تنبؤات المستقبل في التصور الإسلامي
إن عالمَ الغيب، عالمٌ كبيرٌ، واسعٌ، ومعقدٌ، وشائكٌ، لا يستطيع أيُّ مخلوقٍ على وجه الأرض، منذ خُلق آدم وإلى قيام الساعة، أن يُدرك كنهه، ولو شيئًا قليلًا جدًّا، إلا المقدار الصغير الذي سمح به الله تعالى لعباده، أن يعرفه – تكرمًا منه، وتفضلًا.
وما عدا ذلك، فهو عالمٌ غامضٌ، مبهمٌ، مجهولٌ، ولا توجد أيةُ وسيلة، ولا أيةُ طريقة، قديمة أو حديثة، حسابات رياضية، أو حسابات جُمل، أو تقنيات إلكترونية، أن تستجلي أسراره، أو أن تستطلع على خفاياه.
لأن اللهَ جلَّ جلاله، قد حكم، وقدَّر، وقضى؛ أن هذا العالمَ خاصٌّ به وحده، فقال: «عَالِمُ الغيبِ، فلا يُظهرُ على غيبه أحدا» الجن 26.
ومن أجل ذلك، فلا يجوز في التصور الإسلامي، ولا في دين الله، ولا في منهاجه، أن يقتحم أيُّ مخلوقٍ أسواره، أو أن يعبث به، أو أن يَدَّعي أنه يعلمُ، أنه في اليوم الفلاني، والشهر الفلاني، والعام الفلاني، سيحصل حدثٌ بشري في المكان الفلاني.
لأن الله تعالى، قد قطع الطريق على أولئك المُدَّعين، والمُتنبِّئين، والمُتكهِّنين، والعَرافين، والمُنجِّمين، فأغلق عليهم الباب كليًّا، وألقم في أفواههم حجرًا كبيرًا، قطع به ألسنتهم عن النطق، ولو ببنت شفة حينما قال: «وما تَدْريِّ نفسٌ ماذا تَكْسِبُ غداً، وما تَدْري نفسٌ بأيِّ أرضٍ تموتُ، إن اللهَ عليمٌ خَبيرٌ» لقمان 34.
كيف تعامل القرآن مع تنبؤات المستقبل؟
القرآنُ الكريمُ، تحدث في مواضع عديدة، عن أحداث ستحصل في المستقبل، سنستعرضها لنتبين كيف نبأنا الله بها؟
لم يحدد زمنًا معينًا، باليوم، والشهر، والسنة، أنها ستحصل؟ علمًا بأن الله العليم الخبير يعلم – علم اليقين – متى ستحصل بالثانية؛ ولكنه أبى أن يفعل ذلك، وإنما تركها مفتوحةً بدون تحديد.
لماذا؟ لأنه لا يريد أن يُعلِّق قلوب عباده بزمنٍ محددٍ، ويجعلهم مسترخين، وخاملين، وقاعدين عن العمل، والحركة، والجهاد.
ولأن هذا، ليس هو الطريق الصحيح، في تربية النفوس، وإعدادها على الحركة الفاعلة، النشطة، المستمرة.
لأن النفوس، يجب أن تكون دائمة الحركة، ومتوفزة، ومتحفزة باستمرار إلى طلب المساعدة من الله تعالى، وإلى استجداء العون منه، وإلى الانكسار والتذلل له.
وأن يكون قلبها متعلقًا به، ومتذللة لجنابه، ومستكينة له، وتلهج ألسنتها دائمًا وأبدًا، بذكر الله تعالى، والدعاء له، والترجي منه، كي يحقق لها ما تريد.
وفي الحديث «يقولُ الله لجبريل: لا تعجلْ بإجابتهِ، فإني أحبُّ أنْ أسمعَ صوتَ عبدِيَ المؤمنِ».
وفي حديث آخر عن الأسود بن سريع «إِنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ أنْ يُحْمَدَ».
فإذا تم تحديد زمن معين، استرخت النفوس، ونسيت الله تعالى، وتغافلت عن ذكره، وعن الطلب منه، وأصبحت كأنها في غنى عنه.
وهذا ما لا يريده الله تعالى أن يحصل لأنه يخالف الهدف من الخلق كما قال تعالى «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ» الذاريات 56.
تنبؤات المستقبل في القرآن
1- نبوءة انتصار الروم على فارس؛ لقد اقتتل الروم وفارس في منطقة أذرعات التي هي قريبة من فارس، فانتصرت فارس على الروم؛ فحز ذلك في نفوس المسلمين، وهم لا يزالون في مكة، أن ينتصر الوثنيون على أهل الكتاب، وفرح مشركو مكة بذلك، وشمتوا بالمسلمين، فجاء الرد الإلهي الصاعق «غُلبت الرومُ في أدنى الأرضِ وهم من بعدِ غَلبهم سيغلبون في بضع سنين» الروم 2.
2- نبوءة فتح مكة، ودخول المسجد الحرام «لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا (٢٧)» الفتح.
3- نبوءة استخلاف المسلمين في الأرض والتمكين لهم «وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا (٥٥)» النور.
نجد في كل هذه التنبؤات الربانية لم يحدد وقتًا باليوم والشهر والسنة لحصول هذه التنبؤات المستقبلية مع أن الله تعالى يعلم – علم اليقين – متى ستحدث.
تنبؤات المستقبل في السُنة
وقد أخبرنا رسولنا العظيم (صلى الله عليه وسلم)، في عشرات أو مئات الأحاديث، عما سيحدث بعده، وعما سيحدث في المستقبل، وعما سيحدث في آخر الزمان.
وحدثنا عن أشراط الساعة، وعن علاماتها الصغرى، وعلاماتها الكبرى، بالتفصيل.
وهناك باب في كتب الحديث، اسمه (الفتن والملاحم).
وسنستعرض بعض الأحاديث التي تحدثت عن تنبؤات المستقبل.
1- (لَتُفْتَحَنَّ القُسطنطينيةُ، ولنِعْمَ الأميرُ أميرُها، ولنِعْمَ الجيشُ ذلك الجيشُ).
2- ( لَتَفْتَحَنَّ عِصابَةٌ مِنَ المُسْلِمِينَ، أوْ مِنَ المُؤْمِنِينَ، كَنْزَ آلِ كِسْرَى الذي في الأبْيَضِ).
3- (يظهرُ المسلمون على الرومِ ، ويظهرُ المسلمون على فارسَ ، ويظهرُ المسلمون على جزيرةِ العربِ).
4- وفي الحديث الصحيح (أنَّهُ إذا خرج مسيحُ الضَّلالةِ الأعورُ الكذَّابُ نزل عيسَى بنُ مريمَ على المنارةِ البيضاءِ شرقيَّ دِمشقَ بين مَهْرودَتَيْنِ ، واضعًا يديهِ على منكبيْ ملَكينِ، فإذا رآهُ الدَّجَّالُ انماعَ كما ينماعُ المِلحُ في الماءِ، فيدركهُ فيقتلهُ بالحَربةِ عندَ بابِ لُدٍّ الشَّرقيِّ على بضع عشرةَ خطواتٍ منه).
5- وفي الحديث الصحيح عن نافع بن عتبة بن أبي وقاص (قالَ: تَغْزُونَ جَزِيرَةَ العَرَبِ فَيَفْتَحُهَا اللَّهُ، ثُمَّ فَارِسَ فَيَفْتَحُهَا اللَّهُ، ثُمَّ تَغْزُونَ الرُّومَ فَيَفْتَحُهَا اللَّهُ، ثُمَّ تَغْزُونَ الدَّجَّالَ فَيَفْتَحُهُ اللَّهُ. قالَ: فَقالَ نَافِعٌ: يا جَابِرُ، لا نَرَى الدَّجَّالَ يَخْرُجُ حتَّى تُفْتَحَ الرُّومُ).
6- وفي الصحيح عن أم حرام بنت ملحان (أَوَّلُ جَيْشٍ مِن أُمَّتي يَغْزُونَ البَحْرَ قدْ أوْجَبُوا، قالَتْ أُمُّ حَرامٍ: قُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ أنا فيهم؟ قالَ: أنْتِ فيهم، ثُمَّ قالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أوَّلُ جَيْشٍ مِن أُمَّتي يَغْزُونَ مَدِينَةَ قَيْصَرَ مَغْفُورٌ لهمْ، فَقُلتُ: أنا فيهم يا رَسولَ اللَّهِ؟ قالَ: لا).
7- وتحدث بأن المسلمين سيقتلون اليهودَ، ويُخرجونهم من فلسطين، حتى إذا اختبأ يهوديٌّ وراء شجرة، لتكلمت الشجرة وقالت: يا مسلم تعال ورائي يهودي فاقتله، ولكنه لم يحدد زمنًا معينًا لحدوث هذا الأمر.
نجد في هذه الأحاديث الشريفة، أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعمد إلى اقتحام أسوار الغيب، ولم يحدد زمنًا معينًا، في اليوم، والشهر، والسنة، لوقوع هذه النبوءات؟؟
سؤال كبير
لماذا لم يستخدم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الحسابات الرياضية الملهاة، وحسابات الجُمل الخُلَّبية – إذا كانت صحيحة، كما يزعم صاحب النبوءة الجرارية، التي ثبت كذبها – لتحديد وقتٍ محددٍ، لكل حدث؟!
وهو أعرفُ الناس طُرًّا بالقرآن الكريم، وآياته، وأحكامه، وأسراره.
ولماذا لم يعلمها لأصحابه، حتى يكونوا مسرورين، مبسوطين، فرحين، مرتاحين؟!
لأن كل هذه الأحابيل، وهذه الحيل الخداعية، عبارة عن هرطقة، ودجل، وكذب، وخداع، وتضليل للناس؛ لتخديرهم، وتنويمهم، وقد تبين بطلانها، وكذبها للملإِ أجمع، حينما تم تحديد يوم وقفة عرفة الماضي 8/7/2022 لزوال الاحتلال الصهيوني بنسبة 98%.
ونحن في عالم الطب، لا نتجرأ أن نحدد نسبة شفاء المرضى، بأكثر من 80%، ومع ذلك يتحقق الشفاء لأكثرهم.
ولما جاء اليوم الموعود، المشؤوم على بني صهيون، بأنهم سيتبخرون، ويتطايرون كالعهن المنفوش؛ كما تنبأ، وتكهن!
وإذا بالاحتلال لا يزال موجودًا، صامدًا، ثابت الجنان، راسخ الأقدام، منتفش الريش، ويمتد بفروعه إلى كل مكان، حتى وصل إلى مسجد عرفات. فتم تعيين عبدٌ متصهين، متهود؛ ليوم المسلمين في صلاة عرفات؛ بأوامرهم.
وعلى هذا، فقد خدعهم، وكذب عليهم، وخدَّرهم، وجمَّد عقولهم، وجعلهم ينتظرون، وينتظرون على أمل زوال هذا الاحتلال.. بدلًا من أن يحرضهم على الجهاد في سبيل الله، ومقاتلة جنود الاحتلال على الأرض.
فكانت افتراضاته، ونظرياته الكاذبة، المخالفة لقانون الله تعالى في زوال أي احتلال كارثةً على المسلمين، ومكافأةً للاحتلال، وتثبيتًا لأركانه، وترسيخًا لجذوره.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق