على ضفاف نهري الدم والنفط
ياسر أبو هلالة
قلّ أن تجد كتابا تعامل معه الإعلام العالمي بمنطق العواجل والسبق الإخباري مثل كتاب "النفط والدم"، وهو أسوأ سيرةٍ يمكن أن تُكتب لحاكمٍ في العالم، ولولا أنها سيرة حقيقية عاشها العالم، وكتبها صحافيان مرموقان (برادلي هوب وجوستين شيك)، لهما صدقية عالية، لاعتبر الكتاب نوعا من البروباغندا التي تستهدف ملك السعودية المقبل.
ولعل أسوأ ما في تلك السيرة خاتمتها على لسان المقرّبين من ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، فبعد جائحة كورونا التي بدّدت ما تبقى من أحلامه، وبعد تهجير الحويطات بشكل دموي لبناء وهم نيوم، تحدّث الفريق المحيط به "انسوا النقاد، أمضى محمد بن سلمان سنوات عديدة لثبيت رؤيته، وهو ليس ملكا بعد. قد ينتهي إرثه في عشرة أعوام أو عشرين أو حتى ثلاثين"!
ليست بالتمنيّات، هذا هو الواقع، صحيحٌ أنه قد يتغيّر بشكل مفاجئ، كما حصل في إيران، وفي الربيع العربي، والاتحاد السوفييتي. وفي المنطقة، حكم معمّر القذافي بالنفط والدم أربعة عقود حتى بنى إرثه، وأسرة الأسد تحكم منذ نصف قرن، بعد تدمير البلاد وتشريد العباد.
وفي النهاية، سواء جاء في الولايات المتحدة الديمقراطيون إلى الرئاسة أم بقي ترامب، فإن المنطقة تتعامل مع من وصفه الرئيس الباكستاني في آخر فصل من الكتاب "الطفل المدلل لا يمكن الوقوف في وجهه".
الكارثة أن الطفل المدلّل عدواني ودموي بشكلٍ يفوق الطغاة الذين عرفتهم المنطقة. لا يمكن تخيّل كيف تم تقطيع جمال خاشقجي ونشرُه، ولا كيف تم قتل مائة ألف شخص في اليمن، بدون أن يشاور أحدا في قراره، ولا كيف اختطف رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، ولا كيف فكّر في غزو قطر وحاصرها. في المقابل، يُنفق بلا تفكير، سواء في شراء لوحةٍ أم يختٍ أم قصر، أو يدخل في استثمارات مليارية في دقائق.
يواجه أزمة شرعية عميقة. بحسب الكتاب، اختُطف ولي العهد محمد بن نايف إلى الديوان الملكي، وأُجبر على التنازل عن موقعه، لم تجتمع هيئة البيعة.
اتصل بهم الملك هاتفيا، لم يكتب الأمير تنازلا، مع أنه تعرّض للتعذيب، وهو المصاب بالسكري والضغط، ومُنع من النوم وحبس في غرفة، وتناوب عليه تركي الشيخ وسعود القحطاني تهديدا وترويعا، وأدخل تحت تهديد السلاح ليصافح ولي ولي العهد الذي قبّل قدمه، ما لم يظهر في الصور التي التقطها سعود القحطاني صورة ضابط الحرس الذي أَشهر السلاح في وجه ولي العهد المُجبَر على التنازل.
في العالم العربي شرعية القوة لا قوة الشرعية. لا أحد سيجبر محمد بن سلمان على التنازل، وقد يُكمل أربعة عقود كالقذافي، وقد يتغير غدا. القضية هي قضية الشباب السعودي الذين يعتقد الأمير الشاب أنه يحقق أحلامهم. لا أحد يعرف إن كان هؤلاء قُمعوا أو رضوا باحتفالات الرقص، أم أن غضبهم يتراكم، كما حصل مع شباب الربيع العربي، في دولٍ أكثر قمعا. المؤكد أن وعي الشباب السعودي في ازدياد، وأن الانفتاح الاجتماعي الذي حققه الأمير الشاب يجلب معه، ضمنا ورغما عنه، انفتاحا على أكثر أفكار العالم حداثة، ومنها ثقافة الديمقراطية.
يوثق مؤلفا الكتاب مصطلح "الذباب الإلكتروني"، الذي أسسه سعود القحطاني، وتفاصيل اختراق "تويتر"، آليةً للتحكّم في الشباب السعودي. في الأسبوع الماضي، بدا أن الذباب غير قادر على مواجهة غضب الشباب ضد التطبيع مع إسرائيل، وتصدر وسم "التطبيع خيانة"، و"خليجيون ضد التطبيع". اضطرّت الحكومة السعودية، بعد صمت يومين، إلى تبرير موقفها من السماح للطيران الإسرائيلي بالتحليق في بلاد الحرمين، باعتبار ذلك موافقةً للإمارت ولجميع الدول.
على الأمير الشاب أن يدرك أن الشباب لا يغريهم نهر النفط، ولا يخيفهم نهر الدم. قد تكون النقطة المضيئة في شخصيته هي الجرأة والشجاعة، ربما لأنه شاب، وهي صفةٌ يتمتع بها الشباب السعودي أيضا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق