الكاتب:
أغسطس 1, 2024
في عام 1940، كانت فلسطين ميدان صراع كبير في ظل محاولة زرع الكيان الصهيوني، والرعاية الكبيرة لذلك المشروع من قبل دول كثيرة، وعلى رأسها بريطانيا.
انتشرت المستوطنات اليهودية بشكل لافت للنظر، ما خلق صراعاً كبيراً بينهم وبين السكان الأصليين، وانحاز البريطانيون كثيراً ناحية هؤلاء القادمين الجدد لتثبيت وجودهم، وسنُّوا من أجل ذلك الكثير من القوانين والقرارات الإدارية. وهناك حادثة تبيّن كيف تعامل هؤلاء القادمون من كل أصقاع الأرض مع السكان الأصليين..
في أحد الأيام، وُجد سبعة يهود مقتولين عند باب إحدى المستوطنات؛ ومن دون أي تحقيقات وُجّهت التهمة لأقرب تجمع عربي، وصادف أنه مجموعة مسالمة وغير مسلحة تُسمى “عرب صبيح”.. أخذ اليهود يحشدون الحشود، ويطلبون المدد من العصابات الصهيونية المجاورة؛ أما “عرب صبيح”، فبسبب عدم استعدادهم القتالي، لعدم توفر السلاح لديهم، وكثرة الحشود القادمة عليهم، أخلوا قريتهم، وبقي في القرية أربعة أشخاص؛ رجلان كانا كفيفين وكبار سن تجاوزت أعمارهم الثمانين، وتصعب عليهم الحركة، وامرأتان مع أطفالهما.. المجموع كان ٢٦ من الشيوخ والنساء والأطفال.
دخلت الحشود القرية بهدف الانتقام، جمعوا الجمع القليل وقتلوهم وقطعوهم إرباً إرباً، ووضعوهم في حاويات عند مدخل التجمع!. بعد هدوء الأوضاع، عاد أهل القرية ليجدوا هذا المنظر البشع، دُفن القتلى في مشهد حزين وفي قبور جماعية، الأمر الذي دعا كثيرين من عرب صبيح إلى الهجرة بين سوريا والأردن ولبنان، أما من بقي فقد امتهن التهريب، بحكم أن القرى العربية تم تقطيع أوصالها لتكون تلك الحرفة مصدر رزق لهم.
دخلت القرية بؤرة الأحداث مرة أخرى حين فُقدت مجموعة من قطع الأسلحة من إحدى المخازن العسكرية الإسرائيلية القريبة من عرب صبيح بعد تأسيس كيانهم بداية الخمسينيات، وجّه الحاكم العسكري التهمة إلى عرب صبيح لا لسبب إلا امتهانهم التهريب، ليتم حصار تلك القرية حصاراً خانقاً استمر مدة ستة أشهر، مُنع فيها عن أهلها الطعام والشراب.. وحينما بدأ البعض يتساقط بسبب الجوع والعطش، وشارفت القرية على الهلاك، اجتمعوا للبحث عن خلاص من تلك الإشكالية المستعصية، فابتكروا فكرة لم تخطر على بال أحد!.
ذهبوا إلى الكنيسة الوحيدة الموجودة في القرية ليخبروا قسيسها رغبتَهم في اعتناق المسيحية، وطلبوا منه تثقيفهم بتعاليم دينهم الجديد.. فرح القسيس بذلك الإنجاز، وقام بنقل الخبر لكنيسة الناصرة لأنها الكنيسة المسؤولة عن هذا الأمر، لترسل ذلك النبأ إلى الفاتيكان، ثم تتغير قواعد اللعبة على المحاصرين؛ فقد أصبحت صحف العالم تتحدث عن الشعب المسيحي المحاصر، والذي يشرف على الهلاك.
لم يكن الضغط إعلامياً فقط بل رافقه ضغط سياسي على دولة الكيان من الكثير من الدول، ما اضطر الحاكم العسكري ليفك الحصار عن عرب صبيح، ودخل إليهم الكثير من المساعدات؛ ولم يكن دخول عرب صبيح المسيحية عن اقتناع، ولكن وفق مقولة “داوها بالتي كانت هي الداء”.. بفطرتهم البسيطة عرفوا المزاج العام للعالم المنافق.
العالم المنافق، والذي يحاضر فيه الناس آناء الليل وأطراف النهار عن الإنسانية وحقوقها، تتغير المعادلة فيه كليةً حسب نوع دين الضحية!. تُرك عرب صبيح لمصيرهم مع قاتل يتوحش بهم، ويمنع عنهم الطعام والشراب ويبيدهم، ولكن حين أعلنوا مسيحيتهم تغير المشهد.. أظهر الجميع إنسانيته.
القصة تكررت كثيراً ولكن في الجزء الأول من معاناة عرب صبيح؛ دُمرت أفغانستان على رؤوس ساكنيها، وقبلها الشيشان، والبوسنة والهرسك، وبغداد ومدن سورية، والكثير من الحواضر العربية.. ونشهد اليوم صوراً من غزة، تتقطع قلوبنا من بشاعتها، كل ذلك لم يكن ليحدث لو لم يكن السكان مسلمين. ما بين عرب صبيح وأفغانستان والشيشان والبوسنة والهرسك وغزة ودمشق وبغداد، والكثير من حواضر العالم الإسلامي، هناك فجوة زمنية، ولكن مع تطابق تام في المصير الحزين لشعوبها المسلمة.
أنهي وأقول: رحم الله شهداء تلك المرحلة في الحرب العبثية التي أبيحت فيها دماء المسلمين.. وتتكرر القصة.
في عام 1940، كانت فلسطين ميدان صراع كبير في ظل محاولة زرع الكيان الصهيوني، والرعاية الكبيرة لذلك المشروع من قبل دول كثيرة، وعلى رأسها بريطانيا.
انتشرت المستوطنات اليهودية بشكل لافت للنظر، ما خلق صراعاً كبيراً بينهم وبين السكان الأصليين، وانحاز البريطانيون كثيراً ناحية هؤلاء القادمين الجدد لتثبيت وجودهم، وسنُّوا من أجل ذلك الكثير من القوانين والقرارات الإدارية. وهناك حادثة تبيّن كيف تعامل هؤلاء القادمون من كل أصقاع الأرض مع السكان الأصليين..
في أحد الأيام، وُجد سبعة يهود مقتولين عند باب إحدى المستوطنات؛ ومن دون أي تحقيقات وُجّهت التهمة لأقرب تجمع عربي، وصادف أنه مجموعة مسالمة وغير مسلحة تُسمى “عرب صبيح”.. أخذ اليهود يحشدون الحشود، ويطلبون المدد من العصابات الصهيونية المجاورة؛ أما “عرب صبيح”، فبسبب عدم استعدادهم القتالي، لعدم توفر السلاح لديهم، وكثرة الحشود القادمة عليهم، أخلوا قريتهم، وبقي في القرية أربعة أشخاص؛ رجلان كانا كفيفين وكبار سن تجاوزت أعمارهم الثمانين، وتصعب عليهم الحركة، وامرأتان مع أطفالهما.. المجموع كان ٢٦ من الشيوخ والنساء والأطفال.
دخلت الحشود القرية بهدف الانتقام، جمعوا الجمع القليل وقتلوهم وقطعوهم إرباً إرباً، ووضعوهم في حاويات عند مدخل التجمع!. بعد هدوء الأوضاع، عاد أهل القرية ليجدوا هذا المنظر البشع، دُفن القتلى في مشهد حزين وفي قبور جماعية، الأمر الذي دعا كثيرين من عرب صبيح إلى الهجرة بين سوريا والأردن ولبنان، أما من بقي فقد امتهن التهريب، بحكم أن القرى العربية تم تقطيع أوصالها لتكون تلك الحرفة مصدر رزق لهم.
دخلت القرية بؤرة الأحداث مرة أخرى حين فُقدت مجموعة من قطع الأسلحة من إحدى المخازن العسكرية الإسرائيلية القريبة من عرب صبيح بعد تأسيس كيانهم بداية الخمسينيات، وجّه الحاكم العسكري التهمة إلى عرب صبيح لا لسبب إلا امتهانهم التهريب، ليتم حصار تلك القرية حصاراً خانقاً استمر مدة ستة أشهر، مُنع فيها عن أهلها الطعام والشراب.. وحينما بدأ البعض يتساقط بسبب الجوع والعطش، وشارفت القرية على الهلاك، اجتمعوا للبحث عن خلاص من تلك الإشكالية المستعصية، فابتكروا فكرة لم تخطر على بال أحد!.
ذهبوا إلى الكنيسة الوحيدة الموجودة في القرية ليخبروا قسيسها رغبتَهم في اعتناق المسيحية، وطلبوا منه تثقيفهم بتعاليم دينهم الجديد.. فرح القسيس بذلك الإنجاز، وقام بنقل الخبر لكنيسة الناصرة لأنها الكنيسة المسؤولة عن هذا الأمر، لترسل ذلك النبأ إلى الفاتيكان، ثم تتغير قواعد اللعبة على المحاصرين؛ فقد أصبحت صحف العالم تتحدث عن الشعب المسيحي المحاصر، والذي يشرف على الهلاك.
لم يكن الضغط إعلامياً فقط بل رافقه ضغط سياسي على دولة الكيان من الكثير من الدول، ما اضطر الحاكم العسكري ليفك الحصار عن عرب صبيح، ودخل إليهم الكثير من المساعدات؛ ولم يكن دخول عرب صبيح المسيحية عن اقتناع، ولكن وفق مقولة “داوها بالتي كانت هي الداء”.. بفطرتهم البسيطة عرفوا المزاج العام للعالم المنافق.
العالم المنافق، والذي يحاضر فيه الناس آناء الليل وأطراف النهار عن الإنسانية وحقوقها، تتغير المعادلة فيه كليةً حسب نوع دين الضحية!. تُرك عرب صبيح لمصيرهم مع قاتل يتوحش بهم، ويمنع عنهم الطعام والشراب ويبيدهم، ولكن حين أعلنوا مسيحيتهم تغير المشهد.. أظهر الجميع إنسانيته.
القصة تكررت كثيراً ولكن في الجزء الأول من معاناة عرب صبيح؛ دُمرت أفغانستان على رؤوس ساكنيها، وقبلها الشيشان، والبوسنة والهرسك، وبغداد ومدن سورية، والكثير من الحواضر العربية.. ونشهد اليوم صوراً من غزة، تتقطع قلوبنا من بشاعتها، كل ذلك لم يكن ليحدث لو لم يكن السكان مسلمين. ما بين عرب صبيح وأفغانستان والشيشان والبوسنة والهرسك وغزة ودمشق وبغداد، والكثير من حواضر العالم الإسلامي، هناك فجوة زمنية، ولكن مع تطابق تام في المصير الحزين لشعوبها المسلمة.
أنهي وأقول: رحم الله شهداء تلك المرحلة في الحرب العبثية التي أبيحت فيها دماء المسلمين.. وتتكرر القصة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق