الثلاثاء، 6 سبتمبر 2022

أما آن لهذا التطاول على الإسلام في بلادنا أن يتوقف؟

 أما آن لهذا التطاول على الإسلام في بلادنا أن يتوقف؟

عامر عبد المنعم

حملات متواصلة من التشكيك في الدين والاستهزاء بقيمنا الإسلامية، وتشويه شعائرنا، والسخرية من التعاليم التي وردت في القرآن والسنة، ويساند الإعلام الرسمي في بعض الدول العربية هذا التطاول على الإسلام مما يعطي انطباعا بأن هذا التوجه مدعوم حكوميا!

بدلا من استنفار الجماهير لمواجهة التحديات القادمة وتوحيد الأمة، والاستعداد للأزمات الطاحنة التي تهدد مستقبل شعوبنا، تتصاعد هذه الموجات المنظمة لافتعال معارك فارغة تستنزف طاقاتنا وتستهلك عقولنا في حوارات مكررة لا فائدة منها.

امتلأت مواقع التواصل وصفحات الصحف وشاشات التلفاز بالجدل حول الإسلام، وكأننا في الأيام الأولى لبعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم في مكة،  وكل يوم يخرج علينا شخص جديد بتصريح صادم لإثارة الفتنة وتسخين الجدال!

هذه الحملات لن تغير شيئا في عقيدة المسلمين؛ فالدين ثابت في القلوب، وكل محاولات زعزعته مصيرها التلاشي، فالإسلام انتصر على كل خصومه، وقوة الإسلام في بساطته ووصوله إلى العقول بسهولة ويسر، وهو الدين الوحيد الذي ينتشر بمعدلات متسارعة في كل العالم رغم حالة الضعف التي يعيشها المسلمون، وهذا معروف ولا يحتاج إلى برهان.

هؤلاء الذين يحملون راية التشكيك في الإسلام اليوم لا يساوون شيئا بجانب من سبقهم من عتاة الطاعنين والمحاربين، فهم لا يطرحون أفكارا جديدة، وإنما يرددون بعض الأقوال العديمة القيمة، ويضخم الإعلام “الموجه” هذه الافتراءات للإيحاء بأنها تمثل تيارا واسعا!

الذي يقف خلف هذه الحملات ويتبنى مروجيها دوائر خارجية مرتبطة بالصهيونية واليمين الأمريكي، ودوائر محلية ذات نفوذ؛ بعضها كاره للدين والتدين، وبعضها تحركه مصالح سياسية ضيقة، يتوهمون أن هذه الحملات تلهي الجماهير عن التفكير والحديث حول التطورات السياسية والقضايا الجادة.

لا تهمنا الدوائر الخارجية فموقفها العدائي لن يتغير مع أهمية كشف الشبكات السرية التي توظفها في محاربة الإسلام، ولكن الدوائر المحلية هي التي تحتاج إلى حوار، ولا أقصد هنا الأدوات التي تؤدي المهمة فهؤلاء مجرد أبواق مستأجرة وراغبي شهرة.

المعركة مع الإسلام خاسرة

المحرك الرئيسي لحملات الطعن في الدين هم بعض المتنفذين في دوائر السلطة الذين يبحثون عن الدعم الخارجي من الغرب المسيحي ويطمعون في مساندة اللوبي اليهودي العالمي، وهم يتعمدون إظهار المواقف المعادية للإسلام لنيل مودتهم وإقناعهم بأنهم أفضل من يمثل مصالحهم في بلاد المسلمين!

الحقيقة أن هذا التوجه تسبب في خسائر كارثية، إذ نتج عنه توظيف الحكومات العربية في الحرب ضد الإسلام، في إطار ما يعرف بالتحالف الدولي لمكافحة الإرهاب؛ فتم تدمير العراق وأفغانستان وسوريا واليمن وليبيا، وأصبحت دول المسلمين مهددة وكلها تحت الابتزاز.

تم تخريب الكثير من الدول بصناعة عدو وهمي، وأعادوا هيكلة المجتمعات وغيروا الثوابت والقيم؛ فغيروا مناهج التعليم وسلموا الاقتصاد للرأسماليين والمحتكرين الدوليين ووكلائهم، واشتغلوا على تدمير الأسرة والمجتمع بالقوانين التي يقف خلفها اللوبي النسوي المرتبط بالمنظمات الغربية، وأسسوا دوائر سياسية وإعلامية مهمتها التحريض المتواصل على الدين والتدين تحت شعار “مكافحة الإرهاب”.

أدى تبني بعض حكومات المسلمين للموقف الكاره للإسلام إلى تكوّن أنظمة سياسية معادية للدين رغم أن الأفراد الذي يعملون داخل هذه الأنظمة مسلمون يؤدون الشعائر ويلتزمون بالتعاليم. 

فتنة التحالف مع اليمين المسيحي والصهيونية

لا يمكن أن تتفق رؤية المسلمين مع غير المسلمين في موضوع الإرهاب، فتاريخ الصراع بين الغرب والعالم الإسلامي ينطلق من الخلاف الديني، وتمت ترجمة هذا الصراع في الحروب الصليبية، وما تبعها من احتلال بلاد المسلمين، ثم الحروب الاستباقية التي أشعلتها تفسيرات دينية، وهذه الخلافات لا يمكن تجاهلها والزعم بأن الإرهاب إسلامي، والمشاركة في تحالفات هدفها ضرب أمتنا، والتورط في الحروب الحرام.

الخطر الذي يحشد له العقل الغربي المتطرف منذ تفكيك الاتحاد السوفيتي هو الإسلام، وتعمل كل الاستراتيجيات الأمريكية والأوربية المتطرفة ضد الصعود الإسلامي والالتزام الديني، وبلغت ذروة هذه الرؤية ووضوحها مع صعود المحافظين واليمين الأمريكي منذ بوش وحتى دونالد ترمب؛ فكيف نتوافق معهم على ضرب أنفسنا؟!

نعم توجد بعض الجماعات التي تمارس العنف وتسعى لتحقيق أهدافها بالسلاح ولكنها قليلة جدا ومعزولة، وأكثرها في المناطق التي تعرضت للاحتلال الغربي والتخوم القريبة منها، ولكن كل التيارات الإسلامية في العالم تعمل بسلمية، وملتزمة بقوانين بلادها؛ ففي مصر على سبيل المثال عندما قامت ثورة يناير 2011 أسست كل التيارات الإسلامية أحزابا، ومارست العمل السياسي السلمي، ولهذا من الخطأ تعميم الاتهام لكل التيارات الإسلامية بأنها جماعات إرهابية.

التطابق مع الرؤية الغربية في مواجهة ما يسمى “الإرهاب الإسلامي” هو الذي دفع قلة من الدول العربية إلى التحالف مع “إسرائيل” والهرولة تجاه التطبيع الكامل، بل التحالف الاستراتيجي مع جيش الاحتلال، والتعامل مع فصائل المقاومة الفلسطينية باعتبارها عدوًّا؛ فهؤلاء المطبعون الجدد نسوا احتلال فلسطين وأصبحوا يرون أنفسهم مع الإسرائيليين في خندق واحد ضد الفلسطينيين والإسلاميين من بني جلدتهم الذين تمت شيطنتهم!

التدين ليس جريمة

هذه الرؤية التي تجرم كل المتمسكين بالإسلام وتستحل سجنهم بل قتلهم، تتجاوز العقل والمنطق، وهي رؤية عدوانية متطرفة ضد الإنسانية، تخدم الصهيونية وحدها، ففي أمريكا وأوربا -اللتين شنتا الحروب لمنع قيام دولة مسلمة قوية- لا تتعامل السلطات مع المواطنين المسلمين بعدوانية، حفاظا على السلم الأهلي وحماية لأمن المجتمع.

لا شك أن الصراع السياسي بعد الثورات العربية انعكس على المشهد، فهناك من خلطوا بين الإسلام والأحزاب الإسلامية المنافسة؛ فراحوا يحرضون على الدين ورموزه ومؤسسات العمل الأهلي ظنًّا منهم أنهم يجففون ما يسمى بالإسلام السياسي، وهذا خطأ قاتل لأن الدين ليس خاصا بجماعات وأحزاب وإنما هو عقيدة الشعب كله.

الإسلام دين وليس وجهة نظر أو تيارا فكريا، وهو عقيدة فوق الخلافات السياسية، وهو دين الدولة، وعقيدة الحاكم والمحكوم، ولذلك فمن يفكر في سلخ الشعب عن دينه هو الذي يشعل الفتنة، وهو الذي يشق الصف ويقسم المجتمع المتماسك، لأن الإسلام هو الذي حافظ على وحدة الأمة والدول وما فيها من أقليات عبر القرون، فالإسلام دين وحضارة، دين للمسلمين وحضارة لغير المسلمين.

على من يشاركون في محاربة الدين والتدين بشكل مباشر وغير مباشر أن يقرؤوا التحولات الدولية بعين فاحصة؛ فدول الهيمنة التي كانت وراء الإغواء والإغراء بمحاربة الإسلام تتعرض للزلازل التي تضرب النظام الدولي، وهي مشغولة بنفسها، وليس لديها ما تقدمه، فكل منها يبحث عن النجاة والإفلات من الغرق.

مطلوب من الذين خاصموا الدين عمل مراجعات عاجلة، وعليهم أن يصححوا الأخطاء التي مزقت مجتمعاتنا لصالح خصومنا، وعليهم أن يستقيموا ويحترموا الإسلام دين الشعب، وعليهم أن يوقفوا هذه الحرب الحرام التي مزقت وحدة الأوطان وخربت الدول.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق