فتحها خالد بن الوليد ويعود تاريخها إلى العصر الحجري.. تعرف على مدينة كهرمان مرعش التي دمرها الزلزال بتركيا
كهرمان مرعش مدينة تركية يعود تاريخها إلى العصر الحجري القديم، شكلت مركزا تجاريا مهما للحضارات منذ المملكة الآشورية، دخلها الإسلام عام 637م على يد القائد خالد بن الوليد فأصبحت قاعدة للجيش الإسلامي، وقهرت مقاومتها الشعبية الجيش الفرنسي حتى حصلت على استقلالها عام 1920. وتقديرا لموقفها المشرف ونضالها حصلت على "وسام الاستقلال" وغُيّر اسمها من مرعش إلى "كهرمان مرعش" أي مرعش البطلة.
الموقع والمساحة
تقع كهرمان مرعش جنوب تركيا، بين خطي عرض 37 و38 شمالا، وخطي طول 36 و37 شرقا، بين إقليمي البحر المتوسط ومنطقة شرق الأناضول، فيقع قسم منها في إقليم البحر المتوسط بينما يقع القسم الآخر في منطقة شرق الأناضول.
وتبلغ مساحة المقاطعة 14327 كيلومترا مربعا، وترتفع عن مستوى سطح البحر 568 م
الجغرافيا
تشكل الجبال (التي تعد امتدادا لجبال طوروس) الأجزاء الغربية والشمالية من المدينة، وتتكون قممها من صخور عارية بينما تغطي المقاطع السفلية منها الغابات.
ومن أهم تضاريسها منطقة المنخفض الذي يضم سهل كهرمان مرعش ويمر منه نهر جيهان، وتنتشر فيها الهضاب وتتوافر الجداول ومياه الينابيع.
وتقع منطقة كهرمان مرعش تحت تأثير صدع شرق الأناضول وصدع البحر الميت، حيث يتقاطع صدع البحر الميت وصدع شرق الأناضول بالقرب من منطقة تركوغلو ونارلي، وذلك ما جعلها منطقة زلزالية من الدرجة الأولى.
المناخ
تقع المدينة في منطقة متوسطة بين إقليم البحر المتوسط ومنطقة شرق الأناضول ومنطقة جنوب شرق الأناضول، وذلك جعلها تتأثر بـ3 أنماط مناخية.
ويعد اختلاف التضاريس عاملا مهما في التأثير على المناخ، حيث تتنوع تضاريسها بين المرتفعات الشاهقة والسهول المنخفضة تنوعا يتيح تنوعا مناخيا أيضا، ولكن في المجمل يعدّ مناخها أقرب إلى مناخ البحر المتوسط مائلا قليلا إلى القاري، فهو حار جاف صيفا وبارد ممطر شتاء.
التسمية
طوال تاريخ المدينة الممتد، أطلقت عليها أسماء عدة، فهي ماركاس عند الحيثيين (شعب أناضولي)، و"مركاجي" عند الآشوريين، بينما أطلق عليها الرومان "جرمانيا" والبيزنطيون "ماراسيون" وأصبحت تسمى "مرعش" في عهد العثمانيين، حتى انتهى الأمر بتسميتها "كهرمان مرعش" في عهد الجمهورية التركية الحديثة.
ويتكون اسم المدينة "كهرمان مرعش" (Kahramanmaraş) من لفظين هما "كهرمان" (Kahraman) و"مرعش" (Maraş)، أما كلمة مرعش فيعتقد أنها اشتقت من اللفظ الحيثي "ماركاس" (Markas) الذي كان يطلق على المدينة في تلك الحقبة، أما لفظ "كهرمان" فهو لفظ تركي يعني البطل، وقد أضيف إلى اسم المدينة عام 1973 تقديرا لموقفها المشرف في حرب التحرير ضد الاستعمار الفرنسي، فأصبح اسم المدينة "كهرمان مرعش" أي مرعش البطلة.
التاريخ
يعود تاريخ المدينة والمناطق المحيطة بها إلى عصور ما قبل الميلاد، ويقدر عمرها بين 14 إلى 16 ألف سنة، وتشير الاكتشافات الحديثة إلى أن الاستيطان البشري بدأ في المنطقة منذ العصر الحجري القديم، وكانت الحضارة الحيثية أولى الحضارات القديمة التي استوطنت المنطقة بين عامي 2000 ق.م و1200 ق.م.
ومع انهيار الإمبراطورية الحيثية تكونت ممالك حيثية متأخرة منها مملكة "جورجوم"، وسميت المنطقة في تلك الحقبة باسم "ماركاس" (Markas) أو "ماركاسي" (Markasi) بين عامي 1200 ق.م و700 ق.م، وكانت المدينة تمثل مركز المملكة وعاصمتها.
ثم خضعت المدينة لحكم مملكة آشور وغُيّر اسمها إلى "ماركجي" بين عامي 720 ق.م و612 ق.م، وأصبحت تمثل مركزا تجاريا مهما للآشوريين، حيث تقع على الطريق التجاري الذي يربط الأناضول ببلاد الرافدين.
استولى الميديون على كامل مملكة آشور، واستطاعوا منذ عام 612 ق.م فرض سيطرتهم على منطقة مرعش التي بقيت خاضعة لهم حتى عام 550 ق.م حين توسعت الإمبراطورية الفارسية في منطقة الأناضول، واحتلت المدينة التي كانت حينئذ ضمن إقليم كبادوكيا، واستمرت تحت سيطرتها طوال 300 عام.
وخلال فتح الإسكندر الأكبر للشرق دخل المقدونيون المدينة عام 333 ق.م، وأصبحت أحد المراكز البارزة لدولتهم، ولكن حين استقلت مملكة كبادوكيا عن الحكم المقدوني استقلت معها مرعش لاعتبارها ضمن حدودها.
ومنذ منتصف القرن الأول الميلادي بدأت سيطرة الإمبراطورية الرومانية على المدينة، وأصبح يطلق عليها اسم "جيرمينكيا" تكريما للإمبراطور جايوس قيصر جيرمانيكو، وكانت المنطقة مركزا إستراتيجيا في تلك الحقبة.
انقسمت الإمبراطورية الرومانية عام 395م وانضمت مرعش إلى الإمبراطورية الرومانية الشرقية (البيزنطية) حتى عام 637 وكانت تسمى في المصادر البيزنطية المتأخرة "ماراسيون".
العصر الإسلامي
مع بداية الفتوحات الإسلامية، فتح القائد خالد بن الوليد المدينة عام 637، فأصبحت قاعدة للجيش الإسلامي، وكانت الهيمنة حتى القرن العاشر في الغالب للمسلمين رغم استمرار الصراع العنيف مع البيزنطيين، وقد تعرضت خلاله المدينة للعديد من الهجمات البيزنطية وحوادث الحرق والنهب والتخريب وتهجير السكان.
ازدهرت المدينة منذ بداية العهد الإسلامي، فقد أمر الخليفة معاوية بن أبي سفيان بإعادة بنائها، كما أعاد المسلمون إعمارها بعد الحملات العسكرية الخارجية التي كانت مدمرة.
وفي عهد الخليفة الوليد بن عبد الملك أشرف ابنه العباس على ترميم المدينة وتحصينها وبناء مسجد كبير فيها، فأعاد ذلك لها حيويتها وزاد من عدد سكانها.
وبعد تدمير المدينة وتهجير سكانها على يد الإمبراطور البيزنطي قسطنطين الخامس عام 747م، أعاد الخليفة مروان بن محمد فتحها وبناءها من جديد، وكذلك شهدت المدينة حملات تحصين وترميم في العصر العباسي.
وفي عام 1086م خضعت المنطقة للدولة السلجوقية، ولكن الصراع بين السلاجقة والبيزنطيين والصليبيين والدانشمانديين بقي مستمرا حتى نهاية القرن الـ12، وبقيت المنطقة تتعرض للاستيلاء من أحد الأطراف المتنازعة باستمرار.
دخل الجيش الصليبي مدينة مرعش عام 1097م واستخدمها قاعدة ينطلق منها في عملياته العسكرية، واحتفظ بالحاكم الأرمني على المدينة، وفي عام 1114م شهدت المدينة زلزالا كبيرا أحدث دمارا وقتل فيه كثير من السكان.
وبعد انسحاب البيزنطيين عام 1149م، تعاقب على حكم المدينة العديد من القوى كالإمارات السلجوقية التي تكونت بعد انهيار الدولة السلجوقية الكبرى، وكذلك بعض الإمارات الأرمنية والأيوبية والمماليك والمغول، ومرت المنطقة بفترة غير مستقرة مملوءة بالنزاعات.
ثم دخلت المدينة تحت حكم إمارة "ذو القادر أوغلو" عام 1339م التي كانت واحدة من الإمارات القوية في الأناضول، وفي هذه المرحلة اكتسبت المدينة أهمية اجتماعية وفنية وعمرانية بالإضافة إلى الهيمنة السياسية، وبقيت آثار عديدة وقيمة باسم "ذو القادر" مثل الجامع الكبير "أولو جامع" وجامع خاتون ومدرسة وضريح حجر والمنطقة التجارية التاريخية والجسر الحجري.
وفي عام 1522م ضم السلطان ياوز سليم المدينة إلى الإمبراطورية العثمانية، وأصبحت ولاية مستقلة تابعة للعثمانيين، وكانت إحدى المراكز المهمة في الدولة، وغيّر اسم المقاطعة إلى مرعش عام 1831م، ثم أصبحت تابعة لمحافظة أضنة عام 1853م، وفي عام 1865م أصبحت وحدة إدارية تابعة لمحافظة حلب.
حرب التحرير
احتل الإنجليز المدينة في 22 فبراير/شباط 1919م، ولكن سرعان ما انسحبوا من الجزء الجنوبي من الأناضول بما فيه مدينة مرعش مقابل مدينة الموصل وفق اتفاق أبرم مع الفرنسيين.
وفي 30 أكتوبر/تشرين الأول 1919 دخلت القوات الفرنسية مرعش، فقام الشعب بتنظيم مقاومة مسلحة ضد القوات الغازية والأرمن المتعاونين معها، وبعد مقاومة باسلة تقهقر الفرنسيون واضطروا إلى إخلاء المدينة، وحصلت مرعش على استقلالها يوم 12 فبراير/شباط 1920، وكانت أول مدينة تتحرر من الاستعمار.
وبسبب هذا الموقف المشرف للمدينة في حرب التحرير منحتها الجمعية الوطنية التركية الكبرى "وسام الاستقلال" في 5 أبريل/نيسان 1925 وتم تغيير اسمها إلى "كهرمان مرعش" أي "مرعش البطلة" في 7 فبراير/شباط 1973.
الاقتصاد
يعتمد اقتصاد كهرمان مرعش اعتمادا كبيرا على الزراعة التي يعمل فيها 80% من السكان وكذلك في تربية الحيوانات، ونصف الدخل الإجمالي للمدينة يأتي من هذا النشاط.
كما يعمل جزء من السكان أيضا في الصيد والحرف اليدوية والتجارة والصناعة وخاصة الصناعات الغذائية، أو التي تعتمد على منتجات الحيوان كصناعة الألبان والنسيج.
وتعدّ المنطقة غنية بالمعادن، وينتشر فيها العديد من المناجم حيث يستخرج الكروم والفحم والزنك والنحاس والمنغنيز والعقيق والرصاص والغرافيت وغيرها من المعادن، وتعتبر تربتها غنية جدا برواسب الرخام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق