قراءة في كتاب: أفول الغرب
اسم الكتاب: أفول الغرب
اسم المؤلف:حسن أوريد
لمحة عن الكتاب
الكتاب يتحدت عن مأزق و مشاكل الحضارة الغربية .. و كيف انو المشكلة بنيوية تكمن في الاسس التي بنى الغرب حضارته عليها .. العقل ك مقدس وحاكم وحيد ثم المعبود الجديد العلم .
إن ما يعتمل في العالم العربي ليس سوى رجع صدى لأزمة الغرب في جوانب كثيرة منه.
ومن شأن التوتر أن يستفحلَ في ظلِّ سباق قِوى دولية جديدة وتواري أخرى، وبروز قوى داخلية بمرجعيات أيديولوجية جديدة.
وقد يفضي الأمر، في غياب مفهوم الدولة بصفتها عقداً إجتماعياً، وثقافة للحوار، ووسائط للتسوية، إلى إصطدامات مريعة.
فسياسة الغرب حيال العالم العربي غير مستقرة ولا تخضع لمعيرة أو براديغم، وهي إلى ذلك متردِّدة ومتأرجِحة.
نزار الفراوي
قراءة نقدية لقوة تغرب شمسها
الكتاب يتضمن تأملات نقدية في واقع الأزمة التي يعيشها الغرب حاليا، محذرا من تداعياتها على راهن ومستقبل العالم العربي، بالنظر إلى ارتباط نخبه وبنياته السياسية والاقتصادية بالمركز الغربي.
الفكرة الناظمة للكتاب الصادر عن المركز الثقافي العربي (الدار البيضاء، بيروت) في 207 صفحة، هي أن الأزمات المستعرة في العالم العربي إنما هي إلى حد ما انعكاس لأزمة الغرب الذي يبدو أنه فقد البوصلة وروح القيادة والانسجام بين سياسات القوى المؤثرة فيه.
وعلى هذا الأساس يبني الكاتب توقعاته بخصوص مستقبل مظلم للعالم العربي طالما استمرت أبعاد هذه الأزمة، وتواصلت سلبية النخب القيادية وعجزها عن بلورة خيارات مستقلة بجبهات داخلية متماسكة.
ينطلق الكاتب من فكرة أن الغرب بنى حضارته على وقع الصراع مع حضارات أخرى والسعي إلى تجاوزها، ومنها الحضارة العربية الإسلامية. وجلي أن مرحلة التوسع الاستعماري تمثل ذروة هذا الاحتكاك الدرامي بين الغرب والعالم العربي.
لكن المثير أن النخب العربية لما بعد الاستعمار ظلت مرتبطة بالغرب اقتصاديا وسياسيا وثقافيا، وبالتالي ظل العالم العربي الساحة التي يعبر فيها الغرب عن تفوقه، مع حضور لاوعي تاريخي مشحون بمحطات الصدام العديدة بين العالمين.
محطات من التراجع
يتوقف الكتاب عند محطات متوالية تكرس انحسار القوة الرائدة للغرب في النظام العالمي لما بعد الحرب الباردة، بدءا بالأزمة الاقتصادية عام 2008 التي عدت "تعبيرا لأعراض غائرة من أزمة بنيوية" فيلاحظ أن روسيا تعود بقوة للشرق الأوسط، منذ عودة بوتين إلى الكرملين عام 2012 برغبة في الثأر لما تعرضت له من إهانة على الساحة الدولية".
ويتعلق الأمر -وفقا للكاتب- بإرهاصات عالم جديد تعود فيه الحرب الباردة دون أيديولوجيا ودون سباق تسلح، ولحظة التحول الأبرز ضم روسيا لجزيرة القرم.
بالنسبة لأوريد، فإن "بؤر الصراع هي أوكرانيا وسوريا، وواجهتها العالم العربي" إذ "لا يغرب عن ذهن أصحاب القرار في الكرملين طموح العودة إلى الشرق الأوسط، عبر سوريا، والتشوق إلى مصر مفتاح الشرق الأوسط، واستعادة مناطق النفوذ التي كانت تابعة سابقا للاتحاد السوفياتي".
وبالنسبة له، لن يقود الغرب العالم، أو لن تكون له السيادة المطلقة. وهذا التحول ليس بالضرورة خبرا جيدا بالنسبة للعرب فهو يطرح سيناريوهات خطيرة على عالَمهم الذي قد يعرف تحولات عميقة غير مسبوقة تبدت أعراضها في دول فاشلة أو عاجزة أو حروب أهلية من شأنها أن تستفحل وتتوسع. وفي توقع أعم "من شأن الدول المرتبطة بالغرب تاريخيا وثقافيا ووجدانيا أن تكون ساحة لاضطرابات عنيفة يمكن أن تمتد لعقود".
فاكهة ينخرها الدود
في الشق الاقتصادي لأزمة الغرب، يتحدث أوريد عن "فاكهة ينخرها الدود" بعد أن عصفت الأزمات المالية منذ نهاية التسعينيات بالنجاحات المحدودة للعولمة، ويقف على حصيلة "ضحايا" الليبرالية الجديدة التي أصبحت إنجيل الدبلوماسية الأميركية.
لقد أطلقت العولمة عقال قوى جامحة لا ترضخ إلا لأنانيات من الصعب كبحها، ومن شأنها إحداث تغيرات عميقة في تراتبية الثروة |
لقد أطلقت العولمة -وفقا لأوريد- عقال قوى جامحة لا ترضخ إلا لأنانيات من الصعب كبحها، ومن شأنها إحداث تغيرات عميقة في تراتبية الثروة، فمن المحتمل في غضون العشرية المقبلة أن تتجاوز اقتصاديات الدول الناهضة اقتصاديات السبعة الكبار، مما يعني "اهتزاز الهيمنة المالية والاقتصادية للدول الغربية مع ما يستتبع ذلك من هيمنة حضارية".
ويؤبن الكاتب أطروحة "نهاية التاريخ" لفوكوياما التي سقطت سريعا في محك التاريخ بعد أن بشرت بالسعادة والديمقراطية، عقب إغلاق "قوس شتاء الشيوعية الطويل" فاندلعت حرب الخليج الثانية سنة 1991، وشاهد العالم صور المأساة في البوسنة وممارسات الإبادة الجماعية ودمار الشيشان والتطهير العرقي في رواندا.
يقول أوريد "لن يصرف الإنسان جهوده في الأشياء التي تحقق السعادة والرخاء كما حلم فوكوياما لأن عهد الأيديولوجيات لم ينقض بعد" مبرزا أن الأيديولوجية الغالبة "ميركنتيلية" لا صلة لها بالأنوار التي بشر بها الغرب، وأن الديمقراطية أضحت في مهب السوق.
ويتابع الباحث مظاهر الأفول بالجانب الروحي والثقافي، حيث اختزال الإنسان في بعده المادي وتأليه العقل وإحالة الدماغ البشري إلى آلة، متسائلا "هل هناك مجال لإنسية عصرية تحمي الإنسان من ذاته، من إنجازاته، من فتوحات عقله الذي أضحى بلا ضابط ولا يأتمر إلا للسوق وشطحاته؟". فالجسم الاجتماعي مريض في الغرب والمجتمعات التي ترتبط به، ينخره الإجرام والعنف وحمى الجنس والأمراض النفسية المتعددة، حسب الكاتب.
أزمات العرب صدى مشاكل الغرب
ويؤكد المؤلف أن "ما يعتمل في العالم العربي رجع صدى لأزمة الغرب في جوانب كثيرة منه، ومن شأن التوتر أن يستفحل في ظل سباق قوى دولية جديدة وتواري أخرى، وبروز قوى داخلية بمرجعيات أيديولوجية جديدة. وقد يفضي الأمر، في غياب مفهوم الدولة بصفتها عقدا اجتماعيا، وثقافة الحوار، ووسائط للتسوية، إلى اصطدامات مريعة".
سياسات الغرب باتت غير مستقرة، وهي إلى ذلك مترددة ومتأرجحة في تعبير بليغ عن الأزمة البنيوية التي تعتري الغرب |
هو سيناريو دراماتيكي يحذر منه الكاتب وهو ينظر لواقع ملموس مفاده أن "سياسات الغرب باتت غير مستقرة" وهي إلى ذلك مترددة ومتأرجحة في تعبير بليغ عن "الأزمة البنيوية التي تعتري الغرب".
إنها أزمة تؤدي في مظاهرها وضغوطها إلى تصعيد الخطر الناجم عن التغيرات التي طالت العالم العربي والقوى الجديدة التي برزت من داخله، بمرجعيات جديدة، منها تنظيم الدولة الإسلامية، لا كتنظيم فقط ولكن كفكرة بالأساس، والخطابات العرقية، والانتماءات الجهوية، ودعوات الانفصال بشكل سافر أو مستتر، وشرائح واسعة من الشباب تشكو البطالة والتيه الوجداني والوجودي.
مهمة تاريخية للنخب
وللتعامل مع هذه الرياح التي تهب عاتية من ضفة الغرب، يشدد أوريد على أهمية القراءة النقدية لهذا العالم، للوقوف على اختلالاته وتناقضاته. وهي المهمة التي يدعو إليها الكتاب. إنها دعوة عاجلة وملحة إلى المثقف في العالم العربي للغور في "تجاويف الخارطة الثقافية للغرب، باعتباره محدد القيم، ومؤثرا على مجرى العالم وعلى الديناميات الداخلية للبلدان المرتبطة به. وعلى المثقف أن يمتلك وعيا تاريخيا يسعفه كي ينظر إلى الزمن المديد، فليس الحاضر إلا ابن الأمس..".
وينهي أوريد كتابه بدق ناقوس الخطر "إن الغرب ليمر بأزمة وجودية ولسوف يتأثر بمجرياتها العالم" وتنعكس بدرجة أولى على العالم العربي بحكم الجوار الجغرافي، والإرث التاريخي، والتداخل الاجتماعي (الجاليات التي تعيش بالغرب والفئات المتغربة الماسكة بزمام البنية التقنية في العالم العربي) والمصالح الاقتصادية (البترول، السياحة..) وعامل الإرهاب ومضاعفاته.
وبعبارة مجملة، يقول الكاتب إن "الأسوأ ما سيأتي إن لم يستوعب العالم العربي التحول الجاري في العالم".