إشراقات قرآنية - سورة الضحى
بين يدي سورة الضحى
أسماء سورة الضحى وعدد آياتها ومكان نزولها
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى أصحابه الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون، وسلم تسليماً كثيراً.أما بعد:
فهذا المجلس هو استئناف لدروس التفسير، وقد سبق أن شرحنا مجموعة من قصار المفصل، واليوم في هذه الليلة ليلة الأحد الموافق (25) لشهر ربيع الثاني (1425هـ)، نستكمل هذه الدروس في جامع الراجحي ضمن الدورة العلمية المكثفة، التي ينظمها مكتب الدعوة مشكوراً بـبريدة .
وعندنا سورة الضحى، التي هي آخر سورة ضمن قصار المفصل، فإذا أنجزنا هذه السورة فقد أنجزنا ما اتفقنا عليه، وهو قصار المفصل، وسنستمر إن شاء الله في تفسير جزء عمَّ.
سورة: ((وَالضُّحَى))[الضحى:1]:
اسمها: الضحى، أو: (والضحى)، وهكذا جاء في صحيح البخاري و سنن الترمذي ، وجميع كتب السنة وسائر كتب التفسير، ولم يذكر عن الصحابة ولا عن غيرهم اختلاف في التسمية.
وآياتها إحدى عشرة آية.
وهي أيضاً تقريباً السورة الحادية عشرة في ترتيب النزول، يعني: نزل قبلها من القرآن عشر سور، وهي الحادية عشرة، وبناءً عليه نقول: إنها مكية بإجماع المفسرين كما ذكره القرطبي و ابن الجوزي و ابن عطية و القاسمي و الطاهر بن عاشور .. وغيرهم، فقد اتفقوا على أنها من السور المكية، بل ومن السور المتقدمة في النزول.
سبب نزول سورة الضحى
ولنزولها سبب ذكر في البخاري و مسلم وكتب التفسير أيضاً، وهو: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أصابه مرض فترك القيام ليلتين أو ثلاثاً، فقال له بعض المشركين: ما نرى ربك إلا قد قلاك أو جفاك، فحزن لذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأنزل الله سبحانه وتعالى قوله: ((وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ))[الضحى:1-3]).
وهذا فيه معنى عظيم بودي أن ألتقطه قبل أن أنساه، وهو أن هذه السورة العظيمة فيها ثناء عاطر على النبي صلى الله عليه وسلم، ووعد جزل وفخم له في الدنيا والآخرة، أذن الله أن يكون السبب في ذلك هو أذية المشركين، لما قالوا له: (أن يكون ربك قد جفاك أو قلاك) فهذا فيه ملحظ مهم جداً، وهو أن الله تعالى قد يستخرج للعبد المؤمن الخير والفضل في الدنيا والآخرة، بسبب أعدائه وخصومه، ويأذن له من الثناء الحسن والسمعة الطيبة ورفعة المنزلة وثقل الميزان في الدار الآخرة، بما لا يجدر به إلا بفضل الله سبحانه وتعالى، ثم بسبب عدوك الذي يريد أن يضرك فينفعك.
فهذا سبب النزول.
ومن الواضح أن سبب النزول يبين: أن سورة: ((وَالضُّحَى))[الضحى:1] نزلت بعد شيء من الفترة في الوحي أيضاً، وهذا قال به كثير من المفسرين وأهل السير.
تعدد مرات فتور الوحي في حياة النبي صلى الله عليه وسلم
والذي يظهر لي والله أعلم وهذا سبق أن ذكرناه في أكثر من موضع: أن الوحي فتر على النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من مرة، فبعدما نزلت سورة: (اقرأ) حصل فتور في الوحي، ثم أنزل الله سبحانه وتعالى سورة، وكان ذلك الفتور طال بعض الشيء، ثم نزلت (اقرأ) ومعها سورة أو سورتان، ثم نزلت: ((يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ))[المدثر:1]، ثم نزلت سور عديدة قد تكون ثمان سور، ثم حصلت فترة قليلة، أيام معدودة، فحزن لذلك النبي صلى الله عليه وسلم وأيضاً ورد أنه كان يخرج، وأنه كان رأى جبريل وقرأ عليه شيئاً من القرآن، فيحتمل أن يكون نزول السورة بعد هذه الفترة الثانية، وأن يكون جبريل ألقاها للنبي صلى الله عليه وسلم مباشرة بعدما رآه.
وهذا أيضاً فيه ملمح جميل جداً، أنه نزل أول الوحي ثم سكن وهدأ، ثم نزل دفعة ثانية ثم سكن، ثم نزلت سورة: ((وَالضُّحَى))[الضحى:1] وانطلق الوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
ولذلك نحن نقول: أول ما نزل من القرآن ما هو؟ (اقرأ)، ثم حصلت فترة، أول سورة نزلت بعد الفترة هي (المدثر)، ولذلك قال بعضهم: إنها أول ما نزل من القرآن، ثم حصلت فترة ثم نزلت سورة: ((وَالضُّحَى))[الضحى:1]، إذاً: سورة (والضحى) هي أول الدفعة الثالثة من بدء الوحي، وعادة بعد الثلاث يتم الترويض، فكأن النبي صلى الله عليه وسلم لما تهيأ لاستقبال سورة (والضحى) قد تريضت وتروضت نفسه، واستعدت لاستقبال الوحي والقيام به، فكان بداية ذلك أن يفرش ويمهد ربنا سبحانه وتعالى بهذه البشارات العظيمة في هذه السورة.
إشراقات في قوله تعالى: (والضحى، والليل إذا سجى)
وأن يقسم الله سبحانه وتعالى: ((وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى))[الضحى:1-2] وعادة القسم لا يكون إلا على أمور عظيمة وجليلة، فيقسم ربنا سبحانه وتعالى بالضحى وهو أول النهار، وقد يكون ذلك قسماً بالنهار كله أو قسماً بجزء منه، وهو الذين نختاره أن القسم بجزء من النهار وهو وقت الضحى، ووقت الضحى وقت هدوء وسكون الرياح وبداية حرارة الشمس، لكنه ليس وقت القيلولة وأن تحتمي الشمس وتسخن، فيقسم الله سبحانه وتعالى ببداية النهار وما فيه من الحياة والإشراق، والتوجه نحو المزيد من العمل والنشاط، وهذا معروف.
كما يقسم بـ: ((وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى))[الضحى:2] وهذا قسم بالليل كله، ولكنه تحديد لحالة معينة وهي: إذا سجى، ما معنى سجى؟ من معاني سجى: غطى، والليل عبارة عن لباس يغطي الكون: ((وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً))[النبأ:10]، ويقول فلان: رجل مسجى، انظر إلى هذا الرجل المسجى، معناه: مغطى، إذاً: ((إِذَا سَجَى))[الضحى:2] من معانيها: إذا عم الكون وأظلم وغطى عليه.
لكن من معاني سجى أيضاً: إذا هدأ، ومنه تقول: البحر الساجي، يعني: الهادئ الذي هدأت عواصفه وأمواجه، فمن معاني الليل إذا سجى يعني: إذا هدأ.
ما معنى هدأ الليل؟ قد يكون آخر الليل يسمى وقت هدأت الليل هدأت الرياح وهدأت الرجل، ولذلك إذا قال لك إنسان، يعني: شخص مهم يريد أن يأتيك بدون أن يعلم الجيران، يقول: متى آتيك؟ تقول: ائتني هدأة الليل، يعني: إذا سكن الناس ونام كل أحد، ولم يعد في الشارع مارة ولا ذاهب ولا آيب.
إذاً: من معاني سجى: هدأ، ومن معاني هدوئه: قلة الناس، وهذا قد يكون فيه إشارة إلى الوقت الذي كان يتعبد فيه النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ذكرنا أنه ترك قيام الليل ليلة أو ليلتين بسبب جرح أصابه، وكان يقول:
هل أنت إلا أصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت
ومن معاني سجى: طال، فيكون قسماً بالليل وطوله، وطوله قد يكون مكان تلذذ العباد الذين يفرحون بالليل كلما طال، ويناجون ربهم ذا الجلال سبحانه، ويتلذذون بقراءة وحيه، وقد يكون من معاني سجى إذا طال الليل أطول ما يكون على المحبين، وأطول ما يكون على الحزين، وأطول ما يكون على الخائف؛ لأنه ما يدري عن ماذا ينفرج وينجلي، ولذلك تجد الشعراء كثيراً ما يقولون:
تطاول هذا الليل.
طال ليلي.
كثير جداً تجد في الشعر، وهذا من المعاني المطروقة جداً عندهم، فالحزين ليله طويل، والمصاب أيضاً:
وليل أخي المصيبة فيه طول
فهنا (إذا سجى) يعني: إذا طال، وهذا قد يكون إشارة إلى جانب من معاناة النبي صلى الله عليه وسلم بانتظار الوحي وانقطاعه عنه، ومعاناته أيضاً من الصعوبات التي كانت تعترضها دعوته.
إذاً: هذا القسم له ارتباط شديد بالمناسبة وسبب النزول كما أن له ارتباطاً شديداً، وهذا سبق أن ذكرناه لكم أكثر من مرة في السور السابقة: أن القسم له ارتباط بالمقسم عليه، فهنا الله سبحانه وتعالى يقسم بالضحى ويقسم بالليل إذا سجى على معنى معين، فهذا فيه إشارة إلى الجمع بين معنيين مهمين.
المعنى الأول: العمل، والنشاط، والاستمرار، فالضحى أول النهار الذي هو بداية النشاط: (وبورك لأمتي في بكورها)، والليل إذا سجى أيضاً وقت العمل ووقت العبادة، ووقت العلم والسمر والسهر على ما هو خير وما هو مصلحة وإنجاز، فهو يكرس المعنى الأول معنى الإقبال على الجد وعلى العمل.
المعنى الثاني: وهو معنى الهدوء والاستقرار والطمأنينة؛ لأن بعض الناس قد يغلبه الجد فيتحول الجد عنده إلى أزمة في نفسه، حتى تجد هذا الإنسان لا يبتسم ولا يضحك ولا يمزح ولا يهنأ بعيش، لا. غلط، وبعض الناس على النقيض قد تحولت حياته كلها إلى عبث ولعب، فنهاره وضحاه وقت للسعي والنشاط، لكن في غير خير، وليله أيضاً وقت للسهر، ولكن في غير طاعة، ولذلك جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا سمر أو لا سهر إلا لمصل أو مسافر أو ذاكر).
وفي بعضها: أنه عد من السهر المحمود مداعبة الرجل أهله وملاعبته أهله، فهذا من المحمود أيضاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسهر مع أهله بعد صلاة العشاء.
فيقسم الله سبحانه وتعالى بـ((وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى))[الضحى:1-2] الضحى والليل إذا سجى كلهما فرع عن الزمن أو عن الوقت، لكن الله تعالى أراد هذا التفريع والتقسيم والإشارة إلى الضحى وإلى الليل.
ومن معاني ذلك: الإشارة إلى التنوع في خلق الله سبحانه وتعالى، وهو تنوع عظيم، وإلى التنوع في قدره سبحانه وتعالى من قوة وضعف وعز وذل، وغنى وفقر: ((كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ))[الرحمن:29].
فكأن من المعنى: أنه لا يدوم حال على حال، ودوام الحال من المحال، ولا يدوم إنسان على حال، وأن ما يعانيه الإنسان وما يواجهه يتغير كما يتغير النهار والليل، وأن الله سبحانه وتعالى كما امتن على البشرية مثلاً بالليل، وما فيه من الهدوء والسكون، حتى النباتات والأشجار تنام في الليل وتطمئن، كذلك امتن عليهم بالنهار وما فيه من الإشراق وعملية التمديد الضوئي كما يسمونها، ورؤية الأشياء وانتعاش الإنسان.
كذلك الناس في الجاهلية كانوا في ظلام وجهل يشبه الليل المظلم من جانب عدم الرؤية، فامتن الله عليهم بالوحي الذي هو نور وإشراق وبصيرة، وهذا المعنى الأخير أشار إليه ابن القيم رحمه الله تعالى في السورة.
أقسم الله تعالى بهذه المعاني، ولو ذهبت وحقيقة وأنا أتأمل السورة وأقرأ كلام المفسرين حولها، شعرت أن الوقوف عند آية واحدة يمكن تمتد بإنسان إلى ما لا نهاية سبحان الله! من توليد وتشقيق المعاني والعبر.
وهذه من معجزات القرآن، أنه كلما تأمل وتدبر وجد الإنسان أن وراء هذا المعنى معنى آخر، والمعنى الواحد ممكن أن يستمر الإنسان فيه إلى مدى بعيد.
فهذا الآن هو المقسم به: ((وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى))[الضحى:1-2] وهو كما قلت: معنيان يرجعان إلى معنى واحد: وهو الزمن أو الوقت.
إشراقات في قوله تعالى: (ما ودعك ربك وما قلى)
ثم قال: ((مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى))[الضحى:3] هذا هو المقسم عليه، هذه الحقيقة التي أراد الله بشارة النبي صلى الله عليه وسلم بها، قال عنك المشركون: إن ربك قد ودعك وتركك وقلاك، والقلى ما هو؟ البغض، هذا الفرق بين (ودع) و(قلى)، قلى فلاناً، يعني: أبغضه، ودعه، يعني: تركه، لكن قلاه، يعني: أبغضه.
ووالله ما فارقتها عن قلى لها
يعني: عن بغض لها، فقد يفارق الإنسان المكان ليس عن بغض ولكن عن ظروف.
فهنا الله سبحانه وتعالى يقول: ((مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى))[الضحى:3] وفي قراءة: (ما وَدَعَك) بالتخفيف، والمعنى واحد، يعني: ما تركك ولا هجرك، والوحي الذي وقف قليلاً فإنه سوف يعود، وها هو قد عاد فعلاً، ونزلت عليك هذه السورة ببشاراتها، فربك ما ودعك كما زعم المشركون ولا قلاك، هنا ما قال: ولا قلاك، وإنما قال: ((وَمَا قَلَى))[الضحى:3]، وهذا أول الرعاية لفواصل السورة؛ لأنها كلها عبارة عن ألف مقصورة، وفيه أيضاً معنى آخر: وهو أنه ما دامت المسألة مسألة نفي البغض ونفي القلى، فقد يكون أنه من محبة الله لنبيه صلى الله عليه وسلم، أنه حتى ضميرك يا رسول الله لا يجتمع مع لفظ القلى، وهو البغض، فضلاً عن أن يكون لك بغض عند ربك، فهو يحبك.
فقوله: ((مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى))[الضحى:3] وإن جاءت بصيغة النفي رداً على ما ادعاه المشركون، إلا أن المقصود منها بشارة النبي صلى الله عليه وسلم بأن الوحي مستمر، وأنك رسول الله ونبيه ومصطفاه، وأن الله تعالى يحبك.
((مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى))[الضحى:3].
إشراقات في قوله تعالى: (وللآخرة خير لك من الأولى)
ثم قال: ((وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنْ الأُولَى))[الضحى:4]، هذه آخرة ثانية الآن، الآخرة غالباً ما تطلق في القرآن ويراد بها الدار الآخرة، وهذا كثير، وهذا مقصود لا شك، يعني: الدار الآخرة خير لك من الدار الدنيا، لكن هناك معنى أعم وأشمل وأعظم من هذا، وهو أن يكون المقصود الحال الآخرة خير لك من الحال الأولى، وهذا معنى راق أشار إليه جمع من المفسرين من المتقدمين والمتأخرين، وكنت قلته يوماً لبعض الإخوة فاستغربوه، ثم وجدت نص العلماء عليه في هذه السورة، وممن نص عليه من المتأخرين الشيخ عبد الرحمن السعدي في تفسيره .
يعني: أن كل حال لك يا محمد بعد البعثة فما بعدها خير منها، يعني: ترقي النبي صلى الله عليه وسلم في مدارج ومعارج الفضل والكمال والعلم والمنزلة عند الله تعالى والعز والرفعة، فكل حال فهي أفضل مما قبلها، حتى نقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم ما مات إلا وهو في أكمل أحواله عليه الصلاة والسلام، تقوى وإيماناً وعلماً وعملاً، وهذا فيه دعوة للمؤمن إلى أن يترقى، وألا يكتفي بمستوى أو درجة معينة، بل يكون عنده طموح، وكلما وصل إلى درجة تطلع إلى ما هو خير وأفضل منها، حتى إننا نقول: إذا كان الوحي مر بثلاث مراحل:
يعني: نزل الوحي ثم فتر، ثم نزل ثم فتر، ثم نزل.
فنقول: الحالة الثالثة التي نزلت فيها هذه السورة أكمل وأفضل لك من الحال التي قبلها، ويكفي أن هذه السورة نزل فيها لك من البشائر والوعود ما لم يكن من قبل.
وإن حال النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة أكمل له في الشريعة وفي نصرة أصحابه، وفي قوة الدعوة، ما كان عليه الحال في مكة .. إلى غير ذلك، ومن هذا المعنى العام نقول: إن حاله في الآخرة عند الله تعالى خير وأفضل له من حال الدنيا، ولهذا جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر في تفسير هذه الآية: أن الله تعالى أطلعه على ما سوف يفتح لأمته من الكفور والمدن .. وغيرها)، فسر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله قوله: ((وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنْ الأُولَى))[الضحى:4] هذا من معاني الآية، ولكنها لا تقتصر عليه، بل نقول: إن هذا واحد من معانيها.
((وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنْ الأُولَى))[الضحى:4] ، يعني: الحال الآخرة وأيضاً الدار الآخرة.
((وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى))[الضحى:5] انظر التدرج.
هذه ثلاث آيات كلها في سياق واحد:
أولاً: نفى ما ادعاه المشركون أو تمنوه أو ضيقوا به صدره: ((مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى))[الضحى:3]، وهذا عند من يعي ويعقل ويفهم متضمن قدراً كبيراً جداً من الرضا والمحبة من الله للنبي صلى الله عليه وسلم.
ثم انتقل إلى مرحلة ثانية: وهي أن هذه الحال خير لك من الأولى، وأن هذه الحال أكمل لك من التي قبلها.
إشراقات في قوله تعالى: (ولسوف يعطيك ربك فترضى)
ثم تضمن الوعد الثالث بقوله: ((وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى))[الضحى:5]، وهذا وعد مستقبلي أُكِّد بـ(اللام) وبـ(سوف): ((وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى))[الضحى:5]، ولم يذكر ماذا يعطيه، يفهم الإنسان أنه كل عطاء: ((هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ))[ص:39] يعطيه الرسالة، يعطيه السمعة الحسنة والذكر الطيب، يعطيه أصحابه الأفاضل، يعطيه العلم الغزير العظيم، يعطيه الدنيا، يعطيه المجد، يعطيه الدولة، يعطيه السلطان، يعطيه الآخرة والجنة، والوسيلة التي هي درجة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وهو محمد صلى الله عليه وسلم، يعطيه ما لا يخطر على بال ولا يعلمه أحد ولا يحيط به عقل ولا يدركه خيال، ولهذا قال: ((وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى))[الضحى:5].
ولم يحدد ما هذا العطاء، لكنه حدد نهايته حتى ترضى، وهو صلى الله عليه وسلم أصلاً راض عن ربه، حتى حينما يمنعه ربه فهو راض:
رضيت في حبك الأيام جائرة فعلقم الدهر إن أرضاك كالعذب
هو يرضى صلى الله عليه وسلم حينما يحرم من المال، أو من الأصحاب، أو ينزل الموت ببعض أحبابه، أو يؤذيه المشركون، فيعتبر ذلك في ذات الله ويقول: (إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي)، ولكن هنا جمع الله تعالى له بين الأمرين: أن الله تعالى يمنحه كمال الرضا وكمال العطاء، وهذا معنى معروف في اللغة، يعني: مثل لو إنسان طلب منك شيئاً وقلت له: تعال، قال: بس أنا أريد أعرفه، تقول: أبداً تعال وترضى، يعني: كأنك تقول له: أحكمك فيما تريد، وربنا سبحانه لم يقل هذا لمحمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لو حكم أي إنسان فيما يريد ربما لا يصل وهله وظنه وخياله إلى ما عند الله سبحانه وتعالى، ولهذا الله تعالى جعل العطاء منه جل وتعالى، فيعطي النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يخطر له على بال ولم يدر في خياله، ((وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى))[الضحى:5].
ولاحظ أنه الآن القسم كما قلنا بالضحى والليل إذا سجى وهما أمران، فجاء السياق في بقية الآيات مشابهاً له، ولهذا قال هنا مثلاً: ((مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى))[الضحى:3] هاتان اثنتان، أنه ما ودعك وتركك أو أعرض عنك ولا أبغضك، وهكذا: ((وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنْ الأُولَى))[الضحى:4] هاتان اثنتان، وكلاهما للنبي صلى الله عليه وسلم خير، وكل واحدة خير من الأخرى، ((وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى))[الضحى:5] هؤلاء كم أيضاً؟ اثنتان: العطاء والرضا، فهذا يتناسب مع سياق القسم: ((وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى))[الضحى:5].
وهذا العطاء له صلى الله عليه وسلم ولأصحابه ولأمته في الدنيا في الآخرة.
إشراقات في قوله تعالى: (ألم يجدك يتيماً فآوى)
ثم قال على سبيل التقريب بعدما ذكر الثلاث: ((أَلَمْ يَجِدْكَ))[الضحى:6] يعني: الآن البداية كانت بالمستقبل والوعد العظيم، ثم انتقل السياق إلى التذكير بالماضي كأنه على سبيل البرهنة، على سبيل سياق البرهان، ولا تستكثر أي شيء، وهذا ليس فقط خطاباً للنبي صلى الله عليه وسلم، بل خطاب لكل من يسمع هذا الخطاب.
((أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى))[الضحى:6] فقد مات أبوه صلى الله عليه وسلم وهو حمل، كان عمره ستة أشهر وهو في بطن أمه، أو في أول ولادته، وماتت أمه في صغره، ثم كفله جده، ثم مات جده أيضاً فكفله عمه أبو طالب ، فهذا من الإيواء، أن يقيض الله تعالى له حتى في طفولته، ومثل ذلك في الرضاعة، لما كانت المراضع يأتين إلى أسر قريش ويأخذن أولاد الأكابر والأثرياء والتجار طمعاً فيما عندهم، هذا يتيم وما عنده مال، فتحتسب وترضى وتختاره حليمة لترضعه.
فهذا من إيواء الله عز وجل له: ((أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى))[الضحى:6]، (آواك) يعني: جعل لك من تأوي إليه، ثم يقيض سبحانه للنبي صلى الله عليه وسلم خديجة قبل الرسالة وفي أول الرسالة، ثم يقيض له أتباعه الذين يؤمنون به، ثم يقيض له أهل المدينة يؤمنون به وينصرونه، وهذا من الإيواء، ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم لما قال لأهل المدينة : (ألم أجدكم ضلالاً فهداكم الله بي .. ثم قال: لو شئتم لقلتم: جئتنا طريداً فآويناك).
إذاً: هذا من الإيواء.
يا يتيماً واليتم دمع وضعف كيف ذلت ليتمك الأقوياء
فانظر هذا اليتيم الذي لم يتوفر له أب ولا أم في نظر الناس، ومع ذلك يكون عنده من الجلد والصبر والقوة والمقاومة، وكمال العلم، وكمال العمل، وكمال الشخصية، وكمال العقل، وكمال الفصاحة، وأن يختاره ربه سبحانه ويصطفيه بالرسالة، ولذلك حقيقة هذا فخر للأيتام كلهم، كما أننا نقول: فخر للعرب أن يختاره الله تعالى منهم، بل فخر للإنسانية أن يختار الله منهم إنساناً للنبوة وينزل عليه الوحي، هو أيضاً فخر للأيتام ودرس وقدوة لهم، كما هو قدوة لكل أحد لكل إنسان.
((أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى))[الضحى:6] ومعنى (يجدك) يعني: يعلمك، والله سبحانه وتعالى يعلمه منذ أوله، والمقصود بقوله: (يجدك) ألم يعلمك الله سبحانه وتعالى يتيماً؟!
إشراقات في قوله تعالى: (ووجدك ضالاً فهدى)
((وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى))[الضحى:7]، وهنا وصف الضلال، وهذا هو الموضع الوحيد في القرآن، الذي فيه التعبير بهذا اللفظ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولذلك اختلف المفسرون كثيراً في تفسير هذا اللفظ وهذا الحرف، وهل يجوز أن يوصف النبي صلى الله عليه وسلم بذلك إطلاقاً؟
فذهبوا إلى نحو من ستة أقوال:
فقال بعضهم بل أكثر وجمهور المفسرين قالوا: إن معنى (ضالاً) يعني: ضال عن الوحي عن الشريعة عن الإيمان، وهذا هو المعنى المختار الصحيح، مثل قوله تعالى: ((وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ))[الشورى:52] فهذا المعنى.
((وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ))[العنكبوت:48] فيكون المعنى ليس الضلال الذي هو اتباع الباطل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حتى في جاهليته، وإن لم تكن عنده معرفة بالوحي ولا بالشريعة ولا بالإيمان ولا بالكتاب، إلا أنه كان عنده الفطرة السليمة، وكان يتعبد ويتحنث على الملة الحنيفية، ولم يقع في الشرك الذي وقع فيه من حوله.
فعلى هذا يكون معنى الضلال هنا مقيداً، كما في قصة يوسف ، ماذا قال إخوة يوسف لأبيهم لما قال لهم: ((إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ))[يوسف:94] ماذا قالوا له؟ قالوا: ((تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ))[يوسف:95] هم لا يقصدون -والعياذ بالله- الضلال في الدين وإلا لكفروا، وهم منزهون عن ذلك، وأبوهم كان نبياً، وإنما مقصودهم أنك في ظنك وفي وهلك وفي غفلتك، فهكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم في غفلة، والغريب أنه حتى في سورة يوسف قال ربنا لمحمد صلى الله عليه وسلم: ((نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنْ الْغَافِلِينَ))[يوسف:3].
إذاً: المقصود ضال غافل، ولهذا هنا قال: ((وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى))[الضحى:7] فما يصلح واحد يقول عن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك دون أن يتفطن لبقية الآية مباشرة، يعني: أن الله تعالى ذكر هذا في سياقه بما فهم منه، أن الضلال كان عدم معرفة الطريق إلى إنقاذ الناس، وإلى دعوتهم وإلى هدايتهم، فهداه الله سبحانه وتعالى إلى ذلك.
وقيل: إن معنى: ضال، ناس، وهذا المعنى مستعمل في القرآن الكريم، كما في قصة آية الدين: ((فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى))[البقرة:282]، (تضل) ما معناها؟ يعني: تنسى، يعني: لو أقول لك: تذكر القصة لما ركبنا أنا وإياك على النقل الجماعي وسافرنا ورجعنا، تقول: والله ضليت ضللت، ما معناها؟ نسيت، ما أذكر، العهد قديم ونسيت، لكن إن شاء الله نجدد الوعد ونكرر مرة ثانية.
إذاً: من معاني الضلال: النسيان.
بعضهم قالوا: ضال: إنه ضايع، يعني: تائه، وفسروها بالمعنى الحسي، أنه لما سافر في تجارة خديجة ضاع في الطريق، وقالوا: إن الشيطان نفخه حتى وقع بعيداً، وفي نظري أن هذه من الأساطير التي ينبغي تنزيه كتاب الله وتنزيه كتب العلم عنها، فالشيطان أقل وأذل من أن يفعل هذا برسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى قبل البعثة وقبل الرسالة، وإنما تسلط الشيطان على بني آدم بالوسوسة والكيد .. وما أشبه ذلك، أما أن يحمل إنساناً بنفسه ويلقيه في الحبشة أو في مكان آخر، فهذه من الغرائب المنكرة، فضلاً عن أن تقع لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وبعضهم قالوا: لا، إنه ضاع في مكة ، قريباً من مكة حتى قلق عليه عمه، وكان يمسك باب الكعبة ويصيح ويدعو ربه ويقول:
يا رب رد ولدي محمداً رده علي واصطنع عندي يدا
حتى جاء به أبو لهب أو أبو جهل على بعيره إليه، وهذا أيضاً لا يثبت بإسناد صحيح، ولو ثبت فليس هو المراد والله أعلم بالآية؛ لأن الأمر أعظم من أن تكون الآية مجرد تسجيل حادثة عرضية عادية.
وبعضهم قالوا: إن المقصود ضلال الناس من حوله، يعني: وجدك في قوم ضالين في مكة ، فهداك وهداهم بك، وهذا المعنى ليس ببعيد ولا يتنافى مع المعنى الأول الذي ذكرناه.
إشراقات في قوله تعالى: (ووجدك عائلاً فأغنى)
((وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى))[الضحى:8] العائل ما هو؟ الفقير، وقد يكون العائل ذا العيال، يعني: عياله كثيرون، فيسمى عائلاً، والغالب هو الأول، (عائل) يعني: فقير.
((وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى))[الضحى:8] كان النبي صلى الله عليه وسلم فقيراً فأغناه الله تعالى، أغناه بمال خديجة لما ذهب مع غلامها ميسرة وتاجر في الشام وربح، وكان النبي صلى الله عليه وسلم عائلاً فأغناه الله تعالى بالأموال الطائلة التي سيقت له بالفتح .. وغيره، ومع ذلك النبي صلى الله عليه وسلم لما أغناه الله ما اعتبر هذا المال له، وإنما كان ينفقه ويصرفه في سبيل الله ويتصدق به، ولم يكن يدخر منه شيئاً لنفسه، حتى إنه مات صلى الله عليه وسلم ولم يورث ديناراً ولا درهماً ولا شيئاً.
وهذا دأب الأنبياء صلى الله عليه وسلم والصالحين، أن الإنسان ولو تيسرت له الدنيا، فإنها تكون في يده ولا تكون في قلبه، ويستعملها كما يستعمل الفراش الذي يجلس عليه، والدابة التي يركبها، يستخدمها ولا يخدمها، ولا يكون عبداً للمال والدرهم والدينار، فهنا ربه سبحانه قال: ((وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى))[الضحى:8] ، يعني: فأغناك، والغنى أيضاً غنى لأصحابه، فإنهم كانوا عالة فأغناهم الله به صلى الله عليه وسلم -كما قال ذلك للأنصار- وكانوا فقراء وأخذت بيوتهم في مكة ، فلما صاروا إلى المدينة فتح الله تعالى عليهم خزائن الأرض، بل غناه صلى الله عليه وسلم غنى لأمته، كما في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بينا أنا نائم إذ أوتيت بمفاتيح خزائن الأرض فوضعت في يدي. قال أبو هريرة رضي الله عنه: فذهب النبي صلى الله عليه وسلم وأنتم تنتثلونها).
إذاً: من معاني هذه الآية: غنى الأمة كلها، فإنه وإن كان الله تعالى يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أن الخطاب لأمته من بعده، ولذلك لو تأملنا ما سبق لوجدنا أن العطاء للنبي صلى الله عليه وسلم هو عطاء لأمته، والنبي عليه الصلاة والسلام لما سجد وبكى ودعا كان يقول: (رب! أمتي أمتي، فكان ربه سبحانه يقول: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك)، فجزاه الله عنا خير ما جزى نبياً عن أمته، وصلى الله عليه وآله وسلم ورضي وأنعم، وجمعنا به مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين في جنات النعيم.
فهنا ربه سبحانه وتعالى لما يقول له مثلاً: ((أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى))[الضحى:6] تجد أثر هذا المعنى في الأمة، التي هي أمة كانت أمية جاهلة، ليس لها تاريخ ولا امتداد، وعجيب لو نظرت ما معنى اليتم، لوجدت أن اليتيم: هو من انقطع تسلسله مع من قبله فلا يرعاه، وهكذا الأمة هي أمة يتيمة ليس لها مجد ولا تاريخ ولا حضارة، ولو نظرت في الحضارة وجدتها عند اليونان والرومان والهند والصينيين .. وغيرهم حضارات عريقة وراسخة، ومع ذلك أبى الله تعالى إلا أن يختار هذه الأمة اليتيمة فيؤويها ويصطفيها، كما آوى واصطفى نبيها محمداً عليه الصلاة والسلام.
وهكذا: ((وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى))[الضحى:7] فهذه الأمة أمة أمية لا تقرأ ولا تكتب ولا تعلم شيئاً، وليس عندها أي علم ولا بصر، حتى أنزل الله تعالى عليها الحكمة والكتاب، فأصبحت أمة العلم، وأصبح رجالها سادة الأمم وقادتها حقباً طويلة، وأذكر امرأة ألمانية لها كتاب مترجم باسم: شمس العرب تسطع على الغرب، وأصل الكتاب اسمه: شمس الله تسطع على الغرب ، تكلم عن تاريخ ومجد هذه الأمة، أيضاً العقاد له كتاب جيد في أثر المسلمين على النهضة والحضارة العالمية، وهناك عشرات الكتب تتكلم عن هذا الجانب عن أثر الأمة ومجدها في قيادة البشرية كلها، حتى إلى علوم الدنيا، فضلاً عن علوم الهدى والإيمان والسلوك والآخرة.
((وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى))[الضحى:8] فالأمة هذه مثلاً كانوا فقراء ما عندهم شيء، يعني: المرعى والمطر متى يأتي، ويقتل بعضهم بعضاً، ويأكل بعضهم بعضاً، ويجوعون، وتاريخهم معروف في ذلك، وما عندهم إلا واحات بسيطة في جزيرة العرب ورحلة الشتاء والصيف.
هنا قال: ((وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى))[الضحى:8] فإذا تخيلت الغنى لأمته، انظر الآن الثروات الهائلة وأهمها النفط، الذي يوجد أكثره وأكثر مخزونه واحتياطيه في بلاد المسلمين، وانظر أيضاً إلى الثروات الأخرى الهائلة التي منحها الله تعالى هذه الأمة، وأغناهم بها من عيلة، فهذا من إعجاز القرآن، ومن خلود وبقاء القرآن، وتجدد معانيه لكل عاقل ولكل متأمل.
وهذه أيضاً تلاحظ أنها ثلاث تقابل الثلاث الأولى: يعني قال: ((مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى))[الضحى:3] يقابل ذلك قوله: ((أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى))[الضحى:6].
وقال: ((وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنْ الأُولَى))[الضحى:4] يقابله قوله: ((وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى))[الضحى:7] فالضلال بعد الهدى.
وقوله: ((وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى))[الضحى:5] يقابله قوله: ((وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى))[الضحى:8] يعني: أعطاك الغنى وليس المقصود فقط غنى المال أيضاً حتى غنى النفس، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً: (ليس الغنى عن كثرة العرض، وإنما الغنى غنى النفس)، فإن الله تعالى أعطاه الغنى في نفسه، وغنى النفس أفضل من غنى المال، فضلاً عما أعطاه الله تعالى من العلم والنبوة والفقه والحكمة .. وغير ذلك.
ثم ختم بثلاث أيضاً، فهذه السورة فيها الثلاثيات المتقابلة والمتوافقة، كما يسميها علماء البلاغة: اللف والنشر المرتب، يعني: كل واحدة تقابل التي تناسبها مباشرة.
إشراقات في قوله تعالى: (فأما اليتيم فلا تقهر)
قال: ((فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ))[الضحى:9]، وهذا يتناسب مع قوله: ((أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى))[الضحى:6].
((فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ))[الضحى:9] الفاء هذه يسمونها الفاء الفصيحة، وأما هنا هي للتفصيل والتقسيم، لكن المعنى مهما يكن من شيء، مهما يكن من أمر فاليتيم فلا تقهره، ((فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ))[الضحى:9].
وهنا من جاري الخطاب في اللغة أن يقول: فلا تقهر اليتيم، لكن ما جاء في السورة هكذا، جاءت: ((فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ))[الضحى:9]، هذا معنى بليغ ومعنى بديع، وفيه أشياء لا يستطيع الإنسان ربما حتى أن يعبر عنها، وهو يتأمل جمال السياق وجمال البلاغة في الآية، ((فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ))[الضحى:9] لكن لاحظ أيضاً أن الله تعالى قدم لفظ اليتيم، وهذا فيه إشارة إلى الحفاوة وإلى الاهتمام وإلى العناية به.
ثم عقب بقوله: ((فَلا تَقْهَرْ))[الضحى:9] يعني: لو قال: (فلا تقهر اليتيم) يمكن أن يكون هذا نهي يسمعه الإنسان وهو غافل، لكن إذا قلت: يا فلان! تعال أريد أن أخبرك، أما البيت فلا تدخله إطلاقاً، وأما المال فلا تأخذ منه شيئاً، وأما الأولاد فلا تعتد عليهم، يعني: يبدأ المتلقي يشعر أنها نقاط محددة، وقد استجمعت كل ذهنه للاستماع والإنصات للتوجيهات والأوامر.
أيضاً في السياق معنى عظيم جداً، جداً عظيم! وهو الإشارة المتكررة في القرآن كله، إلى أن مدار الشريعة يكاد أن يكون كله قائماً على حفظ الحقوق، أن يكون مدار الشريعة كلها قائماً على حفظ الحقوق، حفظ حقوق الناس، مثال ذلك هنا قال: اليتيم؛ لأن اليتيم لا يجد من يأخذ حقه ويحافظ عليه، وهكذا التي بعدها: ((وَأَمَّا السَّائِلَ))[الضحى:10] يعني: وصية خاصة بالضعفاء، كما وصى الله بحق المرأة بحق الأطفال بحق اليتيم المسكين.. إلى غير ذلك، هي وصية أيضاً بحقوق سائر الناس، وقد سبق معنا قريب من هذا المعنى في أي سورة؟ ((أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ))[الماعون:1-3].
إذاً: المعنى الذي نريد أن نركز عليه الآن: أن مدار الشريعة على حفظ الحقوق، حتى العبادات لو تأملت لماذا شرعها الله، لماذا شرع الصلاة، أو الزكاة، أو الصوم، أو الحج؟! الله غني عنا سبحانه، لو أن الناس كلهم على أتقى أو أفجر قلب رجل واحد ما زاد ذلك في ملك الله شيئاً، ولا نقص ولا ضر ولا نفع، فـ لماذا تعبدنا الله بهذه العبادات؟ من أجل أن نتربى على التزكية والتهذيب وأداء الحقوق وحفظ الحقوق، ولهذا قال في الصلاة: ((تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ))[العنكبوت:45] والزكاة قال عنها: ((تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا))[التوبة:103] ، والصوم: ((لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ))[البقرة:183] والحج: ((فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ))[البقرة:197] ، وجماع ذلك كله حديث النبي صلى الله عليه وسلم : (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) .
إذا تأملت هذا المعنى العظيم كم يأخذ من وقتنا، من دروسنا، من حياتنا، من تربيتنا، حتى أصبح عند الكثير من المسلمين فضلاً عن غير المسلمين أن يظنوا أن الدين لم يأت بالحقوق، ولم يحافظ عليها؛ بسبب نقص العلم وسوء العمل والتطبيق عند المسلمين، الإطاحة بالحقوق. الأزواج والزوجات: معظم البيوت العلاقة قائمة على مشاكل وبلاوي، الأبناء والآباء تصل إلى.. حتى الرجل والمرأة الآن عندنا حوار تجد المرأة يعني كأن الرجل إذا أخذ حقاً أخذ منها، والرجل كأن المرأة تأخذ منه، يعني: صراع، أصبح هناك نوع -في المجتمعات الإسلامية- من تعميق الصراع بين الناس، بين الآباء والأبناء، الأزواج والزوجات، الأولاد والبنات، طبقات المجتمع: القبائل، البلدان، الأشخاص، الأمصار.. إلى آخره.
بينما الأمم الغربية قامت حضارتها اليوم على حفظ الحقوق، وفي ذلك حصل لهم العز والنصر والتمكين في الدنيا، وبقدر ما يخلون يقع لهم النقص، وانظر إلى الأمريكان لما أخلوا بالحقوق واعتدوا مثلاً في العراق ، انظر كيف أدبهم ربهم أدباً عاجلاً بالفضائح التي تترى عليهم، وبالنكسات التي تتوالى حتى في داخل إدارتهم، ومع ذلك لما افتضحوا فيما يقع في سجن أبو غريب .. وغيره، من التعذيب والتعسف والقتل والاعتداءات الجنسية .. وغيرها، الآن تجد حتى داخل إداراتهم العليا كالكونجرس .. وغيره تجد هناك محاكمات علنية، وتنقل على الهواء مباشرة، ويسمعها القريب والبعيد، ويستقيل عدد من مسئوليهم، ويمكن تصل المحاكمة يوماً من الأيام إلى وزير الدفاع، وقد تصل إلى رئيس الجمهورية نفسه.
بينما في العالم الإسلامي أصلاً لا يقيمون للحقوق وزناً إطلاقاً، ويعتبرون أن الحق الذي وصلك كأنه خير أو بركة أو فضل، أما فكرة أني أعرف ما لي وما علي، حتى لو كان الواحد يعني لو من أبيك له حق البر، وأيضاً أنت لك حق التربية والرعاية، فهذه معان غائبة جداً، مع أنها من المعاني العظيمة في نظري وتقديري في الشريعة.
فهنا قال: ((فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ))[الضحى:9] والقهر يكون بالقول والسب، ويكون بالفعل وأخذ ماله، ويكون بالإشارة أيضاً، مثل: الازدراء أو التحقير أو الإعراض أو الإهمال، وهذا كما قلت يتناسب مع قوله: ((أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى))[الضحى:6].
إشراقات في قوله تعالى: (وأما السائل فلا تنهر)
قال: ((وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ))[الضحى:10] هذا يتناسب مع قوله: ((وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى))[الضحى:7] ما المناسبة بينهما: ((وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى))[الضحى:7] ((وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ))[الضحى:10]؟
نقول: المقصود بالسائل هنا هو طالب العلم، الذي يسأل ويريد الجواب، وهذا قول سفيان بن عيينة وجمع من السلف، واختاره طائفة من المفسرين، وهو قوي جداً، أن قوله: ((وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ))[الضحى:10] يعني: السائل الذي يريد العلم والمعرفة يسأل عن أمر دينه، وهكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتيه الناس يسألونه عما لا يسأل عن مثله الأنبياء عادة، فكان يصبر صلى الله عليه وسلم ويجيب ويتحمل، وهذا أيضاً معنى راق عظيم جداً، أدب الله به نبيه صلى الله عليه وسلم، حتى لما قال له الرجل: (يا رسول الله! من أبي؟ قال: أبوك فلان)، وكان رجل يسأل: أين ناقتي مثلاً؟ فكان النبي صلى الله عليه وسلم في غاية التواضع للناس، وهذا أيضاً تربية لأصحاب الخطاب من بعده، الخطاب الدعوي وحملة العلم والهدى أن يكون عندهم من الصبر على الناس، وتحمل نزقهم وحماقاتهم وإزعاجهم وعجلتهم وطيشهم، وأنا أقول لكم هذا الكلام وأنا أعلم من نفسي، وهذا يخجلني أني أعلم من نفسي العجز والتقصير الشديد في هذا، ولكن هذا لا يمنع الإنسان يعلم نفسه ويعلم غيره، يعني: يجوز أن الواحد منكم يسمعني الآن ويقول: الله يسامحك يا أبا معاذ ، أنا أمس مكلمك في الجوال وأنت قد صرخت في وجهي، وهذا حق، لكن دعونا يعلم بعضنا بعضاً ويذكر بعضنا بعضاً:
ولو لم يعظ في الناس من هو مذنب فمن يعظ العاصين بعد محمد
عليه الصلاة السلام.
وأيضاً المهم في الخطاب العام، في خطبة الجمعة، في المحاضرة، في الدرس، في الكتاب، في الكلمة، في الحديث مع الناس ينبغي ألا نكون أشداء، بل أن نكون رحماء، وأن نستشعر هذا المعنى: ((وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ))[الضحى:10]، إذا خوطب وأدب بهذا محمد صلى الله عليه وسلم فنحن من باب أولى؛ لأن الناس ينقادون له بالنبوة، لكن نحن لا ينقاد لنا الناس وهم مسلمون مثلنا، وقد يكون لديهم من العلم مثل ما عندنا، وهكذا يظنون، وقد يكونون خيراً منا، فلذلك ينبغي أن تكون هناك رعاية لهذا الجانب.
ومن معاني: ((وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ))[الضحى:10] السائل: الفقير الذي يطلب المال، وهكذا النبي صلى الله عليه وسلم أعطى غنماً بين جبلين، وأعطى مائة من الإبل، ولم يسأل شيئاً قط فقال: لا.
ما قال لا قط إلا في تشهده لولا التشهد أضحت لاءه نعم
تراه إذا ما جئته متهللاً كأنك تعطيه الذي أنت سائله
ولو لم يجد في كفه غير روحه لجاد بها فليتق الله سائله
فكان صلى الله عليه وسلم أكرم الكرماء، وهذا داخل في قوله: ((وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ))[الضحى:10].
إشراقات في قوله تعالى: (وأما بنعمة ربك فحدث)
ثم قال: ((وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ))[الضحى:11] هذا متناسب مع قوله: ((وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى))[الضحى:5] يعني: أعطاك فرضيت، فتحدث بنعمة الله تعالى عليك.
ونعم الله تعالى على الناس كلهم لا تحصى: ((وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا))[إبراهيم:34] وذكرت للإخوة مثالاً، قلت لهم: الآن لو تحصي الخلايا الموجودة في جسمك أنت، يمكن تريليون خلية، ألف مليار أو أزيد من ذلك، هذه الخلايا مجرد انفجار خلية واحدة منها بشكل غير طبيعي يصنع لك مرض السرطان، إذاً: عندك (تريليون) نعمة بسلامتك من هذا المرض، فلو ذهبنا نعدد الأمراض التي سلمت منها كم نحصي، تموت وأنت ما انتهيت، فإذا ذهبت تعدد النعم التي في بدنك فقط، يعني: بالعد نريد نحصيها كذا واحدة واحدة ما استطعنا، كيف إذا ذهبنا نعدد النعم المعنوية من الإسلام والعقل والفهم والوالدين والمال والولد والزوجة؟! ((وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا))[إبراهيم:34]، ولهذا هنا قال: ((وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ))[الضحى:11] ما تعدها لكن تحدث بالنعمة.
وقد يكون من مقاصد النعمة هنا النبوة، كما قال: ((مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ))[القلم:2] ، فادع الناس إلى ربك وإلى الإيمان بك، وأن الله تعالى أوحى إليك، وأنزل إليك القرآن، هذا من الحديث، وأيضاً تحدث بما أنعم الله تعالى به عليك.
طيب! هل يناسب أن يتكلم الإنسان عن أعماله الصالحة من باب الحديث؟ يعني: إذا جلس واحد معك الصباح تقول: أنت رأيت الليلة فلاناً ما شاء الله أنا ساعة ونصف ما شاء الله من ركوع إلى سجود، قرأت فيها المفصل، يصلح؟ هاه؟ لماذا؟ نقول: الأغلب أنه لا يصلح، أنا هذا ظني وهذا الأولى وهذا الغالب، أن إخفاء العمل خير من إظهاره، لكن نقل عن بعض السلف كـعمرو بن ميمون .. وغيرهم، يعني: نقولات خاصة أن بعضهم قد يتحدث لبطانته ولمن يحب، ولتلاميذه إذا كان في ذلك نوع من التحفيز، وأمن من العجب والرياء، وإن كان هذه حالات أنا أرى صرف النظر عنها؛ لأن الأصل تجنب هذا الباب وستر العمل، وألا يظهره الإنسان، وإنما الحديث بنعمة الله، يعني: الاعتراف بنعمة الله، وكثير من النعم ليست خفية، لكن إظهارها من باب الاعتراف بها وشكر الله تعالى عليها.
فتلاحظ أيضاً تناسب هذه الآيات مع بعضها تناسباً عظيماً، وفي السورة كما ذكرت لكم مزيد من المعاني، ولكن هذا ما يسعف به الوقت.
الأسئلة
حض الفقير على الصبر وتسليته بكون النبي صلى الله عليه وسلم كان فقيراً
السؤال: ما علاقة الإقسام بالضحى بالمقسم عليه؟
الجواب: لعلنا وضحنا هذا.
السؤال: هل يجوز للإنسان الفقير أن يقال له: اصبر فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان فقيراً؟
الجواب: الفقر ليس عيباً في الإنسان، ولذلك لا بأس أن تقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمر في بيته الهلال ثم الهلال ثم الهلال ما أوقد في بيته نار، ولم يكن عندهم إلا الأسودان: التمر، والماء.
معنى السجع وحكم القول بوجوده في القرآن
السؤال: هلا وضحت الصيغة البلاغية في هذه السورة من سجع، وهل يصح أن نقول لكلام الله: إنه سجع؟
الجواب: السجع يعني: تناسب الفواصل، ولا بأس أن يقال ذلك.
موقف الرسول صلى الله عليه وسلم من واقع الأمة الإسلامية اليوم لو شاهده
السؤال: والله كتابتك الله يجزيك خيراً ما أطيق قراءتها، مع أنه يبدو أن كلامك جيد.
يقول: إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يحب أمته ويقدمها في الآخرة، فهل يا ترى أنه صلى الله عليه وسلم لو ظهر في عصرنا هذا يعني... كما نرى اليوم المسلمون..؟
الجواب: يعني: هذه افتراضات، وأنا قلت للإخوة يوماً: لو وجد النبي صلى الله عليه وسلم ماذا يمكن أن يقول لنا؟
هو صلى الله عليه وسلم علم ما سيقع وأخبرنا بذلك، وقد ألقيت خطبة حول قوله صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص في صحيح مسلم قال: (إنه ما بعث نبي إلا كان حقاً عليه أن يبين لأمته خير ما يعلمه لهم، وإن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها، وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها، فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة، فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر -الإيمان والاستقامة-، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه) هذا ما هو؟ الإنصاف والعدل وعدم الجور أو الحيف أو الظلم، وحفظ الحقوق، نرجع لحفظ الحقوق كما قلنا، (ومن بايع إماماً فأعطاه صفقة يده، وثمرة فؤاده، فليطعه إن استطاع)، فيأمر بالسمع والطاعة بالمعروف.
ضرورة التفريق بين التحدث بنعمة الله وبين الكبر والتعالي على الناس
السؤال: يجب التنبيه على المسلمين بوجوب التفرقة بين التحدث بنعم الله وبين التعالي والتكبر على الناس؟
الجواب: هذا صحيح.
من معاني (ألم يجدك يتيماً فآوى)
السؤال: ((أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى))[الضحى:6]، ألا يؤيد ذلك المعنى الثاني لتفسير الآخرة والأولى؛ لأن الله سبحانه وتعالى بين لنبيه صلى الله عليه وسلم حالته الأولى، وفي الآية أيضاً تنبيه إلى أن الإنسان يجب أن يذكر حالته الأولى؟
الجواب: نعم، هذا معنى لطيف أن يتذكر الإنسان حالته الأولى: حال الصغر، حال الفقر، حال الجهل.
كيفية الجمع بين الرحمة واللين في الخطاب وبين القسوة
السؤال: كيف الجمع بين الرحمة واللين في الخطاب العام والقسوة؟
الجواب: والله الرحمة هي الأصل، والقسوة استثناء، ولهذا قال: ((وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ))[النور:2] بالنسبة لمن تجاوزوا الحد، وأيضاً يراعى في ذلك أحوال الناس وتغيرات الظروف.
تناسب قوله تعالى (وأما بنعمة ربك فحدث) مع قوله (ووجدك عائلاً فأغنى)
السؤال: تناسب قوله: ((وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ))[الضحى:11] هو: ((وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى))[الضحى:8]؟
الجواب: نعم، هذا صحيح.
التحدث بالنعمة على سبيل الشكر لا العد والحصر
السؤال: هل التحدث بالنعمة إظهار المال والمزارع .. وغيرها؟
الجواب: لا يلزم أن الإنسان يتكلم عن المال، يعني: على سبيل العد والتفصيل، وإنما على سبيل الشكر، أن الأمور طيبة والحمد لله وفي خير وغنى، وأمورنا من حسن إلى أحسن، وتقرأ في وجوه بعض الناس الذين عندهم نوع من العرفان بالنعمة الخير، وبعض الناس والعياذ بالله لو كان عنده أموال الدنيا، ما يظهر عليه إلا الفقر والرثاثة والتضجر والتمنع.
سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق