الأربعاء، 13 يوليو 2022

مفاتيح العبودية زمن الأزمات

 مفاتيح العبودية زمن الأزمات

د. بنداود رضواني

دكتوراة في الفكر الإسلامي ومقارنة الأديان باحث في قضايا الاستغراب

تعالوا نذكر بالقضية المركزية في عقيدة المسلم في البدء، و هي أن أفعال الباري جل جلاله حكمة كلها، و رحمة كلها، و عدل كلها…و ما تتقلب فيه البشرية اليوم من مخاوف وأزمات انما يستطبن الكثير من الحكم الإلهية و الرحمات الربانية، و تجلي للعقلاء العدالة الإلهية فيما قضى به وحكم سبحانه…

و لكن أكثر الناس لا يفقهون.

و البادي أن إطباق هذه الأزمات المختلفة على العالم اليوم إنما يقصد منه الإنسان بوجه عام بغض النظر عن لونه او جنسه او عمره و حتى دينه..

فالمحن قد ألمت بالناس اليوم إلماما، و استفز مشاعرهم استفزازا، لعلهم يشعروا من جديد بإنسانيتهم  بعد أن تبلدت المشاعر الفطرية في الكثير منهم، و جفت ينابيع قلوبهم من مياه الحب والود و الرأفة والتراحم..، و استحكمت العديد منهم المنفعة المادية و الانتهازية المقيتة…..!!!

إنها لحظة فارقة في تاريخ الإنسانية مجتمعة، وليس لحظة تهم  بلدا دون آخر ، أو قارة دون قارة.. 

إنها لحظة  تذكر الجميع حيثما كانوا بوزن الإنسان  الحقيقي و قيمته الوجودية في هذا الكون، تذكرهم بالحقيقة الأساسية الأولى المبثوثة في الفطر و المسجلة في البقايا الأصيلة من وصايا الأنبياء و الرسل عليهم الصلاة و السلام…

و هي أن ابن آدم مهما ترقى في مدارج الفتوحات العلمية فهو أولا و آخرا  عبد مملوك لإله الأرض و السموات…، عبد مملوك لخالق كل شيء، ورازق كل حي، و مدبر كل أمر، قد أحاط بكل شيء علما، و أحصى كل شيء عددا سبحانه..

و أما الحقيقة الثانية فتتجسد في أن كل من في السموات و الأرض خلقه وعباده.. وجنده وعبيده… فمنهم المرئي ومنهم المخفي، منهم المكشوف و منهم المستور، منهم الطيني و منهم النوراني ومنهم الناري….، ومع ذلك فالكل في قبضة قدرته..وطوع مشيئته يقول جل جلاله، ( لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ) 1. ويقول كذلك، ( لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) 2.

إن الأجدر بالناس ألا يعتقدوا أن ما ابتلوا به اليوم من ترادف الأوبئة والحروب والقحط…..محض العبث  والتفاهة…!!!!، بل الواجب أن يولوا قلوبهم وعقولهم للعبر و الدروس التي تحملها هذه الأزمات…

ولعل أصدق الناس تجاوبا مع هذه الآلام و المخاوف،  من كان أسرع أوبة و توبة الى بارئه و موجده..، و أشد إدراكا إلى أنه لم يخلق عبثا ولم يترك سدى..و إنما خلق لغاية و حكمة…إذ لم يخلق لنفسه..و لم يخلق ليتمتع كما تتمتع البهائم ..

وإنه لأمر عظيم ان يدرك ابن آدم أنه لم يخلق لذاته …و إنما خلق لعبادة خالقه و سيده سبحانه…

و في خضم هذه الصروف و البلايا التي تعصف بالناس، فحري بنا نحن المسلمين ان نحجم عن إلقاء اللوم على الغير  في كل ما يقع للإنسانية اليوم…
لم الإحجام…؟

الجواب هو أن من فقد بوصلة الإيمان، واستغنى عن كلمات الوحي، واستبدلها بالمادة و التي هي أدنى، فالمعهود في أفعاله الإفساد لا الإصلاح….، وهذا حال جمهور العدميين، كما أن أمرهم هذا معلوم من الواقع و التاريخ بالضرورة….، لكن المأسوف عليه هو غياب حملة الوحي الخاتم، غياب المسلمين عن ساحة الفعل الحضاري..تخلفهم في ميدان التدافع و المدافعة..

فالنتجة المقلقة إذن هي: أن العالم يوما بعد يوم يخسر الشئ الكثير بسبب انحطاط المسلمين…ورحم الله ابا الحسن الندوي حين جعل احد كتبه وعاء لهذه الفكرة فوسم كتابه: ب ” ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين”.

إن المأزم الذي يكبل البشرية اليوم جذره الأساسي قيمي قبل اي شيء آخر…، و أسه و أساسه أخلاقي بامتياز.

لذا تبقى أوضح الطرق لإعادة الناس إلى إنسانيتهم، والبشر إلى فطرتهم الأولى.. طريق التذكرة بأصلهم و مصيرهم، و ربطهم بسيدهم و خالقهم…، و لن يحصل ذلك إلا حين ينهض المسلمون أولا بالمهمة الكبرى التي نهض بها انبياء الله و رسله ألا وهي مهمة الدعوة الى الله….تلك هي الخطوة الأولى في سبيل إسعاد البشرية وبث الأمن الأمان في المجتمعات الإنسانية، يقول الباري جل جلاله، ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ).3.


1- سورة الأنبياء، الآية27.
2- سورة التحريم، الآية 6.
3- سورة فصلت، الآية 33.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق