التداعيات السياسية لزلزال تركيا
رغم أنه ليس الزلزال الأول ولا الأقوى الذي شهدته تركيا عبر تاريخها، إذ سبقه زلزالان كبيران أولهما عام 1939 وأسفر عن مقتل 30 ألفا، وآخر عام 1999 وأسفر عن مقتل 17 ألفا، إلا أن الزلزال الجديد الذي ضرب جنوبي تركيا (وشمالي سوريا) فجر الاثنين 6 فبراير/شباط يبدو أكثر حساسية من الناحية السياسية لوقوعه وسط احتدام الاستعدادات للانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقرر لها منتصف مايو/أيار المقبل.
الزلازل هي ظواهر طبيعية، ولا تُسأل الحكومات عن سبب وقوعها، لكنها تُسأل عن طرق التعامل معها، وتخفيف تداعياتها، وقد كان زلزال تركيا نفسها عام 1999 أحد أسباب تغيير الخارطة السياسية في البلاد بعدها بعامين، بسبب شكاوى الأتراك من تقصير السلطات الرسمية في مواجهة آثاره، وفتح ذلك الباب لولادة حزب العدالة والتنمية الذي نافس في الانتخابات البرلمانية عام 2002 وحاز 34% من مقاعد البرلمان ليشكل الحكومة الـ58 في الجمهورية التركية منفردا برئاسة عبد الله غول، وليستمر في تشكيل الحكومات التالية حتى الآن.
تداعيات سياسية للزلزال
حصر خسائر الزلزال الجديد سواء في تركيا أو سوريا بشقيها التابع للنظام أو التابع للمعارضة لم ينته رسميا بعد، وهي تبدو ضخمة جدّا قياسا بزلازل عدة شهدتها الدولتان خلال السنوات العشر الماضية، ولا صوت يعلو في تركيا حاليا فوق صوت عمليات الإغاثة والإنقاذ، حيث تتبارى الجمعيات الأهلية والأحزاب السياسية وحتى الجاليات الأجنبية ومن بينها “العربية” في تقديم الدعم الممكن، عبر حملات لجمع التبرعات وشراء اللوازم الأساسية من خيام وأغطية وملابس وغذاء، وكذا حملات للتبرع بالدم للمصابين، لكن لأن كل شيء في تركيا له وجهه السياسي فكذلك الحال مع الزلزال، حيث سيسعى كل طرف لتوظيفه لصالحه مع بدء العد العكسي للانتخابات المقبلة. فالرئيس أردوغان سارع بحكم مسؤوليته إلى الالتحام بالحدث منذ اللحظات الأولى، معلنا بنفسه وسط فرق الإنقاذ حجم الأضرار التي وقعت، وسارع وزراؤه بدورهم أيضا إلى المناطق المنكوبة ليكونوا وسط المتضررين مباشرة، حتى إن أحدهم (وزير النقل) عاش لحظات رعب مثل غيره حين ضربت هزة ارتدادية المبنى الذي عقد فيه مؤتمرا صحفيا.
أما المعارضة فلن تترك الفرصة تفلت من يدها، حيث هاجم زعيمها كمال كليتشدار أوغلو إدارة الكوارث والطوارئ بزعم أن موظفيها لم يردّوا على اتصاله. ولا يقتصر الأمر على ذلك بل ستسعى المعارضة لتوظيف الكارثة لصالحها حيث إن المناطق المنكوبة في الجنوب التركي (تضم عشر محافظات) هي من مراكز الثقل الانتخابي للرئيس أردوغان وحزب العدالة والتنمية الحاكم، وتسعى المعارضة لتوظيف غضبها لصالحها في الانتخابات المقبلة، حتى إن أحد وجوه المعارضة العلمانية وصف الزلزال بأنه عقاب إلهي لتلك المناطق بسبب انحيازها لأردوغان وحزبه!!
الزلزال على أجندة الانتخابات
تركيا هي إحدى كبرى خمس دول تعرّضا للزلازل إلى جانب الصين وإندونيسيا وإيران واليابان، وقد شهدت منذ العام 2011 خمسة زلازل قبل الزلزال الحالي، وكان أعنفها زلزال 1999، كما شهدت في أكتوبر/تشرين الأول 2020 زلزالا في ولاية إزمير غربي البلاد، أسفر عن 60 قتيلا ونحو ألف مصاب. وإزاء هذا الوضع، فقد تشددت الحكومة التركية في شروط السلامة في معاملات البناء، وترفض منح تراخيص البناء قبل التأكد من الالتزام بكود الزلازل، كما تفرض القوانين التركية ضريبة إلزامية هي ضريبة الزلازل (الداسك) وهي شرط للموافقة لفتح اشتراكات المياه والغاز والكهرباء في كل المباني السكنية والتجارية، كما وجهت الحكومة مشروعات التمدد العمراني إلى التوسع أفقيا بعيدا عن وسط المدن القديمة، وتُجبر أصحاب المساكن القديمة على هدمها وإعادة بنائها وفقا لمعايير السلامة وفي مقدمتها كود الزلازل.
وعلى الأرجح ستصبح مسألة تداعيات الزلزال أحد البنود المستحدثة على أجندة الحملات الانتخابية، حيث ستسارع الحكومة إلى إنقاذ ملايين المنازل التي تقع في دائرة الخطر، والتي تشير تقديرات رسمية أنها بحدود 20 مليون منزل، بعضها يتطلب تغييرا عاجلا، مع معالجة الآثار الناجمة عن الزلزال الحالي والزلازل السابقة، وستبحث المعارضة عن أخطاء وأوجه قصور لاستخدامها ضد الحزب الحاكم ورئيسه.
تتواصل جهود الإنقاذ والبحث عن الناجين حتى كتابة هذه السطور، وتمتلك الحكومة التركية خبرة واسعة في ذلك طورتها عبر عقود، وعبر التعامل مع العديد من الزلازل السابقة، ولديها إدارة متخصصة لمواجهة الكوارث (ِAFAD) التي يتم ترتيب كل الجهود تحت مظلتها، وتتسابق دول العالم في تقديم الدعم العاجل لتركيا وسوريا، ومنها الولايات المتحدة واليابان والصين وروسيا ودول أوربا والدول العربية ودول الخليج، ومع أهمية هذه المساعدات العاجلة إلا أن معركة أخرى تنتظر الحكومة التركية، وهي إزالة آثار الزلزال وإعادة تعمير المناطق المهدمة (نحو 7 آلاف بناية)، وإذا نجحت حكومة أردوغان في هذه المهمة فسوف يساعدها ذلك في الانتخابات، والعكس صحيح، وهو ما تنتظره المعارضة وتُروّج له مبكرا.
نكبات السوريين
لم تقتصر نكبة الشعب السوري على ويلات الحرب، والهجرة القسرية من بلده فرارا من ملاحقات النظام وبراميله المتفجرة، ولكنه يعاني الآن نكبتين في وقت واحد، وهما موجة الصقيع والثلوج التي تضرب شمالي سوريا، ومخيمات اللجوء في جنوبي تركيا، ثم جاءت النكبة الجديدة بهذا الزلزال الذي ضرب العديد من المحافظات السورية، بعضها تحت سيطرة النظام وبعضها تحت سيطرة المعارضة، وكذلك مناطق تركز اللاجئين السوريين في جنوبي تركيا، حيث يُعتقد أن أكثر من ألفي سوري لقوا مصرعهم بخلاف آلاف المصابين الآخرين، وهو ما يتطلب تحركا عربيا شعبيا ورسميا كبيرا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق