السبت، 30 يوليو 2022

العودة إلى مكة!

 العودة إلى مكة!

د. عبد العزيز كامل 

إذا كانت الهجرة من مكة الى المدينة قد مثلت في التاريخ الإسلامي تحولا عظيما..فإن ( العودة إلى مكة) بعد ثماني سنوات من الهجرة قد سماها الله فتحا مبينا.. فلا هجرة كاملة ..إلا إذا جاء بعدها نصر الله والفتح..ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا..
..غير أني لا أقصد بعنوان “العودة إلى مكّة” ذلك الفتح المبين، ولكني أقصد به عنوانا آخر لكتاب صدر منذ سنوات قليلة، ألّفه المؤرخ الصّهيونيّ ، والضابط السابق في جهاز الاستخبارات الإسرائيلية “ آفي ليبكين” ، تحت هذا العنوان : ( العودة إلى مكة ) وهو يقصد عودة اليهود إليها باعتبارها _كما يدعي _ أرضا داخلة ضمن حدود “مملكة داود”، التي ترمز إليها النجمة السداسية التي ترفرف على الأعلام الإسرائيلية، وهي المملكة المعبر عنها في عصرنا ب( إسرائيل الكبرى ) وتضمّ في دعواهم إلى جانب كامل الأراضي الفلسطينية أجزاء كبيرة من الأردن وسوريا ولبنان والعراق ومصر والسعودية ..
.. هذا الكتاب يمثّل تطوّرا مروعا ومفزعا في الأحلام المشتركة بين الصّهيونيتين_ اليهودية والنصرانية _ في عصر العلو الكبير والأخير لبني إسرائيل..فما القصة..؟
..القصة أن ذلك الكتاب يدعو إلى إحلال النفوذ اليهودي محل الوجود الإسلامي في أم القرى، ولذلك يحمل الكتاب على غلافه صورة ساحة المسجد الحرام، وفي وسطه بدل الكعبة صورة “التفيلين” اليهوديّ ، وهو عبارة عن مكعّب أسود يقدسه اليهود، ويضعون داخله بعض عبارات التوراة، وهو يشبه شكل الكعبة، ويربط بخيط أو حزام، يضعه متديّنو اليهود على جباههم ، وعلى أكتافهم عند أداء صلواتهم..
..اللافت في أمر هذا الكتاب أنّ مؤلّفه يزعم في مقابلاته الصحفية لشرح الكتاب بأنّ جبل الطّور الحقيقيّ الذي كلّم الله فيه نبيّه موسى عليه السّلام وأنزل عليه الوصايا العشر هو (جبل اللّوز) الموجود في محافظة تبوك في شمال الأراضي السّعوديّة، وليس هو جبل موسى المعروف في سيناء بمصر..!
وللعلم فإن المنطقة التي بها هذا الجبل بمحافظة تبوك، هي ذات المنطقة التي أطلق فيها محمد بن سلمان ما أسماه ( مشروع نيوم) اي المستقبل الجديد، وهي التي أعلن فيها مؤخرا مشروع مدينة (ذا لاين) حيث يبالغ ابن سلمان في التطاول في البنيان هناك ، فيقرر أن تكون مباني تلك المدينة أعلى من أعلى المبانى في العالم .. ليحشر فيها مالا يقل عن تسعة ملايين..نصفهم غير مواطنين..!!
..يدعو مؤلف(العودة الى مكة ) اليهود والنّصارى لأن يتعاونوا للسيطرة على أرض هذا الجبل، ولا يكتفي بهذا؛ بل يدّعي أنّ أرض الميعاد تصل إلى مكّة المكرّمة وفق ما فهمه من نصوص التوراة ، وقد دأب الكاتب على الظّهور في الفضائيات الدينية التابعة لمنظمات المسيحية الصهيونية في أمريكا، داعيا إلى تشكيل حلف مسيحي صهيوني لتخطيط وتنفيذ مشروع تقسيم السعودية، لينتهي الأمر إلى الهيمنة على مكة بعد تدويل الحرمين، ويوصي صراحة بالاستفادة من الحركات والميلشيات الشيعية حول الجزيرة العربية، والمدعومة من إيران، والتي تستهدف تطويق الجزيرة العربية من أطرافها الأربعة، ونصب عينها الاستيلاء في النهاية على مكّة والمدينة..!
★..والكاتب يدعو صراحة إلى توظيف العقائد الشيعيّة في ( العودة إلى مكة ) حيث لا يخفي الشيعة غرضهم منذ قامت ثورتهم في "تحرير" الحرمين من أهل السنة الذين يصفونهم ب "النواصب" أعداء آل البيت، والكاتب يجسد بذلك الهدف المشترك بين اليهود والشيعة في الوصول إلى المزيد من إذلال أهل السنة الممثلين لجمهور الأمة؛ في أعز ما يتشرفون به، وهو استقبال بيت الله المحرم في المناسك والصلوات والدعوات..
..العجيب أن كل أعداء الأمة يتذرعون في دعاوى السيطرة على أراضي الحرمين والقدس الشريف؛ بمواجهة ما يصفونه بالمد العالمي للإسلام السني الأصولي في العقود الأخيرة..
والأعجب من ذلك أن من أعانهم ولايزال يعينهم على التصدي لهذا المد.. هم من يحملون ألقابا ومهمات مثل ( خادم الحرمين) في المملكة السعودية و(رئيس لجنة القدس) في المملكة المغربية، و رئاسة ( دائرة أوقاف القدس) في المملكة الأردنية ..!!..إضافة إلى ادوار الكثير من المسؤولين ؛ في " الجمهوريات الملكية " عديمة المسؤولية..
.. تكررت كثيرا نداءات النذير كي تتدارك الجماهير الخطر اليهودي الماحق (قبل أن يهدم الأقصى).. وتكررت بعدها صيحات التحذير من المكر الشيعي المتصاعد ( حتى لايستباح الحرم).. فهل سيحتاج الأمر إلى التداعي لتأمين البلد الأمين من خطر التعاون بين شر البرية على الكعبة أقدس مقدسات الأمة الإسلامية..؟!
واضح أن موضوع صراعات المستقبل المنظور سيكون عنوانه ( حرب المقدسات) فنسأل الله الثبات حتى الممات ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق