الخميس، 15 أغسطس 2024

بيني وبينك..هل يصير الدَّمُ ماءً؟

 

بيني وبينك..هل يصير الدَّمُ ماءً؟

يبدو أنّه قد صار منذُ زمن، وصار المشهد فرجةً، وصرنا نعدّ أرقام الشّهداء دون أنْ نشعرَ بوخزةٍ في الضّمير، ولا بلعنةٍ تُطارِدُ كرامتنا. ويبدو أنّ هذه المقولة العربيّة التي تُنبِئ عن عَلاقة الأخ بأخيه قد ولّى عهدُها، وصِرنا إلى ما صِرنا إليه من التّبلّد في المشاعر والجُمُود في الأحاسيس.
لم يعد غضبُ الشّوارع ينداح في الطّرقات، ولا هُتافُ الحناجر التي تتشقّق حميّةً يُسمَعُ في السّاحات، وانظرْ إلى ما صارتْ إليه أمنياتُنا: هتافٌ وغضب، ومظاهرة واعتِصام، وإنّه لابتِلاء لنا وامتحان، وأخشى أنْ نرسبَ فيه!
أين أخي؟ وما أدراني، تسألني وأنتَ تعرف؟ وأنتَ ألستَ أخاه؟ 

لقد نسيتَ إذًا، ألمْ تكن تقول إذْ كان حَيًّا إنّه جدارك، وإنّه سنبلتُك، وإنّه حقلُكَ وقمحُك؟! فما الّذي جرى حتّى تُنكِره بعد عُرْف، وتنساه بعدَ ذِكْر؟ 

أيّها السّادر في غفلته عن أخيه الذي يُسحَق ويُحرَق ويُطحَن، إنّ الجدار قد انهار، وإنّ السّنابل قد احترقتْ، وإنّ الحقل قد عاثتْ فيه الأفاعي، وإنّ القمح قد أكله الجراد، فماذا تبقّى غيرُ الله؟! 

«والله خيرٌ حافِظًا وهو أرحمُ الرّاحِمين».
إنّها أكثر من ثلاثمئة يومٍ، والذّبْح لم يتوقّفْ، والموت يترصّد كلّ مَنْ يتحرّك على الأرض المَخنوقة المُحاصرة، المُختنِقة بالدّخان والأتربة. إنّه والله عصرٌ مُحزن، وإنّها أيّامٌ سوداء، وإنّها لبئيسة مُفجِعة حزينةٌ أنْ تكون هذه حالنا، وأنْ تستمرّ على هذا النّحو دون أنْ يتغيّر شيء!
ماتت خُيول خالد والقعقاع، وكُسِر سيف عمرو بن معد، وسقطتْ راية جعفر، وذُبِحَت الأزلام على النُّصُّب، وعُدْنا إلى الجاهليّة الأولى، أيّام لم يكنْ يرقأ دم الإخوة عقل أو رُشْد، ولم يعدْ مَنْ يقول إذا وقعتِ الواقعة قولةَ بشّار بن برد:
إذا ما غَضِبْنا غَضْبةً مُضَرِيَّةً
هَتَكْنا حِجابَ الشّمسِ، أو قَطَرَتْ دَمَا
إذا ما أعرْنا سَيِّدًا من قبيلةٍ
ذُرا مِنْبَرٍ صَلَّى عَلَيْنا وسَلَّمَا

وإنّ قومًا تركوا إخوتهم لرماح عدوّهم تَتَناوشُهم لأهلٌ أنْ يَحُلَّ بهم كلّ بلاء، فإنّ معصية النّكوص وخطيئة الخذلان، لا يمحوها استِغفار إلاّ أنْ يكونَ إقدامٌ ونُصرة، ومَنْ نَصَرَ نُصِر، ومَنْ خذلَ خُذِل. وإنّ ما حاقَ بأهلِنا في غزّة مِن تجبُّر عدوٍّ طاغية ليسَ ببعيدٍ أنْ يحيقَ بنا ما دُمنا على هذا الهوان دائِبين.
نعم لقد تُركوا وحدهم، فهل سيألفون ذلك إذا استمرّ غيابُنا، وإنّه والله مريرٌ مرارةً لا تُحلّيها كلّ أمواه الكون، وهل استعاضوا عن هذه الخَسارة بنجاحٍ لا يُمكن أنْ يكونَ معه خُسران؟! 

نعم؛ إنّه معهم، وإنّهم كأنّما يعيشون قوله تعالى: 

«يا أيّها النّبيّ حَسْبُكَ الله وَمَنِ اتّبَعَكَ مِنَ المُؤمنين».‏

AymanOtoom@

otoom72_poet@yahoo.com

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق