الأربعاء، 20 يوليو 2022

حقيقة نشأة وامتداد منظمة فتح الله غولن!

 حقيقة نشأة وامتداد منظمة فتح الله غولن!



ياسين أقطاي

فتح الله غولن

ها هي ست سنوات مرت على محاولة الانقلاب الذي جرت أحداثه في 15 تموز/ يوليو، تلك المحاولة التي استشهد فيها 252 من مواطنينا، وأصيب أكثر من 2000 آخرين، قد أثبتت الأيام أنها حادثة استثنائية في تاريخ تركيا، وكشفت عن وجود أسباب عديدة ونتائج شتى لها على مختلف الأصعدة. إن عملية التنمية التي انطلقت شرارتها منذ خمسين عاما، كان من شأنها أن تضع تركيا في موقع متميز مختلف كثيرا عما هي عليه الآن، ولولا تلك الوعكة التي شهدتها البلاد، ربما كنا اليوم في نعيش تركيا مختلفة تماما وفي واقع عالمي مغاير لما نحن عليه الآن. بل ربما ما كان لبعضنا أن يعاني ويلات هذا العالم اليوم، أو كان توزيع الأدوار سيتم بأسلوب مختلف تمامًا عما نعيشه حاليا.

وربما لولا الأخطاء البسيطة التي ارتكبها بعض المشاركين في محاولة 15 تموز / يوليو، ولو كانت المخططات قد نفذت على النحو الذي أرادوا، ليست تركيا فحسب، بل العالم كله، كان سيصبح مختلفًا تمامًا اليوم.

بالنسبة لتركيا التي تعكر عليهم صفو انفرادهم بالعالم الإسلامي الذي يسيرونه ويعيدون تشكيله كما يريدون، والتي لا تزال تمثل أملا حيًّا للشعوب، كانوا سيكبلون أيديها ويعيقونها عن أداء دورها المنوط بها في المنطقة. كما أن أمورهم في تركيا كانت ستصبح على ما يرام؛ لأن التابعين لهم ومن يعملون تحت خدمتهم هم الذين سيستولون على مقاليد الأمور، لكن حادثا لم يكن في الحسبان قد قلب كل المخططات رأسًا على عقب.

إن العديد من الأحداث التي كان لها آثار وعواقب خطيرة في التاريخ، إذا جاز التعبير، قد غيرت مجرى التاريخ، أليس كذلك؟

الأمر يسير ومن المستحيل عدم رؤية ذلك عند مجرد النظر بالعين البشرية، ولكن عند المؤمنين الذين يعتقدون أن هناك حسابًا آخر فوق كل حساب، وقضاء آخر فوق كل قضاء، لا شيء يمكن تفسيره ببساطة عن طريق الصدفة. فالحساب الخالص هو بيد الله المتحكم في كل ذرة في هذا الكون، الذي لا تتحرك ورقة في هذا الكون خارج قضائه وإرادته الذي لا تسقط من ورقة إلا بعلمه سبحانه وتعالى.

المنظمة التي جذبت جميع الأحزاب إلى “الخدمة” طول مدة 50 عاما

إن السيطرة التي وصل إليها العقل المدبر الذي سيطر على عملية دامت خمسين عامًا تغلغلت في جميع المؤسسات السياسية والتجارية والشرطية والقضائية والعسكرية والإعلامية والمنظمات غير الحكومية في تركيا، جعلتهم يتوهمون بأنهم يستطيعون تنفيذ أي عملية يريدونها متى أرادوا ذلك، حتى أنهم تمادوا في ثقتهم بأنفسهم إلى درجة كانت تصل إلى درجات من الكبر والغطرسة وتقترب من ادعاء الألوهية.
وخلال تنفيذ مخططاتهم يتوهمون بغطرسة وكبر، كالنمرود، أنهم يمكنهم استحقار من يريدون وقتل من يريدون وإحياء من يريدون. 

هذا فضلا عن أنهم لم يكونوا بحاجة إلى كتاب للتشكيك في مشروعية أو تبرير ما فعلوه؛ فالحركة التي أطلقوا عليها اسم الخدمة أصبحت بالفعل مقياس الصواب والخطأ لديهم. فقد صار في معتقدهم أن كل شيء لصالح الخدمة صحيح دائما، ولا يمكن التشكيك في ملاءمته.
وبالنسبة لأولئك الذين يعقدون المقارنة ويقيمون أوجه الشبه بين هذه الحركة وحزب العدالة والتنمية، فإنهم لا يريدون أن يذكروا أو يريدون التغافل عن أن هذه الحركة قد استخدمت جميع الأحزاب والحركات السياسية “لخدمتها” أثناء تسللها أو اقترابها من النظام منذ البداية وعلى مر الزمن.

التقى بقية أعضاء منظمة غولن منذ البداية على فكرة الوطنية.

 إذا كان لنا أن نفتش عن سلسلة نسب لهذه الحركة، فإنه يمكننا التذكير بأن الحركة الوحيدة التي تجعل الجميع يشعرون فيها بأنها لن تكون أبدا حليفا في جوهرها ومنطلقاتها هي الحركة القومية.

وربما كان ذلك بسبب التوترات أو الصراعات في وقت تأسيسهما، وربما بسبب الخلافات الشخصية بينهما، فقد كان الطرف الآخر لهذه الحركة هو الحركة القومية. وفي المناخ السياسي في السبعينيات من القرن العشرين، وجهت منظمة غولن انتقاداتٍ عدوانية علنية لأربكان، ولم تدعم حركته السياسية قط. بل على العكس من ذلك، فقد دعمت المنظمة خصوم أربكان من أحزاب يمين الوسط أو اليسار.
هذا إلى جانب أنه في 28 شباط/ فبراير، رغم أنه كان في السلطة فقد عارض حكومة الرفاه، ولم يتردد في أن يقف إلى جانب التحالف الانقلابي. وهكذا ظهرت حقيقة الدور الذي لعبه في توجيه هذا الانقلاب في مراحل عديدة في وقت لاحق.
ومن الواضح الآن أن أولئك الذين لعبوا أدوارا قيادية في الشرطة ومواقع الإعلام في حوادث على كالكانجي الشهيرة ومسلم غوندوز وفاطمة شاهين، كانوا من بين أولئك الذين اعتقلوا وأدينوا لاحقا.
ومع ذلك، فإن حقيقة ظهور حزب العدالة والتنمية والحركة معا لفترة من الزمن، كانت إلى حد كبير نتيجة لقدرة منظمة غولن البالغة من العمر 50 عاما على الاقتراب من الدوائر الحكومية. وعلى الصعيد الآخر حينما وصلت مجموعة من الحركة القومية إلى السلطة، رغم عدم رغبة المنظمة في ذلك، فقد تسلل حَذِرا في المقام الأول، ووضع خطة استيلاء شاملة في مظهر من مظاهر العقلية الاستراتيجية التي كان يتبعها منذ النشأة. مثلما كان أسلوبه في التعامل مع حزب العدالة والتنمية في الفترات المبكرة يرجع بالكامل إلى حقيقة أنه لم يكن لديه بديل أو خيار سياسي آخر. فقد استتبت الأمور وظل حزب العدالة والتنمية في السلطة بمفرده وحقق نجاحات غير مسبوقة، ولم يكن واضحا أنه من الممكن الإطاحة به في وقت قصير سواء بالخيارات السياسية أو بالمؤامرات. وفي الوقت نفسه كان لدى منظمة غولن  علاقات وارتباطات وأعمال يتعين تنفيذها مع الحكومة وكانت مُلزمة لحزب العدالة والتنمية، لكنها لا تزال تتطلع إلى استثمار هذا الالتزام والخروج منه بأعلى ربح كما هو الحال دائمًا.

الذين يسقطون في شباك الفخ الذي نصبوه بأنفسهم، يقولون من نصب ذلك الفخ ومع ذلك، فإن سنة الله في كونه ثابتة في أن يؤدي النفاق وعدم الإخلاص والمساومات والأجندات الخفية والحسابات سيئة الغايات إلى سرعة فتح أبواب الصراع والشقاق.  ففي الواقع، بدأت التوترات العلنية الأولى مع مؤتمر دافوس ثم مع حادثة مافي (mavi) مرمرة. ثم ما لبثت بعد ذلك أن بدأت الألاعيب التي جرت بعد استفتاء 2010 في كشف الستار عما تخفيه نوايا التنظيم. ففي 7 فبراير/شباط، منذ أن استدعي وكيل وزارة الاستخبارات للإدلاء بشهادته، بدأ الرئيس في عرض المخططات التي من شأنها أن تضرب الهيكل في أكثر المواقع حساسية:

مسألة قاعات المحاضرات:

في الواقع، أظهرت هذه المشكلة كيف أن الفحص الكامل للتنظيم قد تم على أكمل وجه؛ لأن الفصول الدراسية كانت عبارة عن أموال وموارد بشرية للتنظيم، وهذا يشير إلى تراكم مؤسسي تنظيمي مدته 50 عامًا. ولأول مرة، امتلك أردوغان الشجاعة لمواجهة تنظيم لم يجرؤ أي حزب سياسي على لمسه، لأنه لو أقدم على فعل ذلك، لما كانت حياته السياسية قادرة على دعمه فيما يرمي إليه. وبفضل ذلك القلب الجسور، شرعت تركيا في طريق التطهر من التنظيم الذي جثم على صدر البلاد طوال خمسين عاما بما يشبه الغرغرينا.

وبطبيعة الحال، لم يكن من السهل التخلص من مؤسسي التنظيم المنتشر في أرجاء الدولة، فقد كان ذلك مزعجا للغاية، لكن ردود الفعل المتغطرسة والمتعجرفة من منظمة غولن  نفسها جعلت مسألة تفتيتها سهلة نسبيا.

إن محاولة الانقلاب في 15 تموز/يوليو، التي أوقفتها رحمة الله ثم الموقف النبيل والجسور لقلب الأمة الشجاعة، قد مهدت الطريق لتصفية حسابات ظلت فعاليتها لمدة طويلة.

وهكذا فإن الذين كانوا على موعد مع مواجهة كيد ربنا القدير ورميه سبحانه وتعالى المُقدَّر عليهم حينما نصبوا الفخاخ، وفوجئوا بما عانوا منه واندهشوا لمَّا رأوا أعمالهم حسرات عليهم ويعود وبالها عليهم، فإنهم يكيدون ويكيد الله لهم.

ومع ذلك، فإن ما حدث لم يكن سوى ما فعلوه بأنفسهم وما قدمته أيديهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق