه المنطقة العربية، ولكن المشكلة في اختيار إيران مدخلا لمراجعة عملية السابع من أكتوبر، في إفلاس نقديّ واضح، حينما يملّ الأخ المثقف من تناول الحدث من جهة حسابات المقاومة، أو من جهة موقفه التأسيسي الرافض للمقاومة المسلحة، فيلتفت إلى زاوية نقدية أخرى لا تبدو بعيدة عن دوافعه تلك، فهو منحصر في نقد أعداء "إسرائيل" أو المشتبكين معها، بقطع النظر عن مستويات الاشتباك، وبالضرورة فإنّنا لا نستبطن مناقشة هؤلاء الذين يعدّون جولة القصف المتبادل بين إيران و"إسرائيل" مسرحية، فهم خارج هذا النقاش تماما.

تركيز النقد على المعتدَى عليهم لا يخلو في ظاهره من اختلال أخلاقيّ واضح، قد يُغطَّى بالقول إنّ "إسرائيل" عدوّ مجرم ليس ثمّة إضافة تُقدّم بتكرار إدانتها الحاضرة دائما، ومن ثمّ فالمساهمة الوحيدة الممكنة بلسان حال هؤلاء، وأحيانا مقالهم، هو النقد المستمرّ للطرف الواقع عليه العدوان الإسرائيلي، وهذه الإضافة تأخذ قيمتها، بحسبهم، بمعرفة أين أخطأنا

تركيز النقد على المعتدَى عليهم لا يخلو في ظاهره من اختلال أخلاقيّ واضح، قد يُغطَّى بالقول إنّ "إسرائيل" عدوّ مجرم ليس ثمّة إضافة تُقدّم بتكرار إدانتها الحاضرة دائما، ومن ثمّ فالمساهمة الوحيدة الممكنة بلسان حال هؤلاء، وأحيانا مقالهم، هو النقد المستمرّ للطرف الواقع عليه العدوان الإسرائيلي، وهذه الإضافة تأخذ قيمتها، بحسبهم، بمعرفة أين أخطأنا. هذه الحجة هي الإفلاس عينه، لأنّ اقتصار المساهمة في التعاطي مع الحدث على نقد الضعيف والمعتدَى عليه؛ تنتهي إلى إشاعة الوهن واليأس والندم، والتغافل عن كلّ ما ينبغي فهمه ويمكن قوله بخصوص العدوّ المعتدِي، وهو ما قد ينتهي بدوره كذلك إلى نوع من التبرئة للعدوّ، فحينما تكون المساهمة الثقافية منحصرة في نقد الضعيف المعتدَى عليه، فذلك يعني أنّ المشكلة جوهريّا تكمن فيه، وذلك كلّه دون أن يقول هؤلاء شيئا مفيدا فيما هو راهن وكيفية الخروج منه.

يقود ذلك إلى العوامل الموضوعية التي مكّنت "إسرائيل" من إطالة حرب الإبادة الجماعية على الفلسطينيين، إذ ينبغي، والحالة هذه، النظر في الموقف العربي، الذي يمكن معرفة حقيقته ليس فقط من كون جميع الدول العربية، لا سيما تلك الكبيرة والمتعافية، أو الأكثر تداخلا مع القضية الفلسطينية، أو التي تقيم علاقات علنية مع "إسرائيل"؛ لم تفعل أدنى شيء لمحاولة وقف المذبحة، بل إنّها تنظّم صراحة الحملات الإعلامية الضخمة المنحازة لـ"إسرائيل"، والقنوات والصحف والمواقع والشخصيات ومجموعات "الذباب الإلكتروني" التي تتولّى ذلك معروفة، وأكثرها مملوك لدول خليجية أو مموّل منها.

ينبغي، والحالة هذه، النظر في الموقف العربي، الذي يمكن معرفة حقيقته ليس فقط من كون جميع الدول العربية، لا سيما تلك الكبيرة والمتعافية، أو الأكثر تداخلا مع القضية الفلسطينية، أو التي تقيم علاقات علنية مع "إسرائيل"؛ لم تفعل أدنى شيء لمحاولة وقف المذبحة، بل إنّها تنظّم صراحة الحملات الإعلامية الضخمة المنحازة لـ"إسرائيل"


لسنا، والحالة هذه، في كبير حاجة إلى ما نقله بوب وودوارد في كتابه "war" (وقد رجعت للكتاب للتأكد من صحة ما نقلته عنه المصادر الإخبارية) عن دعم عدد من الحكام والوزراء العرب لبنيامين نتنياهو في حربه على حماس، وحرصهم على هزيمة الحركة، وذلك في محادثاتهم مع وزير الخارجية الأمريكي بلينكن بعد السابع من أكتوبر. ومن نافلة القول إنّ الطريق لهزيمة حماس هي الإبادة الجماعية والتدمير الممنهج لقطاع غزّة، الأمر الذي يؤكّد باستمرار أنّ مشكلة الحكومات العربية ليست مع حماس بوصفها حركة مقاومة أو حركة "إسلام سياسي"، وإنّما هي الرغبة التاريخية العارمة في الخلاص من القضية الفلسطينية، لأنّ تلك الحكومات تعلم تماما أنّ ثمن هزيمة حماس هو تكريس المشروع الصهيوني، وطمس القضية الفلسطينية؛ في السياق نفسه الذي كانت تسير فيه حكومات "التطبيع الإبراهيمي" منذ سنوات قبل السابع من أكتوبر.

ماذا يعني أن يُخلا من النقد؛ العربي الأقرب إلى فلسطين، والذي يتحمّل مسؤولية سياسية لا تسقط بالتقادم عن القضية الفلسطينية، للحديث حصرا عن انخفاض فعل إيران بالنسبة لخطابها طوال السنوات الماضية؟! والغريب أن يتخذ البعض من انعدام الخطاب العربي تجاه "إسرائيل" حجة لدفع النقد عن الحكومات العربية، وكأنّ انعدام هذا الخطاب أو رداءته؛ ليس ممّا يستحق الإدانة. فالقول، في محاولة تسويغ انصراف النقد عن الحكومات العربية، إنّها ليست لديها دعاوى عريضة بخصوص الصراع مع "إسرائيل" تُحاسب على أساسها؛ أمر يتطابق مع انحطاط المواقف التأسيسية لتلك الحكومات، لأنّ المشكلة أصلا إمّا في مواقفها المنحازة لـ"إسرائيل"، أو في سقفها الواطئ تجاه القضية الفلسطينية، وهو ما سمح باستمرار حرب الإبادة الجماعية، فانحطاط خطابها دليل انحطاط مواقفها الحقيقية الداعمة للحرب الإسرائيلية، ومن ثمّ فهذا المثقف وتلك الحكومات بالدرجة نفسها من الرداءة أو الانحطاط، ولكنّ هذا المثقف يبيع موقفا مجّانيّا لأنظمة طغيانية وجودها واستمرارها مرهون بشرط الرضا الأمريكي!

مشكلة الحكومات العربية ليست مع حماس بوصفها حركة مقاومة أو حركة "إسلام سياسي"، وإنّما هي الرغبة التاريخية العارمة في الخلاص من القضية الفلسطينية، لأنّ تلك الحكومات تعلم تماما أنّ ثمن هزيمة حماس هو تكريس المشروع الصهيوني، وطمس القضية الفلسطينية؛ في السياق نفسه الذي كانت تسير فيه حكومات "التطبيع الإبراهيمي" منذ سنوات قبل السابع من أكتوبر


تبقى حكاية أنّ إيران دمّرت بلاد المشرق العربي. هذه الحكاية قفزة تاريخيّة واسعة، لا يقدر عليها إلا خيال مخروق، فالخراب العربي بدأ مع غزو صدام حسين للكويت، والذي هو فعل عربيّ خالص، ثم تبع ذلك تواطؤ الحكومات العربية مع النظام الغربي الاستعماري؛ لتدمير مقدّرات العراق في حرب العام 1991، وهو ما استُكمل في حرب العام 2003، لتنفذ إيران إلى العراق من هامش الحرب العربية/ الأمريكية على العراق.

بعد ذلك، وفي حين أنّ البعض يقصد بتدمير إيران لبلاد المشرق العربي، نفوذها إلى بلاد عربية عبر جماعات محلّية في تلك البلاد، وتحديدا في اليمن والعراق وسوريا ولبنان، فإنّ أحدا من هؤلاء المثقفين لا يتحدث عن تدمير السودان وتحطيم مجتمعه الأهلي بتمويل من دولة خليجية معروفة، وهو ما يمكن قوله بشأن ليبيا، ويُضاف إلى ذلك تمويل عدد من الدول الخليجية لانقلاب الجيش في مصر، الأمر الذي تأسّس عليه لاحقا القضاء على حالة "الربيع العربي"، وإدخال منطقتنا في هذه الحقبة شديدة البؤس والسواد.

وبما أنّ هؤلاء المثقفين لديهم عاطفة خاصّة تجاه الثورة السورية، فإنّهم بدورهم لا يذكرون كلمة واحدة عن الدور الخليجي، سواء في تخريب الثورة في حينها، أو في العودة للتطبيع مع النظام السوري راهنا، والطريف أنّهم يقترفون مثل هذه الألاعيب المعيبة وهم يكتبون في صحف مموّلة من الدول إياها الأكثر تخريبا لبلادنا العربية، والأكثر رعاية للاستبداد، والأكثر تواطأ مع "إسرائيل" في حربها على الفلسطينيين.

وما يمكن قوله في سوريا والعراق حول الدور التخريبي لأنظمة تلك الدول وحكوماتها يمكن قوله في اليمن بنحو واضح، وكذلك في لبنان، وهذه الأنظمة موّلت وسلّحت مليشيات في العديد من البلاد العربية، فبأيّ معنى تقتصر تهمة تخريب البلاد العربية ومجتمعاتها الأهلية على إيران، بينما حكوماتنا وأنظمتنا العربية هي الأولى بذلك، من كلّ وجه، بما في ذلك الوجه المُحَبّب لهؤلاء المثقفين وهو الوقوف على أخطائنا الذاتية؟! أم أنّ الوقوف على الأخطاء الذاتية يكون فقط حينما تكون "إسرائيل" هي الطرف المقابل؟!

لا تخرج مثل هذه الممارسة إلا من خلل مركّب من عطب في التصوّرات العقلية، وآخر في الكفاءة الأخلاقية.

x.com/sariorabi

إن إنكار ديفيد لامي للإبادة الجماعية في غزة أمر فاضح. يجب عليه التراجع عنه



إن إنكار ديفيد لامي للإبادة الجماعية في غزة أمر فاضح. يجب عليه التراجع عنه

ومن خلال القول إن استخدام كلمة إبادة جماعية حول غزة "يقوض خطورة هذا المصطلح"، يترك وزير الخارجية الانطباع بأن المملكة المتحدة لن تدعم أي حكم لمحكمة العدل الدولية

في 28 أكتوبر، مع إسرائيل الفظائع في شمال غزة تتصاعد جنوب أفريقيا إلى مستوى أكثر رعبا من أي وقت مضى قدمت وثيقة ضخمة, المعروف باسم "النصب التذكاري"، ل محكمة العدل الدولية (ICJ).

ولأسباب قانونية، لا يمكن نشر المحتويات في هذه المرحلة. ومع ذلك، يشير البيان الصحفي المصاحب إلى أن الوثيقة المؤلفة من 750 صفحة، مع ملحق آخر مكون من 4000 صفحة، تقدم الأدلة على أن إسرائيل "انتهكت اتفاقية الإبادة الجماعية من خلال الترويج لتدميرها الفلسطينيين العيش في غزة، وقتلهم جسديًا بمجموعة متنوعة من الأسلحة المدمرة، وحرمانهم من الوصول إلى المساعدة الإنسانية، مما تسبب في ظروف معيشية تهدف إلى تدميرهم جسديًا.

بالإضافة إلى ذلك، تتهم وثيقة جنوب أفريقيا إسرائيل "بتحدي العديد من الإجراءات المؤقتة التي اتخذتها محكمة العدل الدولية, واستخدام المجاعة كسلاح حرب وتعزيز أهداف إسرائيل المتمثلة في إخلاء غزة من خلال الموت الجماعي والتهجير القسري للفلسطينيين".

ويخلص البيان الصحفي إلى أن "المجتمع الدولي لا يمكنه الوقوف مكتوف الأيدي بينما يُقتل المدنيون الأبرياء - بما في ذلك النساء والأطفال والعاملون في المستشفيات والعاملون في مجال المساعدات الإنسانية والصحفيون، لمجرد وجودهم".

وفي الوقت نفسه، العودة إلى لندن, بريطاني وكان وزير الخارجية ديفيد لامي إصدار حكمه الخاص حول ما إذا كانت إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة.

نيك تيموثي، عضو البرلمان المحافظ, سأل لامي لتوضيح أنه "لا توجد إبادة جماعية تحدث في الشرق الأوسط"، مضيفا أن كلمات مثل "إبادة جماعية" فيما يتعلق بغزة "غير مناسبة" و "كررها المتظاهرون ومخالفو القانون".

بدأت إجابة لامي بشكل جيد: "هذه، بشكل صحيح تمامًا، مصطلحات قانونية يجب أن تحددها المحاكم الدولية."

بعد ذلك, كل شيء ذهب إلى أسفل.

كان ينبغي عليه أن يطلق النار على تيموثاوس بالإشارة إلى أن استنتاجه بأن أولئك الذين يستخدمون هذا المصطلح كانوا "متظاهرين ومخالفين للقانون" كان أمرًا شائنًا.

تصريحات غير مدروسة

وربما لاحظ لامي ذلك الخبراء، مثل الباحث الإسرائيلي عمر بارتوف و ال معهد ليمكين, أسسها رافائيل ليمكين عام 1942 اخترع مصطلح الإبادة الجماعية, لقد سبق أن وصفوا تصرفات إسرائيل في غزة على هذا النحو بالضبط. ولا يمكن وصف أي منهما عن بعد بأنه متظاهر أو منتهكي القانون.

بدلاً من ذلك، أصبح لامي ودودًا مع تيموثي. ولا ينبغي أن يكون هذا مفاجئًا نظرًا لأن حزب العمال بزعامة كير ستارمر لديه عادة الوقوف إلى جانب المحافظين بدلاً من نواب الحزب في غزة.

"قال لامي: "أنا أتفق مع السيد المحترم"، قبل أن يعيد تعريف مصطلح الإبادة الجماعية بطريقة لا يعترف بها أي خبير، ناهيك عن قبولها.

وقال وزير الخارجية لمجلس العموم إن الكلمة "استُخدمت إلى حد كبير عندما فقد ملايين الأشخاص حياتهم في أزمات مثل رواندا والحرب العالمية الثانية والمحرقة, والطريقة التي يتم بها استخدامها الآن تقوض خطورة هذا المصطلح".

وهذا تأكيد من شأنه أن يحير وزارة خارجية لامي. بريطانيا تعترف حدثت تلك الإبادة الجماعية في سريبرينيتسا, في البوسنة والهرسك ( حيث من المعروف أن 8372 مسلمًا قتلوا في عام 1995)، وضد الإيزيديين في العراق في عام 2014، حيث أكثر من 5000 تم ذبحهم على يد تنظيم الدولة الإسلامية.

الحكومة البريطانية يدعم حاليا القضية المعروضة على محكمة العدل الدولية هي أن هناك إبادة جماعية مستمرة ضد مسلمي الروهينجا على أيدي ميانمار - وهي سلسلة من الفظائع التي أودت بحياة ما يصل إلى 40 ألف ضحية حتى الآن.

ومن المفترض أن بريطانيا لن تتخذ هذا الإجراء إذا اعتقدنا أننا بذلك نقلل من خطورة مصطلح الإبادة الجماعية.

خلاصة القول، يبدو أن لامي كان يعمل بالقطعة، وهذه ليست المرة الأولى التي يقوم فيها وزير الخارجية بذلك.

وأشار في الصيف الماضي إلى الغزو الدموي الذي قامت به أذربيجان ناجورنو كاراباخ, مع نزوح السكان الأرمن المرعوبين, باسم "التحرير".

لدى بريطانيا مصالح نفطية ومصالح أخرى مهمة في أذربيجان، حيث تم استقبال تصريحاته بامتنان، لكن مصطلح التحرير هو تحريف قاس لما حدث بالفعل, وإهانة مظلمة للأرمن الذين طردوا من منازلهم.

وكما هي الحال مع أذربيجان، فإن تصريحات لامي غير المدروسة بشأن غزة تتناسب تماماً مع سياسة حكومته. منذ أن عرضت جنوب أفريقيا الفظائع التي ارتكبتها إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية في بداية هذا العام، دمرت بريطانيا قضية جنوب أفريقيا، وكذلك محكمة العدل الدولية نفسها.

وزير خارجية حزب المحافظين ديفيد كاميرون لقد فعل ذلك مراراً وتكراراً، والآن حذا لامي حذوه بإعلانه المفاجئ في البرلمان أن استخدام كلمة إبادة جماعية فيما يتعلق بغزة "يقوض خطورة هذا المصطلح".

طمأنة البرلمان



سوف تكون إسرائيل سعيدة، ومن المفهوم أن يكون نيك تيموثي كذلك. لكن وضع تصريحات لامي في 28 أكتوبر/تشرين الأول غير واضح. فهل كان ببساطة يعمل بالقطعة، كما حدث في أذربيجان، أم أنه أعاد للتو تعريف موقف الحكومة البريطانية بشأن الإبادة الجماعية؟

أنا أميل إلى إعطاء لامي فائدة الشك. أشك في أنه كان يضلل النواب عمدا. ومع ذلك، كان يتحدث هراء عن أخطر الجرائم: الإبادة الجماعية. إذا كنت على حق، فمن الضروري أن يعود إلى البرلمان ويصحح السجل.


ترك وزير الخارجية البريطاني وراءه انطباعا بأن بريطانيا لا توافق على اتفاقية الإبادة الجماعية



ال يشرح القانون الوزاري ما يجب أن يحدث: “ من الأهمية بمكان أن يقدم الوزراء معلومات دقيقة وصادقة للبرلمان، وتصحيح خطأ غير مقصود في أقرب فرصة. ومن المتوقع من الوزراء الذين يضللون البرلمان عن عمد أن يقدموا استقالتهم إلى رئيس الوزراء

وبعد أن وضع الأمر في نصابه الصحيح، سيحتاج لامي أيضًا إلى طمأنة البرلمان والشعب البريطاني بأنه يقبل سلطة محكمة العدل الدولية.

ويجب عليه أيضًا أن يوضح أنه عندما تحكم محكمة العدل الدولية بـ ( و if) بأن إسرائيل ارتكبت إبادة جماعية في غزة، فإن الحكومة البريطانية ستقبل هذا الحكم وتعاقب الجناة وفقًا لذلك, كما حدث مع سلوبودان ميلوسيفيتش من صربيا.

وفي أعقاب تصريحاته، ترك وزير الخارجية البريطاني وراءه انطباعا بأن بريطانيا لا توافق على اتفاقية الإبادة الجماعية، ويعتبر قضية جنوب أفريقيا ضد إسرائيل تافهة, ولن يدعم أي حكم صادر عن محكمة العدل الدولية.

إن حجم الفظائع التي ترتكبها القوات الإسرائيلية في غزة، كما أكتب، يعني أن تصريحات لامي الخرقاء والفاضحة لا يمكن السماح لها بالوقوف وتحتاج إلى توضيح عاجل.


تغريدة

 




الأربعاء، 30 أكتوبر 2024

قنبلة "بهتشلي" والمسألة الكردية في تركيا

قنبلة "بهتشلي" والمسألة الكردية في تركيا

كاتب وصحفي تركي

 منذ ثلاثين عامًا، تجوّلت كصحفي في جميع المدن التي يتركز فيها السكان الأكراد في تركيا، من مدينة "فان" في أقصى الشرق حتى مدينة "مرسين" في الغرب. ومنذ ذلك الحين، أتابع من كثب المسألة الكردية، وقضية الإرهاب وتأثيراتها الإقليمية، حتى أصبحت لا أحصي عدد المرات التي زرت فيها المنطقة.

وفي الآونة الأخيرة، تشهد تركيا نقاشات جادة حول القضية الكردية، وهو تطور مهم إقليميًا، وعالميًا كذلك.

تصريحات دولت بهتشلي المفاجئة

قبل خمسة عشر عامًا، عندما قام حزب العدالة والتنمية بإصلاحات لحل القضية الكردية، كان رئيس حزب الحركة القومية، دولت بهتشلي، أشد المعارضين وأكثر المنتقدين. وحتى بعد تحالفه مع حزب العدالة والتنمية في 15 يوليو/ تموز 2016، استمرّ في اتخاذ موقف صارم تجاه حزب الشعوب الديمقراطي الذي يمثل الأكراد. كان بهتشلي يرفض التفاوض مع الحزب؛ بدعوى أنه يمثل الجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني، ويظهر ردود فعل حادة تجاهه.

لكن الأسبوع الماضي، أثار دولت بهتشلي دهشة الجميع بمصافحته نواب حزب الشعوب الديمقراطي في البرلمان، مشيرًا إلى الحاجة للتهدئة السياسية. وبينما كان الجدل محتدمًا حول هذه المصافحة، فاجأ بهتشلي الجميع مرة أخرى بتصريح صادم خلال اجتماع كتلته الحزبية، إذ أشار إلى إمكانية إطلاق سراح عبدالله أوجلان، مؤسس حزب العمال الكردستاني والمحكوم عليه بالسجن المؤبد منذ 25 عامًا، إذا وافق على حل التنظيم ووقف الإرهاب، حتى يتمكن من التحدث في البرلمان ضمن كتلة حزب الشعوب الديمقراطي.

بعد يوم من تصريح دولت بهتشلي، تم ترتيب لقاء بين عبدالله أوجلان، المحتجز في سجن جزيرة إيمرالي، وابن أخيه، النائب عن حزب الشعوب الديمقراطي، عمر أوجلان. خلال هذا اللقاء، نقل أوجلان من خلال ابن أخيه رده على اقتراح بهتشلي قائلًا: "العزلة مستمرة. وإذا توفرت الظروف، فإنني أمتلك القوة النظرية والعملية لنقل هذا المسار من أرضية الصراع والعنف إلى أرضية قانونية وسياسية". زادت هذه التطورات المفاجئة من الزخم الذي أثارته تصريحات بهتشلي.

الصدمة داخل حزب العمال الكردستاني

فاجأ تصريح دولت بهتشلي، المعروف بمواقفه القومية المتشددة، الجميع في تركيا. وجد السياسيون والمحللون صعوبة في تقديم تفسيرات منطقية. مع ذلك، كان الأثر الأكبر داخل حزب العمال الكردستاني والفصائل المرتبطة به. فبعد ردود فعل سلبية، صرح بعض الأعضاء بأنه "إذا قبل عبدالله أوجلان بذلك، سوف نقبل أيضًا". لكن حالة من الارتباك اجتاحت قيادات الحزب في قنديل، وروجافا، وأوروبا.

دعم حزب الشعوب الديمقراطي اقتراح بهتشلي في البداية، لكنه تراجع فيما بعد ببيان جديد يعارضه بعبارات معقدة. لا يزال الحزب غير متأكد من موقفه النهائي، حيث إن رفض المقترح يعني عدم إطلاق سراح أوجلان، بينما القبول يعني التخلي عن السلاح.

صعوبة تخلي الحزب عن السلاح

حتى لو دعا أوجلان للتخلي عن السلاح بعد خروجه من السجن، فإن هناك عقبات جدية تحول دون قبول حزب العمال الكردستاني بهذا الأمر بسهولة.

الأسباب هي كالتالي:

  • يوجد حزب العمال الكردستاني في عدة مواقع، منها جبال قنديل في العراق، منطقة روجافا في سوريا، وفي ألمانيا، مع تنافس كبير بين هذه المحاور في السنوات الأخيرة. الصراع بين القوى المسلحة في قنديل وروجافا أصبح علنيًا، حيث تربط روجافا علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة وإسرائيل، وتلقى دعمًا عسكريًا أميركيًا، مع حماية قواعدها.

بينما يتأثر جناح الحزب في قنديل بإيران ويحاول توجيه الدفة السياسية في السليمانية. أما الجناح الأوروبي، فهو مندمج مع ألمانيا وتتم إدارة الأنشطة المالية والاجتماعية من هناك. لذلك، فإن دولًا مثل إيران، والولايات المتحدة، وإسرائيل، وألمانيا، لها تأثير قوي على قرار الحزب، ولن توافق على تخليه عن السلاح؛ بسبب دور الحزب كأداة في مواجهة تركيا ودول المنطقة.

  • قادة حزب العمال الكردستاني، مثل: مراد قره يلان، جميل باييك، ودوران كالكان، الذين لم يعرفوا سوى حياة القتال في الجبال منذ أربعين عامًا، يخشون من المجهول في حال تخليهم عن السلاح. هؤلاء القادة يؤثرون على آلاف المقاتلين الذين يعتمدون على القتال لاستمرار وجودهم، ويعتقدون أن حلّ القوات في قنديل يعني نهايتهم، مما سيدفعهم لمعارضة هذا القرار.
  • في روجافا، تحوّل نحو 80 ألف مقاتل مدعوم من الولايات المتحدة إلى جيش شبه منظم، ويعتبرون أنفسهم قوة حديثة مقارنة بجناح قنديل القديم. وهناك شكوك حول قدرة أوجلان على التأثير على التنظيم في روجافا لدفعه لترك السلاح. وإذا ترك جناح قنديل السلاح ورفضت روجافا، فالسؤال حول ما سيحدث لاحقًا يبقى بلا إجابة، كما أن مصير الأسلحة الأميركية والذخيرة غير معروف.
  • بعد هجمات إسرائيل في لبنان، وغزة، وإيران، وسوريا، يعتقد الأكراد في حزب العمال الكردستاني وحلفاؤهم أن هناك تغييرات في خرائط المنطقة، ويرون في هذا الوضع فرصة لتحقيق حلمهم الكبير بإنشاء دولة كردستان المستقلة، معتبرين أن الفوضى الحالية والتغيرات الجيوسياسية تشكل فرصة لتحقيق هذا الهدف، ولذلك يرون أن التخلي عن السلاح والتصالح مع تركيا ليس في مصلحتهم.

لماذا تم اتخاذ خطوة مفاجئة كهذه؟

يعتقد الرئيس أردوغان أن عدوان إسرائيل لن يتوقف، وأن الدور سيأتي على سوريا بعد لبنان، مما سيجعل إسرائيل وجهًا لوجه مع تركيا.

ويشير أردوغان إلى أن حلم "إسرائيل الكبرى" يشمل أجزاء من الأراضي التركية، ويؤمن بأن إسرائيل تطمح في النهاية للاستيلاء على أراضي تركيا. هناك تقييم بأن جيش حزب العمال الكردستاني/ وحدات حماية الشعب، الذي يتألف من 80 ألف مقاتل تحت سيطرة الولايات المتحدة وإسرائيل في سوريا، سيهاجم تركيا ويثير الفوضى فيها عبر استغلال الأكراد.

لهذا، قام أردوغان بخطوة تهدف إلى سحب هذه الورقة من يد الولايات المتحدة وإسرائيل، ومنع تقسيم سوريا وإعلان دولة كردية مستقلة في روجافا. ومن أجل تعزيز السلام والتضامن الداخلي في تركيا، سعى أردوغان للتقرب من الأكراد، والخطوة الأولى لهذا التقارب كانت عبر حليفه في الحكم، دولت بهتشلي، الذي قام بخطوة غير متوقعة غيّرت الأجندة بالكامل.

ومع ذلك، لن يكون الوصول إلى النتيجة المنشودة أمرًا سهلًا.