الصارم الـمُنْكِي على الناطق الهندي
ما إنْ يبدأ النسيان يتسلَّل إلينا في حادثةٍ من حوادث الإساءة إلى نبينا الكريم صلَّى الله عليه وسلَّم إلَّا ونُفجأ بحادثةٍ أخرى، فمن الدنمارك إلى فرنسا وما بينهما من بلدان الصليبية إلى يومنا هذا.. في سلسلة متكررة لنمطٍ متَّسقٍ من حوادث الإساءة المتعمدة والـمُمنهجة على سيد ولد آدم صلَّى الله عليه وسلَّم..
الهندوس وتاريخ من الحقد على الإسلام والمسلمين
فقبل أيام نشر الناطق الرسمي باسم حزب “بهاراتيا جاناتا” الهندي الهندوسي على حسابه في تويتر تغريدة تطاول فيها على مقام سيد الخلق، محمد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وقد قامت ناطقة أخرى للحزب ذاته كذلك بالفعل نفسه خلال مناظرة تلفزيونية.
إنَّ هذه الإساءة من قيادات ذلك الحزب ليست فلتة لسان، وإنما هي جزء من سياسات التحريض المستمرة على الإسلام والمسلمين التي يقوم بها الهندوس وحزبهم الحاكم الحاقد على الإسلام والمسلمين، فذلك الحزب المتطرف له مواقفه العنصرية ضدَّ أكبر أقلية في العالم وهم “المسلمون في الهند”؛ حيث قَتَلَ الآلاف منهم وهدم المساجد، ومن أشهرها “مسجد البابري”، وبعد فوز الحزب أعلن رئيسه أنَّ كشمير كلّها هندية، وأنَّه سيعيد بناء المعبد الهندوسي على أنقاض مسجد “أيوديا”.
وقد تعرَّض المسلمون في الهند منذ سقوط حكم الإسلام في الهند إبان الاستعمار الإنكليزي، إلى صنوف من التنكيل والغطرسة الهندوسية، التي طالت دماء المسلمين وأعراضهم ومساجدهم ومصالحهم التجارية والاقتصادية. وفي مأساة كشمير فقط كان عدد القتلى من المسلمين بعشرات الآلاف ومثلهم الجرحى، هذا غير الخسائر المادية في الأموال والمحلات التي تحرق بلا هوادة.
أضف إلى حرمان المسلمين من كثير من الوظائف، وحصارهم اقتصاديًّا وخدميًّا حيث تعيش كثير من القرى ذات الكثافة المسلمة في فقرٍ شديد مع تردي الخدمات وضعف فرص العمل.
يحدث هذا للمسلمين في بلد يشكلون فيه 12% من مجموع السكان المتعدد الديانات والنِّحَل، حيث يبلغ عدد المسلمين في الهند حسب تعداد عام 2020م ما يقارب 195 مليون مسلم، فالهند ضمن أعلى خمس دول يوجد بها مسلمون، ورغم ذلك نجد الحكومة الهندية ممثلة في أحزابها الهندوسية المتعاقبة على الحكم هي التي تسند تلك الجرائم بحقِّ المسلمين، تحت شماعة مكافحة الإرهاب. ولا يزال المسلمون في الهند يتعرضون بين الحين والآخر لموجات من التعصب الديني الهندوسي، والمذابح الوحشية التي تدل على الحقد الدفين الذي تكنُّه صدور هؤلاء على المسلمين.
لم يتجرأوا على مقدساتنا إلا بعد أن تجرأ حكام المسلمين على شريعة رب العالمين
وهذا التطاول الذي نشهده على عقيدة المسلمين اليوم إنما هو حلقة من سلسلة مستمرة وواسعة وآخذة في التصاعد من العدوان على الإسلام وأهله؛ تجاوزت كلَّ الخطوط الحمر، في وقائع متكررة، فقد كانت تلك الإساءات في السويد وفرنسا ومن قبلها في الدنمارك، واليوم في الهند، وها هي أوروبا تدوس على “حرياتها المقدسة” لتحارب الإسلام وقيمه، وتضيق على أهله، لتذيب طهارتهم في نجاستها وعفتهم في عهرها وشذوذها.
وهذه الحالة المستمرة والممتدة والمتصاعدة من الإساءة والوقاحة والعدوان تجاه الإسلام يتحمل وزرها الأنظمة الحاكمة التي تحكم بلدان المسلمين، ذلك أنها أوَّل من شنَّ الحرب على الإسلام وأحكامه حين عطَّلوا شرع الله وسنة رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم، ورضوا بأن يكونوا عملاء ومطايا للغرب الكافر المستعمر، وكبَّلوا الأمة وجعلوا بأسها بينها وبأسهم وشدتهم على أمتهم، بينما جبنوا أمام أعداء الأمة والدين.
مسارعة الحكام في ولاء الكافرين المستهزئين برسول رب العالمين
وما كان لمجرمي الغرب، ومشركي الهند، وملاحدة الصين، وأجبن خلق الله يهود، أن ينالوا من المسلمين كلَّ ما نالوه من ظلم وعدوان إلا لِما خبروه من خيانة وعمالة أنظمتهم، التي ترى عدوان كيان يهود على فلسطين وأهلها واستباحته لأقصاها فيقابلونه بالتطبيع ويشاركونه في التآمر، ويرون الهندوس يهدمون المساجد فيفتحون لهم المعابد في بلاد الإسلام، ويرون الصين تنكل بالمسلمين فيبادلونها بالتجارة والمصالح، ويبادرون أمريكا وأوروبا بالولاء والتبعية وهم الذين يسحقون في بلاد المسلمين البشر والحجر. فإلى الله الـمُشتكى.
ازدهار الهند بعد الفتح الإسلامي
وشبه القارة الهندية واحدة من بقاع العالم التي استوطنها البشر منذ أقدم العصور، وتعتبر الهند من أسوء البلدان طبقيَّة، وامتهانًا لحقوق الإنسان، بسبب المعتقدات الفاسدة، التي تسود الهند منذ أعصار قديمة لم تتحرر منها إلا في ظل الحكم الإسلامي الذي أشرق على بلاد الهند في عهد الخلافة الأموية على يد فاتح الهند والسند محمد بن القاسم الثقفي، ثم بعد ذلك قيام الدول والممالك الإسلامية في بلاد الهند على يد الملوك والأسر المسلمة التي حكمت تلك البلاد وكان من أعظمهم وأشهرهم الفاتح محمود بن سبكتكين الغزنوي، وشهدت بلاد الهند في العهد الإسلامي ازدهارًا كبيرًا في الجوانب العلمية والاقتصادية، والمكتبة الإسلامية والتاريخ الإسلامي يشهد بأنَّ للعلماء الهنود القدح المعلى في خدمة هذا الدين العظيم.
وبعد سقوط الحكم الإسلامي في الهند على يد الاستعمار الإنكليزي وتعاون الهندوس، شهد المسلمون هناك حملة ممنهجة لطمس معالم الإسلام في تلك البلاد طالت المساجد والبيوت ووصلت إلى مضايقة المسلمين في معاشهم وحربهم اقتصاديًّا واجتماعيًّا..
وتنتشر في الهند حاليًّا أكثر من ثلاثة آلاف ديانة ونحلة غير الإسلام، منهم من يعبد البقر ومنهم من يعبد الشجر والحجر، بل وبعضهم يعبد الفروج والفئران وغيرها كثير مما تأنف منه العقول، ورغم ذلك لا نجد التضييق والحرب إلا على المسلمين.
وقفات مع ما حدث من إساءة لنبينا الكريم في الهند
ومن معالم تلك الحرب المتكررة ما نحن بصدده اليوم بخصوص ما نطق به المتحدث في الحزب الحاكم والمدعو “مودي” من إساءة لنبينا الكريم صلَّى الله عليه وسلَّم، معرِّضًا فيها بزواج النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بأمِّنا عائشة وهي صغيرة في السن، وقد لاقت هذه التصريحات موجة غضب عارمة من المسلمين في أنحاء العالم الإسلامي على المستويات الرسمية في بعض الدول العربية والإسلامية ودُور الإفتاء والجهات العُلَمائية في كثير من البلدان الإسلامية وعلى مستوى الشعوب المسلمة، ولنا مع هذا الحدث وقفات:
دفاع عن زواج النبي من عائشة وهي بنت تسع
أوَّلًا: لم يكن زواج النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بأمِّنا عائشة رضي الله عنهـا وهي في سن التاسعة بدعًا ولا غريبًا، بل إنَّ هذا الأمر كان مألوفًا في المجتمع آنذاك، ومن الخطأ أن نفصل بين الحدث وبيئته التي وقع فيها، ولذا لم نجد أحدًا في عصر النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وما بعده إلى قريب من هذا الزمن استنكر هذا الزواج، مع كثرة المتربصين به صلَّى الله عليه وسلَّم من الكفَّار في زمنه وبعد زمنه، كما أنَّ عائشة رضي الله عنهـا حينها لم تكن طفلة، بل كانت أنثى ناضجة، وقد خُطِبت قبل النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لجبير بن المطعم بن عدي1. وجزيرة العرب بيئة حارة، فقد تحيض المرأة وهي في سن التاسعة -كما حدث كثيرًا-
ثم إنَّ زواج النبي صلَّى الله عليه وسلم بها كان بموافقة أبويها، وهما أعلم بمصلحتها، وأدرى بقدرتها على تحمل الجماع من عدمه، فهما أرحم بها من أي عُرف أو نظام لا يعرفها.
ثم إنَّ زواج النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بعائشة رضي الله عنهـا كان بوحي من الله -الذي هو أرحم من الأم بولدها- كما قال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: «أريتك في المنام ثلاث ليال، جاءني بك الملَك في خرقة، من حرير، فيقول هذه امرأتك، فأكشف عن وجهك، فإذا أنتِ هي، فأقول: إن يكُ من الله يُمضِه»2.
ولقد كانت عائشة رضي الله عنهـا مغتبطة بهذا الزواج وسعيدة به غاية السعادة منذ بدايته إلى أن توفي عنها النبي صلَّى الله عليه وسلَّم إلى ما بعد ذلك، كما حكته لنا الأحاديث الصحيحة، فعن عائشة، قالت: لما أُمر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بتخيير أزواجه، بدأ بي، فقال: «إني ذاكر لك أمرًا، فلا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك»، قالت: قد علم أن أبوي لم يكونا ليأمراني بفراقه، قالت: ثم قال: «إنَّ الله عزَّ وجلَّ قال: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا﴾»، قالت: فقلت: في أي هذا أستأمر أبوي؟ فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة، قالت: ثم فعل أزواج رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم مثل ما فعلت.3. وهذا معلوم بالاضطرار عند علماء الإسلام وغيرهم من العارفين بحياة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وزوجته عائشة رضي الله عنهــا.
ولقد كان في زواج النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بعائشة رضي الله عنهـا في تلك السن الصغيرة مع ذكائها وفطنتها أعظم البركة والخير لهذه الأمة؛ فقد حفظت علمًا كثيرًا، ونقلت لنا هدي النبي صلَّى الله عليه وسلَّم في بيته، بل كانت أعلم نساء العالمين على الإطلاق، ومرجعًا لكبار الصحابة فيما أشكل عليهم فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنـه قال: “ما أشكل علينا أمر فسألنا عائشة إلا وجدنا عندها فيه علمًا”4.
مكانة المرأة في الهندوسية
ثانيًا: نقول للهندوس وغيرهم من المتشدقين بحقوق المرأة، إنَّ المكانة التي وضع فيها الإسلام المرأة وحفظ بها حقوقها، أُمًّا، وزوجةً، وبنتًا، وأختًا، لا يدانيها مرتبة في غيره من الشرائع والقوانين الوضعية، فأخبرونا ما هي مكانة المرأة لديكم في الهندوسية؟ ففي شرائع الهندوس أنَّه: “ليس الصبر المقدّر، والريح، والموت، والجحيم، والسم، والأفاعي، والنار؛ أسوأ من المرأة”5.
ولم يكن للمرأة حقٌّ في الحياة بعد وفاة زوجها؛ بل يجب أن تموت يوم موت زوجها، وأن تُحْرق معه وهي حية على موقد واحد، واستمرت هذه العادة حتى القرن السابع عشر حيث أبطلت على كرهٍ من رجال الدين الهنود. وكانت المرأة تقدّم قربانًا للآلهة لترضى، أو تأمر بالمطر أو الرزق. وفي بعض مناطق الهند القديمة شجرة يجب أن يقدِّم لها أهل المنطقة فتاة تأكلها كل سنة6. كما أنَّ المرأة العزب -من لا زوج لها- والمرأة الأيم -من مات زوجها- تعتبران منبوذتين في المجتمع الهندوسي، والمنبوذ عندهم أو ما يسمونه “الشودرا” في مرتبة الحيوان، وهي عندهم مصدرٌ للشؤم، وأفضل شيء لها أن تقذف نفسها في النار التي يحرق بها جثمان زوجها، وإلا لقيت الهوان الذي قد يفوق عذاب النار.
وقد أشارت الإحصائيات إلى أنَّ نسبة قتل الرضيعات في الهند مرتفعة، إضافة إلى ارتفاع نسبة إجهاض الإناث، كلُّ ذلك خوفًا من إنجاب الأنثى لما ينتظرها من المصير الأسود في ظل الأعراف الهندوسية.
من مظاهر امتهان المرأة الهندية واضطهادها
وتشهد الهند معدل جرائم مرتفع ضدَّ المرأة؛ فبحسب إحصائيات: تتعرض امرأة للاغتصاب كل 29 دقيقة، وللقتل بسبب المهر كل 77 دقيقة، وذلك أنَّ المرأة عند الهندوس هي من تدفع المهر -بسبب انتكاس فطرتهم وظلمهم للمرأة-، وإذا تخلفت عن استكمال مهرها، يقوم الزوج بحرقها أو قتلها في جريمة تسمى “حرق العروس”. كما تحدث في الهند 7200 حالة اغتصاب للقُصَّر كل عام، وأغلب هذه الحالات لا تصل إلى الشرطة لسوء معاملة الشرطة واستغلال هذه الحالات..
هذا هو حال المرأة في “الهندوسية”، وإن كان بعض صور الاضطهاد قد اختفت في هذا العصر في ظل ضغط المنظمات الحقوقية وعلى كرهٍ من رجال الديانة الهندوسية، إلَّا أنَّه لا تزال مظاهر امتهان المرأة الهندية واضطهادها واضحة لمن يطَّلع على أحوالهم، فمن المعتاد -إلى اليوم- أن ترى آلاف البنات القاصرات والبالغات يتواردن على الحانات وبيوت الدعارة في الهند، فعجبًا لهؤلاء المجرمين الذين يقتلون الرجال والنساء والأطفال بلا رحمة، ويضطهدون النساء بلا رأفة، كيف تنطلق ألسنتهم بالتنقص في النبي الكريم صلَّى الله عليه وسلَّم، وهم يذرفون دموع الكذب والبهتان على المرأة، وهم أظلم الناس لها، ويندبون العفة والطهارة وهم أبعد الناس عنها.
سبَّ النبي صـلَّى الله عليه وسلَّم جريمة لا تغتفر من مسلم ولا كافر
ثالثًا: إنَّ سبَّ النبي صـلَّى الله عليه وسلَّم جريمة لا تغتفر من مسلم ولا كافر؛ قال ابن المنذر رحمه الله تعالى: “أجمع عوام أهل العلم على أنَّ حدَّ من سبَّ النبي صـلَّى الله عليه وسلَّم القتل”7. وحكم الله عزَّ وجلَّ في من يسب نبيًّا من أنبيائه -محمد أو موسى أو عيسى أو غيرهم عليهم السلام- أو يستهزئ به؛ هو القتل بإجماع علماء المسلمين.
وعن جَابِر بن عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ لِكَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ فَإِنَّهُ قَدْ آذَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ؟» فَقَامَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَهُ؟ قَالَ: «نَعَمْ»…8 الحديث.
وفي الباب أحاديث كثيرة.
قال الخطابي رحمه الله تعالى: “…ولا أعلم أحدًا مِن المسلمين اختلف في وجوب قتله…”9.
وقال القاضي عياض المالكي رحمه الله تعالى:
اعلم -وفقنا الله وإياك- أنَّ جميع من سبَّ النبي صـلَّى الله عليه وسلَّم، أو عابه، أو ألحق به نقصًا في نفسه، أو نسبه، أو دينه، أو خصلة من خصاله، أو عرَّض به، أو شبهه بشيء على طريق السبِّ له أو الإزراء عليه أو التصغير لشأنه أو الغض منه والعيب له، فهو سابٌّ له، والحكم فيه حكم السابِّ… وكذلك من لعنه أو دعا عليه، أو تمنى مضرَّة له، أو نسب إليه ما لا يليق بمنصبه على طريق الذم، أو عبث في جهته العزيزة بسخف من الكلام وهجر ومنكر من القول وزور، أو عيَّره بشيء مما جرى من البلاء والمحنة عليه، أو غَمَصه ببعض العوارض البشرية الجائزة والمعهودة لديه، وهذا كله إجماع من الصحابة وأئمة الفتوى من لدن الصحابة رضوان الله عليهم وهَلُمَ جرًّا.10
إلى أن قال:
… فهذا الباب كلُّه مما عدَّه العلماء سبًّا أو تنقصًا يجب قتل قائله لم يختلف في ذلك متقدمهم ولا متأخرهم…11
التفريق بين حالة الاستضعاف وحالة القوة
ونذكِّر إخواننا المسلمين في الهند أنهم في حالة استضعاف، والمستضعفون من المؤمنين عليهم الصبر حتى يأتي الله بالفتح أو أمر من عنده، يقول شيخ الإسلام:
“فمن كان من المؤمنين بأرض هو فيها مستضعف أو في وقت هو فيه مستضعف فليعمل بآية الصبر والصفح والعفو عمن يؤذي الله ورسوله من الذين أوتوا الكتاب والمشركين، وأما أهل القوة فإنما يعملون بآية قتال أئمة الكفر الذين يطعنون في الدين وبآية قتال الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون”12.
وهذا الحال ينطبق على إخواننا المسلمين في الهند الذين يسومهم الهندوس وحكومتهم الكافرة سوء العذاب وتذيقهم صنوف الاستضعاف، ولكن هذا لا يعني أبدًا أن يتخاذل المسلمون ويرضون الدنية والخزي مقابل فتات حقير من الدنيا ومتاع زائل..
الواجب على عموم المسلمين نصرة لرسول رب العالمين
رابعًا: أمام هذه الهجمات المتتالية على مشاعر المسلمين ومقدساتهم من قبل أئمة الكفر في الشرق والغرب، يجب على كلِّ مسلم أن يبذل ما يستطيع لنصرة الدين، والدفاع عن مقام نبيه الكريم صلَّى الله عليه وسلَّم وأن يري الله ورسوله من نفسه خيرًا في هذه المواطن العظيمة التي يمتحن فيها الإيمان، ومن ذلك:
1- التنديد بهذا الفعل الشنيع وبيان عاقبته الوخيمة في الدنيا والآخرة. وليعتبر المعتبرون بالنهايات المأساوية للمتنقصين للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم، وما حادثة الرسام السويدي عنا ببعيد..
2- إرسال بيانات الاعتراض عبر وسائل الإعلام المختلفة، وإعلامهم برفض الشعوب الإسلامية لهذه الإساءة. ومن ذلك ما قامت به جهات عُلَمائية، ورموز إسلامية، وبعض الدول، يُشكرون عليها -مع أنها غير كافية-.
3- بيان خطورة التطاول على مقام النبي صلَّى الله عليه وسلَّم واستفزاز مشاعر المسلمين بذلك، فإنَّ مثل هذه الإساءة والتحدي لمشاعر مليار وثمانمائة مليون من شأنه أن يهدد السلام العالمي.
4- حثّ المسلمين في العالم الإسلامي عمومًا وفي الهند خصوصًا على الاحتجاج بالطرق السلمية للضغط على الحكومة. وأن يكونوا صفًّا واحدًا ويتحدوا لتشكيل أكبر ضغط ممكن على الحكومة الهندية حتى تعتذر من المسلمين. وعلى قيادات المسلمين في الهند من العلماء والمفكرين والناشطين أن يقوموا بواجبهم في رصِّ الصفوف وإدارة الصراع وفق سياسة الممكن.
5- رفع الدعاوى القضائية على كلِّ من يسيء للنبي صـلَّى الله عليه وسلَّم أو القرآن.
6- مخاطبة الدول التي يمكنها الوقوف ضد الهند عن طريق الهيئات العُلَمائية، والجهات الرسمية. ومن ذلك السعي الجاد في جمع الدول لاستصدار قانون دولي يجرِّم سبَّ الأنبياء، كآدم، ونوح، وموسى، وعيسى، ومحمد عليهم الصلاة والسلام.
7- مراسلة الحكومات -المرجوَّة- ودعوتها للدفاع عن النبي صـلَّى الله عليه وسلَّم، وحماية المقدسات الإسلامية، من خلال الضغط الدبلوماسي. عبر طرد سفراء الهند وقطع التعامل مع الحكومة الهندية والحزب الحاكم الحالي حتى تعتذر من المسلمين، وتأخذ على أيدي سفهائها من أمثال المدعو “مودي” ومن على شاكلته.
9- دعوة التجار والشعوب الإسلامية لمقاطعة الشركات والمنتجات الهندية، وكذلك مقاطعة العمالة الهندية غير المسلمة. فإنَّ المقاطعة الاقتصادية من أعظم أنواع الضغط في هذه المرحلة كما حدث مع الدنمارك وفرنسا من قبل، والجهاد الاقتصادي ضربٌ من أضرب الجهاد، ونوعٌ من الجهاد المالي الذي نُغيض به أعداء الله، كما قال تعالى: ﴿وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾، وهو من مراغمة الكافرين “فعبودية المراغمة لا ينتبه لها إلا أولو البصائر التامة، ولا شيء أحبَّ إلى الله من مراغمة وليِّه لعدوِّه، وإغاظته له”13.
المقاطعة الاقتصادية عنوان الرجولة والحزم
وسلاحنا في هذا الجهاد سلاح المقاطعة الاقتصادية، فهو سلاحٌ لا يُكلفنا الكبير من الجهد ولا الكثير من المال، بل ولا الخسارة لا في الأرواح ولا الأموال، وإنما يحتاج منا فقط إلى إعادة ترتيب خارطتنا الاقتصادية المالية والاستهلاكية الشرائية واحتياجاتنا العملية على وفق مصالحنا الدينية الشرعية..
وهذا السلاح سلاحٌ قويٌ من الأسلحة الفتاكة في هذه المعركة، وأول من استعمله في الإسلام ثمامة بن أثال الحنفي، وأقرَّه النبي صلَّى الله عليه وسلَّم على ذلك، كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وحضَّ عليه وأشاد به غير واحدٍ من علماء العصر، كالشيخ: عبد الرحمن بن سعدي، حيث يقول: “إنَّ من أنفع الجهاد وأعظمه مقاطعة الأعداء في الصادرات والواردات… فجهاد الأعداء بالمقاطعة التامة لهم من أعظم الجهاد في هذه الأوقات… ومقاطعة الأعداء بالاقتصاديَّات والتجارات والأعمال وغيرها ركنٌ عظيم من أركان الجهاد، وهو جهادٌ سلمي، وجهادٌ حربي”14.
والشيخ محب الدين الخطيب، حيث يقول: “المقاطعة عنوان الرجولة والحزم، والأمة التي تثبت على مقاطعة من يسيء إليها تشعر الأمم كلها بالحرمة لها، وفي مقدمة من يحترمها أعداؤها”15.
والجهاد الاقتصادي يحتاج لصبرٍ عظيم وحسن تدبيرٍ وإتقان عمل كي يؤتي ثماره ويحقق أهدافه المرجوة..
10- إلقاء المحاضرات والدروس في عظمة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وسيرته، عبر المساجد والملتقيات الدعوية، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتوظيف الحدث في تقديم سيرته صلَّى الله عليه وسلَّم للعالم بأساليب متنوعة ولغات متعددة، وبيان عموم رسالته للعالمين وأنه الرحمة المهداة للثقلين كما قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾. وغير ذلك من الأساليب الممكنة..
اللهم إنا نسألك أن تنصر دينك وأولياءك، وأن تخذل أعداءك، من الكفرة وأعوانهم، إنك سميع الدعاء.
الهوامش
(1) [طبقات ابن سعد (8/59)].
(2) [رواه البخاري (3682) ومسلم (6436)].
(3) [رواه مسلم (1475)].
(4) [شرح السنة للبغوي (14/166)].
(5) [عودة الحجاب (2/49)].
(6) [المرأة بين الفقه والقانون صـ(18)].
(7) [انظر الصارم المسلول صـ(9)].
(8) [رواه البخاري (4037) ومسلم (1801)].
(9) [معالم السنن (3/296)].
(10) [الشفا (2/214)].
(11) [الشفا (2/219)].
(12) [الصارم المسلول صـ(229)].
(13) [مدارج السالكين (١/ ٣٥٣)].
(14) [مجموع خطب الشيخ السعدي صـ(107)].
(15) [كلمة كتبها في افتتاحية العدد (175) من مجلة الفتح].
اقرأ أيضا
منطلقات شرعية في نصرة خير البرية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق