مفاتيح العبودية زمن الأزمات
د. بنداود رضواني
دكتوراة في الفكر الإسلامي ومقارنة الأديان باحث في قضايا الاستغراب
تعالوا نذكر بالقضية المركزية في عقيدة المسلم في البدء، و هي أن أفعال الباري جل جلاله حكمة كلها، و رحمة كلها، و عدل كلها…و ما تتقلب فيه البشرية اليوم من مخاوف وأزمات انما يستطبن الكثير من الحكم الإلهية و الرحمات الربانية، و تجلي للعقلاء العدالة الإلهية فيما قضى به وحكم سبحانه…
و لكن أكثر الناس لا يفقهون.
و البادي أن إطباق هذه الأزمات المختلفة على العالم اليوم إنما يقصد منه الإنسان بوجه عام بغض النظر عن لونه او جنسه او عمره و حتى دينه..
فالمحن قد ألمت بالناس اليوم إلماما، و استفز مشاعرهم استفزازا، لعلهم يشعروا من جديد بإنسانيتهم بعد أن تبلدت المشاعر الفطرية في الكثير منهم، و جفت ينابيع قلوبهم من مياه الحب والود و الرأفة والتراحم..، و استحكمت العديد منهم المنفعة المادية و الانتهازية المقيتة…..!!!
إنها لحظة فارقة في تاريخ الإنسانية مجتمعة، وليس لحظة تهم بلدا دون آخر ، أو قارة دون قارة..
إنها لحظة تذكر الجميع حيثما كانوا بوزن الإنسان الحقيقي و قيمته الوجودية في هذا الكون، تذكرهم بالحقيقة الأساسية الأولى المبثوثة في الفطر و المسجلة في البقايا الأصيلة من وصايا الأنبياء و الرسل عليهم الصلاة و السلام…
و هي أن ابن آدم مهما ترقى في مدارج الفتوحات العلمية فهو أولا و آخرا عبد مملوك لإله الأرض و السموات…، عبد مملوك لخالق كل شيء، ورازق كل حي، و مدبر كل أمر، قد أحاط بكل شيء علما، و أحصى كل شيء عددا سبحانه..
و أما الحقيقة الثانية فتتجسد في أن كل من في السموات و الأرض خلقه وعباده.. وجنده وعبيده… فمنهم المرئي ومنهم المخفي، منهم المكشوف و منهم المستور، منهم الطيني و منهم النوراني ومنهم الناري….، ومع ذلك فالكل في قبضة قدرته..وطوع مشيئته يقول جل جلاله، ( لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ) 1. ويقول كذلك، ( لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) 2.
إن الأجدر بالناس ألا يعتقدوا أن ما ابتلوا به اليوم من ترادف الأوبئة والحروب والقحط…..محض العبث والتفاهة…!!!!، بل الواجب أن يولوا قلوبهم وعقولهم للعبر و الدروس التي تحملها هذه الأزمات…
ولعل أصدق الناس تجاوبا مع هذه الآلام و المخاوف، من كان أسرع أوبة و توبة الى بارئه و موجده..، و أشد إدراكا إلى أنه لم يخلق عبثا ولم يترك سدى..و إنما خلق لغاية و حكمة…إذ لم يخلق لنفسه..و لم يخلق ليتمتع كما تتمتع البهائم ..
وإنه لأمر عظيم ان يدرك ابن آدم أنه لم يخلق لذاته …و إنما خلق لعبادة خالقه و سيده سبحانه…
الجواب هو أن من فقد بوصلة الإيمان، واستغنى عن كلمات الوحي، واستبدلها بالمادة و التي هي أدنى، فالمعهود في أفعاله الإفساد لا الإصلاح….، وهذا حال جمهور العدميين، كما أن أمرهم هذا معلوم من الواقع و التاريخ بالضرورة….، لكن المأسوف عليه هو غياب حملة الوحي الخاتم، غياب المسلمين عن ساحة الفعل الحضاري..تخلفهم في ميدان التدافع و المدافعة..
فالنتجة المقلقة إذن هي: أن العالم يوما بعد يوم يخسر الشئ الكثير بسبب انحطاط المسلمين…ورحم الله ابا الحسن الندوي حين جعل احد كتبه وعاء لهذه الفكرة فوسم كتابه: ب ” ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين”.
إن المأزم الذي يكبل البشرية اليوم جذره الأساسي قيمي قبل اي شيء آخر…، و أسه و أساسه أخلاقي بامتياز.
لذا تبقى أوضح الطرق لإعادة الناس إلى إنسانيتهم، والبشر إلى فطرتهم الأولى.. طريق التذكرة بأصلهم و مصيرهم، و ربطهم بسيدهم و خالقهم…، و لن يحصل ذلك إلا حين ينهض المسلمون أولا بالمهمة الكبرى التي نهض بها انبياء الله و رسله ألا وهي مهمة الدعوة الى الله….تلك هي الخطوة الأولى في سبيل إسعاد البشرية وبث الأمن الأمان في المجتمعات الإنسانية، يقول الباري جل جلاله، ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ).3.
1- سورة الأنبياء، الآية27.
2- سورة التحريم، الآية 6.
3- سورة فصلت، الآية 33.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق