بقعة ضوء (13)
فتح المغرب:
هيو كينيدي يتعجب من مثابرة «البدو الأجلاف» كما وصفهم الفرس والرومان كي يبلغوا المغرب عند مضيق جبل طارق فيقول:
«وإذا ما طاب السفر بحيث يقطع مسافة طولها عشرين كيلو متر في اليوم فربما استغرقت الرحلة سنة تقريبا، ولابد أن تتم الرحلة دون أن تتوقف يوما، أو تكون هناك خيول مريضة، أو موظفون، أو أعداء خطرون (يعيقون التقدم) »
الإمبراطورية الرومانية كانت مثقلة بالكثير من الصدوع الكفيلة بالقضاء عليها، أولها وأجلها أن خير هذه البلاد المترامية كان لروما والرومان ولم يكن لأصحابها، وثانيها احتقار الإدارة الحاكمة لسكان هذه البلاد، وهذه الإدارة كانت لغتهم اللاتينية التي لا يفهمها سكان هذه البلاد، والصراع المحموم على طبيعة المسيح والانقسام الحاد في صفوف المسيحيين فضلا عن أن أغلب سكان هذه البلاد لم يدينوا بالمسيحية، ومن بين الصدوع الماثلة هجوم «قبائل الفندال» زحفا من ألمانيا على الإمبراطورية الرومانية وقد كان وقعها أشد تأثيرا من الإمبراطورية الجرمانية.
مهد عمرو بن العاص الأرض لابن أخته عقبة بن نافع الفهري الذي كان ضمن من شارك في فتح برقة ثم طرابلس مع عمرو بن العاص ليضعه على الطريق، واستطاع عقبة أن يجمع حوله البربر ويقنعهم بالإسلام ليكون منهم الجيش الذي به يستكمل فتح الشمال الأفريقي.
في هذه الأثناء كان الإمبراطور قسطنطين يواجه مدعيا يطالب بعرشه في صقلية فاضطر إلى سحب قواته لقتاله وهنا لم يكن الروم يمثلون أي خطرا لتقدم جيش المسلمين كما يقول كينيدي.
تأسيس القيروان:
هي مدينة بعيدة عن البحر مما يقلل من المخاطر المحتملة من الروم، تأسيسها كان بسيطا مسجدا وبيت الإمارة ومخطط لقطع الأرض التي سيبنون عليها البيوت، وكما يدعي كينيدي زورا وبهتانا أنهم لم يبنوا أسواقا أو حمامات أو فنادق وأنها من المدن العسكرية القليلة التي شيدها العرب عقب فتوحهم التي بقيت مأهولة بالسكان حتى اليوم، ففي العراق صارت البصرة العتيقة أطلالا لا تكاد ترى على حافة الصحراء، واختفت الكوفة القديمة، والفسطاط في مصر موقع أثري مهجور ومقلب للقمامة ومورو في خرسان ساحة شاسعة من الأطلال المهجورة، أما القيروان فهي على النقيض، مدينة قديمة ساحرة، يفوح منها أريج العصور الإسلامية القديمة.
ولنا هنا وقفة:
المؤرخ الإنجليزي والعالم المتحقق هيو كينيدي أنت القارئ والدارس المتأني لإرثنا الديني والتاريخي والأدبي واللغوي والثقافي، تعلم أكثر من مسوخ كثر من بيننا ليسوا إلا كما نقول في مصر (عدد في الليمون) أو كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم «غثاء السيل» لا قيمة ولا وزن وهذا التوصيف أو ذاك لهو الانتصار المحقق للإسلام كدين والهزيمة الماحقة لنا كمسلمين، أن الإسلام هو القادم لقيادة العالم مرة أخرى، وتراه أعيننا ليس إلا الفرز الإلهي والتمحيص للمسلمين كي يستبقي الخلص المستحقين لموعوده،لأن الله لا يحابي أحد وناموسه ثابت لا يتغير ولا يتبدل إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فعندما أخذ «البدو الأجلاف» الدين القشيب، ينفذون دون قيد أو شرط تعاليمه بلا جدل عقيم ولا كفكاوية ولا إرجاف، حصدوا أعتى الإمبراطوريات لدرجة أنك وصفتهم أثناء فتح العراق وانتزاعها من الفرس عباد النار كانوا يسبحون في الفرات متشابكي الأيدي يتندرون ويتفكهون كأنهم في نزهة، أما نحن الآن غثاء السيل فرطنا وأفرطنا فعوقبنا بما ذكرت وأكثر، بل وكل ما تراه ونراه معك من الخزي والخزلان لنا في كل موضع ليس إلا تحقيق لناموس الله الذي لا يتبدل، فقد دلنا على الطريق والطريقة ونحن من حيدنا فضرب الله علينا التيه حتى نتوب وننوب ونعود إليه، حتى ولو فني أجيال تلو أجيال،ثم يأتي بقوم يحبهم ويحبونه يحفظون القرآن في صدورهم ويصدقه عملهم كالبدو الأجلاف، لأن الله لا ينظر إلى صورنا وأشكالنا ولكن ينظر إلى ما في قلوبنا،أما نحن غثاء السيل فقد حرمنا القلب السليم الذي يهدينا سبل الرشاد نضع المصاحف المذهبة في أركان البيوت والسيارات يعلوها التراب ولا حول ولا قوة إلا بالله، فكان ولابد أن نبلغ ما ذكره كينيدي وغيره كثر.
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ}
[الحج: 18].
وقبل أن يضحك علي رقيع أكل وشرب على رأسه المفكرين الغربيين، والمستشرقين، سماع لما يبثه إعلام الرايات الحمر، جاس وغاص في الفتنة السوداء حتى يستلقي على قفاه من كثرة الضحك، فإنني أذكره بسفينة نوح التي ظل نوح يصنعها مائة عام، ويمر عليه قومه يتندرون ويتفكهون لأنه يصنعها في الصحراء وظنوا أنه يفعل ذلك بعد أن يئس منهم فأخذوا يضحكون ويقولون:
«بعد أن كنت نبي صرت نجارا، وتصنع السفينة في الصحراء!!»
فلم يكن يعلموا بالتدبير الإلهي، وهو أن الله سيأتي إليه بالماء حيث يوجد، الأرض كلها فاضت بالماء.
وبالقطع سفينة النجاة تصنع في زماننا ولكن دون أنبياء، السفينة في زماننا مجازية بحاجة إلى البصيرة أكثر من البصر، خلاصة القول لا شكوى ولا بكاء لأننا لا نستحق إلا ما آل إليه أمرنا.
ولكن في النهاية لابد أن يعتدل الميزان مرة أخرى والشيطان نفسه يعلم ذلك أكثر من كينيدي
﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ۗ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ﴾
[ الأنفال: 36]
فرية كينيدي:
يروي كذبا عن مؤلف ابن عبد الحكم فتوح مصر والمغرب أحداثا من بنات أفكاره ليؤكد ما يعتمل في نفسه،فلا ينسب للمسلمين فضل ويحقر وينتقص من انتصاراتهم ويعزي نصرهم إلى الظروف والتغيرات التاريخية فقط هي من خدمتهم لكن لا مهارة تذكر لهم في هذا الشأن فظليسوق الأكاذيب التي ترضي خبيئته، ومضت الأحداث ما بين الصعود والهبوط ولكن عقبة بن نافع الفهري في النهاية بلغ المغرب عند ساحل الأطلنطي دون طائرة أو صاروخ أو دبابة ليقول قوله المأثور:
«ثم سار عقبة من إيجلي حتى وصل ماسة، فأدخل فرسه في البحر، حتى وصل الماء تلابيبه وقال:
السلام عليكم يا أولياء الله، فقال له أصحابه: على من تسلم؟!
قال: على قوم يونس، ثم قال: اللهم إنك تعلم أني لم أطلب إلا ما طلب عبدك ووليك ذو القرنين ألا يعبد في الأرض غيرك…»
عقبة بن نافع الفهري كان قبل أن يواصل الزحف إلى المغرب متطيا صهوة الصعاب تلو الصعاب قد توقف في القيروان برهة ليلتقط الأنفاس قبل الانطلاق، ترك ابنه مسئولا عن القوات هناك قائلا «لقد بعت نفسي لله سبحانه وتعالى» وعبر عن شكوكه في أن يرى أبنائه مرة أخرى
والآن تقام كل أنواع الحروب كي يعبد في الأرض غير الله دون أن يطرف جفن لغثاء السيل.
ودون خجل يقول كينيدي:
«من الصعب أن نرى أسبابا لنجاح قوات المسلمين وانتصارها على جيش أكبر وله دراية جيدة بالأرض، ويمكن لنا فقط أن نلاحظ مرة أخرى أنه عندما كان الأمر يتعلق بالمعارك الحاسمة كانت القوات المسلمة تثبت تفوقها»
وللحديث بقية إن شاء الله
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق