الثلاثاء، 13 أغسطس 2024

اتفاق العلماء حول تنظيم القاعدة واختلافهم حول ملالي إيران!

من فتن الزمان وفواجع المكان

 اتفاق العلماء حول تنظيم القاعدة واختلافهم حول ملالي إيران!

مضر أبو الهيجاء

من المفزع في واقعنا الحالي أن يتحقق الإجماع بغالبية كبرى بين حركات الإصلاح والتغيير الإسلامي ورموزها المشيخية الدعوية والسياسية حول رفض وتقبيح والتبرؤ من تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة والنصرة وداعش وأخواتها وذلك بسبب فساد مناهجها الشرعية والفقهية، وبسبب إفساد سياساتها ومشاريعها القتالية للمشاريع الإسلامية الإصلاحية والثورية التراكمية، فكلما بنى المسلمون عملا تراكميا أزهر وأينع زرعه الياسمين إلا وحضرت تلك الكيانات بمسمياتها المختلفة وجذورها الواحدة واختراقاتها الكبيرة والمتوسعة، لتنقض غزله وتسلط حرابها على رقاب المسلمين تحت عناوين استهداف الكفار والمشركين وأولوية قتل المرتدين .. والعراق والشام على ذلك خير الشاهدين!

ليس هذا الموقف المحق هو المفزع، ولكن هذا الفهم العميق والموقف الجماعي والإجماع العلمائي لا نجده يتحقق بنفس الصورة أو قريبا منها تجاه مشروع ملالي إيران المعادي، والذي لم يفسد بعض الأعمال الإسلامية فحسب، بل أفسد دولا ومجتمعات وحركات إسلامية، وهو ماض بإتلاف دين الأمة ونقل أفرادها وشعوبها من ملة الإسلام إلى دين الشيعة والخرافات الموروثة من عقائد كفرية، كما أنه مشروع معتد معاد وشديد الإجرام، حتى أنه لا يطلع على الأمة صباح إلا وأعدم من رجالات ودعاة وعلماء المسلمين وناشطي وأحرار الثوار، ولا يمسي مساء إلا وهو يلعن دينهم ويلوث أعراضهم ويتوعد دعاتهم بمستقبل ملؤه القتل والرعب والجحيم والدمار!

فلماذا تحقق الإجماع العلمي والعلمائي الحركي الدعوي والسياسي تجاه القاعدة وأخواتها بشكل سهل يسير وسريع، فيما تعتصر الأمة وشعوبها ألما من نيران ملالي إيران الطائفيين دون أن يتحقق هذا الإجماع بشكله الفوري والبديهي المطلوب، لاسيما في أهم وأعرق الحركات الإسلامية ولدى رموزها ذات الوجاهة والصلاحية؟

فهل ينطلق الموقف تجاه القاعدة وأخواتها من الشرع وينحاز لعموم مصالح الأمة ويغار عليها؟ أم أنه يتساوق مع الرؤى الغربية ويخشى من عصا السياسات الأمريكية الغليظة كما هو حال عموم حكام الدول العربية؟

فإذا كان الأمر حقا أمر حق وانحيازه صحيح ودين قويم، وإذا كان المحرك هو الغيرة على دماء ومصالح عموم الشعوب الإسلامية، وإذا كان الأمر مرتبطا بنقاء الفكرة الإسلامية، فكيف يغيب هذا جميعه في الموقف العلمائي والحركي والدعوي والسياسي تجاه مشروع ملالي إيران اليوم، والذين لا تزن داعش وأخواتها في ميزان جرائمهم وفساد مناهجهم وحجم تدميرهم للأمة والدين جناح بعوضة؟

الخوف من التفكير ورعب السؤال

من المجحف القول إن الموقف الرخو واختلاف قيادات الحركات الإصلاحية والحركية والسياسية حول مكون ملالي إيران، واتفاقهم حول تنظيم القاعدة وأخواتها هو اضطراب ناتج عن نضوب علمي وضعف فقهي فحسب!

إن حجم الخلاف في الموقف تجاه إيران كبير ومعقد متداخل ومتشابك وأعقد من الموقف تجاه القاعدة، وكثير من أسبابه لا هي شرعية ولا هي نزيهة، الأمر الذي يشير لاستفهامات عميقة، كما يشير بأصابع الاتهام لمن يسمون أنفسهم ربان المرحلة وقادة مراكب الأمة نحو شواطئ السلام الموهومة!

السؤال الأول:

هل يمكن اعتبار الدعم المالي الإيراني والإسناد العسكري لأذرعها وبالجملة الموقف الإيراني المخادع تجاه المسألة الفلسطينية هو سبب وحيد في اللوثة الفكرية عند القيادات الإسلامية الحالية؟

السؤال الثاني:

هل إذا قرر تنظيم القاعدة دعم حركات المقاومة الفلسطينية، وأصدر لأذرعه المنتشرة في القارات إسناد القضية الفلسطينية، سيكون ذلك سببا لتبديل موقف وحكم القيادات الفلسطينية -الإسلامية منها على وجه الخصوص- وانتهاء الإجماع العلمائي في الموقف الفولاذي تجاه تنظيم القاعدة وخوارجها المنتشرة في المساحات العربية؟

السؤال الثالث:

لماذا مررت وسمحت أمريكا -التي نقلت الخميني إلى طهران- بالتواصل الكلي بين ملالي إيران وبين حركات المقاومة الفلسطينية خلال ربع قرن وفي كل الساحات، فيما منعت التواصل وبناء الجسور بين فصائل المقاومة وبين تنظيمات القاعدة وعموم السلفية الجهادية، رغم أن أجهزتها الاستخبارية مخترقة ومعشعشة في دوائر تلك التنظيمات الصلبة وفي معظم أماكن تواجدها، الأمر الذي مكنها من تحريكها لإتلاف وحرف وإهلاك كل ثورة حرة؟

السؤال الرابع:

لماذا التقت كثير من القيادات الحركية السياسية الإسلامية -على وجه الخصوص الفلسطينية- مع إيران وشرعنت التعامل معها، فيما ابتعدت وحذرت من أي لقاء بتنظيم القاعدة وأخواتها، رغم أن المختلف فيه بيننا وبين المشروع الإيراني يجاوز 80٪، فيما المتفق عليه والمشترك فيه بين عموم الأمة وموروث التنظيمات السلفية الجهادية يجاوز نسبة 80٪؟، فهل نسبة 20٪ المتفق عليها في عموم المصطلحات والعناوين مع إيران كافية لتشكل أرضية للتعاون واللقاء، فيما نسبة 20٪ المختلف فيها مع التنظيمات السلفية الجهادية كافية ومبررة للطلاق البائن بينونة كبرى؟

السؤال الخامس:

إذا كان الواقع الفلسطيني المر، وإذا كان تكالب الدول الغربية والسياسات الأمريكية والصهيونية علينا في بقعة غزة وأرض فلسطين سبب وجيه لظاهرة جنوح البعض ونزوحهم السياسي نحو إيران، هو أمر مباح مبرر سليم وحكيم، فهل حجم التكالب الغربي والصهيوني والأمريكي علينا في مصر الكبيرة والشام الكريمة والعراق العظيم لا يدعو العلماء لإعادة النظر في العلاقة والخطاب والمعالجة الواجبة تجاه رصيد السلفية الجهادية في المساحات العربية لتشكيل مشروع منتم يوحد الجهود ويضبط الإيقاع في مواجهة عدو وغول مخيف، فكك المنطقة وبدأ بالتهامها بوحشية مفرطة وجعل أول لقمة سائغة فيها هي غزة، أم أن الشرفاء المنتمين للأمة ولهذا الدين يستطيعون اللقاء وتجاوز المرارات مع الإيرانيين فيما يمنعهم شرفهم وفهمهم وانتماؤهم من اللقاء واستيعاب الرصيد البشري لتنظيمات القاعدة وتوحيد الجهود في مشروع ناضج يعيد صياغة نفسه ويتجاوز المحرمات التي فرضها رأس الإجرام؟

السؤال السادس:

إذا كان المنطلق في العلاقة والحلف مع ملالي إيران هو العداء والتحدي لأمريكا المجرمة، فلماذا لم يتحدى بنو قومي والعلماء أمريكا باللقاء والتنسيق مع تنظيم القاعدة؟ وإذا كان الجواب هو بسبب حجم العبث الذي أحدثته وتحدثه تنظيمات السلفية المجاهدة في بلادنا، فلماذا لم يمنع حجم القتل والتدمير والتفتيت الإيراني المهول لبلادنا من تبني تلك المقاربة؟

السؤال السابع:

إذا كانت بعض الأبواق العربية القومية والعلمانية كما بعض العقول والأقلام إسلامية المرجعية تمضي ليلها الطويل في صياغة ما يدعونا للمراجعة والتكامل مع ملالي إيران، ثم تقضي نهارها في الحديث عبر القنوات الفضائية والمنابر الإعلامية لتلوث ما بقي من أفهام نقية مستخدية أمام السطوة الإيرانية، آخذة في الاعتبار نجاح طهران في الصعود على دمائنا الزكية المهروقة في غزة الأبية، لتصبح هي الممثل الوحيد للقضية الفلسطينية، والمعبر الشرعي عن الشعوب المقهورة وحامل لواء المظلومية! فلماذا لم يتصدر علماؤنا الكبار ليشكلوا حالة إجماع يحفظ نقاء الدين ويحول دون اعتلاء الملالي قريبا على كل منابر مساجدنا في الدول العربية؟

ملاحظة هامة لأولي الأبصار:

إن كل أسئلتي السابقة لا يقصد منها تسويغ اللقاء مع الملالي الإيرانيين ولا تجاوز أخطاء القاعديين، فشعوب الأمة والحفاظ على الهوية الثقافية وحفظ نقاء الدين هو قضيتي المركزية التي دونها كل القضايا وهي مسطرتي في فلسطين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق