قصة كتاب ألّفه حازم أبو إسماعيل منذ 30 سنة
في مايو (أيار) 2011 أعلن المحامي «محمد حازم صلاح أبو إسماعيل» ترشحه لانتخابات الرئاسة في مصر، ومنذ اليوم الأول أثار «الشيخ حازم» جدلًا كبيرًا بدءًا من إعلان عزمه المنافسة على أعلى منصب بالدولة من خلال مِصْوات «ميكروفون» مسجد، وحتى تاريخ اعتقاله في الخامس من يوليو (تموز) 2013 بين مؤيدٍ لاعتقاله ومُدافعٍ عنه، بل ولا زال حتى اللحظة حاضرًا، وكأنه عرّاف الثورة المصرية، وكاشف أسرارها؛ الذي تنبأ بالانقلاب العسكري، والعصف بشباب الثورة، وإغلاق ميدان التحرير، كما تكلم عن جزيرتي «تيران وصنافير»، فإن كان كل هذا الحَراك والتفاعل والجدال أثير حول «أبو إسماعيل» السياسي، فماذا لو عرف الناس قصة كتابه؟ الذي قال عنه «هذا الكتاب هو كتاب عُمري».
ما اسم هذا الكتاب؟
عرف عشرات الملايين من الناس أبو إسماعيل كسياسي، وربما عشرات أو مئات الألاف عرفوه كداعية وشيخ، ولكن قليل هم من عرفوه ككاتب ومؤلف؛ وذلك أنه بالفعل ليس له إنتاج وافر مكتوب؛ فإنتاجه ثلاثة كتب نعرفها «وقفات مع قضايا مُعاصرة.. شبهات وردود»، و«رمضان وثورة القلوب»، أما الكتاب الثالث فهو قصة موضوعنا هذا، بدأ تأليفه وعمره 24 عامًا (1986) أي منذ ثلاثين سنة، ولا نعرف هل أنهاه حتى اللحظة أم لا؟ وكانت المرة الأولى التي يُصرّح فيها عن الكتاب أمام حشود في أحد مؤتمراته الانتخابية، بطنطا يوم 19 يناير (كانون الثاني) 2012 فقال: «أعلنها لكم لأول مرة.. أنا عندي كتاب ألفته، أنا الذي ألفته.. ألفته ـ الآن ـ منذ تقريبًا 26 سنة، وهذا الكتاب بجواري على مكتبي، لم يُغادر منذ هذا الوقت، ولم أطبعه.. وفى كل وقتٍ قصيرٍ أمد يدي إليه، وأقلّب حتى أجد الصفحة التى أبحث عنها، فأضيف وأرفع وأدقق.. وأكتب عليه هذا الكتاب هو كتاب عُمرى .. هل تعرفون ما اسم هذا الكتاب؟ هذا الكتاب أسميته منذ 26 عامًا «أيــــــن الـــــطريق؟»، أحاول أن أدل فيه أمتي إلى أين هي خطوات الطريق؟ التي تسلكها الأمة لتخرج من أسرها ولتنطلق من قيودها، وكلما أردت أن أطبع هذا الكتاب عزّ عليّ أن أطبعه قبل أن أجوّد فكرته أكثر».
لماذا كتبه أبو إسماعيل؟
أشار أبو إسماعيل مرة أن من أشق الأمور عليه طوال عمره شعوره بالتباس المفاهيم عند الناس، كما أنه كان كثيرًا ما يُكرر عبارة «ما عُبد الله بشيء أفضل من الفقه في الدين»؛ فالإدراك والوعي والفهم والاستيعاب هي أركان واضحة في صياغة رسالته الدعوية كما السياسية؛ ظهر ذلك جليًا في لقاءاته ومحاضراته المستمرة التي كان يشرح فيها ويستفيض ويُعلق ويُبين، وربما من أهم الأسئلة التي يُجيبها كتاب «أين الطريق؟» حسب وصفه هو أن «المسلمين منذ قرنٍ ـ على أقل تقدير ـ يعملون بجدٍ بالغ؛ لينصروا الإسلام ويُمكّنوا له، ومع ذلك لا يصلون! ومع ذلك لم يبلغوا! جماعات ضخمة ودعوات هائلة، ملايين من المسلمين في عمل دائب، ومع ذلك لا يصلون! وفي المقابل النبي صلى الله عليه وسلم أخذ 13 عامًا، ثم قامت دولة للإسلام، ونحن منذ عشرات السنين، وما بلغ الإسلام بعد، لماذا؟» ويرى أبو إسماعيل أن سؤالنا أين الطريق؟ في ذاته هو فعل كبير، وأن «أخطر شيء علينا هو هذه الدرجة من الاستغراق في اليأس والإحباط والشعور بأنه لا أمل».
محتوى الكتاب
صاغ أبو إسماعيل إجابته على سؤال «أين الطريق؟» في صورة خطوات واضحة مُرتبة تصف «الطريقة التي أخرج الله ـ تبارك وتعالى ـ بها الناس من ظلمات الجاهلية إلى نور الإسلام، وهي نفس الطريقة التي يُخرج بها الله المسلمين في أي جيل من الظلمات إلى النور… فقوله صلى الله عليه وسلم «عليكم بسنتي» أي عليكم بمنهجي وطريقتي ونهجي في الخروج من الظلمات إلى النور… لذلك نحاول أن نعيد الأمة مرة أخرى أن تعرف أين هي الآن؟ وما هي خطوتها القادمة؟ وأين يجب عليها أن تنهج وتتجه؟» وأول هذه الخطوات كما يعرضها هي غرس الثقة في شخصية النبي ـ 40 سنة قبل البعثة ـ ثم انتقاؤه صلى الله عليه وسلم في بداية الدعوة لأفراد بعينهم لهم صفات جليلة فاضلة، ثم التأكيد على سلامة العقل في الاستدلال والاستنباط؛ فقبل الدعوة للتوحيد، لابد من تصحيح طريقة التفكير، ثم جاءت نقطة ربط الناس بالله في كل أحوال حياتهم، فركنية العبادة والنسك كترجمة للفكرة العقلية، ثم الربط بالآخرة التي تُزيل الفوارق وتُكرّس المساواة، ثم التحصين ضد إحباطات الواقع وخلق القوة النفسية للمسلم، فوحدة جماعة المسلمين على روابط لا تنفك، إلا إذا انفك الإيمان من العنق، ثم إنشاء لهفة التلقي والتعلم والشغف بالعلوم والمعرفة عند عامة الناس، فتحديد مصادر التلقي مُهيمنًا عليها القرآن الكريم، ثم تزكية النفوس ومدارسها وطرائقها، ثم إفهام الناس حقيقة الدين، فما معنى الرسالة، وما هي مهمة الدين؟ ثم خلق فريضة العمل الإسلامي عند كل مسلم لتنشأ حركة هائلة.
أين تجد الكتاب؟
لم يُنشر الكتاب حتى الآن، ولكن كان أبو إسماعيل قد شرح الكتاب عبر سلسلة ممتدة من الحلقات التليفزيونية على قناة الناس الفضائية ببرنامج «فضفضة» في أعوام 2008 و2009 و 2010، وجاءت تحت عنوان «إخراج الناس من الظلمات إلى النور»، وكانت قناته الرسمية على موقع «يوتيوب» قد أعادت نشر الحلقات عام 2012 تحت عنوان جديد هو «المنهاج»؛ إذن يبدو أن إجابة سؤال «أين الطريق؟» ترسمها خطوات «إخراج الناس من الظلمات إلى النور»، والتي تُعد «المنهاج»، وقد وصف أبو إسماعيل هذه السلسة في إحدى الحلقات قائلًا «ربما نحتسب عند الله ـ عز وجل ـ أن تُعيد هذه السلسة خلق الأمة من جديد، وأن تخلق كيانها، وأن تعيد الجيل الذي شهد له الله بالخيرية؛ كما ورد في حديث النبي عليه الصلاة والسلام، أنه سوف يأتي جيل من الأجيال يكون على منهاج النبوة، وتنشأ به خلافة راشدة على منهاج النبوة؛ فنحن الآن إنما نضيء المصابيح لعودة الحياة على منهاج النبوة من جديد».
هل سرقوا الكتاب؟
ولا ندري هل لا زال الكتاب في حوزة أبو إسماعيل أم لا؟ حيث تم كسر بيته عقب اعتقاله، وسرقة أوراق ومستندات هامة، فهل سُرق معها الكتاب؟ أم لا زال الكتاب في حوزة أسرته أو من يضمنه؟ وهل الكتاب موجودًا في صورة ورقية أم تم نقله وكتابته على ملفات رقمية إلكترونية؟ ربما يكون إلماحنا هنا لهذا الكتاب فرصة لظهوره للعلن، ومن ثم قراءته وتحليله ونقده ومدارسته؛ فكم من كتاب غيّر في العالم والواقع، لأسوأ ما يكون، أو لأحسن ما نحب، ككتب «الجمهورية» و«الأمير» و«رأس المال» و«ثروة الأمم» و«أصل الأنواع»، كما برز إسلاميًا في عقودٍ مضت «الرسائل» لـ«حسن البنا»، و«الإسلام بين الشرق والغرب» لـ«بيجوفيتش»، و«دعوة المقاومة الإسلامية العالمية» لأبو مصعب السوري، و«معالم في الطريق» لـ«سيد قطب»، فهل يلحق بهم «أين الطريق؟» لحازم أبو إسماعيل؟
في مارس 2012 بعد عشرة أشهر من ترشحه لانتخابات الرئاسة، بدا أبو إسماعيل كأقوى رجل في مصر، ورئيسها المنتظر، كما أوضحت استطلاعات الرأي؛ فكان صاحب واحدة من أكبر الحملات الانتخابية في الشرق الأوسط، ولا زال يحافظ أبو إسماعيل على حضور بارز يتجلّى، كلما ظهرت له صورة أو فيديو من جلسات محاكمته؛ إذن هو صاحب تجربه مغايرة ثرية ممتدة حتى اليوم، وبالرغم من قصر عمرها، إلا أن لها نجاحاتها السريعة المؤثرة وإخفاقاتها وأخطائها الواضحة؛ مما يجعل بحث ودراسة منهجه – #اكتشاف_أبوإسماعيل – وإسلوبه في التغيير محطة مُهمة لكل المعنيين من أنصاره وخصومه ومريديه ورافضيه، وربما يكون كتابه هذا أصدق تعبير عن أفكاره وتصوراته ورؤاه، فمتى يظهر الكتاب؟ وكيف سيكون أثر ظهوره؟
21 أغسطس, 2016
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق