في أنَّ الرئيس بأحمريْه: نعله ولسانه
للرؤساء العرب مذاهب في الكلام والملام، والثغاء والرغاء، وللدكتاتورية صلةٌ وطيدةٌ بالجزم والنعال، سنذكر سببها، وأشهر خطبائهم طرًّا هو عبد الفتاح السيسي، الذي يخطب على طريقة مولانا سيدي العريان بالعامية المصرية، والأسد الذي يخطب على طريقة أرسطو وأفلاطون، وقيس سعيّد الذي يخطب على طريقة الحجاج بن يوسف "السقفي".
وقد اتّصلت بصديق تونسي نحرير، أسأله "قياسًا" لفصاحة قيس العصماء الذي أوتي من البلاغة والبيان والفصاحة ما لم يؤتِه السيسي والأسد والقذافي، فهو يخطب بنبرٍ واحد، نبر هاملت على المسرح الشبابي، فهو أخطب من الأحنف بن قيس، وقس بن ساعده على حمله الأوراق، إنه يخطب حتى لو كان مع زائر وحيد، ولو كانت أمين سرّه ومحلّ نجواه، أو لو كان مع بعض القضاة الزائرين، بأزياء باتمان، يخطبهم خرسًا كأنهم خشب مسندة، فهل هم طرشان؟ ولمَ لا يظهر عليهم الأثر؟
أخبرتّه أن حال الرئيس يذكّرني بعادل إمام مالئ الدنيا وشاغل الناس، الذي كرّر جملته الشهيرة في مسرحية "شاهد ما شفش حاجة": "وأنا بعيّط"، بسبب جزمته الضيقة، في كثير من أفلامه، وكان الناس يضحكون. ويبدو أنه كان ينتعل الجزمة نفسها في أفلامه، وأنّ المذيعات في مصر بات لهن طريقتان في الإعلام: واحدة شتوية وأخرى صيفية، حسب الجزمة.
أما رئيسُكم المفدى، فليس له سوى جزمة واحدة، مذهبه مذهب الروبوت، فوافقني في أنَّ الأسلوب هو الرجل، وهو إلى جانب كونه أستاذًا في النعل الدستورية، لا يخرج عن النصّ، ويستعين بورقةٍ يتلو منها جمله الثلاث.
وكان رأيه، إن من البيان لسحرا، وبعض السحر أسود، وإن خدعته، بال الزمان عليها وشرب ونام وفكح، وإنّ السحر كل السحر في السيف، والسيف أخطب الخطباء.
كما قال ثابت قطنة:
فإلّا أكن فيكم خطيبا فإنّني/ بسيفي إذا جدّ الوغى لخطيب
وفي الحكاية الشعبية أنّ الغراب سرق قطعة جبن، وفرّ بها إلى الشجرة، فرآه الثعلب وطمع في الغنيمة، وكانت حيلته جرّ الغراب إلى الكلام، وإن البطل الأوسكاري قيس سعيّد سيتصرّف على النحو التالي مع الغراب، يقصد الشجرة، ويخطبها قائلًا على طريقة هاملت التي كانت أشباح ضحاياه تحرمه النوم، فيقول لها: أيتها الأشجار الخضراء السامقة، سأحرقك وأحوّلك إلى فحم أسود حتى أحرم الغربان السوداء التي سرقت جبن الشعب ولبن الشعب و"نيدو" الشعب من الوقوف عليك. لا مكان في تونس للغربان والبوم والبط والحمير (نوع من الطيور)، ومن أجل هذا سنمدّد قانون الطوارئ (المصنوع من المطّاط)، ونصادر جميع الأجبان والألبان والغربان.
قصد قيس سعيّد بيت الخراف السبعة، بعد تعطيل الدستور، فينخدع بزيّ الأم الشاة، ويبدأ بقرع الباب، ويشرع في الخطبة، مخفيًا أنياب الذئب وبراثنه، وهو يقول بصوت نجم سوبر ستار للخراف المسكينة: افتحوا الباب أيتها الذئاب المتنكّرة في أثواب الغزلان، لن يخدعنا صوفكم وثغاؤكم، وإذا لم تفتحوا الباب فسنغلق البرلمان بالشمع الأحمر، فلا مكان للذئاب الفاسدة ولصوص العشب في تونس الصفراء.
أما حكاية سندريلا، إذا مثّلها قيس سعيّد، فسيمثّلها بهذه الطريقة، يدعو الجميلات إلى الحفلة بحثًا عن السكرتيرة الصالحة، فتتداعى جميع الحسناوات إلى حفلته الصاخبة، ويراقص الأمير السندريلا على أنغام الموسيقا، فتحين ساعة المهلة، ولكل أجل كتاب، وتسقط فردة حذاء السندريلا الذهبية، وتهرُب إلى أوروبا قبل أن ينقلب السحر، وتنكشف الخدعة، فيحاول الأمير قيس هاملت اللحاق بها، لكنه يُخفق بسبب فارق العمر، وجلال الموقف، ومهابة الإمارة، وطول الطريق، وكثرة الحرّاس، فيمسك بالحذاء، على طريقة هاملت:
أيتها النعل الذهبية، سأبذل الغالي والنفيس حتى أعثر على النعّال ابن النعّال الذي سرق قوت الشعب وصنع النّعال الذهبية، سأكون لهم بالمرصاد، ليس لهم مكان في الوطن، سنلاحق النّعالين في أوكارهم، ونصادر مطارقهم وسنداناتهم، ونمحوهم عن بكرة أبيهم وخالتهم، ونمشي إن اضطررنا حفاة من أجل تونس، إني أرى نعالًا قد انتعلت لغير السير على الأشواك، وحرِّ الأشواق، ومحاربة عمرالنفاق. ... فنكون قد عدنا إلى جزمة عادل إمام الشهيرة وهو "يعيّط" منها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق