رسالة بايدن إلى الصحفيين في الشرق الأوسط: أنت وحدك
ديفيد هيرست
والفكرة من ذلك هي حظر الدخول إلى أراضي الولايات المتحدة على أي شخص "له علاقة مباشرة بنشاطات خارجية تستهدف النيل من المعارضين، بما في ذلك أولئك الذين يضطهدون أو يضايقون أو يراقبون أو يهددون أو يؤذون الصحفيين". وينص القرار على أن أفراد العائلة قد يتعرضون لنفس القيود المفروضة على إصدار التأشيرات.
ولدى إعلانه عن الحظر، قال وزير الخارجية أنطوني بلينكن إنه قد تم تطبيقه بحق 76 سعودياً، ولكن – وكما اكتشف عضوا مجلس الشيوخ طوم مالينوسكي وبرايان فيتزباتريك، ما زالت القائمة سرية، ومن المؤكد أنها لا تشمل الشقيق الأصغر لولي العهد نائب وزير الدفاع الأمير خالد.
وذلك أن الأمير خالد يتردد بشكل دوري على واشنطن حيث كان يشغل منصب سفير السعودية حينما ارتكبت جريمة قتل خاشقجي. ويذكر أن الأمير كان قد لعباً دوراً مركزياً ضمن الجهود التي أعطت الصحفي السعودي الانطباع بأن السفارات والمقرات القنصلية أماكن آمنة لن يناله فيها أذى.
وأخبر خالد في مكالمة هاتفية مع خاشقجي رصدتها المخابرات الأمريكية بأنه سيكون آمناً لو توجه إلى القنصلية في إسطنبول حيث لقي حتفه. إلا أن المكالمة نفسها لا تتضمن ما يثبت أن خالد نفسه كان يعلم بأن خاشقجي سوف يقتل.
سؤال مفتوح
يقول أصدقاء خاشقجي في إسطنبول إن ضابط مخابرات يعمل داخل القنصلية هو الذي بلغ عن نية خاشقجي العودة في يوم الاثنين التالي بعد عودته من مؤتمر في لندن، وذلك للحصول على وثيقة تثبت طلاقه من زواجه السابق، وأن ذلك التبليغ هو الذي أطلق العملية التي نفذتها . فرقة النمر
تم ترتيب المتطلبات اللوجستية، إلا أن العملية نفسها انطلقت في اللحظة الأخيرة.
وما زال السؤال مطروحاً حول ما إذا كان الأمير خالد يعلم مسبقاً برغبة شقيقه الأكبر. ومع ذلك، فما من شك في أنه كان جزءاً من العملية التي استهدفت على مدى فترة من الزمن طمأنة خاشقجي وإقناعه بأنه في أمان وأنه لن يصاب بأذى إذا تعامل مع الرياض. كما أنه لا يمكن إنكار أنه أحد أقرب المقربين، بموجب بنود الحظر، من الرجل الذي يتحمل المسؤولية عن الجريمة البشعة.
ولم تزل وزارة الخارجية الأمريكية تغلق الباب في وجه أي استفسارات حول علاقة الأمير خالد بنصب المصيدة لخاشقجي، أو حول سرية حظر منح تأشيرات الدخول إلى الولايات المتحدة، أو حول عدد السعوديين المشمولين بالحظر. وقال متحدث باسم الخارجية: "سجلات التأشيرات سرية بموجب القانون الأمريكي، ولذلك فلا يمكننا مناقشة أي تفاصيل تخص أي واحد من طلبات الحصول على التأشيرة. لقد أعلن عن "حظر خاشقجي" في فبراير/ شباط من عام 2021، وما زالت القيود مفروضة".
سوف تبدد زيارة بايدن القادمة إلى الرياض كل أثرة من مصداقية بقيت لتعهد إدارته بتحميل محمد بن سلمان المسؤولية عن جريمة قتل خاشقجي.
وما من شك في أن لحظة وصول بايدن إلى الرياض الشهر المقبل ستشكل إنجازاً شخصياً لقاتل خاشقجي، وذلك أن كل شيء يعمله ولي العهد السعودي أو يحصل له فهو شخصي. فكما كان عليه حال الملك في العصر التيودوري، فإن الملك القادم يظن أنه يملك المملكة وأن شعبها متاع من متاعه، يبايعونه على الولاء والطاعة، ومقابل ذلك يتمتع هو بالحرية المطلقة لإثراء من يرى إثراءه منهم وللتخلص ممن يرى التخلص منهم، كما يشاء.
فنزولاً عند أوامره، حملت فرقة الإعدام معها إلى الرياض قطعة من جسد خاشقجي. تلك هي عقلية الرجل الذي سوف يصبح عما قريب ملكاً. ولذلك لا يشعر محمد بن سلمان بالأسى أو الندم على قتل خاشقجي، كل ما في الأمر أنه مندهش لأن قتله أثار كل ذلك اللغط.
اليوم الكبير
سوف تثبت زيارة بايدن أن ولي العهد كان على حق، بمعنى أن بإمكانك أن تفعل حرفياً أي شيء ثم تفلت من المساءلة وتنجو من الحساب إذا كان لديك شيء تحتاج إليه واشنطن. كل ما عليك فعله هو النجاة، ثم لن تلبث عجلة الحظ أن تدور لصالحك.
استعداداً لليوم الكبير، فقد بدأت واشنطن في تغيير نغمة ما يصدر عنها من تصريحات بحق الرجل الذي وصفه بايدن ذات يوم بـ"المنبوذ".
وكجزء من التخلي عن سياسة التعامل مع الأب وتجاهل الابن – وهي سياسة وهمية أصلاً لأن الأب الملك سلمان لم يعد له أي وجود في الحياة العامة – أشادت السكرتيرة الإعلامية للبيت الأبيض بالدور الذي لعبه ولي العهد في تمديد الهدنة الحالية في اليمن.
وقالت كارين جين بيير: "لم يكن من الممكن لهذه الهدنة أن تتحقق لولا الدبلوماسية التعاونية من كل أرجاء المنطقة. ونحن نقدر بشكل خاص قيادة الملك سلمان وولي العهد في المملكة العربية السعودية لمساعدتهما في تعزيز الهدنة".
وهذه كلمات تطرب لها آذان محمد بن سلمان.
لربما أدهشت خاشقجي، الرجل المتواضع، تلك الفضيحة التي نجمت عن جريمة قتله. ولكن لربما استشرف اللحظة التي تم التخلي عندها عن قضيته من قبل الحكومتين اللتين فعلتا كل ما في وسعهما لإبقائها حية – ألا وهما حكومتا تركيا والولايات المتحدة. لم يعبأ ترامب بأن يخفي إعجابه بالطغاة وقدرتهم على قتل خصومهم.
أما بايدن، فقد حاول، في المقابل، كسوة الواقعية السياسية العتيقة برداء من القيم الأخلاقية المناهضة للاستبداد.
رسالة بايدن
أيهما أسوأ؟ محتال جريء أم منافق يدعي التقوى؟ الرجل الذي يقول صراحة وبدون مراوغة إنه ينبغي على الفلسطينيين أن يأخذوا المال ويتخلوا عن حقوقهم السياسية، أم الرجل الذي يؤيد هذه الحقوق ولكنه في الواقع لا يفعل شيئاً لنصرتها؟ لست متأكداً من أنني أستطيع الإجابة عن ذلك السؤال.
سوف يوجه بايدن رسالة من خلال تودده لواحد من أسوأ الطغاة الذين عرفهم الشرق الأوسط، بل وعرفتهم المملكة العربية السعودية. إنها رسالة باردة متجمدة، ولسوف تخرق الأرض وتصل إلى أقاصي الصحراء.
يقول بايدين للصحفيين والنشطاء الذين يملكون من الشجاعة ما يجعلهم يرفعون رؤوسهم فوق المتراس: "انسوا كلماتي، دعوكم منها فقد كانت فقط للاستعراض أمام الكاميرات. تأملوا في أفعالي، ولسوف ترون أنكم وحدكم، ولن تكون أمريكا سنداً لكم".
تلك هي الرسالة التي سيبعث بها لأقارب أيمن هدهود، الخبير الاقتصادي المصري الذي لم تكن جريمته سوى التحقيق في كيفية فتك العسكر بقدرة القطاع الخاص في مصر على المنافسة. لقد توفي وهو قيد الاحتجاز في المستشفى بعد شهر من اختفائه.
حصل موقع ميدل إيست آي على صور تظهر ضربة في رأسه وحروقاً في وجهه، وهي علامات تثبت تعرضه للتعذيب. أو ماذا عن مصطفى النجار، طبيب الأسنان والنائب البرلماني السابق، الذي حكم عليه بالسجن ثلاث سنين بتهمة "ازدراء المحكمة"؟ وهو أيضاً ما لبث أن اختفى.
لأولئك الذي يقولون في الغرب إن المعارضين المصريين يستحقون ما يلقونه من مصير لأنهم إسلاميون متطرفون، لقد توقف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي منذ زمن طويل عن تصيد ضحاياه من داخل فصيل سياسي واحد ووحيد.
فقد كان هدهود مؤسس حزب الإصلاح والتنمية الليبرالي في مصر، بينما كان النجار كاتباً في صحيفة المصري اليوم وفي صحيفة الشروق، وكان معروفاً بآرائه الإصلاحية المعتدلة. لا يوجد في مصيرهما ما يمكن أن يوصف بأنه معتدل أو إصلاحي.
كما هو الحال في روسيا في عهد بوتين، يجازف الصحفيون المصريون بالتعرض للسجن بتهم "نشر الأخبار الكاذبة"، ومن هؤلاء الصحفية هالة فهمي والصحفية صفاء الكوربجي. كل ما فعلته الكوربجي أنها سلطت الضوء على الأزمة المعيشية ودعت المواطنين للخروج إلى الشوارع في العيد. بل إنه حتى الصحفيون المتقاعدون يستهدفون. فهذا توفيق غانم، البالغ من العمر ستة وستين عاماً، يقضي سنة في السجن لمجرد قيامه بعمله الصحفي، حيث يحرم من الرعاية الصحية ويستمر احتجازه في أوضاع مزرية للغاية. وكان قد ألقي القبض عليه بدون مذكرة قضائية، ولم يزل يجدد حبسه وتمدد فترة احتجازه المرة تلو الأخرى.
مثل بوتين، يبذل حلفاء أمريكا جهداً ضخماً في كتم أنفاس الصحافة الحرة، ويعمل هؤلاء الحلفاء كأعضاء الفريق الواحد. خذ على سبيل المثال مغادرة قناة مكملين الفضائية المعارضة للنظام المصري من تركيا، حيث احتفل بذلك الحدث باعتباره إنجازاً يحسب للسياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية.
قال المحلل السياسي السعودي، مبارك آل عاتي، إن إغلاق قناة "مكملين" هو "انتصار للحق والنفس الطويل، والحكمة التي تعاملت بها السعودية". والحقيقة هي أن مكملين على وشك الانطلاق من جديد من لندن ودبلن والولايات المتحدة.
مثل بوتين، يذهبون إلى أبعد ما يمكن في سبيل تمويه التاريخ وتحريف وقائعه. ومثال ذلك مسلسل الاختيار 3 الذي عرض في شهر رمضان، والذي زعم أنه يستعرض صعود السيسي إلى السلطة من خلال تقديمه في صورة الإنسان الأمين والمخلص والشريف، بينما يصور رئيس مصر المنتخب محمد مرسي، الذي سجنه وتزعم عائلته أنه قتله، باعتباره ماكراً ومراوغاً.
ولدى عرض الحلقة الخامسة والعشرين، لم يقدر السيسي على كبح نفسه، فراح يقول: "قد يتساءل كثيرون منا ما هي الغاية من عمل هذا المسلسل؟"، يجيب الرئيس قائلاً: "إن الهدف هو التسجيل بأمانة وإخلاص وشرف في زمن ينعدم فيه الشرف والصدق".
قتل الحقيقة
إن قتل الصحفيين وقتل الحقيقة يعنينا في مثل هذا الوقت، وينبغي أن يكون ذلك مما يعني رئيس الولايات المتحدة أيضاً، لأنه، سواء أحببنا أم لا، فقد ولت الأيام التي كان بإمكان الولايات المتحدة أن تدعي فيها الهيمنة على الشرق الأوسط.
فحتى حلفاؤها – وبشكل خاص حلفاؤها – يرتابون في النوايا الأمريكية ولا يثقون في الضمانات الممنوحة.
إنه من أجل إعادة أي معنى للاستقرار إلى المنطقة في زمن يشهد العالم فيه تحديات غير مسبوقة، فسيكون من شأن كل بلد على حده رسم المسار الذي يرغب في اتخاذه، ولن يوجد هناك من يقوم بذلك نيابة عن أحد.
وهذا يعني أن الاستثمار في الديمقراطية وفي السلوك الديمقراطي هو السبيل الوحيد لإطفاء نيران الاضطهاد وعدم الاستقرار والانهيار الاقتصادي والهجرة الجماعية. لم يبق من عامل للاستقرار سوى الديمقراطية.
أما الاستثمار في الطغاة فلا منطق فيه بالنسبة للسياسة الخارجية للولايات المتحدة.
لقد ولت الأيام التي كان بإمكان واشنطن فيها العمل وفقاً للمبدأ الذي ورد النص عليه في المحادثة الشهيرة بين فرانكلين دي روزفيلت ووزير خارجيته سومنر ويليز، حين قال ويليز "سوموزا ابن حرام" فرد عليه روزفيلت قائلاً "نعم، ولكنه ابن الحرام التابع لنا".
يغص الشرق الأوسط بأبناء الحرام هؤلاء، ولم تعد الولايات المتحدة تملك حقوقاً حصرية حول كيف يتصرفون. وما يقلق واشنطن الآن أن هؤلاء باتوا الآن يتصرفون باستقلالية أكبر، وما من شك في أن واشنطن فقدت السيطرة عليهم.
هل سيلقي محمد بن سلمان ببوتين تحت عجلات الحافلة بعد زيارة بايدن، وذلك بطرد روسيا من أوبيك زائد؟ هذا مستبعد جداً. وهل ستتخلى دبي عن تجارتها المربحة في الذهب الذي يسلخه المرتزقة الروس من مناجم الذهب في جمهورية أفريقيا الوسطى؟ تارة أخرى، هذا مستبعد جداً.
سوف تحصل إسرائيل على التطبيع الذي تريده مع المملكة العربية السعودية، وسوف يقدم بايدن ذلك على أنه ثمرة كبيرة من ثمار زيارته. وكل ما سيكون قد فعله هو تمتين ذلك التحالف القائم بين أشنع القوى المحتلة في منطقة الشرق الأوسط من جهة وأفسد الطغاة الذين يحكمون واحداً من أقطارها من جهة أخرى. وكل ذلك يتم إنجازه في عهد رئاسة للحزب الديمقراطي تزغم أنها تقوم على القيم.
إذا كانت تلك هي فكرة بايدن عن القيم، فالأفضل أن يعود ترامب إلى الرئاسة، على الأقل لا يوجد في حالته تصنع.
المصدر موقع "ميدل إيست آي"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق