الجمعة، 15 يوليو 2022

مصر ليست سريلانكا .. مصر ليست مصر وائل قنديل

 مصر ليست سريلانكا .. مصر ليست مصر

وائل قنديل

مصحف بالذهب على حوائط مسجد في بلد يتسوّل المساعدات


قال رئيس حكومة نظام الجنرال عبد الفتاح السيسي، مصطفى مدبولي، إنّ مصر أرخص دول العالم في أسعار الوقود، مبرّرًا الزيادة الجديدة في أسعار البنزين والسولار، والتي ستجرّ معها أسعار كلّ شيء في مصر إلى الأعلى.

ولكن مدبولي لم يخبر المصريين الذين يكتوون بنيران الغلاء بجرعات دورية منتظمة ثمنًا لحصول النظام الحاكم على رضا صندوق النقد الدولي، عن واحدةٍ من أرخص الدول، تخصّص عشرات الملايين من الدولارات للإنفاق على مزاج الحاكم، بإقامة مشروعاتٍ لا تهدف إلى تحسين حياة الأغلبية المطحونة، وإنما الهدف منها تعظيم فرص ثراء الأقلية المتحكّمة في كلّ شيء.

هل يمتلك هذا المدبولي الشجاعة، لكي يكلّم الجماهير التي تصرخ من توّحش الغلاء عن الأسباب التي تدفع نظامًا يتسوّل المنح والمساعدات والقروض لكي ينفق مئات الملايين من الجنيهات لطباعة صفحات القرآن الكريم بالذهب الخالص على حوائط مسجد مقام على مساحة 116 فدانًا، وتبلغ مساحة صحنه 9500 متر مربع، على الطراز المملوكي؟

دولة تستدين وتقترض وتتسول وتبيع الجزر الاستراتيجية، وتؤجّر نفسها للعدو التاريخي لشعبها، محطة لبيع الغاز المسروق من فلسطين، هل تملك رفاهية طباعة صفحات المصحف الشريف، كاملًة، بالذهب الخالص على حوائط مسجد جديد بالعاصمة الإدارية، أمر السلطان الحاكم ببنائه، ليقول للعالم إن لديه أعلى مئذنة في الشرق الأوسط، وأكبر مسجد أرضياته مصنوعةٌ من رخامٍ مستوردٍ من اليونان، مثل ذلك الذي صنعت منه أرضيات الحرم المكي؟.

 مسجد مصر، الذي أنشأه جنرال البذخ السفيه في العاصمة الإدارية، على مسافة قصيرة من مسجد "الفتاح العليم" الذي قالوا عنه لدى بنائه إن الأضخم والأفخم، يمثّل منتهى الجنون في الإنفاق على ما لا لزوم له، في وقتٍ تتخلّى فيه الدولة عن واجباتها تجاه المواطن، وتتركه نهبًا لغول الغلاء المنطلق من فوهة صندوق النقد الدولي، إذ تشير التقديرات إلى أن كلفته الكلية تبلغ نحو مليار جنيه مصري، وأزعم أن هذه التقديرات تبقى متواضعةً للغاية بعد أن حصلت على صور، أظنها الأولى التي تنشر، من داخل قاعات المسجد، بالنظر إلى أن الصور المتداولة كلها هي للمسجد من الخارج وللمنطقة التي تقع فيها.

تبيّن الصور أن جدران المسجد تحمل صفحات القرآن الكريم، كاملًا، مطبوعةً بالذهب، وبترتيب الآيات والسور، في منظر أحسبه يمثل قمّة الهدر في الأموال، من دون أن يحقّق فائدة معرفية أو دينية للمتردّدين على المسجد، إذ لا يعقل أن يُقدم أحدٌ على تصفّح القرآن مطبوعًا على الحوائط، من الوضع واقفًا، بدلًا من قراءته وتلاوته بين دفّتي مصحف ورقي مكتوب.

لكنها البهرجة السفيهة وجنون العظمة والانفصال التام عن الجماهير بأوجاعها ومشكلاتها واحتياجاتها الحقيقية، والانعزال عنها في جمهوريةٍ جديدةٍ بعاصمةٍ جديدة، غير مسموح للفقراء والكادحين بدخولها، إلا للعمل في تشييد قصور الذين يمصّون دماءهم ويطحنون عظامهم.

بالعودة إلى هذه السهولة في افتراس المواطن وسحق عظامه برفع أسعار السلع الأساسية، بداية بالخبز وليس انتهاء بالبنزين والسولار، يظل هناك سؤال: لماذا بات النظام واثقًا إلى هذه الدرجة من أن الشعب قد مات، أو بالحد الأدنى بلغ حدًا من الإنهاك والإعياء جعلاه غير قادرٍ عن التعبير عن غضبه من الذين يفقرونه ويحرمونه من حقوقه الأساسية في الحياة؟

يلفت النظر أن هذه الإجراءات الاقتصادية والاجتماعية الجديدة ضد الجماهير تأتي على وقع المشاهد القادمة من سريلانكا، حيث انفجر الشعب الغاضب ضد حكّامه وجلاديه وطردهم من قصورهم وأسقطهم من عروشهم، ودخل مقرّات الحكم يلعب ويغنّي ويسبح ويعلن عن وجوده، وهي مشاهد من شأنها أن تثير القلق والخوف لدى أي نظامٍ آخر يعتمد سياسات ثابتة في الانحياز ضد الفقراء، وزيادتهم فقرًا مقابل مضاعفة ثراء الأثرياء.

هذه المشاهد السيرلانكية البليغة كان من المفترض أن تجعل النظام المصري يتوقف، ولو بشكل مؤقت، عن جلد ظهور المصريين بسياط الغلاء، غير أن العكس هو ما حدث، وكأنهم يقولون للمواطن المصري: نُدرك أنك لم تعد تملك القدرة على الاحتجاج والغضب، وإن غضبت فلن تعلن غضبك .. وكأنهم مطمئنون تمامًا إلى قتل رد الفعل لدى المواطن، فعضّوا قلبه وعضّوا رغيفه ونهشوا كبده وقطعوا لسانه، واقتادوا نخبته المفترض أنها صوته ولسانه إلى مخادع حوار وطني عبثي، البند الأول والأخير والوحيد على جدول أعماله إحكام قبضة السلطة على رقبة المواطن، والتغطية على فسادها واستبدادها، وتمرير إجراءاتها وتبرير سياساتها لمصادرة حق المواطن في العيش، بكل معانيه، بعد أن صادرت حريته وحقه في التعبير عن الألم.

عزيزي المواطن: إنهم يريدون منك أن تهتف: نموت ويحيا الوطن ولصوص الوطن وقتلة الوطن، وهم واثقون أنك لن تعترض، لأن مصر ليست سريلانكا، كما أنها ليست مصر أيضًا.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق