قصائد الجنرال الشاعر عن حقوق الإنسان
هل كلّم السيسي الألمان عن حقوق الإنسان أيمن موسى؟
وائل قنديل
فاجأ الجنرال، عبد الفتاح السيسي، الجميع بمفهومٍ جديد كليًا لحقوق الإنسان، في أثناء زيارته أخيرا ألمانيا، حيث بدا، في ردّه على الصحفيين الألمان، وكأنه يتخلى عن تعريفات مصطفى بكري وأحمد موسى لحقوق الإنسان، ويعتنق، ولو ادّعاءً كاذبًا، المفهوم الأوروبي لحقوق الإنسان.
استخدم السيسي لأول مرة مقاييس حرية الرأي والتعبير والاختلاف لتحديد حالة حقوق الإنسان، فردّ على سؤال لأحد الصحافيين الألمان بالقول "موضوع حقوق الإنسان في مصر مهم جدا، ودائماً بيتم طرح مثل هذا السؤال في مثل هذه المؤتمرات، والحقيقة هذه المرّة أريد أن أرد عليه بشكل مختلف .. اسمح لي أن أدعوك وأدعو معك كل من يهتم بهذا الأمر، ييجي يزورنا في مصر، وإحنا هنتيح له فرصة أن يلتقى بالجميع ويتحدّث معهم، وأتصوّر أن ما يراه سينقله هنا للرأي العام في ألمانيا، لأن شهادتي في هذا الأمر هتبقى مجروحة، تعالى شوف الحقوق الدينية وحرية المرأة في مصر عاملة إزاي، شوف حياة الإنسان وحياة كريمة في مصر عاملة إزاى".
وتابع: "بتكلم عن حرية التعبير وأحضر جلسات الحوار الوطني وشوف هي أخبارها إيه، واللي تشوفه بطلب منك تنقله بشكل حقيقي للرأي العام في ألمانيا، هل هناك حرص شديد على الحريات في مصر أم لا؟ يمكن تكون الصورة مش واضحة لكم هنا".
كان السائد، حسب فهم السيسي، أن للإنسان "حق الاعتلاف" وليس الاختلاف.
وعلى مدار سنوات، كان الجنرال عبد الفتاح السيسي، كلما سئل عن حقوق الإنسان في مصر، يردّ بأن معايير حقوق الانسان في الغرب تختلف عنها في مصر، فحقوق الإنسان عند الجنرال هي الطرق والكباري والطعام، قبل أن تكون حرية تعبير والحق في التظاهر والممارسة الديمقراطية.
قالها للرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أكثر من مرّة، وكرّرها مع غيره من الزعماء الأوروبيين: "ينبغي على الأوروبيين ألا يطبقوا معاييرهم لحقوق الإنسان على المواطن المصري .. لن تعلمونا إنسانيتنا.. فهي غير إنسانيتكم".
الآن صار يتبّنى، كاذبًا، المعايير الغربية، ويتكلم كما لو كان داعية حقوق إنسان، أو الأقرب إلى الدقة هو يتقمّص شخصية عمرو حمزاوي، ابن الجمهورية الجديدة البارّ والعائد على أجنحة الحوار الوطني، مدافعا شرسًا عن جمهورية الجنرال الجديدة، وناشبًا مخالبه، كما لو كان مذيع توك شو ليليًا في لحم من يعارضون الحوار العبثي الكاذب.
يتكلم السيسي وكأن السجون المصرية تشكو الفراغ والوحدة، بعد أن خلت من المحبوسين، إلى درجة التفكير في غلقها أو تحويلها لمزاراتٍ سياحيةٍ تذكّر بعصور القمع والاستبداد، إلى الحد الذي يدعو معه، بكل ثقة، الصحافي الألماني لزيارة مصر والحوار مع المواطنين بكل حرية وأريحية، تقريبًا كما حدث مع الباحث الإيطالي، جوليو ريجيني، الذي لم تستطع أسرته التعرّف على جثته التي تحوّلت أشلاء ممزّقة، بعد حوار متحضر مع أجهزة الأمن المصرية .. أو ربما يقصد حرية الحركة والتسهيلات التي تمتع بها باحث فرنسي آخر جاء إلى القاهرة قبل أكثر من سنة، واختفى، ولم يظهر له أثر.
سيصدّق العالم قصائد السيسي العاطفية عن حقوق الإنسان المصري، حين نجد طالب الجامعة البريطانية، أيمن موسى، الذي دخل السجن فتىً تحت سن العشرينات، وما زال محبوسًا منذ عشر سنوات، يمارس المشي، مجانًا ومن دون رسوم أو إتاوة، على كورنيش القاهرة، ولا يتبعه كظله العسس والمخبرون، يتجسّسون على ما يسمعه من أغنيات، إذ يدندن مع ما يأتيه من سمّاعات في أذنيه .. سوف نصدّق ويصدق العالم حواديتك عن حقوق الإنسان في مصر.
أيمن موسى نموذج لعشرات آلاف من الشباب سرق الاستبداد أعمارهم ظلمًا وعدوانًا، تحت شعار "عندما يكون الأمن القومي في خطر لا تحدّثني عن حرية وديمقراطية وحقوق إنسان".
ربما يتعامل العالم بشيء من الجدّية مع كلام السيسي الشاعري عن حقوق الإنسان، حين يحصل أطفال الطبيب والنائب البرلماني السابق، مصطفى النجار، على إجابة عن سؤال يكوي قلوبهم منذ سنوات عن مصير والدهم المخطوف والمختفي قسريًا، منذ أكثر من ألف يوم، بعلم الأجهزة الأمنية، ورئيس هيئة الاستعلامات الذي هو محتسب الحوار الوطني ضياء رشوان.
وحين تجد علاء عبد الفتاح مصطحبًا صغيره الذي دخل السجن وهو طفل، وقد صار الآن فتى على أبواب الشباب، يسير على ممشى أهل مصر، فيما يسير في الاتجاه المقابل أسامة محمد مرسي، ممسكًا بيد طفله الذي لم يره منذ ولادته مغيّبًا في السجون، يمكن أن نتعامل مع كلامك عن حقوق الإنسان في مصر بشيء من الجدية.
مشكلة عبد الفتاح السيسي أنه، بعد أن امتلأ بالنشوة من مصافحة الرئيس الأميركي، وشعوره بأنه حصل على رضا ورعاية الكاوبوي الأميركي، ذهب إلى أوروبا بسيكولوجية الغراب الذي صدّق أنه صار طاووسًا، لمجرّد أنه التقط بعض ريشاتٍ متساقطة من طاووس، ودسّها بين الريش الأصلي الذي خلق به، ومضى بإصرار عجيب يقلّد مشية الطاووس، ثم انتقل إلى مرحلة محاولة نفش الريش على طريقة الطاووس، بل قرّر أن يتعلم الغناء ويؤدي مثل الطواويس، أناشيد وقصائد عن حقوق الإنسان والحرية والديمقراطية.
لا مشكلة على الإطلاق، فقط نذكّر الجنرال الشاعر بأن أسطورة الغراب المتطاوس انتهت بسخرية مريرة من طريقته في الغناء والإنشاد، أرغمته على العودة إلى سربه الأصلي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق