قراءة في كتاب بدعة إعادة فهم النص
اسم الكتاب:بدعة إعادة فهم النص
اسم المؤلف : محمد صالح المنجد
يرفع راية التحريف للنصوص الشرعية في عصرنا الراهن في واقع من الكتاب والمفكرين تحت شعارات مختلفة يجمعها جامع المطالبة بتحريف دين الله ،وإعادة الإسلام ليتوافق مع الواقع ، فمرة يرفعون ، شعار تجديد الفكر الإسلامي ، واليوم يدعون إلى تعدد القراءات يطالبون بإعادة قراءة النص الشرعي ليخرجوا لنا بقراءة جديدة للإسلام تتواكب مع تطورات الحياة ومتغيرات العصر
قراءة وتعريف بدعة إعادة فهم النص
الدرر السنية
التعريف بموضوع الكتاب:
إن التلاعب بالنص الشرعي تحريفاً وتأويلاً معركة قديمة
جديدة بدأت بذورها في صدر الإسلام الأول واستمرت عبر العصور حتى وصلت إلينا بلباس جديد متحضر يتقمصه فئام من الكتاب والمفكرين تحت شعارات مختلفة ودعوات متباينة يجمعهم هدف واحد هو التطاول على شرع الله عز وجل، وتأويل النصوص الشرعية إلى غير ما شرعت له بحجة تجديد الفكر الإسلامي والخطاب الديني .. فجاء هذا الكتاب ( بدعة إعادة فهم النص) ليبين أن النصوص التي فهمها الصحابة ومن سار على نهجهم لابد أن يفهمها كل مسلم في كل زمان ومكان؛ فيسلّم للنصوص الشرعية تسليما تامًّا، ولا يُعمل عقله أو فكره في صرفها عن ما جاءت به وله.
وبالجملة.. فقد تناول الكتاب عدة نقاط في بيان بدعة إعادة فهم النص، ابتدأها المؤلف بتمهيد يبين فيه نشأة هذه البدعة العظيمة، وكون الخوارج أول من أشعل فتيلها في الأمة، وأنها لا تزال باقية إلى زماننا هذا؛ مع ذكر الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة على ذلك.
ثم عرّج المؤلف على ذكر أهمية التسليم للنصوص الشرعية وتلقيها بالقبول؛ مبيّنًا معنى التسليم، وأن المؤمن الحق من يكون كامل الانقياد والإذعان لكلام الله سبحانه وتعالى وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر على ذلك نماذج عديدة من تسليم سلف الأمة للنصوص الشرعية.
وفي المقابل – كما عطف بعد ذلك صاحب الكتاب- يوجد مواقف للمعادين للنصوص الشرعية والمغيّرين لفهمها، وأكبر مثال على ذلك: مانعوا الزكاة في عهد الصديق رضي الله عنه، ثم من حذا حذوهم من الباطنية والمعتزلة والفلاسفة وبعض غلاة الصوفية.
كما قام المؤلف ببيان خطر الدعوات المنادية بإعادة فهم النص الشرعي، وبيان الأسس التي بنيت عليها هذه الدعوات؛ مشيرًا في عنوان مستقل إلى النتائج الخطيرة للقراءة المعاصرة لنصوص الشرع.
ثم ذكر أسلوب أصحاب القراءة الجديدة للنصوص ومصطلحاتهم الغريبة المتشدقة، وشيئاً من طرقهم الشائعة في كتبهم ومصنفاتهم، ثم أصول وقواعد أهل السنة في فهم النصوص، من تمسّك بها لم تزل قدمه أو يضل فهمه، ثم من يُرجع إليه عند اختلاف الأفهام، ومن المؤهل لفهم النصوص الشرعية.
واختتم كتابه بتوجيهات عامة في هذا الباب.
في عالمنا الإسلامي اليوم، ثمة عمل يجري بشكل حثيث من قبل أشخاص عديدين ينتسبون للإسلام، على إفراغ نصوص الشريعة من معانيها، لتحميلها معاني مستحدثة، توافق أهواءهم، ولا تكترث بنسفها لمقتضيات اللغة التي تنطق بها تلك النصوص، وتتنكر للفهم الذي استقر عليه المسلمون عبر القرون، ولا سيما أولئك الذين عاشوا زمن نزول الوحي، وتلقوه غضا طريا. ولأن الأمر خطير، والحملة مسعورة شرسة، فلا بد من التصدي لها؛ وتلك مهمة يسعى كتاب "بدعة إعادة فهم النص" للشيخ محمد صالح المنجد للمساهمة فيها.
وتنطلق الظاهرة من إدراك المغرضين وأصحاب الهوى أن الله قد تكفل بحفظ نصوص الوحيين: القرآن والسنة، فهي تتلى على مسامع الأمة صباح مساء، ولذلك لم يكن لهؤلاء من مدخل يدخلون منه إلا تحريف معاني ودلالات النصوص الشرعية.
والحقيقة أن الذي نراه اليوم ليس جديدا تماما، فمن تأمل تاريخ البدع والانحرافات علم أن أكثر ضلال المنتسبين للإسلام لم يأت من جحد الوحي، وإنما من تأويل معانيه على غير مراد الله ورسوله، وهنا ينقل صاحب الكتاب قول بشر المريسي: "ليس شيء أنقض لقولنا من القرآن، فاقرؤوا به في الظاهر، ثم صرفوه بالتأويل". وباب التأويل باب عريض دخل منه الزنادقة لهدم الإسلام، فحرّفوا النصوص، وصرفوها عن ظواهرها، وحمّلوها من المعاني ما يشتهون.
لقد حرّف الضالون الواجبات، فصرّفوها عن وجهها، وهونوا على أتباعهم رميها وراء ظهورهم، وأولوا المحرمات تأويلا جرّأ العصاة على ارتكابها والوقوع فيها، وأولوا نصوص الصفات تأويلا أضعف صلة العباد بربهم، وأفقد النصوص هيبتها، إذ جعلها لعبة في أيدي المسؤولين.
وقد عرف المسلمون خلال التاريخ فرقا وأفرادا سلكوا مسلك تحريف النصوص عن معناها، وتأويلها تأويلا يتوافق مع أفكارهم المنحرفة، كالمعتزلة والخوارج والفرق الباطنية وبعض المتصوفة، ففسر القرامطة الصلاة بصلة الداعي إلى دار السلام، وفسّر باطنية الفلاسفة الملائكة والشياطين بقوى النفس الطيبة والخبيثة، والمعتزلة فسروا قوله تعالى: "وكلّم الله موسى تكلیما" أي: جرحه بأظفار المحن ومخالب الفتن، وبعض غلاة الصوفية فسروا قوله تعالى: "واعبد ربك حتى یأتیك الیقین" أي: حتى تبلغ درجة معينة في الاقتراب منه، فإذا وصلتها فقد ارتفع عنك التكليف؛ وقائمة الأمثلة على ما حصل في الماضي تطول.
والفتنة التي تظهر في هذا العصر محيية منهج الباطنية القدامى بصورة عصرية حداثية، هي الدعوة إلى إعادة قراءة النص الشرعي قراءة جديدة، تكون بزعمهم متواكبة مع تطورات الحياة المعاصرة ومتناسبة معها.
وتهدف هذه القراءة الجديدة إلى مراجعة شاملة للنصوص الشرعية كافة، فهي قراءة لا يستعصي عليها شيء من أصول الدين وفروعه، بل حتى قضية التوحيد في الإسلام قابلة للتأويل والقراءة الجديدة.
وتقود هذه القراءة الجديدة إلى تحريف معاني القرآن والسنة، ومناقضة قطعيات الشريعة، بل مصادمة الأصول المقررة الثابتة.
وتأتي خطورة هذا الاتجاه من ناحيتين:
أولاهما أن هذه الدعوة قامت على أيدي أناس يتظاهرون بالانتماء لهذا الدين، وبالتالي تقوم على التغيير من داخل البيت الإسلامي الحقيقي. وقد حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح رواه البخاري ومسلم من "دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم قذفوه فيها"، ووصفهم لحذيفة بن اليمان رضي الله عنه بأنهم "قوم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا". والذين نراهم اليوم يستشهدون بالنصوص نفسها التي نستشهد بها ولا يجحدونها، لكن يفسرونها تفسيرا مغايرا لتفسير السلف الصالح.
أما الناحية الثانية فهي أن هذه الظاهرة بدأت تتنامى في عالمنا الإسلامي اليوم، ويكثر دعاتها الذين يتلقون دعما إعلاميا واضحا، وهم متشبعون بمذاهب فلسفية غربية، ويرومون إخضاع نصوص الشريعة لمعطيات هذه المذاهب.
وهذه الدعوة دعوة قديمة جديدة، فهي قديمة لوجود جذور تاريخية لها، وجديدة لأنها تقوم على أسس وقواعد وتأصيلات منهجية لهذا المنحى الباطل.
وقد حمل هذا الاتجاه شعار "التحديث والعصرنة للإسلام"، وهذا يشير إلى الرغبة في مسايرة الواقع، والافتتان بالحياة الغربية، والتأثر بمدارسها الفلسفية وطروحات جامعاتها، مع ضغوط الأعداء، والجهل بالشريعة، فذلك كله كان سببا في ظهور هذه المدرسة التحريفية.
ولمدرسة "الباطنية الجدد" أسس ومبادئ قامت عليها، وتسعى لنشرها والترويج لها في كافة الوسائل المتاحة. ومن أهم هذه الأسس القول بالظنية المطلقة لدلالة النص الشرعي، إذ يقرر أصحاب هذه المدرسة أن النصّ الشرعي لا يحتمل معنى واحدا فقط، بل هو مفتوح على احتمالات لمعانٍ عديدة، ويأتي مرتبطا بذلك إهدارهم لفهم علماء الأمة للنصوص الشرعية، وكون هذا الفهم غير ملزم لهم. كما أنهم يقولون بتاريخية النص الشرعي، ومعنى ذلك أن ما تضمنته النصوص الشرعية من أوامر ونواه كانت موجهة إلى الناس الموجودين في زمن نزول الوحي، أو كانت حالهم تشبه حال من نزل عليهم القرآن، وأما من جاء بعدهم وعاش واقعا غير واقعهم فلا يشمله -بحسب رأي أولئك- النص الشرعي.
ولهذه القراءة المعاصرة نتائج خطيرة، منها نزع الثقة في مصدر الدين قرآنا وسنة من النفوس، وإلغاء الفهم الصحيح للدين، وإلغاء العمل بالقرآن الذي نزل ليكون مرجعا ومنهاجا للناس، لأنّ كل إنسان -بحسب دعواهم- سيأخذ منه فهما مغايرا لفهم الآخر، مما ينتج عنه ألا يكون هناك قانون عام يحتكم إليه جميع الناس، وبالنتيجة سينشأ عن هذه القراءة الجديدة دين يمكن أن يسمى أي شيء إلا الإسلام.
وهؤلاء العابثون بالدين لا يضعون حدودا لعبثهم، وقد وصل عبثهم إلى ركن الإسلام الركين: الشهادتين، وهنا ينقل الشيخ المنجد عن حسن حنفي اعتباره أن الشهادتين ليستا إعلانا لفظيا عن الألوهية والنبوة، بل الشهادة النظرية والشهادة العملية على قضايا العصر وحوادث التاريخ.
وينقل صاحب الكتاب أقوالا وآراء غاية في الغرابة لبعض المنتمين لمدرسة القراءة الجديدة، مثل محمد أركون ومحمد شحرور وغيرهما. فالصلاة عندهم مسألة شخصية وليست واجبة، وقد فرضت أصلا لتليين عريكة العربي، وتعويده على الطاعة للقائد، وتغني عنها رياضة اليوغا. والزكاة والصوم عندهم أيضا ليس لهما حكم الوجوب، وإنما هما للتخيير. أما الحج فليس من الضروري أن يقام بطقوسه المعروفة، إذ يغني عنه الحج العقلي أو الروحي. ولهم غير ذلك الكثير من الأقوال التي تريد العبث بأحكام الإسلام في الإرث والأسرة والخمر والزنا، ومعاني الإسلام والإيمان والشرك والتوحيد، وحقائق الغيب.
ويلاحظ مؤلف الكتاب سلوك البعض من هؤلاء حين يضيق عليهم الخناق في النقاش من القول بأن: الدين ملك للجميع، فليس لأحد أن يدعي حق احتكار تفسيره وفرضه على الناس، لأنه لا يوجد في الإسلام بابوية ولا كهنوتية؛ وهذه كلمة حق أريد بها باطل.
فالحق أن الدين من حيث تطبيقه والعمل بأحكامه ليس خاصا بأحد، أما الباطل فهو إخضاع تفسير نصوصه لرغبة كل إنسان وهواه، بحيث يؤول نصوصه بحسب التشهي الذي يريده، لأن هذا يجرّ إلى تمزيق الأمة، وجعل النصوص ألعوبة بيد غير المؤهلين لاستنباط الأحكام.
وضمن توجيهات عامة يقدمها لنا محمد صالح المنجد في الفصل الأخير من كتابه، يذكرنا بأن الفتنة عظيمة، وخطرها جسيم، وأعظم ما ينجي الناس من الفتن صدق الالتجاء إلى الله تعالى، وسؤاله النجاة منها. ومن هذا الباب كان الدعاء بالوقاية من الزيغ.
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هدیتنا
واختتم كتابه بتوجيهات عامة في هذا الباب.
نسأل الله أن يجزي الكاتب على جهده وبذله لبيان هذه البدعة..
قراءة وتعريف :عبد المطلب علاء الدين
باب التأويل باب عريض دخل منه الزنادقة لهدم الإسلام، فحرّفوا النصوص، وصرفوها عن ظواهرهافي عالمنا الإسلامي اليوم، ثمة عمل يجري بشكل حثيث من قبل أشخاص عديدين ينتسبون للإسلام، على إفراغ نصوص الشريعة من معانيها، لتحميلها معاني مستحدثة، توافق أهواءهم، ولا تكترث بنسفها لمقتضيات اللغة التي تنطق بها تلك النصوص، وتتنكر للفهم الذي استقر عليه المسلمون عبر القرون، ولا سيما أولئك الذين عاشوا زمن نزول الوحي، وتلقوه غضا طريا. ولأن الأمر خطير، والحملة مسعورة شرسة، فلا بد من التصدي لها؛ وتلك مهمة يسعى كتاب "بدعة إعادة فهم النص" للشيخ محمد صالح المنجد للمساهمة فيها.
وتنطلق الظاهرة من إدراك المغرضين وأصحاب الهوى أن الله قد تكفل بحفظ نصوص الوحيين: القرآن والسنة، فهي تتلى على مسامع الأمة صباح مساء، ولذلك لم يكن لهؤلاء من مدخل يدخلون منه إلا تحريف معاني ودلالات النصوص الشرعية.
والحقيقة أن الذي نراه اليوم ليس جديدا تماما، فمن تأمل تاريخ البدع والانحرافات علم أن أكثر ضلال المنتسبين للإسلام لم يأت من جحد الوحي، وإنما من تأويل معانيه على غير مراد الله ورسوله، وهنا ينقل صاحب الكتاب قول بشر المريسي: "ليس شيء أنقض لقولنا من القرآن، فاقرؤوا به في الظاهر، ثم صرفوه بالتأويل". وباب التأويل باب عريض دخل منه الزنادقة لهدم الإسلام، فحرّفوا النصوص، وصرفوها عن ظواهرها، وحمّلوها من المعاني ما يشتهون.
لقد حرّف الضالون الواجبات، فصرّفوها عن وجهها، وهونوا على أتباعهم رميها وراء ظهورهم، وأولوا المحرمات تأويلا جرّأ العصاة على ارتكابها والوقوع فيها، وأولوا نصوص الصفات تأويلا أضعف صلة العباد بربهم، وأفقد النصوص هيبتها، إذ جعلها لعبة في أيدي المسؤولين.
وقد عرف المسلمون خلال التاريخ فرقا وأفرادا سلكوا مسلك تحريف النصوص عن معناها، وتأويلها تأويلا يتوافق مع أفكارهم المنحرفة، كالمعتزلة والخوارج والفرق الباطنية وبعض المتصوفة، ففسر القرامطة الصلاة بصلة الداعي إلى دار السلام، وفسّر باطنية الفلاسفة الملائكة والشياطين بقوى النفس الطيبة والخبيثة، والمعتزلة فسروا قوله تعالى: "وكلّم الله موسى تكلیما" أي: جرحه بأظفار المحن ومخالب الفتن، وبعض غلاة الصوفية فسروا قوله تعالى: "واعبد ربك حتى یأتیك الیقین" أي: حتى تبلغ درجة معينة في الاقتراب منه، فإذا وصلتها فقد ارتفع عنك التكليف؛ وقائمة الأمثلة على ما حصل في الماضي تطول.
والفتنة التي تظهر في هذا العصر محيية منهج الباطنية القدامى بصورة عصرية حداثية، هي الدعوة إلى إعادة قراءة النص الشرعي قراءة جديدة، تكون بزعمهم متواكبة مع تطورات الحياة المعاصرة ومتناسبة معها.
وتهدف هذه القراءة الجديدة إلى مراجعة شاملة للنصوص الشرعية كافة، فهي قراءة لا يستعصي عليها شيء من أصول الدين وفروعه، بل حتى قضية التوحيد في الإسلام قابلة للتأويل والقراءة الجديدة.
وتقود هذه القراءة الجديدة إلى تحريف معاني القرآن والسنة، ومناقضة قطعيات الشريعة، بل مصادمة الأصول المقررة الثابتة.
وتأتي خطورة هذا الاتجاه من ناحيتين:
أولاهما أن هذه الدعوة قامت على أيدي أناس يتظاهرون بالانتماء لهذا الدين، وبالتالي تقوم على التغيير من داخل البيت الإسلامي الحقيقي. وقد حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح رواه البخاري ومسلم من "دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم قذفوه فيها"، ووصفهم لحذيفة بن اليمان رضي الله عنه بأنهم "قوم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا". والذين نراهم اليوم يستشهدون بالنصوص نفسها التي نستشهد بها ولا يجحدونها، لكن يفسرونها تفسيرا مغايرا لتفسير السلف الصالح.
أما الناحية الثانية فهي أن هذه الظاهرة بدأت تتنامى في عالمنا الإسلامي اليوم، ويكثر دعاتها الذين يتلقون دعما إعلاميا واضحا، وهم متشبعون بمذاهب فلسفية غربية، ويرومون إخضاع نصوص الشريعة لمعطيات هذه المذاهب.
وهذه الدعوة دعوة قديمة جديدة، فهي قديمة لوجود جذور تاريخية لها، وجديدة لأنها تقوم على أسس وقواعد وتأصيلات منهجية لهذا المنحى الباطل.
وقد حمل هذا الاتجاه شعار "التحديث والعصرنة للإسلام"، وهذا يشير إلى الرغبة في مسايرة الواقع، والافتتان بالحياة الغربية، والتأثر بمدارسها الفلسفية وطروحات جامعاتها، مع ضغوط الأعداء، والجهل بالشريعة، فذلك كله كان سببا في ظهور هذه المدرسة التحريفية.
ولمدرسة "الباطنية الجدد" أسس ومبادئ قامت عليها، وتسعى لنشرها والترويج لها في كافة الوسائل المتاحة. ومن أهم هذه الأسس القول بالظنية المطلقة لدلالة النص الشرعي، إذ يقرر أصحاب هذه المدرسة أن النصّ الشرعي لا يحتمل معنى واحدا فقط، بل هو مفتوح على احتمالات لمعانٍ عديدة، ويأتي مرتبطا بذلك إهدارهم لفهم علماء الأمة للنصوص الشرعية، وكون هذا الفهم غير ملزم لهم. كما أنهم يقولون بتاريخية النص الشرعي، ومعنى ذلك أن ما تضمنته النصوص الشرعية من أوامر ونواه كانت موجهة إلى الناس الموجودين في زمن نزول الوحي، أو كانت حالهم تشبه حال من نزل عليهم القرآن، وأما من جاء بعدهم وعاش واقعا غير واقعهم فلا يشمله -بحسب رأي أولئك- النص الشرعي.
ولهذه القراءة المعاصرة نتائج خطيرة، منها نزع الثقة في مصدر الدين قرآنا وسنة من النفوس، وإلغاء الفهم الصحيح للدين، وإلغاء العمل بالقرآن الذي نزل ليكون مرجعا ومنهاجا للناس، لأنّ كل إنسان -بحسب دعواهم- سيأخذ منه فهما مغايرا لفهم الآخر، مما ينتج عنه ألا يكون هناك قانون عام يحتكم إليه جميع الناس، وبالنتيجة سينشأ عن هذه القراءة الجديدة دين يمكن أن يسمى أي شيء إلا الإسلام.
وهؤلاء العابثون بالدين لا يضعون حدودا لعبثهم، وقد وصل عبثهم إلى ركن الإسلام الركين: الشهادتين، وهنا ينقل الشيخ المنجد عن حسن حنفي اعتباره أن الشهادتين ليستا إعلانا لفظيا عن الألوهية والنبوة، بل الشهادة النظرية والشهادة العملية على قضايا العصر وحوادث التاريخ.
وينقل صاحب الكتاب أقوالا وآراء غاية في الغرابة لبعض المنتمين لمدرسة القراءة الجديدة، مثل محمد أركون ومحمد شحرور وغيرهما. فالصلاة عندهم مسألة شخصية وليست واجبة، وقد فرضت أصلا لتليين عريكة العربي، وتعويده على الطاعة للقائد، وتغني عنها رياضة اليوغا. والزكاة والصوم عندهم أيضا ليس لهما حكم الوجوب، وإنما هما للتخيير. أما الحج فليس من الضروري أن يقام بطقوسه المعروفة، إذ يغني عنه الحج العقلي أو الروحي. ولهم غير ذلك الكثير من الأقوال التي تريد العبث بأحكام الإسلام في الإرث والأسرة والخمر والزنا، ومعاني الإسلام والإيمان والشرك والتوحيد، وحقائق الغيب.
ويلاحظ مؤلف الكتاب سلوك البعض من هؤلاء حين يضيق عليهم الخناق في النقاش من القول بأن: الدين ملك للجميع، فليس لأحد أن يدعي حق احتكار تفسيره وفرضه على الناس، لأنه لا يوجد في الإسلام بابوية ولا كهنوتية؛ وهذه كلمة حق أريد بها باطل.
فالحق أن الدين من حيث تطبيقه والعمل بأحكامه ليس خاصا بأحد، أما الباطل فهو إخضاع تفسير نصوصه لرغبة كل إنسان وهواه، بحيث يؤول نصوصه بحسب التشهي الذي يريده، لأن هذا يجرّ إلى تمزيق الأمة، وجعل النصوص ألعوبة بيد غير المؤهلين لاستنباط الأحكام.
وضمن توجيهات عامة يقدمها لنا محمد صالح المنجد في الفصل الأخير من كتابه، يذكرنا بأن الفتنة عظيمة، وخطرها جسيم، وأعظم ما ينجي الناس من الفتن صدق الالتجاء إلى الله تعالى، وسؤاله النجاة منها. ومن هذا الباب كان الدعاء بالوقاية من الزيغ.
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هدیتنا
نسخة صوتية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق