السبت، 11 فبراير 2023

زلزال الأعماق.. تسييس الزلازل والضحايا يدفعون الثمن

زلزال الأعماق.. تسييس الزلازل والضحايا يدفعون الثمن

كان الزلزال مهولا ومرعبا، إذ وصلت قوته إلى 7.8 درجات على مقياس ريختر، وهي نفس قوة الزلزال الذي ضرب باكستان في أكتوبر/تشرين الأول 2005، وكانت آثاره مدمرة وأسفرت حينها عن مقتل ما يربو على 80 ألف قتيل، بالإضافة لمحو مدن وبلدات من على خريطة باكستان.

زلزال الأعماق الذي ضرب المنطقة التركية السورية لم تشهده المنطقة منذ فترة طويلة، فطوال قرن لم تشهده تركيا، أما سوريا فلم تشهده منذ عام 1138، حين ضرب زلزال مدمر مدينة حلب وأسفر في وقته عن مقتل ثلثي أهل المدينة، وبلغت شدّته يومها 8.5 درجات.

لكنّ الفارق بين الأمس واليوم في الشمال السوري المحرر هو أن ساكني المنطقة المضروبة بالزلزال غالبيتهم اليوم من المهجرين الذين تهجروا بسبب الحرب التي شنها عليهم النظام وحماته من روسيا وإيران، وبالتالي فلا المنطقة قادرة على استيعاب هذا العدد الضخم من المهاجرين الذين تجاوز عددهم 4 ملايين شخص، ولا البنى التحتية مهيئة لمثل هذه الأعداد الضخمة، فضلا عن غياب حكومة مركزية قوية قادرة على التعاطي مع زلزال بهذا الحجم، كحال الحكومة التركية مع شعبها وأهلها.

لكن مع هذا استطاعت الحكومة المحلية في إدلب عبر كوادرها أن تخفف من أهوال وشدة الزلزال، في ظل الحرمان من الدعم الدولي للمناطق المنكوبة الذي ذهب -حتى الخميس- إلى المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، والتي لم تتعرض لما تعرضت له مناطق الشمال السوري الخارج عن سيطرته.

ينبغي التذكير أن المنطقة بالأصل تتعرض لكارثة إنسانية في ظل وجود أكثر من 4 ملايين مشرد فيها، وحوالي 65% من البنية التحتية التي دمرتها الحرب المشنونة على المنطقة منذ 12 عاما، وأن ما يقارب 90% من ساكنيها إنما يعيشون على المساعدات الدولية، ومع حصر بوابة الإغاثة الدولية عبر باب الهوى فقط.

كل هذا فاقم من المشكلة، بعد أن كانت بوابات عدة باتجاه تركيا مفتوحة، لكن الإصرار الروسي في مجلس الأمن الدولي على إبقاء باب الهوى فقط مفتوحا وقابلا للتجديد كل 6 أشهر، زاد من مشاكل الناس ومشاكل المنظمات الدولية المساهمة في مساعدة المحتاجين في الداخل، بحيث ضيّق خياراتها في الوصول إلى المناطق المحتاجة من بوابة واحدة بعد أن كان من بوابات عدة.

هذه المنطقة المضروبة بزلزال اليوم اختصرت كل الكوارث في السنوات الـ12 الماضية، من حرب داخلية شنها النظام عليها بقصفها بالطائرات والبراميل المتفجرة والكيمياوي، فضلا عن استنجاده بقوى خارجية كروسيا وإيران لمساعدته في حربه، كما تخلل ذلك كارثة كوفيد-19 التي أنهكتها، وسط تداعي البنى التحتية، وغرقها بملايين المشردين، وفقرهم وحاجتهم لأبسط مقومات الحياة الإنسانية.

تسييس الزلزال

منذ الساعات الأولى للزلزال الذي ضرب الشمال السوري المنكوب والخارج عن سيطرة نظام الأسد، والضحايا يدفعون الثمن، وقد كان ذلك على ما يبدو فرصة لبعض الدول لأن ترسل مساعداتها للنظام، فبرزت أصوات من داخله تطالب برفع العقوبات التي فرضها قانون قيصر عليه، بينما المعلوم أن هذه العقوبات كانت خاصة بشخصيات النظام المتورطة بجرائم حرب، بالإضافة إلى أن شمول العقوبات لمواد ومعدات عسكرية، ولا علاقة لها بالمواد الإنسانية.

حتى اليوم الثالث على التوالي لوقوع الزلزال في شمال سوريا، أكد السيد رائد الصالح رئيس الخوذ البيضاء أو الدفاع المدني في المناطق السورية الخارجة عن سيطرة نظام الأسد، بأنه لم يصل أي دعم إلى المناطق المتضررة

لاحظ الجميع الحدود المفتوحة مع حليفيه العراقي واللبناني، ولذا فإن المطالبة برفع العقوبات هي استغلال سياسي لأزمة إنسانية ولدماء أبرياء سقطوا، ولا يزالون، برفض إرسال الإغاثة إلى الشمال المحرر المنكوب، على الرغم من دخول الكارثة يومها الرابع على التوالي، مع أن الكل يعلم أن الساعات الـ72 الأولى هي الأهم والأخطر عند وقوع الزلازل، وإلاّ فإن فرق الإنقاذ قد تعلن نهاية عملها، وبالتالي كل من هو تحت الأنقاض قد يعلنون في عداد الموتى.

مسؤولة في الأمم المتحدة تذرعت عند بداية الزلزال بأنهم لا يستطيعون إرسال المساعدات بسبب أسباب لوجستية، وتصدع طريق باب الهوى، بينما كانت السيارات تنقل جثث موتى السوريين الذين قضوا على الجانب التركي لدفنها في الشمال السوري، والمعلوم أن مخازن منظمة الأمم المتحدة في الريحانية لا تبعد سوى كيلومترات عن باب الهوى.

تحت الضغط الشعبي، أعلنت الأمم المتحدة أنها سترسل المساعدات، وتبع هذا تصريح متأخر جدا من المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسون، حين قال إن المساعدات ينبغي ألا يتم تسييسها، ولكن كما قال أحد السوريين في الشمال فإن الوقت لم يعد من ذهب بالنسبة لنا، وإنما الوقت من دم، وكل تأخير في إرسال دواء أو معدات طبية أو معدات لرفع الأنقاض يؤدي إلى خسارة أحبة وأصدقاء، في ظل وجود مئات العائلات العالقة تحت الأنقاض، ولا يزال يسمع أنينها وصراخها.

لقد أظهرت كارثة الزلزال حقيقة صادمة واضحة هي أن الشمال السوري المحرر هو المحاصر حتى في محنته، وليس في ما قبلها، وإلاّ فكيف تصل المساعدات والإعانات للنظام المتهم بأنه محاصر ومفروض عليه عقوبات، بينما تغيب عن الشمال المحرر المنكوب، والمفترض أنه بعيد عن الحصار والعقوبات؟! ولعل أفضل توصيف لما يحصل ما كتبه الكاتب البريطاني تشارلز ليستر من أن الشمال المحرر يقع في مصيدة الأسد، حين سعى إلى حصر المساعدات لتكون من خلال بوابته فقط.

حتى اليوم الثالث على التوالي لوقوع الزلزال في شمال سوريا، أكد السيد رائد الصالح رئيس الخوذ البيضاء -أو الدفاع المدني في المناطق السورية الخارجة عن سيطرة نظام الأسد- أنه لم يصل أي دعم إلى المناطق المتضررة، وأن الحاجة ماسة للمعدات الثقيلة من أجل رفع الأنقاض وانتشال العالقين تحت الأنقاض، بينما كانت طائرات بعض الدول تهبط في مطار دمشق محملة بمواد الإغاثة.

وتحدثت صفحات موالية للنظام السوري عن سرقة هذه المواد من قبل المليشيات العسكرية التابعة للنظام، كما كشفت الصورة المسرّبة من داخل مدينة حلب عن "تعفيش" المليشيات الموالية للنظام للبيوت التي فرّ منها أهلها خشية انهيارها بسبب تصدعها بالأصل من القصف الجوي الروسي والأسدي، وقد تحدثت مصادر في الدفاع المدني السوري أن معظم المباني التي سقطت في حلب وغيرها من جراء الزلزال كانت قد تعرضت في السابق لقصف من قوات النظام السوري أو الروسي.

حجم الأضرار في سوريا

حتى صباح الخميس 9 فبراير/شباط، كان عدد قتلى الشمال السوري المحرر بحسب إحصائية وزير الصحة في حكومة الإنقاذ الدكتور حسين بازار قد تجاوز 3 آلاف قتيل، والجرحى 5 آلاف، وقد تعرّضت بلدات ومدن إلى تدمير كبير كحال جنديرس و سلقين والأتارب وحارم وبسنيا، وتهجّرت آلاف العائلات عن بيوتها ومبانيها، مما فاقم المشكلة. لكن وفقا للعاملين في القطاع الصحي في الشمال المحرر، فإن الحاجة الماسة تكمن في التخصصات الطبية العصبية والعظمية والجراحية، بالإضافة إلى معدات العمليات الجراحية.

الكثير يتحدث اليوم عن مرحلة ما بعد الزلزال، فإن الطبقة الوسطى نسبيا التي تضررت وكانت تعيش في مناطق مدنية بعيدا عن الخيام، سينعكس تضررها بشكل سلبي وخطير على الاقتصاد في الشمال المحرر، فمثل هذه الطبقة اليوم بحاجة للمساعدات، بينما كانت بالأمس تعيل عائلات وتشغل أشخاصا، ولذا فإن التحدي الكبير هو إعادة هذه الطبقة إلى ما كانت عليه، حتى تعود الحياة الفقيرة والمعدمة للمنطقة إلى ما كانت عليه قبل الزلزال. وثمة تحد آخر وهو تداعي كثير من المباني والبيوت، ولذا لا بد من إصلاحها بطريقة سليمة، وإلاّ فإن المآسي قد تتوالى، فضلا عن تضرر الطرق والمشافي والأماكن العامة التي من المفترض أن يتم إصلاحها بشكل سليم، على أمل أن تستمر الحياة بنفس الوتيرة الصعبة أصلا في مرحلة ما قبل الزلزال.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق