مقدمة
السيسي محذِّرًا:
“لا مساس بحصة مصر من نهر النيل..”.
هكذا يريد السيسي أن تبدو الصورة، ويروج الإعلام المصري المطبِّل لهذه الصورة؛ فتجده يقنع الناس بشتى السبل أنَّ مصر تخشى من انخفاض ـ مؤقت ـ في كمية المياه أثناء فترة ملء خزان سد النهضة، والانخفاض الدائم بسبب التبخر من خزان المياه.
وإذا أراد الخونة ـ كالسيسي وإعلامه ـ إظهار صورة ما لأي قضية؛ فعموم العقلاء لابد أن يبحثوا عن صورة أخرى حقيقية مخفاة للإضرار بالمسلمين..
وحتى ندرك شيئًا من الصورة الحقيقية لأي قضية فلابد من توافر معلومات كافية عن هذه القضية، وهو أمر صعب في زمن سيطرة اليهود والنصارى على مصادر المعلومات والإعلام العالمي.
نظرة الى حقيقة الواقع
وبنظرة متفحصة للمتاح من المعلومات نجد أنَّ:
أولا) خزان السد يسع نحو (74) مليار م3 من المياه، وهذا يعني أنَّ حجم الخزان يبلغ أكثر من التدفق السنوي المتفق عليه من نهر النيل لمصر والسودان، والمقدر بــ 65 مليار م3.. وهذا يُظهر خطورة عظيمة، إذا أضفنا هذه المعلومة لحقيقة وجود الأخدود الإفريقي في جميع دول منابع نهر النيل ومنها إثيوبيا، وما قد يسببه من تشققات وفوالق ضخمة، ونشاط بركاني وزلزالي قد يؤثر في الخزان المائي الضخم الذي لو انهار لأحدث كارثة غير مسبوقة عالميًّا تضر بِقُرى ومدن حوض النيل بمصر والسودان.
ثانيا) منطقة الأخدود في كلٍّ من إثيوبيا وكينيا وتنزانيا ـ خاصة في البحيرات ـ ذات صخور بازلتية تؤثر في نوعية المياه فتزيد من ملوحتها كما هو حال البحيرات الأثيوبية، وهذا يؤثر تأثيرًا مباشرًا على المياه المتدفقة لمصر والسودان.
ثالثا) من المتوقع أيضًا أنَّه في خلال فترة ملء الخزان ـ وهي ثلاث سنوات ـ يمكن أن يُفقد من (11) إلى (19) مليار متر مكعب من المياه سنويًّا نتيجة التبخر وحده، مما سيتسبب في خسارة نحو مليونَي مزارع دخلهم خلال فترة ملء الخزان. ويتوقع أيضًا أنها ستؤثر على إمدادات الكهرباء في مصر بنسبة (25)% إلى (40)%..
رابعا) أضف إلى ذلك الكميات غير المحسوبة للتسرب المائي خلال شقوق أرض الخزان وجوانبه، والتي يمكن أن تتسبب في توقف انسياب وجريان النيل أصلًا.
خامسا) من الحقائق التي يتم تجاهلها تمامًا أنَّ سدَّ النهضة ضخم جدًا، ويغني عنه إقامة عدد من السدود الصغيرة، وستكون أكثر فعالية من حيث الطاقة المتولدة، مع تكلفة أقل بكثير؛ فإذا تم استخدام محطة توليد كهرباء سد النهضة بشكل دائم بكامل طاقتها فسيمثل (33) % فقط مقارنة بـ (45-60)% عن غيرها من محطات الطاقة الكهرومائية الصغيرة في إثيوبيا.. ولهذا السبب تعرَّض السد للنقد داخل إثيوبيا وتعاملت الحكومة مع المنتقدين بغاية القسوة والقمع، وقد تم سجن الصحفي الإثيوبي “ريوت أليمو Reeyot” بعد أن أثار التساؤلات حول سد الألفية، وتلقى موظفو منظمة الأنهار الدولية تهديدات بالقتل.
فلماذا أصرَّت إثيوبيا على سد ضخم التكلفة والخطورة رغم إمكانية استبداله بسدود صغيرة قليلة التكلفة والخطورة مع إنتاجية أكبر في الطاقة..؟!!
من المرجح أنَّ وراء ذلك دولا عدوة دفعت إثيوبيا النصرانية إليه، بغرض إضعاف وإفقار المسلمين في مصر والتحكم في مواردهم المائية ومن ثَم في قرارهم السياسي.
سادسا) سد النهضة الإثيوبي الكبير سيقوم بتخزين عامة الفيضانات السنوية لنهر النيل مما سيؤدي إلى خفض دائم في منسوب المياه في بحيرة ناصر، وهذا يعني تقليل قدرة السد العالي في أسوان لإنتاج الطاقة الكهرومائية تدريجيًّا مما سيضر قدرات الطاقة المصرية ضررًا كبيرًا.
وفي ضوء ما تقدم ـ وما خفي كان أعظم ـ ندرك أنَّ مصر تمر بمنعطف خطير جدًّا، ومؤامرةٍ يشارك فيها اليهود الذين تَرُوج شائعات قوية أنهم الممول الرئيسي لهذا السد ـ إضافة إلى أمريكا والصين ـ والدافع الأول لإثيوبيا لبنائه، كما يشارك فيها السيسي وكبار المسؤولين في حكومته، فلما أصدر الرئيس مرسي، رحمه الله، قرارًا للقوات المسلحة بتوجيه ضربة للسد اعترض عليه السيسي لأنَّ الجيش المصري غير مستعد حاليًا، كما نشرته جريدة الوطن المصرية في (31/5/2013م) على لسان القوات المسلحة ـ وذلك قبل الانقلاب على مرسي بشهر. والسيسي هو الذي وقّع اتفاقية إعلان المبادئ مع أثيوبيا سنة (2015م) والتي هي في الحقيقة اعتراف ضمني بالسد، وسكت طيلة هذه المدة..
العبث السياسي
وقد يقول قائل: قد قامت الحكومة المصرية بتقديم شكوى في مجلس الأمن فهل بعد هذا تشككون في نزاهتها..؟!!
والجواب أنه يكفي أن نعلم أنَّ مجلس الأمن ينص قانونه على قبول المنازعات الدولية فقط ندرك أن هذه الشكوى زوبعة في فنجان وذر للرماد في الأعين؛ فقريبًا ـ أغلب الظن ـ سنسمع أنَّ مجلس الأمن رفض الشكوى لأنها ليست منازعة مؤثرة دوليًّا.
وبفرض قبول الشكوى فهل تعجز القوى العالمية عن صرف دفة المنازعة وإماتتها، أو جعلها دون جدوى كغيرها من المنازعات التي يعبث بها هؤلاء.
وليست خافية على أحد البيانات الباردة التي تصدرها الخارجية المصرية، وقد أثارت الكثير من الانتقادات بين النشطاء في مواقع التواصل الذين دشنوا وسم: “سد النهضة” للتعبير عن غضبهم من موقف الحكومة المصرية من الخطر الذي يهدد المواطنين بالعطش، حيث احتلَّ الوسم قبل أيام قليلة المركز الأول في قائمة أعلى الوسوم تداولًا..
فالخارجية المصرية التي لا يعنيها إلا مصلحة السيسي هي من تتصدر لطلب حقوق مصر؛ فماذا يُتوقع منها..؟!!
وقد اشتعلت انتقادات النشطاء وازدادت سخونة عقب تصريح السيسي، أثناء تفقده الوحدات المقاتلة للقوات الجوية بالمنطقة الغربية العسكرية قائلًا ـ على عهده في الكذب:
“إنًّ الجيش المصري من أقوى جيوش المنطقة، ولكنه جيش رشيد، يحمي ولا يهدد، وقادر على الدفاع عن أمن مصر القومي داخل وخارج حدود الوطن..!”.
ثم هدد الحكومة الليبية بالغزو إن دخلَت “سِرْت” و”الجفرة” الليبيتين المحتلتين من المليشيات العميلة لمصر وغيرها.. وهو بذلك يحاول أن يصرف الأنظار عن خزيه وفضيحته في سد النهضة..!
وفي ذات الوقت أعاد النشطاء تداول مقطع فيديو للصحفي “محمد رجب” الذي أجراه معه المصور المعتقل “محمد أكسجين”، والذي أكد فيه أنَّ (6) بنوك مصرية ـ منها بنك الإسكندرية ـ مولت في بناء سد النهضة من خلال شراء صكوك تمويلية بفائدة ربوية (36) في المئة..
كما اتهم النشطاء الحكومة المصرية بالتواطؤ لتمرير ملف سد النهضة، بالإضافة إلى تقاعس وإهمال وتقصير الأجهزة الامنية المصرية وتغاضيها عن مساهمة البنوك المصرية في تمويل سد النهضة، مما يؤكد تساهل الحكومة في أزمة السد..
وليس ببعيد عنا ما قام به السيسي من إنشاء محطات ضخمة حديثة لتنقية وتحويل مياه المجاري والبول لرفد الشعب المصري بها بدلًا عن مياه النيل التي باعها وقبض ثمنها..
ولذلك نجزم بخطورة المؤامرة على مصر وشعبها المسلم الذي يعاني كثيرًا الآن من الفشل الكلوي، والتهاب الكبد الوبائي “سي”، والبلهاريسيا؛ وغيرها من الأمراض المدمرة، وصارت الفواكه والخضروات المصرية محل شك ورفْض في الكثير من دول العالم لاعتمادها على الري بمياه المجاري بعد أن كانت مرغوبة بشدة في العقود الماضية..
خاتمة
الخطورة شديدة وبادية على قطعة من أرض الإسلام، وهي مصر. ويجب على أهلها أن يكونوا إيجابيين وأن يتصدوا لهذه المخاطر ويوقفوا هذا الانحدار السريع نحو الهاوية.
حفظ الله تعالى إخواننا المسلمين في مصر وفي سائر بلاد الإسلام من كل سوء.
المصدر:
- عبد الله بن فيصل الأهدل، الخميس 1441/11/4هـ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق