لعل أسوأ ما في زيارة بايدن للمنطقة دعمها الوقح عملية التطبيع وتجاهل الحقوق الفلسطينية والانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة لها. أكّدت السعودية على لسان وزير خارجيتها رفضها التطبيع من دون حل القضية الفلسطينية، وقللت من أهمية الخطوات التطبيعية التي جرت ولم تعلن عنها باعتبارها تطبيعا، سواء ما تعلق بفتح المجال الجوي أو جزيرتي تيران وصنافير.
وهذا يعكس وجود رأي عام سعودي رافض للتطبيع، وهو ما ظهر في التفاعلات على منصّات التواصل الاجتماعي التي تصدّرت فيها الوسوم الرافضة للتطبيع خليجيا وعربيا.
وفي كلمته، رد أمير دولة قطر على دعوات التطبيع المجاني بدون الوصول إلى الحقوق العربية بأنه "كما لديهم رأي عام لدينا رأي عام".
بعد القمة الأميركية مباشرة، قدّم معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى شهادته في موضوع التطبيع، والمعهد ماكينة دعاية صهيونية أكثر منه مركزا علميا. وهو يستخدم الدراسات والاستطلاعات دفاعا عن الرؤية الصهيونية وترويجا لها.
وكما قيل "الفضل ما شهدت به الأعداء"، قدم المركز شهادته - استطلاعه عن التطبيع الخليجي. وهذه الشهادة تُؤخَذ بحذر، فالأسئلة موجّهة لخدمة التطبيع، وصهيوني متشدّد، مثل ديفيد بولوك، يقرأ النتائج بانحياز للتطبيع. وهو يقرأ في ظل استطلاعاتٍ أخرى مهنية غير مؤدلجة صهيونيا. ولعل أهمها استطلاع المؤشّر العربي الذي يستخدم أكبر عينه رأي في 13 بلدا عربيا يجري على مدى أكثر من عقد.
أظهر المؤشّر العربي عام 2020 أن أكثرية السعوديين رفضت التطبيع بنسبة 65%، علمًا أن 29% رفضوا الإجابة عن هذا السؤال، ما يفسَّر عادة بالخشية من الإجابة بالرفض.
وفي المجمل، بلغت نسبة رفض التطبيع خليجيا 88% ومعارضة التطبيع عامة تصل عربيا إلى 88% من مواطني المنطقة العربية يرفضون الاعتراف بإسرائيل.
سبق أن ظهرت هذه النسب في العقد الأول من الألفية في الاستطلاعات التي ظل يجريها مركز الاستطلاعات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، مع ملاحظة أن أول استطلاع أجراه المركز عام 1994 عقب "إعلان واشنطن" بين الملك حسين ورئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين أظهر أن نحو 74% ينظرون بإيجابية لإعلان واشنطن. وقتها صدّق الأردنيون وعود السلام، لكن الوقائع كذّبتها سريعا مع وصول اليمين الصهيوني إلى السلطة.
عودة إلى استطلاع بولوك، يقول بوضوح "وأظهر استطلاع جديد للرأي العام أجراه معهد واشنطن أن نسبة الأشخاص الذين ينظرون إليها بشكل إيجابي في المملكة العربية السعودية والبحرين والإمارات العربية المتحدة قد انخفضت في خلال العام الماضي لتصبح أقلية".
ويوضح أنه "يُظهر استطلاع معهد واشنطن، الذي يعود إلى شهر آذار/ مارس 2022، أن أكثر من ثلثَي المواطنين في البحرين والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ينظرون إلى اتفاقيات إبراهيم بشكل غير إيجابي بعد أقل من عامين. تتناقض المواقف الحالية مع التفاؤل النسبي الذي أبدته نسبة كبيرة من الإماراتيين والبحرينيين والسعوديين وحتى بعض المصريين في الأشهر التي تلت الإعلان عن الاتفاقيات".
يحاول بولوك الهرب إلى تفاصيل عن التطبيع تجاريا ورياضيا وغير ذلك من خلال تجميع مواقف جزئية، لكن هذا ينسفه الموقف الإجمالي برفض أكثر من الثلثين الاتفاقيات، وهي إكثرية في الديمقراطيات تغيّر الدستور.
ليس مفاجئا موقف بايدن، ففي السياسة الخارجية يتنافس الديمقراطيون والجمهوريون في النفاق للوبي الصهيوني، والابتزاز الذي يتعرّض له الخليج والعرب عموما في التطبيع يتناقض تماما مع مفهوم السلام الدائم والعادل.
هو استغلالٌ لحاجة كل دولة على حدة، وفك ارتباطها بالقضية الفلسطينية، وعزل الفلسطينيين عن محيطهم العربي. تستفيد إسرائيل من ذلك بقدر ما تستفيد منه إيران التي استخدمت المخاوف منها لترويج التطبيع، فهي تبدو المدافع الوحيد عن الحقوق العربية، ومن تحاربهم هم عملاء الصهيونية. ما غاب عن بولوك أيضا إن ألدّ أعداء إيران في العراق، التيار الصدري، اتخذ أكثر المواقف تشدّدا ضد التطبيع إلى حد تجريمه في مجلس النواب.
بانتظار استطلاع جديد سيظهر مجدّدا تزايد رافضي التطبيع، فمصر أول بلد عربي أقام سلاما مع إسرائيل تظهر، بحسب شهادة معهد واشنطن، أكثر الدول رفضا للتطبيع .. والفضل ما شهدت به الأعداء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق