الجمعة، 3 أبريل 2020

جدي مانديلا أنهى الأبرتهايد .. لنخلص فلسطين منه أيضا

جدي مانديلا أنهى الأبرتهايد .. لنخلص فلسطين منه أيضا

نكوسي زويليفيليل

صادف يوم الحادي عشر من شباط/ فبراير الذكرى الثلاثين لإطلاق سراح جدي نيلسون مانديلا من سجن تابع لنظام الأبرتهايد (الفصل العنصري) في جنوب أفريقيا.
 
بعد مرور ستة أعوام على رحيله، يبقى جدي رمزاً لانتصارنا على الأبرتهايد وملهماً للناس حول العالم في معركتهم ضد العنصرية المؤسسية.
 
مع صعود العنصرية وكراهية الأجانب على المستوى العالمي، وتصدر بعض القادة لذلك مثل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يظل إرث جدي والنضال ضد العنصرية هماً عالمياً – وخاصة في هذا الشهر الذي تمر بنا فيه الذكرى السنوية لليوم العالمي للقضاء على العنصرية، والذي تحييه الأمم المتحدة في الحادي والعشرين من آذار/ مارس من كل عام.
 
شرعنة سرقة الأراضي 
اختارت الأمم المتحدة 21 آذار/ مارس لأنه اليوم الذي قتلت فيه الشرطة 69 متظاهراً سلمياً من مواطني جنوب أفريقيا السود في شاربفيل. وهذا العام صادف الذكرى السنوية الستين لتلك المجزرة الرهيبة.
 
واليوم، تعتبر فلسطين المحتلة هي المكان الذي يُسمع فيه أعلى صدى لنظام الأبرتهايد  الذي كان يحكم جنوب أفريقيا. تذكرنا نحن معشر مواطني جنود أفريقيا بواقعة شاربفيل تلك الفظائع التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي والهجمات التي ينفذها قناصته ضد الفلسطينيين العزل الذين يتظاهرون مطالبين بحقوقهم في غزة، ذلك السجن المفتوح. ففي يوم واحد في عام 2018، أزهقت قوات الاحتلال الإسرائيلي بوحشية منقطعة النظير أرواح 58 متظاهراً على الأقل.
 
بات تثبيت نظام الأبرتهايد الإسرائيلي بشكل دائم هدفاً من أهداف ترامب ورئيس وزراء إسرائيل اليميني المتطرف بنجامين نتنياهو. فقد كانت خطة السلام التي تقدم بها ترامب في شهر يناير محاولة وقحة لشرعنة سرقة إسرائيل للأراضي وإقامة المستوطنات غير المشروعة وممارسة التمييز ضد الفلسطينيين، حتى أن مواطني جنوب أفريقيا وغيرهم من الناس حول العالم رأوا في ذلك مباشرة انعكاساً لتجربتنا مع الأبارتيد داخل المناطق الفلسطينية المقطعة أوصالها والمفصولة عن بعضها البعض، كما أظهرتها خارطة خطة ترامب.
 
ولقد قال رئيسنا سيريل رامافوزا، وكان من زعماء النضال ضد الأبرتهايد، إن خطة ترامب "تعيد للذهن التاريخ المريع الذي عشناه نحن مواطني جنوب أفريقيا، وذلك عندما فرض نظام الأبرتهايد منظومة البانتوستان على شعب جنوب أفريقيا.
 
وحتى سفير إسرائيل في جنوب أفريقيا في زمن سقوط الأبرتهايد ، واسمه آلون ليل، وصف خطة ترامب بأنها "تقليد لنموذج البانتوستان" وشرعنة "لنموذج جديد من الأبرتهايد في القرن الحادي والعشرين."
 
رغم أن هذه المقارنات لها دلالات قوية، إلا أن وصم سياسات إسرائيل بأنها أبارتيد لا يعتمد على التشابه القريب مع الأوضاع التي كانت سائدة في جنوب أفريقيا وعانى منها السود هناك. يُعرف الأبرتهايد في القانون الدولي بأنه "نظام مؤسسي من الاضطهاد والهيمنة تمارسه بشكل منتظم مجموعة عرقية ضد أي مجموعة أخرى."
 
حركة بي دي إس 
ينطبق هذا التعريف على حكم إسرائيل للفلسطينيين، والذي من مظاهره جدار الفصل العنصري الإسرائيلي، وفرض نظام بطاقات الهوية، وتطبيق قوانين مختلفة داخل الضفة الغربية على المستوطنين الإسرائيليين وعلى الفلسطينيين، والسجن الجماعي للفلسطينيين، والاستيلاء على الأراضي الفلسطينية، وإنكار حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة، ومأسسة التمييز ضد مواطني إسرائيل من الفلسطينيين من خلال قانون الدولة القومية اليهودية.
 
يقول الزملاء الفلسطينيون إن تجربتنا في الانتصار على الأبرتهايد  تلهمهم. ولا أدل على ذلك من أن نموذج مقاطعة نظام الأبرتهايد في جنوب أفريقيا هو الذي ألهم المجتمع المدني الفلسطيني في عام 2005 ليؤسس ما بات الآن حركة عالمية سلمية تسمى المقاطعة وسحب الاستثمار وفرض العقوبات، وتعرف اختصاراً بحركة بي دي إس، والتي تناصر الفلسطينيين وتدعم نضالهم من أجل التحرر.
 
كان الرئيس السابق نيلسون مانديلا قد شهد كيف تعمل قوى الظلم معاً، ورأى أن النضالات العالمية ضد الظلم مترابطة، مما جعله يعبر بقوة عن تضامنه مع الفلسطينيين ومع غيرهم من الشعوب المضطهدة.
 
ويؤثر عنه قوله قبل سنوات إن حرية جنوب أفريقيا لا تكتمل دون أن ينال الفلسطينيون حريتهم، وأن الحرية للشعب الفلسطيني هي "أعظم قضية أخلاقية في زمننا." لا تقل عبارته صدقية اليوم عنها قبل سنوات حين نطق بها.
 
مستلهماً نموذج مانديلا ومستمداً الحماسة والتشجيع منه، ورداً على الظلم الشديد الذي ما لبث يتعرض له الفلسطينيون حتى يومنا هذا، فإنني أدعو بقوة المجتمع المدني في جنوب أفريقيا وأدعو حكومتنا كذلك لاتخاذ ما يلزم لدعم الحقوق الفلسطينية وحركة بي دي إس التي يقودها الفلسطينيون.
 
التضامن العالمي 
كما أنني أساعد في نشر الوعي بتجربتنا على المستوى العالمي. ومن ذلك أنني في الأسبوع الماضي، حول اليوم الدولي للقضاء على العنصرية، تكلمت عبر الفيديو – إذ لم أتمكن من الحضور شخصياً نظراً للقيود المفروضة بسبب فيروس كورونا على السفر والاجتماعات العامة – مخاطباً الجماهير الأوروبية كجزء من أسبوع أبارتيد إسرائيل الذي يقام سنوياً في أنحاء مختلفة من العالم. ولقد حثثت الأوروبيين على إدماج الحقوق الفلسطينية في الحركات الأخرى التي تناضل ضد العنصرية، كما حثثتهم على دعم حركة بي دي إس.
 
وبالفعل، لا يمكن تحدي الأبرتهايد الإسرائيلي بشكل فعال بشكل منعزل، وذلك لأن نظام إسرائيل اليميني المتطرف يحظى بدعم أنظمة سلطوية أخرى وحكومات يمينية – مثل تلك التي تحكم اليوم في الولايات المتحدة وبريطانيا والهند والبرازيل – إذ أنها تشترك معه في نفس المعتقدات العنصرية، وتتعاون معه عسكرياً وأمنياً وتتبني وإياه نفس الاستراتيجيات والأدوات الرقابية في سبيل إدامة ما تمارسه من قهر للآخرين.
 
كما أن إسرائيل وحلفاءها الأوروبيين تواطأوا معاً على قمع حركة بي دي إس المدافعة عن حقوق الفلسطينيين، وذلك من خلال تشريع قوانين واتخاذ قرارات تقيد نشاطها بل وتشيطنها.
 
في بريطانيا، كواحد من الأمثلة، أعلنت حكومة رئيس الوزراء بوريس جونسون عن خطط لمنع المؤسسات الحكومية من مقاطعة إسرائيل أو سحب الاستثمارات منها، وذلك في نسخة طبق الأصل مما فعلته حكومة ثاتشر حينما منعت المجالس المحلية البريطانية من مقاطعة نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.
 
إلا أنه ينبغي على أنصار حقوق الإنسان اليوم أن يشعروا بالاعتزاز لأن ضغط القواعد الجماهيرية أجبر الحكومة البريطانية في نهاية المطاف على قطع صلاتها بحكومة الأبرتهايد في جنوب أفريقيا، مما ساعد على التسريع بإسقاطها.
 
الوقوف في وجه الظلم 
بنفس الطريقة التي استجبتم فيها لندائنا لكم بإنشاء حركة عالمية لمناهضة الفصل العنصري ومقاطعة نظامه في جنوب أفريقيا، فإنني أناشد الناس والمنظمات والحركات الاجتماعية في بريطانيا وفي كل أرجاء أوروبا ممن يعارضون العنصرية وينصرون الحرية أن يجتمعوا معاً للمساعدة في إنهاء الفصل العنصري في إسرائيل، تماماً كما تم إنهاء الأبرتهايد في جنوب أفريقيا.
 
إن القعود عن اتخاذ إجراء هو تواطؤ يعمل على إبقاء نظام إسرائيل القمعي مهيمنا على الفلسطينيين.
 
من جنوب أفريقيا إلى فلسطين إلى أوروبا وكل الأماكن التي يوجد فيها أناس يحاربون العنصرية، علينا أن نقتدي بنموذج أيقونتنا العالمية، نيلسون روليهلاهلا مانديلا، والانضمام إلى معسكر الواقفين في وجه الظلم، لأنه لن يتسنى لأحد منا أن يكون حراً حتى نصبح جميعنا أحرارا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق