عن قصة انفصال الحجاز .. و تحرير الحجاز
سلطان العبدلي مؤرخ حجازي
عن قصة انفصال الحجاز .. و تحرير الحجاز
1- الحجاز معقد الشرف لأمة تعدادها 2مليار، وأصل العروبة ومنبع اللغة ومحتد الروحانية المُسلِمة، وهذه من القضايا المسلَّم بها، فالدعوة لتحريره أمر طبيعي ولا مرية فيه لمن يرنو أنْ تكون قبلته متحررة من رِبقة آل سعود.
2- الاسم الشرعي لما يسمونه بلاد الحرمين، الحجاز وهو الوارد في النص المعصوم عن سيدنا محمد -صلى الله عليه واله وسلم-، كما في حديث الترمذي: “إنَّ الدِّينَ لَيَأْرِزُ إِلَى الْحِجَازِ كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ إِلَى جُحْرِهَا وَلَيَعْقِلَنَّ الدِّينُ مِنَ الْحِجَازِ مَعْقِلَ الْأَرْوِيَةِ مِنْ رَأْسِ الْجَبَلِ”، فالالتزام باللفظ الشرعي المعصوم أولى وأحكم.
3- الدعوة لـ تحريرالحجاز قد يفهمها البعض من زاوية مناطقية أو مصلحية متعلقة باحتلال آل سعود لـلحجاز، وربما فاتته مصالحه الشخصية حيث التغوُّل على البلاد والعباد وبعض آخر من زاوية هاجس إيران معتقداً أنها المرشح للتغول على الحجاز ، مستصحباً أوهامه التاريخية وأحماله الطائفية.
4- في الحجاز مكة و المدينة وهما أجلُّ مدينتين مقدستين عرفتهما البشرية، فما المانع أن تكون الدعوة لتحريره من خزر الدرعية واجبًا قوميًا أخلاقياٍ إسلاميًا؟!
5- فئة من الناس تعتقد الدعوة لـ تحرير الحجاز اعتداء وافتئات على مشروع الوهم الذي انبجس من رأسه؛ ويحاول بائساً يائساً أن يفسد كل مشروع تجتمع عليه الأمة، لأن مشروعه القُطْري الضيق الذي رسمه (البرسي كوكس) بقلمه الأحمر لابن سعود هو غاية ما يؤمن به.
فلا هو يؤمن بالمشروع الإسلامي الواسع الرَّحْب، ولا هو يؤمن بالمشروع القومي العربي,فظل من حيث شعر أو لم يشعر رهينا لمشروع (سايكس بيكو ) سيئ الذِّكْر.
6- الحجاز بمكانته الإسلامية الروحانية في قلوب المسلمين عقبة كأداء حيال الفهوم الضيقة والنفوس المتحشرجة.
7- الدعوة لـتحرير الحجاز في سياق تحرير الأهم فالمهم، فإنْ تحررت الروح وانعتق القلب من سياط المحتل وافتُكَّ من نير المغتصب ؛ فسنكون أقدر على افتكاك ما سواه، وليس من عاقل يعالج أمراضًا فتكت بجسد في القلب ليذهب – ساذجاً- يعالج الأطراف ويداوي البُعَداء.
8- في الحجاز تهوي الأفئدة من العربي والأعجمي وناطق العربية وسواه، فهو يجمع ولا يفرق ويلمُّ و لا يُشتِّت، وهذه تكفي للنظر لـ تحرير الحجاز أنها عملية تحرير شاملة للأمة كلها.
9- المشاغبون على الدعوة لـ تحرير الحجاز لا يَشْغَبون إلا على أنفسهم، فالحجاز ليس ملكًا لعرق أو نسل أو لون أو قبيلة كلا..بل هو ملك لأمة تتوجه إليه كل يوم خمس مرات متعبدة للكعبة المعظمة.
10- الحجاز منذ فجر الرسالة المحمدية وهو يستوعب المسلمين بكل أطيافهم وطوائفهم ، وحُكْمٌ على من وطئت قدماه الديار الحجازية أنْ يندمج في كل الأعراق والألوان والأجناس فينسى أو يلغي كل عصبية تجرُّه للخلف، ليكون مأسوراً في الإحن الرخيصة، ولذا فهو بوتقة الاجتماع ومنطلق الانعتاق من الأُطُر المقيِّدة للانطلاق.
11- كان الحجاز طوال التاريخ المديد لا يخضع ولا يُحكم إلا بأهله في الحكم والعلم والوجاهة والفضل بشتى الأصعدة، ثم حانت لحظة التقسيم وحان أوان التفتيت، وكان احتلال بن سعود للحجاز فكان ما كان من إقصاء الحجاز و الحجازيين شيئا فشيئا عن مسرح إدارة البلاد في كل مجالاتها.
12- من نافلة القول ؛إن الحجازيين هم بُناة الدولة منذ نشأتها؛ فالوزراء والمستشارون والسفراء كانوا من الحجاز وعلماء الحجاز وأئمة الحرمين كانوا من مكة والمدينة ، إلا أن ابن سعود لم يكن يثق بولائهم, كما يحكي ذلك مستشاره الشيخ عبدالله جون سانت فيلبي، الجاسوس البريطاني الشهير، فاستجلب من أجل ذلك الدملوجي ووهبة وحمزة وياسين وعشرات غيرهم، لتستوي الكفة أو تميل لجناحه، حيث كلنا يعرف ؟إمكانات بن سعود العلمية والمهنية-حاشا عمالته المتفردة- ومن هنا منذ البداية كان مشروع التصفية والقضاء على النخبة الحجازية شيا فشئياً، واستكمل المشروع أبناؤه الفجرة.
13- وبما أن عهد التأسيس يشوبه الضعف والحذر والريبة ,قربهم وأفاد منهم، فلما استوسق الأمر وزاد استيثاقه مع ظهور وسائل التحكم وهي (لعنة الزِّفْت الأسود) بدأت اللعبة تظهر بجلاء ووضوح.
14- في العهد “الفهْدي” ؛ طفحت على السطح بشراسة لامثيل لها عملية التهميش الممنهجة للحجاز و الحجازيين، وأبرز أمثلة ذلك ما يلوح لكل ناظر في إدارة الدولة حيث توزيع المناصب الوزارية والعسكرية والقيادات الأمنية والخِدْمات التنموية في البلاد التي رسم حدودها شيخهم ( برسيكوكس ) فنحَّى فهد كل الوزراء الحجازيين وكبار المسؤؤلين، إلا في وزارتيْ الحج والإعلام والنفط التي قضى عليهم بضربته الكاسرة ،وكُلِّف وزيرُ ماليته ذي الارتباطات المعروفة بدوائر الاستخبارات الأمريكية (أبا الخيل) بتتويج المهمة من خلال الإقصاء البيِّن والزج بمئات المليارات للنخبة النجدية الحاكمة من خلال الصفقات المليارية الضخمة، صفقات السلاح وضخ مئات المليارات في الرياض ومنطقة النخبة الحاكمة .
15- في خضم التعالي للصوت الإسلامي في المنطقة كلها, كان ولابد من إكمال مابدأه العرق الخزري من خطته المتئدة في غفلة من الأمة والشعب بسِنِيِّ الطفرة الشهيرة، فكانت توسعة الحرمين في مكة و المدينة .
ليكمل الجزء الأهم من تدمير الحجاز وتحطيم الحجازيين ومن ورائهم أمة الـ2مليار ، فبدأ التوسعة المدمرة التي أزالت كل معالم النبوة والآثار التاريخية من بيوت الصحابة ومعالم السيرة النبوية.
16- ولن يفوت النخبة النجدية الحاكمة استخدام فتاوى الهوس الوهابي القائم على القطيعة مع الآثار والمبنية على إزالة ذرائع الشرك الموهوم.
17- أراد بذلك ترسيخ وتخليد وازعاً نفسياً مهمً في أغوار نفس كل زائر لـ الحجاز وناشئٍ لم يعرف التاريخ، أن التأريخ بدأ من آل سعود حتى مكة والمدينة! فحصل بذلك طمس هُوية 2مليار وأهان الحجازيين في عقر دارهم.
18- ظل المشروع قائماً في عهد عبدالله، وبعد أنْ تم نَجْدَنة الدولة والمجتمع على التمام، ابتلي المسلمون والحجازيون على وجه الخصوص بعهد جديد بعد النجدنة لمفهوم أعمق وهو سَلْمَنَة الدولة وهو معنى أدق وأخص من النجدنة، ولو سميناه النجدنة المتشددة أو النجدنة المحافظة لصح ذلك بلا مثنوية، حيث كانت العهود البائدة عهود النجدنة الناعمة، والآن بدأنا النجدنة الاستئصالية لكل التنوع في البلاد وبات مشروع القهوة السعودية غاية ما طمح إليه هذا العهد من شغف استئصالي، وبعد أن كانت العَرْضَة فلكلور شعبي- رقصة شعبية شاملة تعبر عن البلاد مهمشة عسير و الحجاز و الأحساء و القطيف و حائل وشمَّر وقبائل الشمال العتيدة ،صارت إمعاناً في التهميش الخزري للبلاد.
19- مماعاناه الحجازيون التنمر على أكلهم ولباسهم وعاداتهم وأعراقهم وتنوعهم ما لايكاد يخطر على بال، فكان عليهم أنْ ينْحَنُوا للعاصفة الهوجاء القاتلة-ضعفا أوتكتيكاً- التي استباحت كل مقدراتهم المائية والاقتصادية والبشرية والمهنية.
20- من أروقة الديوان الملكي تخرج تنمرات الفَدَّادين كل عبارات التنقُّص مثل (طرش البحر حج ولم يعد الزيود) وهم جبال الحجاز و البدو على جهة الامتهان، وهم مطير و عتيبة و حرب و بلي و جهينة و القرشان و هذيل ،بل لايجد فرعون عسير-خالد فيصل- أن يصفهم بأنهم قرود على حيود!
21- ثمة حربٌ شرسة حتى على المستوى الفني ،الكلمات الغنائية والمسلسلات وأزيح كل التقليد الحجازي من المشهد قصدا من بداية العهد”الفهْدي”، مع أنه لليوم كل الطبقة المذكورة مستوردة من المناطق الأخرى، وعلى مستوى القضاء والهيئات الدينية كما في الإفتاء وهيئة كبار علمائهم ما لايدع مجالاً لذي عينين أنْ يرى كل معاني الازدراء والإقصاء.
22- فالهُوية هنا إما أنْ تكون نجدياً مثلنا أو أن تكون مواطنا مهمشاً لا قيمة لك ولا رأي ولا شأن، لا..بل تكون موضع تهمة ومظنة الشك وموضع الريبة من الولاء للوطن، هنا وصلتْ السنون القبيحة حيث يُتهم كل من لا يمشي في ركاب نجدنة البلاد والمجتمع، وقد قال أحد أكابر محدثي الحجاز لما سأله أحد المشايخ ، لمَ لاتدرس-ياشيخنا- في المسجد النبوي؟ فقال الشيخ حماد الأنصاري: أما تعلم ياشيخ أن هناك ركناً سادساً من أركان الإسلام؟ فأجابه الشيخ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ فقال الشيخ حماد: لا..بل أنْ تكون نجدياً.
23- قضية التهميش لا يعمى عنها إلا مطموس الأخلاق مغموز القناة هزيل الجانب عديم النُّبْل، وهي ظاهرة طافحة في البلاد، وبطبيعة الحال تقود للرغبة لخيارات أخرى (مجبورين غير مختارين) فيمن لا يعدُّك إلا من سِقْط المتاع، وذلك ما لا يتمناه كل أبيِّ الضيم يريد جمع أمته على العدل والهدى، ولذلك حثيثية المطالبة (فورا) باسترجاع الأمر لنصابه والشراكة على مبدأ المساواة والحقوق العادلة واقتسام الثروات كلٌّ حسب مستخرجات بلاده .
24- وهذه الحقوق هي ما تتمتع و تتمنطق به النخبة النجدية التي تتراءاها في بلاد الغرب, لكنها تستكثر ذلك على الحجازيين وغيرهم من أبناء البلاد، لأنها حتما ستدرك(ولات ساعة مندم) حجمها ومكانها الطبيعيين ، إنْ اتخذ كل أحد منزلته اللائقة به.
25- هنا كانت الدعوة لـ تحرير الحجاز أمرًا بديهيًا منطقيًا، ثم ما يعانيه الحجاز من جعل الحج مصيدة للحجاج والمعتمرين وتعسيره على الناس واستشراط الصعائب عمَّق الكارثة.
26- الكل مطالب معنا في افتكاك الحجاز مما فيه ، شرعا و الحجازيون كلهم جبلاً وساحلا ًوتهامة حواضر وأشرافا وقبائل, أولى الناس بإدارة شؤونهم من محتليه ، فلدينا من الثروات والإمكانات والعلاقات ما يمكن أنْ نقدم به حجا آمنًا للمسلمين بعيداً عن التهويشات والانتهازية السياسية.
27- نعلم جميعاً أن الإنجليز حينما هيئووا ابن سعود لاحتلال الحجاز بعد رفض الشريف التنازل عن القدس, من أنه مقصود لذاته لأن من يحكم الحجاز ستكون له الكلمة العليا في العالم الإسلامي؛ وفي قضية القدس تحديداً، وهذا ما جرى بالفعل لكل قارئ نبيه للتاريخ.
28- وهنا يأتي سؤالان مهمان متساوقان لا ينفك أحدهما عن الآخر:
الأول ما سبب ما نحن فيه الحجازيين من بلاء وتهميش؟ والثاني: ما هو المخرج من هذه الحال التي ادلهمَّتْ علينا منذ مئة عام؟
والجواب على الأول فيه من الأنا والخوف والتلبيس كما هي كل الأنظمة العربائيلية المستبدة، حيث تخاتل الناس ثم تستقوي عليهم بصمتهم وجبنهم.
وجواب الثاني، وهو واجب الوقت:
1.الحديث الدائم عن حقوق الحجازيين يجب أن يكون مبعوثاً في كل الوسائل.
2.الاعتداد بالمجد الحجازي أياً كان، ومن أي عرق أو قبيلة أو مدينة، على اختلاف المشارب وتنوع المذاهب وتعدد الاتجاهات.
3.يجب على الحجازيين أن يكونوا الأحرص على قضيتهم والأكثر فاعلية، ليس ذلك من أجل ذاتية الموقف، وإن كان هذا مبرراً، ولكن لأن الحجاز الذي اختيروا ليجاوروا فيه هو نعمة وابتلاء لننظر أنشكر أم لانقوم بحقها ، حيث يتعلق حقها بحقوق 2 مليار مسلم.
4.مضى زمان العجز ورمي الأحمال على غيرنا وبسبب تفريطنا نحن وصلنا إلى هذه الحال التي لا تسر صديقاً.
5.نحن وبكل صراحة ودون مداورة نستقوي بأمتنا لـ تحرير الحجاز ولن نقف مكتوفي الأيدي لننتظر عدواً من سوى أنفسنا، ليستغل ضعفنا وتشرذمنا ولاتهمه غير مآربه.
6.بدأ الجد والعمل، ونحن أمام حِجَجٍ متوالية والنظام قد ضعف وانهياره ليس بعيداً، ورصُّ الصفوف لازم، ومما يناسب حالنا وظرفنا تحركنا في الحج للتنسيق مع المسلمين على المستوى التوعوي والفكري ثم الحركي الميداني، فبضعة آلاف كفيلة بتحريك الجماهير المسلمة في الحجاز المحتل ..
29- قبل النهاية: الحجاز وبعد هذه التغيرات ومشروع نيوم و هددجهينه و تندحه بات مهددًا باحتلال اقتصادي مُريع من قبل الشركات الصهيونية، مما يعني احتلالاً وشيكاً لمكة والمدينة من خلال تجنيس اليهود بجنسية الإمارات و البحرين، وحيث ألغى العهد السلماني شرط استثناء الخليجيين من الاستثمار في مكة والمدينة، وقد ذكر كمال صليبي وحمد الجاسر ومحمد منصور في كتبهم المدونة منذ نهاية الخمسينيات الميلادية، أن موسى واليهود وكل ما يخصهم في الحجاز ، دع عنك خيبر و تغريدات القوم أبينُ من أنْ يوضحها أحد، فالوضع خطِر للغاية ،ونحن مهددون بخطر ثقافي احتلالي بعد الاقتصادي ، ولا حول و لا قوة إلا بالله.
30- ولئلا يتذاكى متذاكٍ فيورد فكرة الإنفصال، نقول له: لدينا نحن الأمة الحجازية من الشجاعة للمناداة بالانفصال-لو أردنا- ولكنَّ هذا متعذِّر لنظرتنا الإسلامية في كل قضايانا، وهذا التهمة هي مايرمي بها النظام تجار الحجاز أنهم انفصاليون، وأنهم كوَّنوا حزباً انفصالياً! وهي كما قال الشاعر:
وتلك شكاة ظاهرٌ عنك عارُها
فرَّج الله عن الأمة الحجازية ماتعانيه، وعجَّل بخلاصها من حكم آل سعود.
والله ولي المتقين وناصر المستضعفين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق