كلمات في الصميم
تعقيبا على مقال قيادي «حركة حماس» أحمد يوسف
كتب الأخ والشيخ الفاضل الدكتور أحمد يوسف مقالا تحت عنوان: مشهديات اليوم التالي.. ليس لها من دون الله كاشفة، وذلك بتاريخ ١٢/٨/٢٠٢٤.
ولمن لا يعرف فإن الشيخ أحمد يوسف هو من قادة وكتاب ومؤسسي حركة حماس، وقد شغل منصب مستشار رئيس الوزراء الشهيد إسماعيل هنية رحمه الله وجعله في عليين مع النبيين، وحفظ جميع إخوانه ونصر وشعبنا الفلسطيني المسكين، ونصر الأبطال والمجاهدين.
ليس من عادتي، ولا أحب منهج التعقيب على كل مقال يطرح، بل أميل لطرح الرؤى المنهجية النقدية بشكل عام للأفكار والمناهج بغية تصويب المسار حتى تحقيق أهدافنا المرجوة والعادلة كفلسطينيين وكعرب وكمسلمين، وبالجملة بهدف تحقيق الأهداف الرسالية التي تعبر عن معنى حمل الرسالة، والتي تنقل البشر من صورة دواب تدب على الأرض إلى عباد لله الذين يقومون بواجب عمارة الأرض وفق منهج الله، ليحيا البشر سعيدا دون تظالم وبطش واستبداد وقهر وظلم.
إن اندفاعي للتعقيب على ما كتبه الدكتور أحمد يوسف هو لسببين، فأما الأول هو ندرة وصعوبة أن تجد أحدا من الإخوان المسلمين عموما وحماس خصوصا يقبل بفكرة نقد الجسم والكيان التنظيمي وخياراته الذاتية، فهذا في واقع التعصب أندر من الزئبق الأحمر، وأما السبب الثاني فهو أن الشيخ أحمد يوسف في داخل غزة ويعيش تفاصيل الواقعة ويعاين كل شيء كما عموم سكان غزة، الأمر الذي شكل دافعا لكتابته مقالته الناقدة، ولا أظنه كان سيكتب لو كان خارجها.
إن أهم ما جاء في مقالة الشيخ أحمد يوسف هو تخطئته لخيار المعركة في غزة، حيث اكتشف ما كتبناه مرارا وتكرارا من أن تحرير فلسطين غير منوط بالفلسطينيين وحدهم بل هو واجب شعوب الأمة العربية والإسلامية، وعلى وجه التحديد اللصيقة منها بفلسطين، الأمر الذي يوجب تحقيق شرط المحيط الناضج قبل عملية التحرير الشامل، وأن واجبنا نحو كفلسطينيين هو في تحريض المؤمنين باعتبارنا طليعة الجهاد المقدس.
سأكتفي بتلك النقطة الواضحة في النقد الصريح الذي قدمه الدكتور أحمد يوسف -دون الإشارة لنقاط كثيرة مبثوثة تستحق النقد- لأعلق عليه بهدف التكامل مع طرحه وتقديم ما هو أكمل وأصوب وأهدى سبيلا.
لقد أصاب الدكتور العزيز فيما طرحه، ولكنه قدم نصف الحقيقة وتجاوز -دون قصد- عن نصفها الآخر، ولم يطرح حلا للمعادلة الخاطئة في مسار الحركة.
أقول إن ما يراه الدكتور خطأ نتفق في كونه سببا في تعويق وإفشال مشروع التحرير، ولكنه لم يقف على السبب الحقيقي في هذا الخلل الذي لا يجوز أن تقع فيه القيادات الثورية الواعية والناضجة في تصوراتها لمشروع التغيير والتحرير!
أعتقد جازما بأن تجاوز قيادة حركة حماس لشرط إنضاج المحيط والعمل الدؤوب عليه، مهما تطلب من زمن ووسائل وجهود -لا تقل عن الجهد الواجب في الإعداد داخل غزة وعموم فلسطين بل تزيد- ، هو بسبب كارثة العمل الإسلامي الفلسطيني بارتباطها الضال وتحالفها الآثم مع ملالي إيران، وذلك تحت مسمى الضرورة، رغم أنها ضرورة صنعتها خياراتها السياسية الخاطئة، وذلك بقبولها المشاركة السياسية في ظل الاحتلال والقبول -باندفاع كبير- نحو خطوة سياسية تعزز اتفاق أوسلو عبر مشاركتها في الانتخابات التشريعية التي قررها الطرف الأمريكي ورعاها الطرف الإسرائيلي!
أضيف على ما سبق:
إن المنهج السياسي والقتالي القائم حاليا في غزة فلسطين وترأسه حركة حماس، هو نفس المنهج الذي خطه ياسر عرفات وحركة فتح حينما كانت في موقع حماس اليوم!
ومع فوارق التشبيه الكثيرة، إلا أن ياسر عرفات انتهج منهجا قاصرا من الناحيتين السياسية والقتالية سارت عليهما قيادة حركة حماس -لاسيما المنتخبة مؤخرا-، وتتمثل في:
المنهج السياسي المتبع:
محاولة البحث عن تحالفات سياسية انطلاقا من رؤية حصرية تحقيق المصالح الفلسطينية -ضمن الرؤية الآنية واللحظية- دون اعتبار صوابية تلك التحالفات ودون النظر في انعكاساتها على واقع الأمة والمحيط الفلسطيني ودول الطوق، ولعل موقف عرفات من دخول الجيش العراقي للكويت جاء ثمرة لهذا المنهج السياسي المتبع، تماما كما وقعت فيه قيادة حماس في علاقتها مع ملالي إيران، مع فوارق التشبيه والمعطيات المختلفة لكل واقعة، فالمقصود هو الإشارة للعقل السياسي المنهجي في التجربة الفلسطينية الحالية والمعاصرة.
المنهج القتالي المتبع:
يمكن القول إن جزءا كبيرا ومتكررا من هدر الدماء والهدم والتهجير في التجارب الفلسطينية جاء نتيجة التقاء الأهداف الإسرائيلية في القتل والهدم والتهجير مع قصور منهجي عند حركات التغيير والتحرير الفلسطينية المعاصرة!
إن حيازة فكرة الأعمال القتالية والجهادية والفدائية على المساحة العريضة بل الأكبر في مشروع التحرير، أدت إلى ضمور الجوانب الأخرى والفاعلة في التحول والتغيير التراكمي والتدافع الحضاري، وفي ظل التفوق العسكري بمسافات زمنية ضوئية بيننا وبين المشاريع المعادية الحقيقية -كما ظهر هذا جليا في عموم ثورات المنطقة- فإن اختزال الصراع في العسكرة منح العدو فرصة كبيرة لقهرنا وإبادة حاضنتنا الثورية وسحق ثوراتنا الشعبية.
ويمكن القول إن تجربة عرفات في بيروت ليست بعيدة عن تجربة حماس في غزة، ورغم الفوارق في مناحي عدة، إلا أن الرؤية القتالية والجهادية والعسكرية كانت متغولة على كل مناحي مشروع التحرير للدرجة الذي تسببت فيه بإضعافه وهدم بنيته ومنجزاته التراكمية للحد الذي بلغ -في بعض التجارب على المستويين العربي والفلسطيني- لتجريفه تماما!
وبكلمة يمكن القول بأن التجربة الفلسطينية المعاصرة ليست بعيدة ولا مميزة عن بعضها، بل إن درجة التطابق في التصورات المنهجية المتعلقة في الرؤية والخطوات السياسية، والرؤية والخطوات القتالية هي درجة متقدمة بين التيار الوطني والاسلامي الفلسطينية، إذا ما نظرنا لعموم المسار والاتجاهات التي رسمت واقع فلسطين وشعبها في التجربتين.
الخلاصة:
إن مقالة الدكتور أحمد يوسف تلامس النقد البناء وتشير إلى زوايا خلل حقيقي في التصورات المنهجية التي رسمت مسار التحرير وحكمت عليه بالفشل رغم عظم وجلالة التضحيات ورغم صدق النوايا لدى جميع الفرقاء والأنداد في الساحة الفلسطينية وتجاربها المرة والهادرة.
لكن الدكتور لم يصل لنهايات صحيحة تحدد مفاصل الخلل التي سبب منعرجات مدمرة، الأمر الذي يحتاج لاستكمال الجهود البحثية العميقة والنزيهة -المتجاوزة لأصنام الحزبية المتعاظمة في فلسطين والتي تغذيها مقولات وأحكام جائرة وقنوات ورؤوس مشيطنة- لعلنا نصل إلى تصور مغاير وجديد في مشروع التغيير والتحرير، لنكون في مستوى مسؤولية حمل الأمانة التي سيحاسبنا الله عليها، ولن يعفينا من الحساب أننا فلسطينيون نتألق بتوصيفات جميلة راقية وبراقة، فأمانة الدين والدماء والأوطان أكبر وأعظم وأهم ألف مرة من المسميات والأحزاب والحركات، ومهما بذلت من الجهود والدماء فإنها لن ترتقي لمصاف الصحابة الكرام وخير الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذين نزل القرآن مقرعا ومعاتبا ومراجعا ومصوبا لهم.
اللهم نسألك الرشاد والسداد والبصيرة في أمورنا كلها، اللهم وخفف عن شعوبنا مصابها وآلامها، اللهم إن عبادك قد حوصروا في الأرض المباركة، وشردوا في الشام الكريم، وأعدموا في العراق العظيم، وخنقوا في ارض الكنانة، وسجنوا في ارض الجزيرة، وأزهقت أرواحهم في السودان بلا حدود ولا رعاية … اللهم نسألك وأنت الله الذي لا إله إلا هو أن تغير حالنا الى خير حال يرضيك عنا يا كريم.
ما قلته من حق فمن الله وما أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان وأستغفر الله العظيم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق