كيف يرسم التغير المناخي واقع منطقتنا؟
عصام حجي يرصد تحديات مصيرية ونداء للقادة العرب بقمة شرم الشيخ (حوار خاص)
ودائمًا ما يتساءل الشارع العربي عن علاقتنا بكل هذا وتأثيره علينا ولماذا يجب أن ننشغل به؟ أليست هناك أولويات وأمور أخرى أكثر أهمية؟ أليست السيول والفيضانات والحرائق وانخفاض منسوب الأنهار وتدهور المياه الجوفية وتآكل السواحل وتكرر العواصف وتغيّر تتابع الفصول كلها من فعل الطبيعة وستأخذ وقتها وتزول بعد حين؟ وما فائدة دراسات المناخ؟ ولماذا يجب علينا أن نقلق ومتى ينبغي أن نتحرك؟
أسئلة واستفسارات كثيرة يجيب عنها عالم الفضاء المختص بدراسة المياه في الأرض والمجموعة الشمسية الدكتور عصام حجي، في حديث خاص لموقع الجزيرة مباشر، تزامنًا مع انطلاق مؤتمر التغير المناخي “كوب 27” (COP27) بمدينة شرم الشيخ المصرية.
ما أهمية مؤتمر التغير المناخي؟
هو مؤتمر يجتمع فيه رؤساء الدول مع الجهات التي تضع السياسات العامة في مجالي المناخ والبيئة مثل الهيئات الدولية والوزارات المعنية، لمناقشة أحدث تقارير هيئة الأمم المتحدة المعنية بدراسة تغير المناخ “آي بي سي سي” (IPCC) -مقرها جنيف- وهي لجنة دولية تعد تقاريرها بناء على الدراسات والأبحاث ويشارك فيها عدد كبير من علماء المناخ من دول مختلفة كلٌ في تخصصه، وشرفت بالمشاركة في تحكيم هذا العمل ضمن مجموعة من الخبراء.
وخلال المؤتمر تعرض هذه التقارير على متخذي القرار للوصول إلى توصيات ملزمة لكل دول العالم مثل خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والغازات الضارة، واستخدام وسائل جديدة -غير ملوثة- ومستدامة للطاقة لوقف ارتفاع متوسط درجة حرارة كوكب الأرض وذلك لمعالجة أسباب وآثار التغير المناخي.
ما مدى فاعلية المؤتمر في حل الأزمات؟
أدى تنفيذ توصيات المؤتمر في دوراته السابقة بالفعل إلى تغييرات على أرض الواقع، فمثلًا أزمة ثقب الأوزون التي كانت موجودة في التسعينيات والألفينيات تلاشت مع الالتزام بتوصيات هذا المؤتمر ومنع الغازات التي تسمى “سي أف سي” المتسببة في هذا الثقب مما أدى بالفعل لتراجع الأزمة إلى ما يمكن احتواؤه اليوم وذلك باستخدام غازات صديقة للبيئة بدلًا من الأخرى الضارة التي كانت تدخل في صناعات كثيرة (مثل مزيلات العرق والمنظفات المنزلية) وتزيد من الاحتباس الحراري، ولولا هذه التوصيات لكنّا اليوم بصدد تغيرات مناخية و بيئية تؤثر سلبا على حياة مئات الملايين.
ما الذي يعنيه إقامة المؤتمر لعامين متتاليين في العالم العربي؟
على مدار عامين متتاليين يستضيف عالمنا العربي (مصر 2022 – والإمارات 2023) مؤتمر التغير المناخي في ظل تزايد وتيرة كوارث طبيعية وأزمات طاحنة في مصادر الطاقة تؤثر على شعوب منطقتنا والعالم متسببة في ارتفاع أسعار الأغذية وتدهور الحالة الصحية وبالتالي من الخطأ تمامًا تحويل هذين المؤتمرين لمجرد ملتقيات شكلية.
وقد شهدت الأعوام القليلة السابقة وهذا العام تحديدًا تزايد كوارث وأزمات بيئية ومناخية في عدة دول في العالم من سيول وفيضانات وحرائق وغرق سواحل وموجات جفاف طويلة وتغيّر الحرارة خلال الفصول وكل هذا يأتي فوق الأزمات الراهنة التي يعيشها العالم، مما يجعل هذا المؤتمر وما بعده غاية في الأهمية لمناقشة قضايا حيوية في منطقتنا العربية، وستكون خسارة كبرى إذا تحول النقاش خلال هذين المؤتمرين إلى قضايا فرعية أخرى.
ولعل أبرز دليل على ذلك اهتمام الإعلام بمن سيحضر أو سيقاطع المؤتمر والحديث عن دعوات تظاهر نشطاء المناخ بينما يغيب الحديث عما سيناقشه المؤتمر خاصة وأن مصر -البلد المضيف- تمر بأزمة مياه وغذاء غير مسبوقة، ويعد تغيّر المناخ في حوض النيل جزءًا أساسيًا منها، ومن باب أولى استثمار هاتين الفرصتين لتسليط الضوء على هذه المخاطر الوجودية التي تؤثر في حاضرنا ومستقبلنا.
وربما يكون هذا أول مؤتمر للتغير المناخي يغيب النقاش عن هدفه في إصدار وثيقة ملزمة في قضية ما (مثل مؤتمر باريس في 2015) ويتحول إلى نقاش عن التظاهر سواء بالسماح به أو منعه أو وجود المظاهرات المحيطة به -وفق تصريحات المسؤولين المصريين والأجانب والمجتمع المدني- وهو ما يصدّر للعالم صورة خاطئة بأن مصر والمنطقة العربية ليس لديها أزمات مناخية أو أنها ليست الأكثر أهمية مقارنة بالأزمات السياسية.
ومع الأسف نظرة الشعوب العربية لهذه المؤتمرات ساهمت في تحويلها لقضايا فرعية وغطّى المشهد السياسي على قيمة ومخرجات هذا المؤتمر مسبقًا، مما يهدد بإضاعة فرصة حقيقية قلّما تتكرر في تعريف المجتمع الدولي بالتحديات المناخية والبيئية غير المسبوقة التي تعصف بالدول العربية ويجهلها الكثيرون. وهنا لا نقلل من أهمية القضايا الإنسانية وملف الحريات ولكن علينا إدراك أن وضع الأمن الغذائي والبيئي والمناخي في عالمنا العربي جزء من حل هذه القضايا وليس تناسيًا لها.
كيف يتعامل الإعلام العربي مع قضايا المناخ؟
نتيجة عدم وجود إعلام متخصص يدعم هذه القضايا ويعرض المشهد الواقعي المناخي والبيئي الصعب لمنطقتنا ويتعامل معها على أنها كوارث لحظية تصيب البعض وليست تغيرات مناخية تهدد الجموع وينبغي دراستها، فمن البديهي أن يعتبر المواطن العربي هذه المشاكل وقتية ستزول بشكل أو بآخر في المستقبل وأن ما نمر به من أزمات سيول وفيضانات وحرائق وغيرها، هو مجرد سوء حظ وبالتأكيد لن يستمر كثيرًا وسينتهي بعد حين بقدرة إلهية وهذا بالطبع خطأ شائع.
في قضية الأمطار مثلًا، نجد الإعلام العربي يعتمد على النظرة الإحصائية وأن معدلات سقوط الأمطار السنوية لم تتغير إلا بشكل طفيف من عام إلى آخر وأن من يدّعون وجود تهديدات إما مبالغون أو كاذبون ثم يُبلغ المسؤولون الحكوميون بذلك فتظهر الصورة لدى متخذي القرار أنه لا توجد أزمة، لكن ما غاب عن هؤلاء مدى “توزيع” هذه المعدلات على مدار العام. فأصبحت كمية الأمطار التي تسقط في 9 أشهر لتروي المحاصيل تسقط خلال شهر واحد محدثة السيول وتجريف للتربة ثم نعيش في جفاف لمدة 11 شهرًا، هذا يوضح أهمية توزيع الأمطار وليس فقط كميات سقوطها.
ونشاهد حاليًا تغيّرا بشكل كامل على مستوى العالم في توزيع سقوط الأمطار وأصبحنا نشهد هطولها في غير مواعيدها وبكثافة وغزارة تهدد البنية التحتية، وهذا هو الفارق بين النظرة العلمية والنظرة الهندسية الإحصائية للمشكلة التي تتعامل مع الموارد المائية على أنها مجرد أرقام، وللأسف تلك النظرة الأخيرة هي السائدة في غالبية الدول العربية وتعكس سوء فهم حقيقي للواقع المناخي المتغير.
وما أثر ذلك على متخذي القرار في عالمنا العربي؟
بالإضافة إلى النظرة الشعبية للأزمات المناخية والبيئية على أنها كوارث لحظية، ينظر أيضًا متخذو القرار إلى تلك الأزمات أحيانًا على أنها مفتعلة. مثلًا أزمة السيول التي تشهدها العواصم العربية يقع فيها كل اللوم على سوء البنية التحتية وعدم قدرتها على استيعاب كمية المياه ولكن جزءًا هامًا من السبب الحقيقي في حدوثها هو عدم أخذ التغيرات المناخية الحالية في منطقتنا بعين الاعتبار أثناء التخطيط للمشروعات الكبرى.
مثال آخر لتبسيط الأمر، قد تسقط الأمطار في يوم ما خلال أحد الأعوام لمدة 5 دقائق وتتسبب بحدوث سيول بينما تسقط نفس الكمية في اليوم ذاته من العام التالي خلال المدة نفسها أو أكثر ومع ذلك لا نرى أي سيول، والسبب هنا مرهون بالفترة التي سبقت هطول الأمطار، إذا كانت فترة جفاف فهذا يرجح حدوث سيول لأن التربة -بسبب شدة الجفاف- لا تستطيع امتصاص هذه الكمية من الأمطار، أما إذا سبقها فترات مطر صغيرة يمكن للتربة امتصاص نفس الكمية دون وقوع سيول، إذن كلما امتدت فترات الجفاف وأعقبها سقوط أمطار غزيرة فمن المتوقع حدوث السيول.
وللأسف، في عالمنا العربي تغيب في أكثر الأحيان الحقيقة العلمية المرتبطة بفهم التغير المناخي على مستوى المخطِط والعامة نتيجة عدم إيمان متخذي القرار بأهمية هذه الحقائق -وهو الممول الرئيسي للدراسات- وعدم اكتراث الإعلام بنشر الوعي البيئي لقاعدة شعبية عريضة، ومن هنا أصبحت الجهات البحثية المختصة بدراسات التغير المناخي لا تجد التمويل ولا الاستماع لتقارير الدارسات ولا تجد الجدية ولا البيانات لتحصل إليها، وتلجأ إلى مصادر تمويل أجنبية من الجهات الدولية الإنمائية المانحة مما يزيد الفجوة في المصداقية بينها وبين معظم الحكومات العربية التي تنظر سلبًا لهذه الجهات.
وهذا المشهد لا يستثني أي بلد عربي ما عدا المغرب وهي الدولة العربية الوحيدة التي نرى لعلماء المناخ فيها حياة مهنية متزنة وتؤمن بهذه النوعية من الدراسات، تليها تونس ثم الأردن وسلطنة عمان.
كيف تستطيع درجة حرارة واحدة أن تغير من اتزان كوكب الأرض؟
يعتقد كثيرون أن هذ التغيرات طبيعية وحدثت في الماضي وتوجد أصوات تقترح ذلك لأن حرارة الأرض تغيرت بالفعل في العصور الجيولوجية السابقة، سواء بالزيادة أو النقصان وبالتالي يرون هذه التغيرات طبيعية ولا داعي لكل هذا القلق، وللأسف أزمة المناخ مثلها مثل غالبية القضايا العلمية في مجتمعنا العربي تعاني من اقتصاص الحقائق وتقديمها في شكل صور غير واقعية تبني على المنطق البسيط وليس الحقائق والأرصاد.
ولكن ما غاب عن مرددي هذه الأفكار أن التغيرات الطبيعية السابقة في درجة حرارة الأرض، كانت تحدث على مدار ملايين السنين وكانت الكائنات الحية والمنظومة البيئية لها القدرة على التأقلم والتكيف معها، لكن هذا التغير أصبح الآن يحدث في أقل من مئة عام ولا تستطيع الكائنات الحية والبيئة التكيف معه ولا حتى البشر ولا البنية التحتية لمجتمعاتنا المدنية. فارتفاع حرارة الأرض درجة واحدة ليس مجرد زيادة في حرارة الفصول، هذا تفكير خاطئ فتلك الدرجة الواحدة قادرة على تغيير كل شيء يحيط بنا.
وأبسط مثال علي ذلك، أنت كإنسان عندما ترتفع حرارة جسمك درجة واحدة فقط تتغير وظائفه بشكل كامل، وأنت فرد واحد، فماذا يحدث في كوكب الأرض الذي يعيش عليه مليارات البشر وتكوينات بيئية معقدة، إذا ارتفعت حرارته هذه الدرجة الواحدة تخيّل حجم الكارثة، إذن الحقيقة الواضحة أن التغير المناخي ليس مبالغة في القلق ولا العلوم البيئية شيء من الرفاهية.
وصحيح أن الطبيعة تتغير بشكل منتظم لكن تدخّل الإنسان بالتلوث الواسع النطاق جعل التغير أسرع وغير متوقع، فتعاقب الفصول مثلًا ظل منتظمًا لعشرات آلاف السنين مع انتظام الغلاف الجوي للأرض وهو ما سمح بظهور الحضارات والزراعة وغيرها، لكن عندما بدأ الإنسان بزيادة الانبعاثات والغاز جعل هذه العملية أقل انتظاما في مناطق عدة وبدأت وتيرة التغيرات المناخية تزداد بشكل حاد وملحوظ، أمطار غزيرة وسيول وجفاف وحرائق في غير موعدها وبشكل سريع وغير متوقع.
اذكر لنا شواهد حديثة لآثار التغير المناخي في منطقتنا العربية
لننظر إلى أثر التغير المناخي في حياتنا ونبدأ غربًا حيث الجفاف الذي يعصف بالمغرب ثم نشوب الحرائق في أجزاء واسعة من غابات شمال الجزائر و تونس وهي نتيجة لامتداد فترات الجفاف وتغير معدلات وتوزيع سقوط الأمطار الذي أدى إلى جفاف الأشجار وبالتالي سهولة نشوب الحرائق وحتى تلك الناجمة عن طريق الخطأ البشري فبمجرد اشتعالها يساعد الجفاف بشكل كبير على امتداد النار الى مساحات شاسعة في الغابات، أيضًا موجات الحر التي ضربت شمال أفريقيا أدت إلى تدمير جزء هام من المساحات المزروعة وتجفيف عدد شاسع من الأراضي. أضف إلى ذلك نحر الشواطئ وتملّح المياه الجوفية وتراجع الثروة السمكية في البحيرات الساحلية وساهم كل ذلك في زيادة ظاهرة الهجرة.
وفي منطقة الشرق الأوسط، نرى السيول في السودان بسبب زيادة معدلات سقوط الأمطار وارتفاع وتغير منسوب نهر النيل وتسببت في خسائر بالملايين، وفي مصر الغرق المتكرر لمدينة الإسكندرية وبعض مناطق القاهرة في كل شتاء ونحر الشواطئ على امتداد الساحل الشمالي بسبب سوء التخطيط العمراني -وهو خطأ بشري- لكنه يعرض تلك المدن الساحلية لزيادة خطر الغرق بوتيرة أسرع حينما تهب العواصف البحرية وأشباه الأعاصير التي تزايدت وتيرتها في شرق المتوسط. وتآكل الشواطئ يأتي نتيجة وقف عملية الترسيب الطبيعي للأتربة على هذه الشواطئ بسبب التمدد العمراني وزيادة المساحة الإسمنتية التي تمنع وصول الرمال من اليابس الى الشاطـئ. ناهيك عن غرق منطقة شمال الدلتا وزيادة تصحّر الأراضي بها وتلوثها بشكل غير مسبوق وهي التي تعتبر سلة الغذاء لمصر.
وإلى سوريا والأردن والعراق حيث امتداد فترات الجفاف وزيادة معدلات السيول وهبوط منسوب نهري دجلة والفرات إلى أقل منسوب في تاريخهما نتيجة السدود في تركيا وإيران، ثم سيول الأمطار في شبه الجزيرة العربية كما حدث في السعودية والفيضانات في الإمارات وسلطنة عمان وتغيّر معدلات سقوط الأمطار في قطر، إضافة إلى تدهور حالة المياه الجوفية في ليبيا وشبه الجزيرة العربية والأردن وسوريا وحتى في غزة.
وفيما سبق تحدثنا فقط عن الأزمات المناخية فإذا أضفنا إليها الكوارث البيئية، مثل انفجار مرفأ بيروت، وتلوث منطقة الدلتا بمصر والتي تعد أحد أكبر المناطق الملوثة بيئيًا في العالم وفقًا للأبحاث، فكل هذا يؤدي إلى تهديد الأمن الغذائي وتدهور الحالة الصحية والمعيشية في منطقتنا العربية. وشرقا في منطقة الخليج حيث ترتفع فيها نسبة الأمراض التنفسية نتيجة زيادة الغبار الملوث، كما يهدد تلوث مياه البحر المتكرر من ناقلات البترول عملية تحليتها لاستخدامها في الشرب.
وتشير الأبحاث العلمية إلى أن انتشار الأمراض في المنطقة العربية مرتبط بالتلوث البيئي الخطير الذي تعيشه أغلب المدن العربية وإن لم يكن تلوث المياه فهو تلوث التربة أو الهواء، فلا أحد في منطقتنا سواء دولة فقيرة أو غنية بمعزل عن هذه التغيرات والمخاطر. كما يؤثر نقص المياه إلى زيادة أسعار المواد الغذائية لأن ما يقارب %80 من المياه تذهب لقطاع الزراعة ومع نقص كمياتها لا نستطيع زراعة بعض المحاصيل الأساسية ونضطر لاستيرادها وبالتالي ارتفاع أسعارها.
ويجب على مصر ألا تفوّت فرصة استضافتها للمؤتمر وأن تعرض أزماتها الحالية التي تهدد مواردها المائية وعلى رأسها قضية ملء وتشغيل سد النهضة في إطار التغيرات المناخية المرتقبة في حوض النيل خلال العقود الخمسة المقبلة ومن ثم وضع قوانين وتشريعات تتاح بها إدارة تلك الموارد المائية المشتركة.
ما علاقة التغير المناخي بمدى احتمالية نشوب نزاعات عربية؟
هنا نشير إلى ملفين مهمين هما الموارد المائية والنزاعات الحدودية، حيث سيؤدي نقص الموارد المائية على السطح مثل الأنهار والأمطار إلى الاعتماد أكثر على المياه الجوفية وغالبيتها مقتسمة بين دول عديدة في العالم العربي ولا توجد اتفاقيات ملزمة لتوزيع هذا المورد المائية في عالمنا العربي والذي سيزيد الاعتماد عليه إذا امتدت فترات الجفاف وبالتالي قد تنشب خلافات بسببه ناهيك عن تلك الموجودة أصلًا في ملف الأنهار.
كما يعتمد جزء كبير من ترسيم الحدود البحرية في منطقة الخليج العربي على مئات الجزر الرملية التي تقع على مستوى سطح البحر، وفي حالة الارتفاع المستقبلي المرتقب لمنسوب البحر نتيجة ذوبان الجليد في القطبين الشمالي والجنوبي للأرض، ومع زيادة عوامل التعرية البحرية سيؤدي ذلك إلى تآكل وغرق أجزاء هامة من الجزر وبالتالي اختفاء بعضها خلال عقود وهذا بالتبعية سوف يفتح الباب إلى إعادة ترسيم أجزاء من الحدود البحرية في بعض المناطق التي قد تحوي على موارد نفطية، وهو ما لن يمر دون خلافات أيضًا.
ذكرت أن هناك استثناءً عربيا وحيدًا في دراسات المناخ.. حدّثنا أكثر عنه
في إطار الحلول والأولويات يجب أن يُضاعف الإنفاق على التعليم والبحث العلمي والسياسات البيئية والمناخية في الجامعات والمؤسسات التعليمية والبحثية العربية 4 مرات على الأقل مما هو موجود حاليًا وهذا الأمر يُطبق فقط في المغرب الشقيق التي يجب على بقية الدول العربية الاقتداء به في مجالات الاستدامة على مستوى الطاقة والمياه والبيئة والمناخ واستقطاب العلماء من الخارج ليساهموا في ذلك. وللأسف نرى في دول عربية أخرى يعود العلماء المغتربون إلى أوطانهم فقط في العُطلات ويشاركون خلالها في بعض المؤتمرات والندوات والفعاليات وهذا أمر جيد، لكن هل يمكن إصلاح كل هذه التحديات البيئية والمناخية في عالمنا العربي في أوقات الفراغ؟
وأُسست أيضًا العديد من الوزارات الخاصة بالمناخ في عالمنا العربي ولكنها ما زالت تحتاج لموارد مالية تتماشى مع حجم التحديات وتكوين مادة إعلامية تطور الوعي البيئي والمناخي العام لأن هذه القضية لا تستطيع الدول والقيادات والوزارات وحدها حلها، ولكن تحتاج إلى رفع مستوى الوعي الشعبي بهذه القضايا لأن الشعب مساهم في عملية التلوث ويجب أن يكون جزءًا من الحل.
من هم نشطاء المناخ ولماذا يتظاهرون مع كل مؤتمر؟
لا يمكن حل مشكلة التغيرات المناخية والبيئة بدون مشاركة قاعدة عريضة من المجتمع ورفع مستوى الوعي البيئي والمناخي. وهنا يأتي دور المجتمع المدني الذي يتساءل كثيرون عن سر المظاهرات التي يقودها وسبب تدّخله بالأساس في قضايا علمية كهذه بل يقدمه الإعلام على أنه يضم مجموعة من المرفّهين يقودون مظاهرات لا تمس حياة المواطن البسيط، بينما الحقيقة أن الهدف منها هو رفع الوعي العام ومطالبة القادة باتخاذ إجراءات صارمة للحد من التلوث الصناعي التي في الغالب تتعارض مع خططهم الاقتصادية ولذلك دائمًا ما نرى هذا الشد والجذب بين القادة والشعوب مع كل مؤتمر للتغير المناخي.
أخيرا.. ماذا تقول للقادة العرب في COP27؟
ندائي للقادة العرب المشاركين في مؤتمر شرم الشيخ والآخر الذي يعقد العام المقبل بالإمارات، أن يؤمنوا أننا نحتاج اليوم إلى مضاعفة الموارد المرصودة للدراسات المناخية والبيئية في عالمنا العربي وأن تفادي الأزمات المقبلة سيكون بزيادة الاستثمارات العلمية وليس بتخفيضها كما يحدث الآن في دول عدة كنوع من الترشيد الخاطئ للنفقات.
عليهم أن يتكاتفوا ويستغلوا وجود المؤتمر على أرض عربية لطرح التحديات المناخية التي أصبحت مصيرية للأمة وعدم تحويل النقاش إلى أي شيء آخر، كما أن محاربة الفقر المائي والتغيرات المناخية القادمة تحتاج جيشًا من العلماء وإمكانيات وتجهيزات علمية حقيقية خلال السنوات المقبلة لرصد وفهم واستشراف المتغيرات المناخية والبيئية في منطقتنا.
نحتاج إلى عودة العقول المهاجرة ليس كمصطافين في أوقات فراغهم بل كباحثين مشاركين بثلث وقتهم لتطوير المنظومات البحثية من خلال برنامج مناخي موحّد للمنطقة. وأخيرًا نحن بحاجة إلى أن يخصص الإعلام والمشاهير العرب جزءًا من مجهوداتهم في حملات التوعية بترشيد المياه والحفاظ على البيئة والمناخ، فالأمر جدٌ ويستحق دق ناقوس الخطر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق