الخميس، 28 يوليو 2022

العِبَرُ من رحيل نجل الرئيس

 العِبَرُ من رحيل نجل الرئيس

لقد آن أوان بزوغ السؤال الأجدى والأقوى في أثره: من المسئول عن ترك عبد الله يخوض المعركة وحده؟!

كان شهابا لامعا في فلك نجم ساطع! أَفَلَ النجم، فانطفأ الشهاب! وطويت القصة ولف الكون ظلام دامس! إنّها ليست هَيِّنةً واقعةُ وفاة نجل الرئيس، ولن تمرّ علينا جميعا بخير إن نحن مررناها دون وقفة مع النفس، في هذه المرّة لن يكون السؤال التقليديّ: من المسؤول عن موته؟ هو السؤال المطروح؛ لأنّ هذا السؤال طُرح من قبل فلم يكن له جدوى؛ لا لشيء إلا لأنّه افتقد الجدية في الطرح، لقد آن أوان بزوغ السؤال الأجدى والأقوى في أثره: من المسؤول عن ترك عبد الله يخوض المعركة وحده؟!

    لماذا تركنا عبد الله وحده يواجه القتلة؟ فهل جناية الاعتداء على الرئيس مرسي جناية شخصية حتى ينفرد بالتصدي لها أسرة الرئيس؟! أم إنّ الدكتور مرسي كان رئيسا للسيدة الفاضلة نجلاء وأولادها الكرام؟! إنّها يا قوم جناية على رئيس البلاد، إنّها – قبل أن تكون جريمة اعتداء على حياة شخص الرئيس – هي جريمة سياسية بالغةٌ أقصى درجات البشاعة والشناعة، ومن ثم فإن المواجهة مسؤولية أمة؛ فأين الأمّة؟! وأين نحن (معشر من هاجر لنصرة القضية!) أين نحن كبار الأمة وممثليها؟! أين صوتنا في المحافل الدولية؟! أم إنّ دورنا فقط هو التأبين وتلقي العزاء؟!

لسنا عاجزين

    إنَّ وفاة الشاب عبد الله مرسي قد عرّانا جميع أمام أنفسنا وأمام شعبنا وأمام التاريخ وأمام أسرة الرئيس، أما أمام الله فنسأله العفو والعافية؛ إذ هو أعلم بحالنا وهو اللطيف الخبير، فالله وحده يعلم أنّنا قادرون على الكثير، وأننا لسنا عاجزين ولا مكرهين ولا مضطرين، وأوضح دليل على ذلك أنّ رئيس البلاد التي نعيش على أرضها وننعم بالأمن في ربوعها تحدث في المحافل الدولية ورفع صوته عاليا مطالبا بما يجب علينا أن نطالب به، فهل وصل إليه أحد منّا أو أشعره بأنّ على أرضك نسمات تنتمي للبلد التي تدافع عنه؟! إنّ الرئيس الذي وصله صوت شهيد قال قبل وفاته “إنّ في جسدي من الكهرباء ما يكفي لإنارة مصر عشرين عاما”  لم يصله صوت كبار يزعمون أنّهم أنصار الشرعية! مع أنّهم على مقربة منه رمية بحجر! ومع أنّ قصره رحب للزائرين وبابه مفتوح للقاصدين!

    أقول إننا عاجزون لأننا نريد أن نبقى عاجزين، أقول وأؤكد أننا مازلنا قادرين على فعل الكثير إذا شئنا، وسنفعل الكثير إذا أردنا، الخطوة الأولى هي أن نريد فقط، من قبل تحدثت مرارا عن الخطوة الأولى المنسية، وكنت أقول إنها فقط أن نتوحد ونجلس معا لنتدارس رؤيتنا ونضع مشروعنا، أمّا اليوم فقد تراجعنا فتراجعت معنا الخطوة الأولى المهملة، وهي فقط أن نريد! ولماذا لا نريد؟! وهل لنا قيمة أو وزن في أرض نحل فيها إلا بأن نكون أصحاب قضية؟!

التوحد

    ولقد نادى المنادون كثيراً بضرورة التوحد؛ فإن كان (الأذان في مالطة) يُسْمَع ويُسْتجاب له أو (النفخ قربة مخروقة) يُجْدي ويملأ الجوف الفارغ لكان لندائهم أثر! إنّ ها هنا طاقات معطلة وقامات في الأرض مجندلة؛ لا لشيء إلا لأنّ هناك إصرارا لا تبرير له على الفرقة والتشتت، مع أنّه لا يوجد سبب واحد معقول أو مقبول لهذا الذي يجري، فلن يكون سيئاً – والحال هكذا – أن يقول قائل: إمّا أن تتوحدوا وتنهوا ما بينكم من نزاع وإما أن ترحلوا فلا تتحدثوا باسم مصر ولا باسم الثورة؛ فلعلكم برحيلكم تفسحون الطريق اختيارا قبل أن يأتي من الله إجباراً؛ لأنّه فيما يبدو – ونسأل الله العافية – الاستبدال يطل برأسه: “وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم”.

    أَعْلَمُ يقيناً أن التحرك في المحافل الدولية غالبا ما يكون أمراً ضعيف الجدوى، بل إنّ المعارضة الخارجية كلها كذلك غالبا ما تكون ضعيفة الجدوى، لكن هذه الحقيقة ليست على إطلاقها؛ فقد استطاع الفلسطينيون – زادهم الله نصرا وعزا – أن يؤثروا في الرأي العام العالميّ بالصورة التي رأينا آثارها، إنّ الفكرة الراجحة في الحراك الصحيح تكمن في القدرة على الضغط عبر تحويل القضية إلى رأي عام، وإن لنا في بلدان العالم أجمع جاليات مصرية تحمل هم القضية، نستطيع تفعيل دورها إن أردنا ذلك.

    هذا جانب، لكن هناك جانبا آخر ربما هو الأهم، وهو أنّ الحراك الخارجي الرشيد السديد إذا نبع عن تآلف وتكاتف سيكون له أثر إيجابيّ بالغ على نفوس المكروبين في الداخل وإنهم لكثر، ومن المؤكد أنّ أسر الشهداء والمعتقلين والمطاردين في المحافظات بلا مأوى ولا عمل تعيش حالة إحباط بسبب الأداء الركيك لما يسمى بالمعارضة في الخارج أو ما يسمى بأنصار الشرعية، نحن إن لم نربح إلا ثقة المستضعفين بنا وارتفاع معنوياتهم إذا رأونا متحركين راشدين لكفى به ربحا.

السعي الجاد

    إنّ آلامنا كبيرة وكثيرة وإنّ المصائب التي تحل على بلادنا وفيرة وغزيرة، وإنّنا مسؤولون عن السعيّ الجاد لرفع المعاناة ودفع البلاء، ولن يتسنى لنا شيء من ذلك إلا بالوحدة، ولا يكفي ما نسميه تنسيق الجهود، وإن كان مقبولا من قبيل ما لا يدرك كله لا يترك كله، ومن جهة أن الميسور لا يسقط بالمعسور، لكننا قادرون على جعل المعسور ميسورا، وعلى تدارك ما لم يكن من قبل متداركا؛ ففيم التأخير؟!

    هذا نداء لكل من في وجهة قطرة ماء أو مسحة من حياء: تعالوا إلى كلمة سواء، مفادها: أننا لا يسعنا ترك العمل بقول الله تعالى: “واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا”.


الدكتور عطية عدلان

يوليو 28, 2022

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق