نظرات قرآنية حول سورة الإسراء (1)د. حاكم المطيري أستاذ التفسير والحديث
﴿سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير﴾
افتتحت سورة الإسراء بالتسبيح بأبلغ صيغة ﴿سبحان﴾ وهي مصدر معرفة دال على الحدث العظيم في حد ذاته؛ إجلالا وتعظيما لمن يستحق التنزيه مطلقا عن قيدي الزمان والفاعل والمكان، وذلك بين يدي الإخبار عن وقوع نبإ عظيم وهو (الإسراء)، وآخر على وشك الوقوع مما قضاه الله على بني إسرائيل.
تنزيه الله بصيغة المصدر الدال على التعجب والمبالغة والكمال (فعلان) ﴿سبحان﴾ أبلغ من تنزيهه بالفعل أو المصدر المشتق منه الفعل كسبحوه تسبيحا؛ لدلالة ﴿سبحان﴾ على معنى التنزيه ذاته كاسم معنى مجرد من الحدث والفاعل، وعرف هنا بالإضافة للموصول؛ فالله وحده المستحق للتنزيه استحقاقا ذاتيا.
بدأت السورة بتسبيح الله وتنزيهه؛ تعظيما له وتمجيدا وتنويها بالنبإ العظيم الذي ستتحدث عنه السورة؛ وهو الإسراء الذي كان أعظم نبإ حدث لبشر؛ حيث أسري بالنبي ﷺ وعرج به إلى السماء السابعة حتى سمع صريف الأقلام، ورأى سدرة المنتهى، وكلمه الله ﴿وهو بالأفق الأعلى.. لقد رأى من آيات ربه الكبرى﴾!
أضاف ﴿سبحان﴾ إلى الاسم الموصول (الذي) ولم يقل ﴿سبحان الله﴾؛ للتفخيم لشأن النبإ العظيم الواقع صلة للموصول؛ وهو الإسراء الذي تولاه الله سبحانه بنفسه، وكأن التعجب الذي يستحق تنزيه الله وتسبيحه لأجله لا يقتصر على ذاته؛ بل يعم فعله الذي تولاه وهو الإسراء، وعبده محمدا الذي اصطفاه ﷺ.
كان الإسراء بالنبي ﷺ من المسجد الحرام بمكة – وهو مستضعف مضطهد سنة ١١ من بعثته بعد وفاة عمه وزوجته – إلى المسجد الأقصى بالقدس ثم المعراج إلى السماء؛ إيذانا ببدء ولايته على المسجدين، وإمامته لهما، وقرب وعد الله الذي كتبه وقضاه بظهور دينه الذي ارتضاه؛ ليعم مسجدي أبي الأنبياء إبراهيم ﷺ.
كان الإسراء بالنبي ﷺ إسراءً حقيقيًا حسيًا جسديًا؛ كما قال ابن عطية في تفسيره (٣/ ٤٣٤): (وقع الإسراء في جميع مصنفات الحديث وروي عن الصحابة في كل أقطار الإسلام فهو من المتواتر بهذا الوجه، وروى جمهور الصحابة وتلقى جل العلماء منهم أن الإسراء كان بشخصه ﷺ وأنه ركب البراق من مكة ووصل إلى بيت المقدس وصلى فيه).
لم يلبث النبي ﷺ بعد الإسراء إلا ثلاث سنين حتى هاجر وأقام دولة الإسلام في المدينة، ثم عشر سنين حتى دخل مكة فاتحا ومطهرا للمسجد الحرام من شرك الجاهلية العربية، ولم تمض سبع سنين أخرى؛ حتى دخل عمر القدس والمسجد الأقصى؛ فاتحا ومطهرا له ومحررا من رجس الوثنية الرومانية؛ ليتحقق وعد الله!
لم يكن يلوح في الأفق السياسي ليلة أسري بالنبي ﷺ وحين نزلت سورة الإسراء بمكة ما ينبئ عن قرب تحول عالمي سيقضي على إمبراطورية فارس وقيصر في آن واحد، وعلى يد رجل مستضعف بمكة هو وأصحابه لا يجدون من يحميهم!
وسيحدث كل ذلك في بضع سنين؛ فاستحق أن يفتتح الإخبار عن مثل هذا النبأ بالتسبيح!
حدث التغيير في العالم كله بعد حادثة الإسراء بثلاث سنين، وبدأ بظهور الإسلام وقيام دولته في المدينة، ثم فتح مكة سنة ٨ هج، ثم فتح القدس سنة ١٥ هج، وما زال الظهور يتجدد له في كل عصر كلما ضعف أهله وعادت الجاهلية؛ كما حدث بعد ذلك للمسجد الحرام تحت ولاية الباطنية والمسجد الأقصى تحت ولاية الصليبية!
المدة ما بين ظهور صلاح الدين الأيوبي وتحريره المشرق العربي وتوحيده مصر والشام والعراق وجزيرة العرب وتطهيره المسجد الحرام من رجس الفرق الباطنية سنة ٥٦٧هج وتحريره القدس وتطهير المسجد الأقصى من رجس الحملات الصليبية سنة ٥٨٣ هج؛ هي نفس المدة التي بين الإسراء من مكة قبل الهجرة بسنة، وفتح القدس سنة ١٥هج؛ لتتأكد العلاقة القدرية بين المسجدين!
أكدت السورة معجزة الإسراء بكل صور التأكيد؛ فبدأت بالتنزيه﴿سبحان﴾، وذكرت الفاعل وهو الله ﴿الذي أسرى﴾، وذكرت المُسرى به ﴿بعبده﴾ وهو النبيﷺبروحه وجسده، وزمن الإسراء ﴿ليلا﴾، ومكان البدء ﴿من المسجد الحرام﴾، ونهايته ﴿إلى المسجد الأقصى﴾، والحكمة منه﴿لنريه من آياتنا﴾..
قطعت السورة بهذه الافتتاحية وبكل صيغ التأكيد؛ كل أوهام الشك في حقيقة معجزة الإسراء، وأنه حدث للنبي ﷺ يقظة لا مناما، وبجسده ﴿أسرى بعبده﴾ لا بروحه فقط؛ فلا يطلق في اللغة على الرؤيا في النوم إسراء وهو السير بالليل، ولا على الروح عبد؛ وأكده بحرف الباء ﴿بعبده﴾ التي تفيد معية الله له!
وصف الله رسوله ﷺ في هذه الافتتاحية المعجزة بالعبودية، وأضافه إلى نفسه إضافة تشريف وتكريم ﴿أسرى بعبده﴾؛ تنويها بمقامه الذي بلغ به هذه المكانة؛ وهو كمال عبوديته، وطاعته لله، وحده لا شريك له؛ فلم يخضع لطاعة غيره ولا عبد سواه قط؛ ولمنع توهم خروجه بمعجزة الإسراء عن حد الطبيعة البشرية.
قيدت السورة زمن الإسراء وأنه ﴿ليلا﴾ والإسراء لا يكون إلا بالليل؛ لتأكيد حقيقة الإسراء نفسه؛ حتى لا يُتوهم على غير حقيقته اللغوية، ولبيان أن الحادثة كلها جرت في الليل؛ ابتداء وانتهاء وذهابا وإيابا؛ بل وفي جزء منه لا كل الليل؛ كما يفيده التنكير لليلة؛ وتؤكده قراءة ابن مسعود: (من الليل)!
جعل الله بدء الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى؛ لبيان الارتباط الوثيق بين المسجدين، وشمول الرسالة النبوية للأمتين وولايته وإمامته ﷺ وخلفائه وأمته من بعده للقبلتين؛ استجابة لدعوة أبيهم إبراهيم ﴿ومن ذريتي﴾ ﴿إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا﴾.
تحكم العلاقة بين المسجدين الحرام والأقصى سنن ربانية إيمانية؛ افتتحت من أجلها، ولبيان عظيم شأنها سورة الإسراء بالتسبيح بين يدي الحديث عن هذه العلاقة بين بيتي الله المقدسين اللذين جعلهما مهبط وحيه إلى رسله، ومحجا لعبادته وقبلة للصلاة، ومحلا لتحقق وعده وظهور دينه ﴿ليظهره على الدين كله﴾.
ظهور الإسلام على الدين كما وعد الله تجلى في:
١- فتح النبيﷺ مكة سنة ٨ للهجرة وتطهيره المسجد الحرام من رجس الوثنية العربية.
٢- ثم فتح عمر القدس سنة ١٥ وتطهيرها من الوثنية الرومانية.
٣-وتحرير صلاح الدين الأيوبي المسجدين وتطهيرهما بعد مئة عام من سيطرة الفرق الباطنية والحملات الصليبية!
كان الإسراء عام الحزن وادعى ابن حزم الإجماع على أنه قبل الهجرة بسنة، وكان فتح القدس سنة ١٥ من الهجرة، فتكون المدة من الإسراء حتى الفتح ١٦ سنة؛ وهي المدة نفسها التي تحققت لصلاح الدين منذ دخول الحجاز ومكة تحت ولايته وتطهيرها من سلطة الباطنية ٥٦٧ هج حتى تحرير القدس من الحملة الصليبية ٥٨٣ هج!
أسقطت الحملة الصليبية المعاصرة الخلافة الإسلامية العثمانية، وأسست بريطانيا على أنقاضها دولا عربية قومية جاهلية في الحجاز والعراق والشام تحت حكم شريف مكة وأولاده التي مهدت لقيام دولة يهودية تحتل القدس؛ فصار المسجدان تحت نفوذ الجاهلية اليهودية العربية بحماية صليبية؛ وعاد الإسلام غريبا!
كان اعتراف ترامب – رئيس أكبر دولة صليبية ترث الإمبراطورية الرومانية النصرانية – بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل؛ تحقيقا للنبوءة، وما أخبرت به سورة الإسراء عن بني إسرائيل والعلو الذي سيحدث لهم في المستقبل وذلك قبل حدوثه بمدة ١٤٤٠ سنة!
ولن يتحقق هذا العلو حتى يعود الإسلام غريبا كما بدأ!
افتتحت السورة بخبر الإسراء بالنبي ﷺ ﴿من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا﴾ ولم تذكر نبأ العروج به إلى السماء السابعة الذي ورد في سورة النجم حيث ﴿رأى من آيات ربه الكبرى﴾؛ لأن الإسراء بين المسجدين هو المعجزة التي يراد حصر الاهتمام بها في هذه السورة.
كانت معجزة الإسراء في حد ذاتها نبأ عظيم؛ استحق تسبيحا لله وتمجيدا يليق بجلاله؛ تنزيها له سبحانه عن أوهام العقول التي لا تحيط بقدرته علما، وعن ظنونها في نفي ما أخبر أو أوحى به إلى رسله أو إثبات ما نفاه عن نفسه، ومن ذلك؛ ما وعد به رسوله من ظهور دينه على الدين كله وأنه وارث مقامي إبراهيم.
كان الإسراء وهو السير ليلا؛ بشارة باقتراب نهاية مسيرة الدعوة النبوية بمكة ومرحلة الاستضعاف فيها؛ فليس بعد السرى ليلا إلا طلوع الفجر وبدء الاستخلاف الذي وعد الله رسوله والمؤمنين به﴿ولقد كتبنا..أن الأرض يرثها عبادي الصالحون﴾ فجاءت بيعة الأنصار بعد الإسراء، ثم الهجرة، ثم فتح مكة، فالقدس!
افتتحت سورة النحل وهي قبل الإسراء مباشرة باقتراب الوعد ﴿أتى أمر الله فلا تستعجلوه﴾ ونعت في آخرها على اليهود ما هم عليه ﴿وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك من قبل وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون﴾ وأمرت النبيﷺ ﴿أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا﴾ وبالصبر ﴿واصبر وما صبرك إلا بالله﴾ ثم جاءت الإسراء؛ وفيها توريثه ولاية المسجدين، وإمامة القبلتين، وجاءت بعدها الكهف تنعى على النصارى شركهم وتثليثهم ﴿وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا﴾.
كان اليهود والنصارى والعرب المشركون يدعون أتباعهم إبراهيم واستحقاقهم الولاية على مساجده؛ فأبطل القرآن دعواهم ﴿ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين﴾ وحصر ولايتها بالمؤمنين ﴿إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا﴾ فقط.
أبطل القرآن ولاية العرب على البيت الحرام ﴿وهم يصدون عن المسجد الحرام وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون﴾ فحصر الولاية على البيت الحرام بالمؤمنين فقط ﴿إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر﴾ فأورثهم وولاهم بالإيمان والتقوى مقام إبراهيم ومصلاه ومسجديه بمكة والقدس!
جعل الله الولاية على المسجدين الحرام والأقصى للمؤمنين حصرا إلى قيام الساعة؛ فلا تُستحق هذه الولاية عليهما بالقومية العربية أو الإسرائيلية، ولا بالوطنية؛ وإنما بالإيمان والتقوى ﴿إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله﴾ فشرف بولايتها شرعا المسلمون العرب ثم المسلمون الكرد ثم المسلمون الترك.
كل ولاية على المسجدين الحرام والأقصى بغير ولاية الإسلام والإيمان باطلة بحكم القرآن؛ فلا ولاية للمشركين ولا لليهود والنصارى ولا لأوليائهم عربا وعجما ﴿ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر.. إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر.. ولم يخش إلا الله﴾.
منذ ظهور الإسلام لم تدم ولاية غير المسلمين على المسجدين الحرام والأقصى كمشركي العرب والروم والقرامطة والباطنية والصليبية أكثر من قرن؛ كما أخبر النبي ﷺ (إن الله يبعث على رأس كل مئة سنة من يجدد لهذه الأمة أمر دينها) ولا يكون التجديد دون تطهير المسجدين وإعمارهما؛ كما تحقق لصلاح الدين.
اكتمل قرن منذ احتلت الحملة الصليبية البريطانية الفرنسية – في الحرب العالمية الأولى – المشرق العربي وخضوعه لها ووقوع مساجده ومقدساته تحت نفوذها وحمايتها، وتعيش الأمة اليوم إرهاصات بعث وتجديد؛ سينتهي بظهور الإسلام من جديد وتحرير مقدساته وتطهيرها من اليهود وحلفائهم والنصارى وأوليائهم.
افتتحت السورة بنبإ الإسراء بين المسجدين؛ المسجد الحرام والمسجد الأقصى، وأشارت إلى المعراج إلى السماء السابعة ﴿لنريه من آياتنا﴾؛ فهو الغاية من الإسراء وتركت تفصيل خبره لسورة النجم؛ حيث بلغ في عروجه ﷺ ﴿سدرة المنتهى. عندها جنة المأوى.. لقد رأى من آيات ربه الكبرى﴾ وشرعت في بيان بطلان دعوى اليهود.
كانت معجزة الإسراء إعلانا سماويا ببطلان دعوى بني إسرائيل بأحقيتهم بإبراهيم ومسجده الأقصى بالقدس، ودعوى مشركي العرب بأحقيتهم بمقامه في البيت الحرام بمكة، وشرعت السورة في بيان حقيقة الوعد المزعوم الذي يدعيه اليهود، والنبوءة بعودتهم للقدس، وسيادتهم على العالم بالنبي الذي ينتظرونه!
﴿وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل ألا تتخذوا من دوني وكيلا ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا﴾.
كشفت سورة الإسراء حقيقة الوعد الذي يدعيه اليهود ﴿وآتينا موسى الكتاب﴾ وهو التوراة التي ورد فيها الوعد بشرط ﴿ألا تتخذوا من دوني وكيلا﴾؛ فعصوا أنبياءهم وعتوا عليهم فتوعدهم الله ﴿وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب﴾ يعني أسفار كتب أنبيائهم كأشعيا وأرميا ﴿لتفسدن في الأرض مرتين﴾.
توعد الله بني إسرائيل وكتب عليهم وأعلمهم بما سيقع لهم ﴿وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب﴾ وفي قراءة: ﴿في الكتب﴾ بعد التوراة وهي أسفار أنبيائهم بعد موسى ﴿لتفسدن في الأرض﴾ وهي فلسطين ﴿مرتين ولتعلن علوا كبيرا﴾؛ وكل ذلك بصيغة المضارع المؤكد بلام القسم المفيد الاستقبال لما لم يقع!
بينت سورة الإسراء حقيقة ما قضاه الله وكتبه على بني إسرائيل؛ مما كانوا ينتظرونه زمن النبي محمد ﷺ ويدّعون أن الله وعدهم به في المستقبل؛ فهي أحداث لم تقع لهم بعد حين نزلت سورة الإسراء؛ لتقص على المؤمنين حقيقة هذا الوعد، وأن بني إسرائيل سيفسدون في الأرض؛ كما هي عادتهم، ويعلون ثم يعاقبون!
كان اليهود في جزيرة العرب يبشرون ببعثة نبي منهم يظهرون به على الأمم، ويسودون به العالم، فلما بعث محمد ﷺ؛ كفروا به واحتجوا بالوعد المزعوم لهم ﴿ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا﴾ وهم مشركو العرب والأمم ﴿فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به﴾!
اشترط الله على بني إسرائيل الإيمان بمحمد ﷺ ووعدهم إن آمنوا به واتبعوه بالنصر والفتح ﴿ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل.. وآمنتم برسلي﴾ خاصة محمدا ﴿الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة﴾ الذي ﴿يعرفونه كما يعرفون أبناءهم﴾؛ فتحقق الوعد ببعثته لهم؛ فجحدوا وكفروا به!
تحقق ما وعد الله به بني إسرائيل بعد الإسراء والهجرة، فمن آمن منهم بالنبيﷺ وجاهدوا معه – كرئيسهم وحبرهم عبد الله بن سلام – ظهورا على الأمم وفتحوا الأرض المباركة وحرروا #القدس سنة ١٥ للهجرة، وطهروا المسجد الأقصى بالإيمان والإسلام والتقوى من رجس الوثنية الرومانية؛ فلم يرض اليهود بذلك!
لم يعد لبني إسرائيل – بعد بعثة النبي محمد ﷺ وتوريث الله له وللمؤمنين به من كل الأمم إمامة المسجدين الحرام والأقصى وولايتهما بالإسلام والإيمان – إلا الوعيد الذي توعدهم به عند إفسادهم في الأرض مرتين بعد بعثة النبي محمد ﷺ، وعلوهم علوا كبيرا، لا بالأنبياء الهداة؛ بل بالمجرمين الطغاة!
كان اليهود في زمن النبي ﷺ يسعون في الفتن والمؤامرات والفساد في الأرض وإشعال الحروب ﴿كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين﴾ إلا أنه سيكون لهم علو كبير وفساد عريض، ولن يتحقق لهم ذلك إلا بعد غياب خلافة الإسلام وغربته؛ كما جرى في هذا العصر!
قال ﷺ: (بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ، وهو يأرز بين المسجدين كما تأرز الحية في حجرها)..
– ﴿وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا﴾.
ذكرت سورة الإسراء نبأ الفساد العظيم في الأرض الذي سيحدثه اليهود مرتين في المستقبل؛ مع أن القرآن وصفهم آنذاك بأنهم ﴿كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادا﴾؛ فالإفساد في الأرض بالفتن والحروب ديدنهم مع ضرب الذلة عليهم إلا أن العلو بالفساد لن يحدث لهم إلا مرتين فقط!
الأصل أن (إذا) الشرطية تدخل على ما سيقع في المستقبل يقينا، وعلى ما له وقت محدد معلوم غالبا ﴿فإذا جاء وعد أولاهما﴾، وجواب الشرط ﴿بعثنا عليكم عبادا لنا﴾؛ يؤكد أنه سيكون في المستقبل، ويرجحه أن العلو الذي تحقق لهم في الماضي كان مع أنبيائهم كداود وسليمان؛ بينما العلو هنا مرتبط بالفساد!
الأرض التي سيقع فيها الفساد والعلو من اليهود مرتين هي ما بين مكة والقدس لورود الخبر في السورة بعد نبإ الإسراء بالنبي ﷺ إلى المسجد الأقصى؛ لبيان بطلان ادعائهم الوعد الحق بالظهور فيها بالأنبياء، وأن ظهورهم لن يكون إلا بالفساد في الأرض، وأن الظهور عليها بالوعد الحق هو لمحمدﷺ ولمن معه.
الفساد الدائم لبني إسرائيل بالفتن والمؤامرات والحروب ليس محصورا في أرض محددة؛ بل عام في الأرض كلها كما وصفهم القرآن زمن النبي محمد ﷺ﴿ويسعون في الأرض فسادا﴾ وهي جزيرة العرب، وكل أرض أتوها؛ فغدروا بأهلها وتآمروا عليهم، والعلو بالفساد مرتين؛ سيكون في أرض مخصوصة ورد فيها الوعد من الله!
سياق سورة الإسراء يؤكد أن علو اليهود وفسادهم في المرة الثانية سيكون أشد من الأولى، وأنهم سيكرون على من أخرجوهم المرة الأولى ﴿ثم رددنا لكم الكرة عليهم﴾ وهم عباد الله المؤمنين ﴿بعثنا عليكم عبادا لنا.. فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا﴾ وهذا يصدق على فتح النبي ﷺ وأصحابه الأرض!
كان اليهود قد علوا في جزيرة العرب، وأفسدوا فيها بالفتن والحروب، وأكل الربا؛ حتى أجلاهم النبيﷺ من المدينة، ثم فتح خيبر وتبوك؛ وأخرجهم عمر؛ فكانت تلك المرة الأولى التي كتبها الله عليهم ﴿سبح لله .. الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر .. ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء لعذبهم﴾!
تحقق الوعد الحق ببعثة النبي ﷺ الرسول الأمي وظهور أمته على الأمم ﴿كنتم خير أمة أخرجت للناس﴾ وتحقق لهم الاستخلاف في الأرض ﴿وعد الله الذين آمنوا منكم.. ليستخلفنهم في الأرض﴾ وأورثهم الأرض ﴿ولقد كتبنا في الزبور.. أن الأرض يرثها عبادي الصالحون﴾؛ ففتحوا مكة والقدس حيث جرى الإسراء!
إذا كانت المرة الثانية للعلو الإسرائيلي بالفساد في الأرض هو ما جرى لهم منذ سقوط الخلافة الإسلامية في هذا العصر، وإعلان دولتهم المزعومة؛ فالمرة الأولى هي إفسادهم في جزيرة العرب وحروبهم ومؤامراتهم مع المشركين ضد دولة الإسلام وضد النبيﷺفي المدينة؛ كأحد والأحزاب وما كتب عليهم من الجلاء.
لم يتحقق لليهود علو في الأرض وفساد كبير بعد بعثة النبي محمد ﷺ في فلسطين إلا هذه المرة، وفي ظل غياب خلافة الإسلام عن الأرض لأول مرة، وكان لليهود يد في إسقاطها وإصدار وعد بلفور لإقامة دولتهم في القدس ﴿فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا﴾ وإضافة العباد لله يؤكد أنهم المسلمون!
وصف سورة الإسراء للمرة الثانية يؤكد أنها قيام دولة إسرائيل في هذا العصر حيث كرّ اليهود على المسلمين مع الحملة الصليبية، وصاروا أكثر نفيرا بالنظام العالمي الذي تكفل بالدفاع عنهم وحمايتهم ﴿ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا﴾ والكرة تكون مسبوقة بفرة!
افتتحت سورة الحشر كما الإسراء بالتسبيح لله على تحقق وعده ﴿سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر﴾ فذكرت حشر اليهود الأول بعد بعثة النبي ﷺ ﴿لأول الحشر﴾ وهو إجلاؤهم من المدينة إلى الشام؛ وهو أول المرتين وبدايتهما؛ كما قال الطبري: (لأوّل الجمع في الدنيا) على يد النبيﷺ والمؤمنين: ﴿بعثنا عليكم عبادا لنا.. فجاسوا خلال الديار﴾.
وصفت سورة الإسراء ما سيحدث لبني إسرائيل في المرة الأولى على يد عباد الله الذين بعثهم عليهم لتحقيق الوعد ﴿فجاسوا خلال الديار﴾ ومنها الديار التي ذكرتها سورة الحشر ﴿أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر﴾ وفي سورة الأحزاب ﴿وأورثكم أرضهم وديارهم﴾؛ فتحقق وعد الله!
ذكرت سورة الأحزاب تحقق وعد الله للمؤمنين بأن يبعثهم على بني إسرائيل بعد فسادهم وعلوهم الأول في جزيرة العرب ويورثهم الأرض ﴿وأورثكم أرضهم وديارهم﴾ في الحجاز، ﴿وأرضا لم تطئوها﴾ في الشام؛ ليكتمل الوعد الحق بولاية المؤمنين على المسجدين الحرام والأقصى﴿أن الأرض يرثها عبادي الصالحون﴾.
لم تحدد سورة الإسراء الديار التي يجوس فيها وخلالها عباد الله في الأرض فتحا بعد فتح؛ لتعم كل الديار التي وعدهم الله في التوراة أن يرثوها ﴿ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون﴾ سواء ديار بني إسرائيل، أو أرض كسرى وقيصر؛ ليتحقق الوعد الحق لا وعد يهود المزعوم!
لم يرد ذكر للمسجد الأقصى حين أخبرت سورة الإسراء عن فساد بني إسرائيل وعلوهم في المرة الأولى؛ لأنه لم يكن في أيديهم، ولا تحت ولايتهم؛ بل كان تحت سلطة الروم آنذاك، وسيحرره عباد الله، فلما ذكرت فسادهم الثاني ذكرته ﴿وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة﴾؛ فبشرت بأنهم سيدخلونه فاتحين مرة أخرى!
بشرت سورة الإسراء بدخول المؤمنين المسجد الأقصى فاتحين مرتين ﴿كما دخلوه أول مرة﴾ وكلا الدخولين له علاقة ببني إسرائيل وفسادهم وعلوهم في الأرض، فالمرة الأولى يدخله المؤمنون فاتحين لديار بني إسرائيل وغيرهم من الأمم دون ولاية لليهود عليه، والمرة الثانية وهم فيه ولهم عليه ولاية وسلطة!
شبّهت سورة الإسراء دخول المؤمنين المسجد الأقصى في المرة الثانية بدخولهم إليه فاتحين في المرة الأولى إلا أن هذه المرة يكون دخولا بعد كرة لبني إسرائيل عليهم ﴿رددنا لكم الكرة عليهم.. وجعلناكم أكثر نفيرا﴾ ثم يدخله المؤمنون ﴿فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا﴾ كأول مرة!
حين فتح عمر القدس وحرر المسجد الأقصى من الروم؛ كان بعد حشر اليهود وكسر شوكتهم في جزيرة العرب، ولم يحدث لهم بعدها كرة ولم تقم لم دولة في أرض الإسلام وفلسطين؛ وإنما احتلتها الحملة الصليبية وحررها صلاح الدين الأيوبي، ولم يسئ ذلك وجوه يهود؛ فثبت أن المرة الثانية هي حين قيام دولة إسرائيل!
لم يحدث منذ ظهور الإسلام أن تحالف اليهود والعرب المشركون والمنافقون إلا مرتين الأولى؛ حين قاتلوا جميعا النبيﷺ والمؤمنين؛ فنصره الله عليهم وأجلا اليهود وفتح المسلمون المسجد الأقصى، وهذه المرة الثانية حيث تحالف اليهود والعرب برعاية صليبية وتآمروا على إسقاط الخلافة وإقامة دولة إسرائيل.
كشفت سورة الإسراء حقيقة الوعد الحق من الله بدخول المؤمنين الوارثين الأرض المسجد الأقصى فاتحين مرتين، وبعقاب اليهود حينئذ مرتين على فسادهم وعلوهم بالباطل وكفرهم بالوعد الذي حرفوه ﴿وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب﴾ ﴿فإذا جاء وعد أولاهما﴾ ﴿وكان وعدا مفعولا﴾ ﴿فإذا جاء وعد الآخرة﴾.
حاولت الأخبار الإسرائيلية إثبات وقوع الوعيد بعقابهم مرتين في الماضي؛ وأن ذلك وقع وانتهى زمن بختنصر! وأخذ كثير من المفسرين بالمأثور هذه الأخبار على علاتها؛ للإذن الوارد بالتحديث عنهم؛ كما في الحديث: (حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج)؛ فانعكس ذلك على تفسيرهم لسورة الإسراء مع وضوح دلالاتها!
حين غدرت يهود بالنبي ﷺ في المدينة وحاربوه أمره الله بقتالهم وإجلائهم بكل طوائفهم؛ فتحقق الوعد الحق الأول فيهم؛ فنزلت سورة الحشر؛ لتذكر تحقق الجلاء لبني النضير ﴿لأول الحشر﴾ ثم نزلت الأحزاب؛ لتذكر تحقق الوعد في بني قريظة ﴿وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب.. وأورثكم أرضهم وديارهم﴾!
وعد الله رسوله ﷺ والمؤمنين معه بدخول المسجدين الحرام والأقصى فاتحين ﴿لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين﴾ وقال عن الأقصى: ﴿وليدخلوا المسجد﴾؛ ليتحقق الوعد الحق ﴿هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة﴾.
وصفت سورة الإسراء المرة الثانية بأنه ﴿وعد الآخرة﴾؛ لأنه ليس بعده لليهود ظهور، ولا علو لهم في الأرض إلى قيام الساعة؛ فهو الذي سيحشرون لأجله من كل شتات الأرض؛ كما في آخر الإسراء ﴿فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا﴾ من كل أنحاء الأرض؛ ليتحقق الوعد الحق بظهور المؤمنين عليهم مرة ثانية!
ذكرت الإسراء ما سيجري في المرة الثانية لبني إسرائيل على يد عباد الله المؤمنين بما لم يحدث لهم مثله في المرة الأولى ﴿فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا﴾؛ لأن تحرير المسجد حينئذ لن يكون صلحا؛ بل حربا تنتهي بتتبيرهم وتدميرهم!
وصفت سورة الحشر ما جرى لبني إسرائيل أول مرة حين نفذ فيهم وعد الله وأخرجهم ﴿من ديارهم لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا.. يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين﴾ ووصفت الإسراء العقوبة الثانية ﴿ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا﴾!
لم تتحدث الإسراء عن الروم الصليبية مع كونهم آنذاك هم من يحتل الأرض المباركة والقدس والمسجد الأقصى؛ لأنهم لا يدّعون وعدا من الله لهم عليها كما تدّعيه اليهود، ولأن الله قد كتب عليهم الهزيمة فيها في سورة الروم ﴿غُلبت الروم في أدنى الأرض﴾ وهي الشام؛ فمهما احتلوها يُدحرون منها مغلوبين!
يعلم اليهود أن هذه المرة الثانية هي ﴿وعد الآخرة﴾ والمرة الأخيرة التي يعلون فيها بالباطل، وتقوم لهم دولة في فلسطين؛ ولهذا سيكون قتالهم أشد من المرة الأولى حين أجلاهم المسلمون من ديارهم، ولن يدخل المؤمنون القدس والمسجد الأقصى هذه المرة؛ إلا بجهاد أشد وأقسى حتى يتبروا ما علوا تتبيرا!
منذ قيام دولة إسرائيل بعد كرّتهم على المسلمين مع الحملة الصليبية المعاصرة وإقامة دولتهم المزعومة، لم تقم معركة على أساس الوعد الحق؛ بل بشعارات القومية العربية والوطنية الفلسطينية والحقوق التاريخية، ولم يزدد المسلمون إلا ضعفا، ولن تستعاد القدس إلا بالجهاد من أجل المسجد الأقصى كأول مرة! ﴿وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا﴾.
ذكرت سورة الإسراء الكرة لبني إسرائيل على عباد الله المؤمنين الذين أخرجوهم أول مرة ﴿ثم رددنا لكم الكرة عليهم﴾، ولم يسبق فيما مضى أن كرّ بنو إسرائيل على أعدائهم من البابليين كبختنصر أو الروم؛ وإنما كانوا يعودون إلى فلسطين مستضعفين بمعية غيرهم من المحتلين لها حتى قيام دولة إسرائيل!
لم يفر اليهود من أمة ثم كرّوا عليها إلا المسلمين، فحين كان المسلمون عبادا لله فتحوا الأرض بالإسلام وبتوحيد الله وتحرير الخلق من عبودية كل من سواه، فلما أعرضوا عن الرسالة التي استخلفهم الله في الأرض بها؛ تخلى الله عنهم ﴿ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا﴾؛ فسلط عليهم اليهود وشذاذ الآفاق!
لم يعلُ اليهود في فلسطين ويقيموا دولة إسرائيل اليوم إلا بحبل من الناس وبوقوف الحملة الصليبية معهم؛ منذ وعد بلفور حتى وعد ترامب ﴿ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس.. وضربت عليهم المسكنة﴾؛ فكانت كرتهم على المسلمين بأمم الصليب، ولأول مرة في تاريخ الأمتين!
حذّر القرآن المؤمنين من موالاة أهل الكتاب وأكّد أنهم أولياء بعض ﴿لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم﴾ مع أن النصارى حين نزل القرآن وقبله وبعده؛ كانوا يعادون اليهود أشد العداء ويستحلون قتلهم ويتهمونهم بالسعي في قتل المسيح ﷺ؛ حتى تولوهم اليوم!
لم تظهر الموالاة بين أهل الكتاب من اليهود والنصارى طوال تاريخهم فيما بينهم على أهل الإسلام إلا في هذا العصر؛ لتتجلى حقيقة نبوءة القرآن عنهم ﴿بعضهم أولياء بعض﴾ فتحققت بين البروتستانتية الصليبية واليهودية الصهيونية أوضح صور الموالاة ثم تبعتها الأرثوذكسية الروسية ثم الكاثوليكية!
صار العالم المسيحي وبكل أممه وعلى اختلاف طوائفه وملله حاميا للصهيونية وضامنا لأمن إسرائيل دوليا؛ فتحقق ما أخبر به القرآن عن الكرة الثانية ﴿وجعلناكم أكثر نفيرا﴾ وهو ما لم يتصوره أحد قبل مئة سنة حيث كانت أوربا كلها تضطهد اليهود؛ فإذا هي اليوم تستنفر كلها من أجل اليهود والدفاع عنهم!
توعد الله المؤمنين بأن يقطع عنهم ولايته ونصرته لهم إن تولوا أهل الكتاب واتبعوا أهواءهم ﴿ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير﴾ ﴿ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا لمن الظالمين﴾ ﴿ولئن اتبعت أهواءهم بعدما جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا واق﴾؛ فلما تولاهم المسلمون المعاصرون؛ حلّ بهم الوعيد!
في مطلع القرن الماضي تولى القوميون الترك الألمان، وتولى القوميون العرب الإنجليز، واتبعوا أهواءهم ومذاهبهم القومية والوطنية العلمانية؛ فحقّ عليهم الوعد؛ فقطع الله ولايته عنهم، وأوكلهم إلى أنفسهم وعدوهم؛ فسقطت خلافتهم التي سادوا بها الأمم، واحتلت أرضهم وقدسهم، وفقدوا سيادتهم وعلت يهود عليهم!
منذ احتلت الحملات الصليبية البريطانية الفرنسية الشام ومصر والعراق وجزيرة العرب والمغرب، وأقامت دويلاتها الوظيفية؛ لحماية دولة إسرائيل؛ ثم ورثتها الحملة الصليبية الأمريكية الروسية؛ وأرض الإسلام ومساجدها الثلاث تحت نفوذهم وحمايتهم ووصايتهم، وتخضع لسلطة نظامهم الماسوني الصهيوني وقراراته!
﴿سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير﴾
افتتحت سورة الإسراء بالتسبيح بأبلغ صيغة ﴿سبحان﴾ وهي مصدر معرفة دال على الحدث العظيم في حد ذاته؛ إجلالا وتعظيما لمن يستحق التنزيه مطلقا عن قيدي الزمان والفاعل والمكان، وذلك بين يدي الإخبار عن وقوع نبإ عظيم وهو (الإسراء)، وآخر على وشك الوقوع مما قضاه الله على بني إسرائيل.
تنزيه الله بصيغة المصدر الدال على التعجب والمبالغة والكمال (فعلان) ﴿سبحان﴾ أبلغ من تنزيهه بالفعل أو المصدر المشتق منه الفعل كسبحوه تسبيحا؛ لدلالة ﴿سبحان﴾ على معنى التنزيه ذاته كاسم معنى مجرد من الحدث والفاعل، وعرف هنا بالإضافة للموصول؛ فالله وحده المستحق للتنزيه استحقاقا ذاتيا.
بدأت السورة بتسبيح الله وتنزيهه؛ تعظيما له وتمجيدا وتنويها بالنبإ العظيم الذي ستتحدث عنه السورة؛ وهو الإسراء الذي كان أعظم نبإ حدث لبشر؛ حيث أسري بالنبي ﷺ وعرج به إلى السماء السابعة حتى سمع صريف الأقلام، ورأى سدرة المنتهى، وكلمه الله ﴿وهو بالأفق الأعلى.. لقد رأى من آيات ربه الكبرى﴾!
أضاف ﴿سبحان﴾ إلى الاسم الموصول (الذي) ولم يقل ﴿سبحان الله﴾؛ للتفخيم لشأن النبإ العظيم الواقع صلة للموصول؛ وهو الإسراء الذي تولاه الله سبحانه بنفسه، وكأن التعجب الذي يستحق تنزيه الله وتسبيحه لأجله لا يقتصر على ذاته؛ بل يعم فعله الذي تولاه وهو الإسراء، وعبده محمدا الذي اصطفاه ﷺ.
كان الإسراء بالنبي ﷺ من المسجد الحرام بمكة – وهو مستضعف مضطهد سنة ١١ من بعثته بعد وفاة عمه وزوجته – إلى المسجد الأقصى بالقدس ثم المعراج إلى السماء؛ إيذانا ببدء ولايته على المسجدين، وإمامته لهما، وقرب وعد الله الذي كتبه وقضاه بظهور دينه الذي ارتضاه؛ ليعم مسجدي أبي الأنبياء إبراهيم ﷺ.
كان الإسراء بالنبي ﷺ إسراءً حقيقيًا حسيًا جسديًا؛ كما قال ابن عطية في تفسيره (٣/ ٤٣٤): (وقع الإسراء في جميع مصنفات الحديث وروي عن الصحابة في كل أقطار الإسلام فهو من المتواتر بهذا الوجه، وروى جمهور الصحابة وتلقى جل العلماء منهم أن الإسراء كان بشخصه ﷺ وأنه ركب البراق من مكة ووصل إلى بيت المقدس وصلى فيه).
لم يلبث النبي ﷺ بعد الإسراء إلا ثلاث سنين حتى هاجر وأقام دولة الإسلام في المدينة، ثم عشر سنين حتى دخل مكة فاتحا ومطهرا للمسجد الحرام من شرك الجاهلية العربية، ولم تمض سبع سنين أخرى؛ حتى دخل عمر القدس والمسجد الأقصى؛ فاتحا ومطهرا له ومحررا من رجس الوثنية الرومانية؛ ليتحقق وعد الله!
لم يكن يلوح في الأفق السياسي ليلة أسري بالنبي ﷺ وحين نزلت سورة الإسراء بمكة ما ينبئ عن قرب تحول عالمي سيقضي على إمبراطورية فارس وقيصر في آن واحد، وعلى يد رجل مستضعف بمكة هو وأصحابه لا يجدون من يحميهم!
وسيحدث كل ذلك في بضع سنين؛ فاستحق أن يفتتح الإخبار عن مثل هذا النبأ بالتسبيح!
حدث التغيير في العالم كله بعد حادثة الإسراء بثلاث سنين، وبدأ بظهور الإسلام وقيام دولته في المدينة، ثم فتح مكة سنة ٨ هج، ثم فتح القدس سنة ١٥ هج، وما زال الظهور يتجدد له في كل عصر كلما ضعف أهله وعادت الجاهلية؛ كما حدث بعد ذلك للمسجد الحرام تحت ولاية الباطنية والمسجد الأقصى تحت ولاية الصليبية!
المدة ما بين ظهور صلاح الدين الأيوبي وتحريره المشرق العربي وتوحيده مصر والشام والعراق وجزيرة العرب وتطهيره المسجد الحرام من رجس الفرق الباطنية سنة ٥٦٧هج وتحريره القدس وتطهير المسجد الأقصى من رجس الحملات الصليبية سنة ٥٨٣ هج؛ هي نفس المدة التي بين الإسراء من مكة قبل الهجرة بسنة، وفتح القدس سنة ١٥هج؛ لتتأكد العلاقة القدرية بين المسجدين!
أكدت السورة معجزة الإسراء بكل صور التأكيد؛ فبدأت بالتنزيه﴿سبحان﴾، وذكرت الفاعل وهو الله ﴿الذي أسرى﴾، وذكرت المُسرى به ﴿بعبده﴾ وهو النبيﷺبروحه وجسده، وزمن الإسراء ﴿ليلا﴾، ومكان البدء ﴿من المسجد الحرام﴾، ونهايته ﴿إلى المسجد الأقصى﴾، والحكمة منه﴿لنريه من آياتنا﴾..
قطعت السورة بهذه الافتتاحية وبكل صيغ التأكيد؛ كل أوهام الشك في حقيقة معجزة الإسراء، وأنه حدث للنبي ﷺ يقظة لا مناما، وبجسده ﴿أسرى بعبده﴾ لا بروحه فقط؛ فلا يطلق في اللغة على الرؤيا في النوم إسراء وهو السير بالليل، ولا على الروح عبد؛ وأكده بحرف الباء ﴿بعبده﴾ التي تفيد معية الله له!
وصف الله رسوله ﷺ في هذه الافتتاحية المعجزة بالعبودية، وأضافه إلى نفسه إضافة تشريف وتكريم ﴿أسرى بعبده﴾؛ تنويها بمقامه الذي بلغ به هذه المكانة؛ وهو كمال عبوديته، وطاعته لله، وحده لا شريك له؛ فلم يخضع لطاعة غيره ولا عبد سواه قط؛ ولمنع توهم خروجه بمعجزة الإسراء عن حد الطبيعة البشرية.
قيدت السورة زمن الإسراء وأنه ﴿ليلا﴾ والإسراء لا يكون إلا بالليل؛ لتأكيد حقيقة الإسراء نفسه؛ حتى لا يُتوهم على غير حقيقته اللغوية، ولبيان أن الحادثة كلها جرت في الليل؛ ابتداء وانتهاء وذهابا وإيابا؛ بل وفي جزء منه لا كل الليل؛ كما يفيده التنكير لليلة؛ وتؤكده قراءة ابن مسعود: (من الليل)!
جعل الله بدء الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى؛ لبيان الارتباط الوثيق بين المسجدين، وشمول الرسالة النبوية للأمتين وولايته وإمامته ﷺ وخلفائه وأمته من بعده للقبلتين؛ استجابة لدعوة أبيهم إبراهيم ﴿ومن ذريتي﴾ ﴿إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا﴾.
تحكم العلاقة بين المسجدين الحرام والأقصى سنن ربانية إيمانية؛ افتتحت من أجلها، ولبيان عظيم شأنها سورة الإسراء بالتسبيح بين يدي الحديث عن هذه العلاقة بين بيتي الله المقدسين اللذين جعلهما مهبط وحيه إلى رسله، ومحجا لعبادته وقبلة للصلاة، ومحلا لتحقق وعده وظهور دينه ﴿ليظهره على الدين كله﴾.
ظهور الإسلام على الدين كما وعد الله تجلى في:
١- فتح النبيﷺ مكة سنة ٨ للهجرة وتطهيره المسجد الحرام من رجس الوثنية العربية.
٢- ثم فتح عمر القدس سنة ١٥ وتطهيرها من الوثنية الرومانية.
٣-وتحرير صلاح الدين الأيوبي المسجدين وتطهيرهما بعد مئة عام من سيطرة الفرق الباطنية والحملات الصليبية!
كان الإسراء عام الحزن وادعى ابن حزم الإجماع على أنه قبل الهجرة بسنة، وكان فتح القدس سنة ١٥ من الهجرة، فتكون المدة من الإسراء حتى الفتح ١٦ سنة؛ وهي المدة نفسها التي تحققت لصلاح الدين منذ دخول الحجاز ومكة تحت ولايته وتطهيرها من سلطة الباطنية ٥٦٧ هج حتى تحرير القدس من الحملة الصليبية ٥٨٣ هج!
أسقطت الحملة الصليبية المعاصرة الخلافة الإسلامية العثمانية، وأسست بريطانيا على أنقاضها دولا عربية قومية جاهلية في الحجاز والعراق والشام تحت حكم شريف مكة وأولاده التي مهدت لقيام دولة يهودية تحتل القدس؛ فصار المسجدان تحت نفوذ الجاهلية اليهودية العربية بحماية صليبية؛ وعاد الإسلام غريبا!
كان اعتراف ترامب – رئيس أكبر دولة صليبية ترث الإمبراطورية الرومانية النصرانية – بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل؛ تحقيقا للنبوءة، وما أخبرت به سورة الإسراء عن بني إسرائيل والعلو الذي سيحدث لهم في المستقبل وذلك قبل حدوثه بمدة ١٤٤٠ سنة!
ولن يتحقق هذا العلو حتى يعود الإسلام غريبا كما بدأ!
افتتحت السورة بخبر الإسراء بالنبي ﷺ ﴿من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا﴾ ولم تذكر نبأ العروج به إلى السماء السابعة الذي ورد في سورة النجم حيث ﴿رأى من آيات ربه الكبرى﴾؛ لأن الإسراء بين المسجدين هو المعجزة التي يراد حصر الاهتمام بها في هذه السورة.
كانت معجزة الإسراء في حد ذاتها نبأ عظيم؛ استحق تسبيحا لله وتمجيدا يليق بجلاله؛ تنزيها له سبحانه عن أوهام العقول التي لا تحيط بقدرته علما، وعن ظنونها في نفي ما أخبر أو أوحى به إلى رسله أو إثبات ما نفاه عن نفسه، ومن ذلك؛ ما وعد به رسوله من ظهور دينه على الدين كله وأنه وارث مقامي إبراهيم.
كان الإسراء وهو السير ليلا؛ بشارة باقتراب نهاية مسيرة الدعوة النبوية بمكة ومرحلة الاستضعاف فيها؛ فليس بعد السرى ليلا إلا طلوع الفجر وبدء الاستخلاف الذي وعد الله رسوله والمؤمنين به﴿ولقد كتبنا..أن الأرض يرثها عبادي الصالحون﴾ فجاءت بيعة الأنصار بعد الإسراء، ثم الهجرة، ثم فتح مكة، فالقدس!
افتتحت سورة النحل وهي قبل الإسراء مباشرة باقتراب الوعد ﴿أتى أمر الله فلا تستعجلوه﴾ ونعت في آخرها على اليهود ما هم عليه ﴿وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك من قبل وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون﴾ وأمرت النبيﷺ ﴿أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا﴾ وبالصبر ﴿واصبر وما صبرك إلا بالله﴾ ثم جاءت الإسراء؛ وفيها توريثه ولاية المسجدين، وإمامة القبلتين، وجاءت بعدها الكهف تنعى على النصارى شركهم وتثليثهم ﴿وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا﴾.
كان اليهود والنصارى والعرب المشركون يدعون أتباعهم إبراهيم واستحقاقهم الولاية على مساجده؛ فأبطل القرآن دعواهم ﴿ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين﴾ وحصر ولايتها بالمؤمنين ﴿إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا﴾ فقط.
أبطل القرآن ولاية العرب على البيت الحرام ﴿وهم يصدون عن المسجد الحرام وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون﴾ فحصر الولاية على البيت الحرام بالمؤمنين فقط ﴿إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر﴾ فأورثهم وولاهم بالإيمان والتقوى مقام إبراهيم ومصلاه ومسجديه بمكة والقدس!
جعل الله الولاية على المسجدين الحرام والأقصى للمؤمنين حصرا إلى قيام الساعة؛ فلا تُستحق هذه الولاية عليهما بالقومية العربية أو الإسرائيلية، ولا بالوطنية؛ وإنما بالإيمان والتقوى ﴿إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله﴾ فشرف بولايتها شرعا المسلمون العرب ثم المسلمون الكرد ثم المسلمون الترك.
كل ولاية على المسجدين الحرام والأقصى بغير ولاية الإسلام والإيمان باطلة بحكم القرآن؛ فلا ولاية للمشركين ولا لليهود والنصارى ولا لأوليائهم عربا وعجما ﴿ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر.. إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر.. ولم يخش إلا الله﴾.
منذ ظهور الإسلام لم تدم ولاية غير المسلمين على المسجدين الحرام والأقصى كمشركي العرب والروم والقرامطة والباطنية والصليبية أكثر من قرن؛ كما أخبر النبي ﷺ (إن الله يبعث على رأس كل مئة سنة من يجدد لهذه الأمة أمر دينها) ولا يكون التجديد دون تطهير المسجدين وإعمارهما؛ كما تحقق لصلاح الدين.
اكتمل قرن منذ احتلت الحملة الصليبية البريطانية الفرنسية – في الحرب العالمية الأولى – المشرق العربي وخضوعه لها ووقوع مساجده ومقدساته تحت نفوذها وحمايتها، وتعيش الأمة اليوم إرهاصات بعث وتجديد؛ سينتهي بظهور الإسلام من جديد وتحرير مقدساته وتطهيرها من اليهود وحلفائهم والنصارى وأوليائهم.
افتتحت السورة بنبإ الإسراء بين المسجدين؛ المسجد الحرام والمسجد الأقصى، وأشارت إلى المعراج إلى السماء السابعة ﴿لنريه من آياتنا﴾؛ فهو الغاية من الإسراء وتركت تفصيل خبره لسورة النجم؛ حيث بلغ في عروجه ﷺ ﴿سدرة المنتهى. عندها جنة المأوى.. لقد رأى من آيات ربه الكبرى﴾ وشرعت في بيان بطلان دعوى اليهود.
كانت معجزة الإسراء إعلانا سماويا ببطلان دعوى بني إسرائيل بأحقيتهم بإبراهيم ومسجده الأقصى بالقدس، ودعوى مشركي العرب بأحقيتهم بمقامه في البيت الحرام بمكة، وشرعت السورة في بيان حقيقة الوعد المزعوم الذي يدعيه اليهود، والنبوءة بعودتهم للقدس، وسيادتهم على العالم بالنبي الذي ينتظرونه!
﴿وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل ألا تتخذوا من دوني وكيلا ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا﴾.
كشفت سورة الإسراء حقيقة الوعد الذي يدعيه اليهود ﴿وآتينا موسى الكتاب﴾ وهو التوراة التي ورد فيها الوعد بشرط ﴿ألا تتخذوا من دوني وكيلا﴾؛ فعصوا أنبياءهم وعتوا عليهم فتوعدهم الله ﴿وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب﴾ يعني أسفار كتب أنبيائهم كأشعيا وأرميا ﴿لتفسدن في الأرض مرتين﴾.
توعد الله بني إسرائيل وكتب عليهم وأعلمهم بما سيقع لهم ﴿وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب﴾ وفي قراءة: ﴿في الكتب﴾ بعد التوراة وهي أسفار أنبيائهم بعد موسى ﴿لتفسدن في الأرض﴾ وهي فلسطين ﴿مرتين ولتعلن علوا كبيرا﴾؛ وكل ذلك بصيغة المضارع المؤكد بلام القسم المفيد الاستقبال لما لم يقع!
بينت سورة الإسراء حقيقة ما قضاه الله وكتبه على بني إسرائيل؛ مما كانوا ينتظرونه زمن النبي محمد ﷺ ويدّعون أن الله وعدهم به في المستقبل؛ فهي أحداث لم تقع لهم بعد حين نزلت سورة الإسراء؛ لتقص على المؤمنين حقيقة هذا الوعد، وأن بني إسرائيل سيفسدون في الأرض؛ كما هي عادتهم، ويعلون ثم يعاقبون!
كان اليهود في جزيرة العرب يبشرون ببعثة نبي منهم يظهرون به على الأمم، ويسودون به العالم، فلما بعث محمد ﷺ؛ كفروا به واحتجوا بالوعد المزعوم لهم ﴿ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا﴾ وهم مشركو العرب والأمم ﴿فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به﴾!
اشترط الله على بني إسرائيل الإيمان بمحمد ﷺ ووعدهم إن آمنوا به واتبعوه بالنصر والفتح ﴿ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل.. وآمنتم برسلي﴾ خاصة محمدا ﴿الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة﴾ الذي ﴿يعرفونه كما يعرفون أبناءهم﴾؛ فتحقق الوعد ببعثته لهم؛ فجحدوا وكفروا به!
تحقق ما وعد الله به بني إسرائيل بعد الإسراء والهجرة، فمن آمن منهم بالنبيﷺ وجاهدوا معه – كرئيسهم وحبرهم عبد الله بن سلام – ظهورا على الأمم وفتحوا الأرض المباركة وحرروا #القدس سنة ١٥ للهجرة، وطهروا المسجد الأقصى بالإيمان والإسلام والتقوى من رجس الوثنية الرومانية؛ فلم يرض اليهود بذلك!
لم يعد لبني إسرائيل – بعد بعثة النبي محمد ﷺ وتوريث الله له وللمؤمنين به من كل الأمم إمامة المسجدين الحرام والأقصى وولايتهما بالإسلام والإيمان – إلا الوعيد الذي توعدهم به عند إفسادهم في الأرض مرتين بعد بعثة النبي محمد ﷺ، وعلوهم علوا كبيرا، لا بالأنبياء الهداة؛ بل بالمجرمين الطغاة!
كان اليهود في زمن النبي ﷺ يسعون في الفتن والمؤامرات والفساد في الأرض وإشعال الحروب ﴿كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين﴾ إلا أنه سيكون لهم علو كبير وفساد عريض، ولن يتحقق لهم ذلك إلا بعد غياب خلافة الإسلام وغربته؛ كما جرى في هذا العصر!
قال ﷺ: (بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ، وهو يأرز بين المسجدين كما تأرز الحية في حجرها)..
– ﴿وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا﴾.
ذكرت سورة الإسراء نبأ الفساد العظيم في الأرض الذي سيحدثه اليهود مرتين في المستقبل؛ مع أن القرآن وصفهم آنذاك بأنهم ﴿كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادا﴾؛ فالإفساد في الأرض بالفتن والحروب ديدنهم مع ضرب الذلة عليهم إلا أن العلو بالفساد لن يحدث لهم إلا مرتين فقط!
الأصل أن (إذا) الشرطية تدخل على ما سيقع في المستقبل يقينا، وعلى ما له وقت محدد معلوم غالبا ﴿فإذا جاء وعد أولاهما﴾، وجواب الشرط ﴿بعثنا عليكم عبادا لنا﴾؛ يؤكد أنه سيكون في المستقبل، ويرجحه أن العلو الذي تحقق لهم في الماضي كان مع أنبيائهم كداود وسليمان؛ بينما العلو هنا مرتبط بالفساد!
الأرض التي سيقع فيها الفساد والعلو من اليهود مرتين هي ما بين مكة والقدس لورود الخبر في السورة بعد نبإ الإسراء بالنبي ﷺ إلى المسجد الأقصى؛ لبيان بطلان ادعائهم الوعد الحق بالظهور فيها بالأنبياء، وأن ظهورهم لن يكون إلا بالفساد في الأرض، وأن الظهور عليها بالوعد الحق هو لمحمدﷺ ولمن معه.
الفساد الدائم لبني إسرائيل بالفتن والمؤامرات والحروب ليس محصورا في أرض محددة؛ بل عام في الأرض كلها كما وصفهم القرآن زمن النبي محمد ﷺ﴿ويسعون في الأرض فسادا﴾ وهي جزيرة العرب، وكل أرض أتوها؛ فغدروا بأهلها وتآمروا عليهم، والعلو بالفساد مرتين؛ سيكون في أرض مخصوصة ورد فيها الوعد من الله!
سياق سورة الإسراء يؤكد أن علو اليهود وفسادهم في المرة الثانية سيكون أشد من الأولى، وأنهم سيكرون على من أخرجوهم المرة الأولى ﴿ثم رددنا لكم الكرة عليهم﴾ وهم عباد الله المؤمنين ﴿بعثنا عليكم عبادا لنا.. فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا﴾ وهذا يصدق على فتح النبي ﷺ وأصحابه الأرض!
كان اليهود قد علوا في جزيرة العرب، وأفسدوا فيها بالفتن والحروب، وأكل الربا؛ حتى أجلاهم النبيﷺ من المدينة، ثم فتح خيبر وتبوك؛ وأخرجهم عمر؛ فكانت تلك المرة الأولى التي كتبها الله عليهم ﴿سبح لله .. الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر .. ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء لعذبهم﴾!
تحقق الوعد الحق ببعثة النبي ﷺ الرسول الأمي وظهور أمته على الأمم ﴿كنتم خير أمة أخرجت للناس﴾ وتحقق لهم الاستخلاف في الأرض ﴿وعد الله الذين آمنوا منكم.. ليستخلفنهم في الأرض﴾ وأورثهم الأرض ﴿ولقد كتبنا في الزبور.. أن الأرض يرثها عبادي الصالحون﴾؛ ففتحوا مكة والقدس حيث جرى الإسراء!
إذا كانت المرة الثانية للعلو الإسرائيلي بالفساد في الأرض هو ما جرى لهم منذ سقوط الخلافة الإسلامية في هذا العصر، وإعلان دولتهم المزعومة؛ فالمرة الأولى هي إفسادهم في جزيرة العرب وحروبهم ومؤامراتهم مع المشركين ضد دولة الإسلام وضد النبيﷺفي المدينة؛ كأحد والأحزاب وما كتب عليهم من الجلاء.
لم يتحقق لليهود علو في الأرض وفساد كبير بعد بعثة النبي محمد ﷺ في فلسطين إلا هذه المرة، وفي ظل غياب خلافة الإسلام عن الأرض لأول مرة، وكان لليهود يد في إسقاطها وإصدار وعد بلفور لإقامة دولتهم في القدس ﴿فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا﴾ وإضافة العباد لله يؤكد أنهم المسلمون!
وصف سورة الإسراء للمرة الثانية يؤكد أنها قيام دولة إسرائيل في هذا العصر حيث كرّ اليهود على المسلمين مع الحملة الصليبية، وصاروا أكثر نفيرا بالنظام العالمي الذي تكفل بالدفاع عنهم وحمايتهم ﴿ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا﴾ والكرة تكون مسبوقة بفرة!
افتتحت سورة الحشر كما الإسراء بالتسبيح لله على تحقق وعده ﴿سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر﴾ فذكرت حشر اليهود الأول بعد بعثة النبي ﷺ ﴿لأول الحشر﴾ وهو إجلاؤهم من المدينة إلى الشام؛ وهو أول المرتين وبدايتهما؛ كما قال الطبري: (لأوّل الجمع في الدنيا) على يد النبيﷺ والمؤمنين: ﴿بعثنا عليكم عبادا لنا.. فجاسوا خلال الديار﴾.
وصفت سورة الإسراء ما سيحدث لبني إسرائيل في المرة الأولى على يد عباد الله الذين بعثهم عليهم لتحقيق الوعد ﴿فجاسوا خلال الديار﴾ ومنها الديار التي ذكرتها سورة الحشر ﴿أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر﴾ وفي سورة الأحزاب ﴿وأورثكم أرضهم وديارهم﴾؛ فتحقق وعد الله!
ذكرت سورة الأحزاب تحقق وعد الله للمؤمنين بأن يبعثهم على بني إسرائيل بعد فسادهم وعلوهم الأول في جزيرة العرب ويورثهم الأرض ﴿وأورثكم أرضهم وديارهم﴾ في الحجاز، ﴿وأرضا لم تطئوها﴾ في الشام؛ ليكتمل الوعد الحق بولاية المؤمنين على المسجدين الحرام والأقصى﴿أن الأرض يرثها عبادي الصالحون﴾.
لم تحدد سورة الإسراء الديار التي يجوس فيها وخلالها عباد الله في الأرض فتحا بعد فتح؛ لتعم كل الديار التي وعدهم الله في التوراة أن يرثوها ﴿ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون﴾ سواء ديار بني إسرائيل، أو أرض كسرى وقيصر؛ ليتحقق الوعد الحق لا وعد يهود المزعوم!
لم يرد ذكر للمسجد الأقصى حين أخبرت سورة الإسراء عن فساد بني إسرائيل وعلوهم في المرة الأولى؛ لأنه لم يكن في أيديهم، ولا تحت ولايتهم؛ بل كان تحت سلطة الروم آنذاك، وسيحرره عباد الله، فلما ذكرت فسادهم الثاني ذكرته ﴿وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة﴾؛ فبشرت بأنهم سيدخلونه فاتحين مرة أخرى!
بشرت سورة الإسراء بدخول المؤمنين المسجد الأقصى فاتحين مرتين ﴿كما دخلوه أول مرة﴾ وكلا الدخولين له علاقة ببني إسرائيل وفسادهم وعلوهم في الأرض، فالمرة الأولى يدخله المؤمنون فاتحين لديار بني إسرائيل وغيرهم من الأمم دون ولاية لليهود عليه، والمرة الثانية وهم فيه ولهم عليه ولاية وسلطة!
شبّهت سورة الإسراء دخول المؤمنين المسجد الأقصى في المرة الثانية بدخولهم إليه فاتحين في المرة الأولى إلا أن هذه المرة يكون دخولا بعد كرة لبني إسرائيل عليهم ﴿رددنا لكم الكرة عليهم.. وجعلناكم أكثر نفيرا﴾ ثم يدخله المؤمنون ﴿فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا﴾ كأول مرة!
حين فتح عمر القدس وحرر المسجد الأقصى من الروم؛ كان بعد حشر اليهود وكسر شوكتهم في جزيرة العرب، ولم يحدث لهم بعدها كرة ولم تقم لم دولة في أرض الإسلام وفلسطين؛ وإنما احتلتها الحملة الصليبية وحررها صلاح الدين الأيوبي، ولم يسئ ذلك وجوه يهود؛ فثبت أن المرة الثانية هي حين قيام دولة إسرائيل!
لم يحدث منذ ظهور الإسلام أن تحالف اليهود والعرب المشركون والمنافقون إلا مرتين الأولى؛ حين قاتلوا جميعا النبيﷺ والمؤمنين؛ فنصره الله عليهم وأجلا اليهود وفتح المسلمون المسجد الأقصى، وهذه المرة الثانية حيث تحالف اليهود والعرب برعاية صليبية وتآمروا على إسقاط الخلافة وإقامة دولة إسرائيل.
كشفت سورة الإسراء حقيقة الوعد الحق من الله بدخول المؤمنين الوارثين الأرض المسجد الأقصى فاتحين مرتين، وبعقاب اليهود حينئذ مرتين على فسادهم وعلوهم بالباطل وكفرهم بالوعد الذي حرفوه ﴿وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب﴾ ﴿فإذا جاء وعد أولاهما﴾ ﴿وكان وعدا مفعولا﴾ ﴿فإذا جاء وعد الآخرة﴾.
حاولت الأخبار الإسرائيلية إثبات وقوع الوعيد بعقابهم مرتين في الماضي؛ وأن ذلك وقع وانتهى زمن بختنصر! وأخذ كثير من المفسرين بالمأثور هذه الأخبار على علاتها؛ للإذن الوارد بالتحديث عنهم؛ كما في الحديث: (حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج)؛ فانعكس ذلك على تفسيرهم لسورة الإسراء مع وضوح دلالاتها!
حين غدرت يهود بالنبي ﷺ في المدينة وحاربوه أمره الله بقتالهم وإجلائهم بكل طوائفهم؛ فتحقق الوعد الحق الأول فيهم؛ فنزلت سورة الحشر؛ لتذكر تحقق الجلاء لبني النضير ﴿لأول الحشر﴾ ثم نزلت الأحزاب؛ لتذكر تحقق الوعد في بني قريظة ﴿وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب.. وأورثكم أرضهم وديارهم﴾!
وعد الله رسوله ﷺ والمؤمنين معه بدخول المسجدين الحرام والأقصى فاتحين ﴿لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين﴾ وقال عن الأقصى: ﴿وليدخلوا المسجد﴾؛ ليتحقق الوعد الحق ﴿هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة﴾.
وصفت سورة الإسراء المرة الثانية بأنه ﴿وعد الآخرة﴾؛ لأنه ليس بعده لليهود ظهور، ولا علو لهم في الأرض إلى قيام الساعة؛ فهو الذي سيحشرون لأجله من كل شتات الأرض؛ كما في آخر الإسراء ﴿فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا﴾ من كل أنحاء الأرض؛ ليتحقق الوعد الحق بظهور المؤمنين عليهم مرة ثانية!
ذكرت الإسراء ما سيجري في المرة الثانية لبني إسرائيل على يد عباد الله المؤمنين بما لم يحدث لهم مثله في المرة الأولى ﴿فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا﴾؛ لأن تحرير المسجد حينئذ لن يكون صلحا؛ بل حربا تنتهي بتتبيرهم وتدميرهم!
وصفت سورة الحشر ما جرى لبني إسرائيل أول مرة حين نفذ فيهم وعد الله وأخرجهم ﴿من ديارهم لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا.. يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين﴾ ووصفت الإسراء العقوبة الثانية ﴿ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا﴾!
لم تتحدث الإسراء عن الروم الصليبية مع كونهم آنذاك هم من يحتل الأرض المباركة والقدس والمسجد الأقصى؛ لأنهم لا يدّعون وعدا من الله لهم عليها كما تدّعيه اليهود، ولأن الله قد كتب عليهم الهزيمة فيها في سورة الروم ﴿غُلبت الروم في أدنى الأرض﴾ وهي الشام؛ فمهما احتلوها يُدحرون منها مغلوبين!
يعلم اليهود أن هذه المرة الثانية هي ﴿وعد الآخرة﴾ والمرة الأخيرة التي يعلون فيها بالباطل، وتقوم لهم دولة في فلسطين؛ ولهذا سيكون قتالهم أشد من المرة الأولى حين أجلاهم المسلمون من ديارهم، ولن يدخل المؤمنون القدس والمسجد الأقصى هذه المرة؛ إلا بجهاد أشد وأقسى حتى يتبروا ما علوا تتبيرا!
منذ قيام دولة إسرائيل بعد كرّتهم على المسلمين مع الحملة الصليبية المعاصرة وإقامة دولتهم المزعومة، لم تقم معركة على أساس الوعد الحق؛ بل بشعارات القومية العربية والوطنية الفلسطينية والحقوق التاريخية، ولم يزدد المسلمون إلا ضعفا، ولن تستعاد القدس إلا بالجهاد من أجل المسجد الأقصى كأول مرة! ﴿وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا﴾.
ذكرت سورة الإسراء الكرة لبني إسرائيل على عباد الله المؤمنين الذين أخرجوهم أول مرة ﴿ثم رددنا لكم الكرة عليهم﴾، ولم يسبق فيما مضى أن كرّ بنو إسرائيل على أعدائهم من البابليين كبختنصر أو الروم؛ وإنما كانوا يعودون إلى فلسطين مستضعفين بمعية غيرهم من المحتلين لها حتى قيام دولة إسرائيل!
لم يفر اليهود من أمة ثم كرّوا عليها إلا المسلمين، فحين كان المسلمون عبادا لله فتحوا الأرض بالإسلام وبتوحيد الله وتحرير الخلق من عبودية كل من سواه، فلما أعرضوا عن الرسالة التي استخلفهم الله في الأرض بها؛ تخلى الله عنهم ﴿ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا﴾؛ فسلط عليهم اليهود وشذاذ الآفاق!
لم يعلُ اليهود في فلسطين ويقيموا دولة إسرائيل اليوم إلا بحبل من الناس وبوقوف الحملة الصليبية معهم؛ منذ وعد بلفور حتى وعد ترامب ﴿ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس.. وضربت عليهم المسكنة﴾؛ فكانت كرتهم على المسلمين بأمم الصليب، ولأول مرة في تاريخ الأمتين!
حذّر القرآن المؤمنين من موالاة أهل الكتاب وأكّد أنهم أولياء بعض ﴿لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم﴾ مع أن النصارى حين نزل القرآن وقبله وبعده؛ كانوا يعادون اليهود أشد العداء ويستحلون قتلهم ويتهمونهم بالسعي في قتل المسيح ﷺ؛ حتى تولوهم اليوم!
لم تظهر الموالاة بين أهل الكتاب من اليهود والنصارى طوال تاريخهم فيما بينهم على أهل الإسلام إلا في هذا العصر؛ لتتجلى حقيقة نبوءة القرآن عنهم ﴿بعضهم أولياء بعض﴾ فتحققت بين البروتستانتية الصليبية واليهودية الصهيونية أوضح صور الموالاة ثم تبعتها الأرثوذكسية الروسية ثم الكاثوليكية!
صار العالم المسيحي وبكل أممه وعلى اختلاف طوائفه وملله حاميا للصهيونية وضامنا لأمن إسرائيل دوليا؛ فتحقق ما أخبر به القرآن عن الكرة الثانية ﴿وجعلناكم أكثر نفيرا﴾ وهو ما لم يتصوره أحد قبل مئة سنة حيث كانت أوربا كلها تضطهد اليهود؛ فإذا هي اليوم تستنفر كلها من أجل اليهود والدفاع عنهم!
توعد الله المؤمنين بأن يقطع عنهم ولايته ونصرته لهم إن تولوا أهل الكتاب واتبعوا أهواءهم ﴿ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير﴾ ﴿ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا لمن الظالمين﴾ ﴿ولئن اتبعت أهواءهم بعدما جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا واق﴾؛ فلما تولاهم المسلمون المعاصرون؛ حلّ بهم الوعيد!
في مطلع القرن الماضي تولى القوميون الترك الألمان، وتولى القوميون العرب الإنجليز، واتبعوا أهواءهم ومذاهبهم القومية والوطنية العلمانية؛ فحقّ عليهم الوعد؛ فقطع الله ولايته عنهم، وأوكلهم إلى أنفسهم وعدوهم؛ فسقطت خلافتهم التي سادوا بها الأمم، واحتلت أرضهم وقدسهم، وفقدوا سيادتهم وعلت يهود عليهم!
منذ احتلت الحملات الصليبية البريطانية الفرنسية الشام ومصر والعراق وجزيرة العرب والمغرب، وأقامت دويلاتها الوظيفية؛ لحماية دولة إسرائيل؛ ثم ورثتها الحملة الصليبية الأمريكية الروسية؛ وأرض الإسلام ومساجدها الثلاث تحت نفوذهم وحمايتهم ووصايتهم، وتخضع لسلطة نظامهم الماسوني الصهيوني وقراراته!
أصبحت المساجد الثلاث في عواصم الإسلام الدينية:
القدس ومكة والمدينة تحت نفوذ المحتل البريطاني منذ سنة ١٩١٧ – ١٩١٨ م وصار تأمين طرق الحج إليها من مسئولياته؛ كما التزم بذلك أمير مكة الشريف حسين الذي تولاهم وصار تحت حمايتهم لأول مرة في تاريخ الإسلام، واشترطوا عليه السماح ببنوك الربا فيها!
منذ سقوط الخلافة لم يعد بإمكان أحد من علماء الإسلام وزعمائهم ومجاهديهم الذين ثاروا ضد المحتل البريطاني والفرنسي الحج والعمرة لمكة أو زيارة المسجد النبوي والقدس إلا بإذن بريطانيا، ولا يستطيعه أحد اليوم منهم إلا بإذن أمريكا؛ فكل من تصمه بالإرهاب؛ يمنع من الوصول إلى مكة والقدس والمدينة!
بتولّي أهل الكتاب؛ انتهى استخلاف الله لأمة الإسلام في الأرض، وغابت خلافتها الإسلامية، وفقدت ولايتها الإيمانية على مساجدها؛ حين فقدت الوصف الذي استحقت به الاستخلاف والولاية ﴿وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم﴾ ووصف ﴿عبادا لنا﴾ وقال تعالى عمن يستحق ولاية مساجده ﴿إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين﴾ وقال تعالى محذرا من موالاة اليهود والنصارى: ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين﴾.
﴿ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا﴾
لم تذكر سورة الإسراء أسباب كرّة بني إسرائيل على المؤمنين، فلم يتجدد لهم إيمان يستحقون به الكرّة عليهم، فدل ذلك على فقد المؤمنين شروط الاستخلاف الذي وعدهم الله به، وفقد وصف العبودية لله وحده الذي سادوا به الأمم ﴿بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس﴾ وفقد البأس والجهاد الذي مكنهم من الاستخلاف!
اشترط الله على المؤمنين توحيده وإقامة دينه وأحكامه في الأرض بالجهاد؛ كما في قوله تعالى: ﴿وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا﴾ وقوله: ﴿الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف﴾
اشترط الله على المؤمنين لتحقق وعده لهم بالاستخلاف وولايتهم على المسجدين: الإيمان به، وتوحيده لا شريك له، والجهاد في سبيله لا يخافون لومة لائم ﴿بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد﴾ ﴿أشداء على الكفار رحماء بينهم﴾ ﴿يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم﴾ ﴿إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله﴾.
قام النبي ﷺ بعد فتح مكة مباشرة وولايته عليها بالإعلان عن إبطال الربا، ومنع الخمر، والبيوع المحرمة، وحذر من ربا اليهود، وخطب في حجة الوداع؛ قائلا: (كل ربا الجاهلية موضوع تحت قدمي وكل أمر الجاهلية موضوع؛ قضى الله ألا ربا) واشترط على نصارى نجران ويهود خيبر منع الربا، فلما أكلوه؛ أجلاهم عمر رضي الله عنه عن جزيرة العرب.
القدس ومكة والمدينة تحت نفوذ المحتل البريطاني منذ سنة ١٩١٧ – ١٩١٨ م وصار تأمين طرق الحج إليها من مسئولياته؛ كما التزم بذلك أمير مكة الشريف حسين الذي تولاهم وصار تحت حمايتهم لأول مرة في تاريخ الإسلام، واشترطوا عليه السماح ببنوك الربا فيها!
منذ سقوط الخلافة لم يعد بإمكان أحد من علماء الإسلام وزعمائهم ومجاهديهم الذين ثاروا ضد المحتل البريطاني والفرنسي الحج والعمرة لمكة أو زيارة المسجد النبوي والقدس إلا بإذن بريطانيا، ولا يستطيعه أحد اليوم منهم إلا بإذن أمريكا؛ فكل من تصمه بالإرهاب؛ يمنع من الوصول إلى مكة والقدس والمدينة!
بتولّي أهل الكتاب؛ انتهى استخلاف الله لأمة الإسلام في الأرض، وغابت خلافتها الإسلامية، وفقدت ولايتها الإيمانية على مساجدها؛ حين فقدت الوصف الذي استحقت به الاستخلاف والولاية ﴿وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم﴾ ووصف ﴿عبادا لنا﴾ وقال تعالى عمن يستحق ولاية مساجده ﴿إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين﴾ وقال تعالى محذرا من موالاة اليهود والنصارى: ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين﴾.
﴿ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا﴾
لم تذكر سورة الإسراء أسباب كرّة بني إسرائيل على المؤمنين، فلم يتجدد لهم إيمان يستحقون به الكرّة عليهم، فدل ذلك على فقد المؤمنين شروط الاستخلاف الذي وعدهم الله به، وفقد وصف العبودية لله وحده الذي سادوا به الأمم ﴿بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس﴾ وفقد البأس والجهاد الذي مكنهم من الاستخلاف!
اشترط الله على المؤمنين توحيده وإقامة دينه وأحكامه في الأرض بالجهاد؛ كما في قوله تعالى: ﴿وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا﴾ وقوله: ﴿الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف﴾
اشترط الله على المؤمنين لتحقق وعده لهم بالاستخلاف وولايتهم على المسجدين: الإيمان به، وتوحيده لا شريك له، والجهاد في سبيله لا يخافون لومة لائم ﴿بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد﴾ ﴿أشداء على الكفار رحماء بينهم﴾ ﴿يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم﴾ ﴿إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله﴾.
قام النبي ﷺ بعد فتح مكة مباشرة وولايته عليها بالإعلان عن إبطال الربا، ومنع الخمر، والبيوع المحرمة، وحذر من ربا اليهود، وخطب في حجة الوداع؛ قائلا: (كل ربا الجاهلية موضوع تحت قدمي وكل أمر الجاهلية موضوع؛ قضى الله ألا ربا) واشترط على نصارى نجران ويهود خيبر منع الربا، فلما أكلوه؛ أجلاهم عمر رضي الله عنه عن جزيرة العرب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق