نظرات قرآنية حول سورة الإسراء (2)
د. حاكم المطيري
﴿فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل وأعتدنا للكافرين منهم عذابا أليما﴾
تواترت النبوءات عن النبي ﷺ التي تؤكد عودة المسلمين إلى حال الاستضعاف بعد الاستخلاف، وتداعي الأمم عليهم؛ بتركهم الجهاد حتى دفاعا عن أنفسهم، وفقدهم شروط الاستخلاف، وفقدهم سيادتهم وولايتهم على المسجدين على يد اليهود والنصارى وأوليائهم؛ كما في سورة الإسراء ﴿ثم رددنا لكم الكرة عليهم﴾!
عن حذيفة -كما في البخاري (8/ 123)- قال: («لقد خطبنا النبي ﷺ خطبة، ما ترك فيها شيئا إلى قيام الساعة إلا ذكره»، علمه من علمه وجهله من جهله، إن كنت لأرى الشيء قد نسيت، فأعرف ما يعرف الرجل إذا غاب عنه فرآه فعرفه).
وكما في حديث عن ثوبان -عند أبي داود وأحمد بإسناد صحيح- قال: قال رسول الله ﷺ: (يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن، فقال قائل: يا رسول الله، وما الوهن؟ قال: حب الدنيا، وكراهية الموت)، وفي لفظ عند أحمد: (قالوا: فما الوهن يا رسول الله؟ قال: حبكم الدنيا وكراهيتكم القتال)!
وروى ابن ماجه (2/ 1332) عن عبد الله بن عمر، قال: أقبل علينا رسول الله ﷺ، فقال: (يا معشر المهاجرين خمس إذا ابتليتم بهن، وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط، حتى يعلنوا بها، إلا فشا فيهم الطاعون، والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان، إلا أخذوا بالسنين، وشدة المئونة، وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم، إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله، وعهد رسوله، إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم، فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله، ويتخيروا مما أنزل الله، إلا جعل الله بأسهم بينهم).
وفي مسلم (1/ 131) عن ابن عمر، عن النبي ﷺ قال: «إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ، وهو يأرز بين المسجدين، كما تأرز الحية في جحرها».
تواترت الأخبار عن النبي ﷺ في ترك الأمة للجهاد وفقدها للسيادة وعلو اليهود عليها؛ باتباعها أهواءهم؛ قال ﷺ: (إذا تبايعتم بالعينة [الربا]… وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا حتى تعودوا إلى دينكم) وقال ﷺ: (لتتبعن سنن من كان قبلكم اليهود والنصارى) و(لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي أخذ الأمم قبلها كفارس والروم)!
لما والى العرب الجاهليون، والترك القوميون اليهود والنصارى، واتبعوا أهواءهم واستبدلوا قانونهم الوضعي بحكم الله، واستباحوا الربا الذي آذن الله بحرب من لم ينته عنه، وتركوا الجهاد الذي هو ذروة سنام الإسلام؛ جرت عليهم سنة الله في بني إسرائيل؛ فأدالهم عليهم عقوبة لهم ﴿رددنا لكم الكرة عليهم﴾!
حدد النبي ﷺ نهاية الاستخلاف الأول للمؤمنين بغياب الخلافة وافتراق الأمة وظهور (دعاة على أبواب جهنم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا) من العرب! وحذر منهم فقال: (اعتزل تلك الفرق) وجعل العصمة من فتنتهم بالأمة والخلافة الواحدة (الزم جماعة المسلمين وإمامهم) (إن كان لله في الأرض خليفة فالزمه)!
كما في حديث حذيفة بن اليمان في الصحيحين؛ قال: كان الناس يسألون رسول الله ﷺ عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: «نعم» قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: «نعم، وفيه دخن» قلت: وما دخنه؟ قال: «قوم يهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر» قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: «نعم، دعاة إلى أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها» قلت: يا رسول الله، صفهم لنا؟ فقال: «هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا» قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم، قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال «فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض بأصل شجرة، حتى يدركك الموت وأنت على ذلك».
وفي رواية أبي داود (4/ 95) قال: إن الناس كانوا يسألون رسول الله ﷺ عن الخير، وكنت أسأله عن الشر، فأحدقه القوم بأبصارهم، فقال: إني أرى الذي تنكرون، إني قلت: يا رسول الله، أرأيت هذا الخير الذي أعطانا الله، أيكون بعده شر كما كان قبله؟ قال: «نعم» قلت: فما العصمة من ذلك؟ قال: «السيف» قلت: يا رسول الله، ثم ماذا يكون؟ قال: «إن كان لله خليفة في الأرض فضرب ظهرك، وأخذ مالك، فأطعه، وإلا فمت، وأنت عاض بجذل شجرة»، قلت: ثم ماذا؟ قال: «ثم يخرج الدجال معه نهر ونار، فمن وقع في ناره، وجب أجره، وحط وزره، ومن وقع في نهره، وجب وزره، وحط أجره»، قال: قلت: ثم ماذا؟ قال: «ثم هي قيام الساعة».
تزامن نهاية الاستخلاف للأمة مع غياب الخلافة وفقد السيادة والولاية على المسجدين الحرام والأقصى بظهور النصارى عليهم وعلو اليهود بفلسطين وظهور الدعاة العرب على أبواب جهنم يفرقون وحدتها ويقاتلون مع عدوها ضدها ليحتل أرضها وليجعل من يواليهم منهم رؤساء عليها فتحققت النبوة بأوضح صورها!
﴿ثم رددنا لكم الكرة عليهم﴾
لم يُستباح الربا في المسجد الحرام والمسجد الأقصى منذ ظهور الإسلام وفتح النبي ﷺ مكة وإبطاله له وفتح عمر القدس إلا بعد سقوط الخلافة العثمانية ووقوع جزيرة العرب والشام كلها تحت نفوذ الحملة الصليبية البريطانية الفرنسية؛ فاستحل الربا بمكة والقدس؛ كما استحله اليهود وعرب الجاهلية من قبل!
﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله﴾
لا يستطيع أحد منع بنوك الربا في عواصم الإسلام الدينية منذ سقوطها تحت نفوذ الحملة الصليبية المعاصرة ١٩١٨م واشتراطها على دولها التي أقامتها الالتزام بنظامها الربوي اليهودي؛ فعادت الجاهلية الاقتصادية التي أبطلها النبي ﷺ بعد فتح مكة، وعاد اليهود من جديد؛ ليفسدوا في الأرض بعد إصلاحها!
﴿فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل وأعتدنا للكافرين منهم عذابا أليما﴾
﴿وترى كثيرا منهم يسارعون في الإثم والعدوان وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين﴾.
بعد أن ذكرت الإسراء الوعد الحق بظهور المؤمنين والوعيد الصدق الذي سبق على بني إسرائيل في المرتين؛ قررت السنة الربانية المطردة فيهم إلى قيام الساعة ﴿عسى ربكم أن يرحمكم﴾ إن اتبعتم كتبه وأطعتم رسله ﴿وإن عدتم﴾ إلى كفركم وفسادكم في الأرض بالفتن والحروب؛ ﴿عدنا﴾ ببعث عبادنا عليكم.
أجرى الله السنن التي لا تتحول ولا تتبدل على أمة موسى ﷺ؛ كما على أمة محمد ﷺ، فمن أعرض منهم عن هدايات كتبه ورسله ﴿فإن له معيشة ضنكا﴾؛ لقيام الحجة عليهم بالأنبياء والكتب؛ كما قال في الإسراء ﴿ولا تجد لسنتنا تحويلا﴾ وقال في فاطر: ﴿فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا﴾!
كل ما جرى على بني إسرائيل بعد موسى ﷺ من المحن والعذاب والسبي حين أعرضوا عن هدى التوراة؛ حلّ مثله بأمة محمد ﷺ حين أعرضوا عن هدى القرآن؛ كما في فواتح الإسراء ﴿وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل﴾ ثم ذكر وعيده لهم بالمرتين ثم ذكر القرآن ﴿إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم﴾!
سيتكرر بعث العباد المؤمنين على بني إسرائيل﴿بعثنا عليكم عبادا لنا﴾ بتكرر أسبابه وهو ظهور الفساد منهم في الأرض ﴿كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادا﴾ فتوعدهم ﴿وإن عدتم عدنا﴾ ببعث من يسومكم سوء العذاب؛ قال ابن عباس: الذين يسومونهم محمدﷺوأمته إلى يوم القيامة!
أجمع أئمة التفسير كما عند ابن جرير الطبري على أن الوعيد بحق اليهود – في سورة الأعراف وهي مكية كالإسراء – ﴿ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب﴾ المراد بهم محمدﷺ وأمته خاصة مع عموم الآية؛ ليتأكد أنهم هم الذين عناهم الله بقوله ﴿بعثنا عليكم عبادا لنا﴾ ﴿وإن عدتم عدنا﴾ ببعثهم عليكم.
لن تكون الفئة التي يبعثها الله على بني إسرائيل يسومونهم سوء العقاب – كلما عادوا للفساد في الأرض – هي الأمة نفسها التي جعل الله لليهود عليهم الكرّة ﴿ثم رددنا لكم الكرة عليهم﴾؛ بل يستبدل الله قوما غيرهم ﴿وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم﴾ يستعيدون وصف ﴿عبادا لنا﴾.
جرت سنة الله باستبدال الأقوام من أمة محمد عبر تاريخ الإسلام، فحين تخلى العرب عن القيام به والجهاد في سبيله؛ استبدل بهم الكرد؛ فأعزهم به وحرروا المسجد الأقصى، ثم الترك؛ ففتحوا القسطنطينية وتحققت فيهم البشارة وشرفهم الله بالخلافة أربعة قرون؛ بلا منازع؛ وكانوا أقوم خلفاء الإسلام بالجهاد!
كما فيه مستدرك الحاكم (4/ 553) عن عبدالله بن عمرو بن العاص قال: كنا عند رسول الله ﷺ، فسئل أي المدينتين تفتح أولا؟ – يعني القسطنطينية أو الرومية – فقال ﷺ: «مدينة هرقل أولا» يعني القسطنطينية.
وفيه (4/ 468) عن بشر الغنوي قال؛ قال ﷺ: «لتفتحن القسطنطينية، فلنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش!» وهو الفتح الذي خص الله به محمدا الفاتح!
اشترط الله في عباده الذين يستبدل بهم من ارتدوا عن دينه أن ﴿يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء﴾ وقد قرب ظهورهم؛ ليتحقق وعده فيهم وفي بني إسرائيل ومن تولاهم من العرب ﴿ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد﴾!
لن يكون العباد المؤمنون الذين سيبعثهم الله على بني إسرائيل ليدخلوا المسجد الأقصى وليسوءوا وجوههم؛ كمثل من كرّ عليهم اليهود؛ بل أبرز صفاتهم إنفاق الأموال في سبيل الله وإقامة الجهاد،﴿إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا﴾ ﴿ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم﴾ وهم ليسوا كأعداء الله الذين ﴿ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون﴾.
أوشك اليوم بعد طغيان اليهود وفسادهم في الأرض أن يتحقق الوعد الحق فيهم ﴿وإن عدتم عدنا﴾ وأوشك تحقق بعث الله الثاني لأمة محمد ﷺ عليهم؛ كما بشر النبي ﷺ (إن الله يبعث على رأس كل مئة سنة من يجدد لهذه الأمة أمر دينها) ويشترط للتجديد والبعث الجديد؛ العودة للإسلام والجهاد في سبيل الله!
أبى الله أن يكون للعرب شرف تحرير القدس والمسجد الأقصى بالعربية الجاهلية والوطنية الفلسطينية مع كل ما بذلوه خلال قرن؛ حين أعرضوا عن دينهم وتولوا عدو الله وعدوهم، وظنوا أنهم ينصرونهم، وادخر الله هذا الشرف للبعث الجديد الذي يصنعه الله على عينه الآن؛ لينفذ وعده ويظهر دينه وينصر عباده!
ذكرت فواتح الإسراء موسى ونوحا في سياق الغاية من الإسراء بين المسجدين ﴿لنريه من آياتنا.. وآتينا موسى الكتاب.. ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا﴾ وفيها إشارة إلى امتداد دعوة التوحيد من نوح أول رسول وتوارث الأنبياء من ذريته الرسالة والكتب وعلاقة نوح بالمسجدين الحرام والأقصى!
نوح هو أبو البشر وآدم الثاني وأبو جميع الرسل بعد الطوفان، وقد كان المسجدان الحرام والأقصى في الأرض قبله منذ عهد آدم ﴿إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين﴾ وأول الناس آدم وبنوه فمكة أول قرية ﴿لتنذر أم القرى﴾ والمسجد الحرام أول بيت عبد آدم وذريته الله فيه في الأرض.
بُني المسجد الأقصى بعد المسجد الحرام بأربعين سنة؛ كما في الصحيحين – البخاري (4/ 162) و مسلم (1/ 370)- عن أبي ذر، قال: قلت: يا رسول الله، أي مسجد وضع أول؟ قال: «المسجد الحرام». قلت: ثم أي؟، قال: «ثم المسجد الأقصى» قلت: كم كان بينهما؟ قال: «أربعون، ثم قال: حيثما أدركتك الصلاة فصل، والأرض لك مسجد».
وأخبر القرآن بأن مكة هي أم القرى، وأول المدن وأصلها، وأن المسجد الحرام ببكة أول بيت وضع للناس؛ ليعبد الله فيه في الأرض، وكان أول الناس هو آدم وبنوه؛ فهو إذًا الذي بنى المسجد الأقصى لعبادة الله، والقدس هي ثاني مدن الأرض!
حج جميع الأنبياء البيت الحرام ﴿وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا﴾ وفي الأثر (ما من نبي إلا وحج البيت) وكان نوح أول من جدد المسجدين الحرام والأقصى بعد الطوفان ليعبد الناس الله فيهما ويحجوا البيت كل عام ﴿إنه كان عبدا شكورا﴾ فاقتضى التنويه بفضله في سياق خبر الإسراء بين المسجدين.
نجى الله نوحا من قومه وجعل في ذريته النبوة والكتاب ﴿ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب﴾ فذكرت الإسراء في فواتحها التوراة والقرآن ﴿وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل.. ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا.. إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم﴾!
ذكر الله نوحا في أولي العزم من الرسل أصحاب الشرائع وشريعة محمد ﷺ امتداد لشرعه ﴿شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين﴾ وأمر الله بالاقتداء به في صبره على قومه ﴿فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تستعجل لهم﴾ وكان أشبه الرسل به محمد ﷺ.
صبر النبي ﷺ على السخرية والاستهزاء من قومه ﴿ولقد استهزئ برسل من قبلك﴾ كما سخر قوم نوح منه وهو يصنع السفينة ﴿ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه﴾ فنجّى الله نوحا بعد الطوفان وجعل العاقبة له؛ فظهر دينه وسادت شريعته الأرض كلها؛ وكذا ستكون العاقبة لمحمد ﷺ وشريعته وأمته!
نوح أول الرسل وفاتحتهم ومحمد ﷺ آخر الرسل وخاتمتهم ﴿رسول الله وخاتم النبيين﴾ وكما سادت شريعة نوح الأرض بعد الطوفان؛ ستسود شريعة محمد ﷺ على كل الأديان ﴿هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله﴾ حتى لا يبقى بيت مدر ولا شعر إلا دخله الإسلام وما زال الوعد يتحقق ولم يكتمل!
كما في -المستدرك للحاكم (4/ 477)- عن تميم الداري، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «ليبلغن هذا الأمر مبلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله هذا الدين بعز عزيز، أو بذل ذليل، يعز بعز الله في الإسلام، ويذل به في الكفر».
وروى ابن حبان (15/ 92) عن المقداد بن الأسود، قال: سمعت رسول الله ﷺ، يقول: «لا يبقى على الأرض بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله الإسلام بعز عزيز أو بذل ذليل».
اقتصرت فواتح الإسراء على ذكر ثلاثة من الرسل الخمسة أولي العزم؛ آخرهم محمد وأوسطهم موسى وأولهم نوح؛ لشدة ما لقوه من أقوامهم، وطول صبرهم عليهم، والفتح والنصر الذي تحقق لهم، وبقاء شرائعهم في أممهم بعدهم؛ بخلاف إبراهيم وعيسى لم يتحقق لهم فتح؛ بل نجاة؛ فكانت بشارة لمحمد ﷺ بالفتح والنصر والظفر!
كما نصر الله موسى وأهلك فرعون وملأه وفتح على قومه من بعده بقيادة تلميذه يوشع بن نون حتى دخل القدس وطهر المسجد؛ كذلك نصر الله محمدا ﷺ وفتح مكة ومعه عشرة آلاف قديس؛ ليقيم حكم الشريعة -كما في نبوءات أنبياء بني إسرائيل- ودخل أصحابه بقيادة عمر الفاروق القدس، وطهروا المسجد وأقاموا الشريعة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق