عذراً ليلى محمد.. أمتنا بريئة من هؤلاء الهمج!
ياسين أقطاي
امرأة مسنة تجلس على المقعد لتستريح من عناء الوقوف والمشي. تشعر وكأن وجهها مألوف، حيث يمكننا جميعًا العثور على أثره في وجوه أمهاتنا وجداتنا.
وواضح أن هموم الدنيا التي عاشتها قد تركت أثرها في جميع خلايا وجهها.
هذه المرأة المسنة التي تعتبر بمثابة جدتنا وأمنا، كانت حالتها تدل على البراءة وواجبنا تجاهها أن نقدم لها التقدير والاحترام والرعاية ونقبل يدها.
نظرتها الخجولة، ودموعها المحتبسة بسبب الخوف هي أشد وجعًا من ألف صاروخ أطلقه أعداؤنا على هذا البلد.
العقلية القذرة التي أهانت تلك المرأة البريئة وجعلتنا نشاهد ما شاهدناه، كانت تجرنا إلى الحضيض منذ زمن بعيد. إلى أي مدى ستصل بنا تلك العقلية، وإلى أي قاع جديد تهوي بنا؟
اختبار الايدولوجيات:
الواقع هو أفضل اختبار للأيديولوجيات، وعندما تفشل أيديولوجيتك في مراعاة خاطر امرأة، أو مسن أو رجل أو طفل أو شخص معاق أو مريض، فهذه شهادة بسقوطك وزوالك أنت وفكرك مهما كان براقا.
ومن أحط الأيديولوجيات التي تبناها البشر يوما تلك المرتكزة على العنصرية، فهي تنطلق من سلوك لا وجود له حتى في عالم الحيوان.
الأشخاص الذين يحاولون تصدير هذا المستوى لأبناء هذا الشعب النبيل باسم الوطنية والقومية، ويحاولون تسميم عقول الأبرياء، يجب أن يقرأوا رسالتهم تلك من خلال عيون “ليلى محمد” ووجهها الذي أحرقته الشمس والتقدم في العمر.
وإذا تمكنوا من العثور على شيء يفتخرون به باسم أمتهم مما يرونه في وجهها، فلينعموا بجهلهم وضلالهم، لكن دون أن يزعموا أنهم منتسبون لهذه الأمة الكريمة والراقية.
ومن المؤسف أنه عندما تصبح العنصرية والعداء تجاه اللاجئين مادة سياسية، فهي تتجه نحو استفزاز وتعبئة جمهورها، حيث من الصعب توقع حدود ما يمكن أن تؤدي إليه هذه الاستفزازات وخاصة في بلد مثل تركيا الذي يستضيف عددًا كبيرًا من اللاجئين. فسياسة عداء اللاجئين لن تحل مشكلة اللاجئين، بل ستزيد من تفاقهما أكثر وأكثر، ومن المستحيل منع العار الإنساني والجرائم التي سيسببها هذا العداء من خلال فتح جروح لا يمكن شفاؤها.
وبدأنا نشاهد حالات متكررة كيف أصبح الأشخاص المتأثرون بالتحريض والعداء الخارج عن السيطرة ضد اللاجئين، يتبنون عدوانًا عنيفًا ضد الأبرياء والأطفال والمسنين وضد الأشخاص الذين لا حول لهم ولا قوة باعتباره عملًا بطوليًا.
تهديد الأمن القومي
ومن الممكن للأيديولوجيا أو السياسة، التي تصور متجر البقالة الأفغاني أو الكتابة باللغة العربية على واجهة المحلات أو على قائمة المطاعم، على أنها تهديد للأمن القومي، أن تدفع الحمقى من جماهيرها المخدرة لارتكاب كل أنواع الكراهية والوحشية، وهنا يقوم صغار أبناء أمتنا بتفريغ طاقاتهم مع الاستياء الأيديولوجي الذي تلقوه بركل امرأة مسنة على وجهها.
وبكل تأكيد تعمل الأيديولوجية العنصرية وأيديولوجية عداء اللاجئين مثل عمل جميع الأيدولوجيات، وذلك من خلال تشويه الحقائق، وتحويل جمهورهم إلى “أدوات لا تفكر” لكي تجرهم إلى مثل هذه الأعمال.
يروجون لفكرة أن اللاجئين هم سبب كل المشاكل، ويحولون هذا الفكرة إلى هوس. لم يبق في الوسط عقلية أو شخصية لمناقشتها لأنه لم يعد بالإمكان التحدث إلى أشخاص تحولوا إلى آلات تمارس الهوس والجنون.
ولتأكيد أن أيديولوجيتهم تعتمد على تشويه الحقائق، كان السبب وراء تعرض ليلى محمد لهجوم وحشي من قبل شخص يدعى شاكر تشاكير أثناء جلوسها في حديقة بولاية “غازي عنتاب”، هو الكذبة القائلة بأن هناك أشخاصًا يختطفون أطفالًا متنكرين بلباس النساء الشرعي.
ولم يكن هناك شيء مؤكد يشير إلى أن هناك بالفعل مثل هذا الحدث أو أن أحدهم اختطف طفلًا أو أحدهم اُختطف طفله.
لكن هذه الرواية الكاذبة تكفي لإثارة بعض الشباب الذين تم تحريضهم على مثل هذه الأعمال مؤخرًا. وأن توجد امرأة سورية ومحجبة فهذا يكفي لتحريض هؤلاء وتشريع تنفيذ مثل هذا الهجوم.
وبكل أسف، أصبحت الآن الاستفزازات العنصرية والعداء أكبر مشاكلنا. وأصبحنا بوضع تجاوز حد التعبير عن المشاعر المعادية تجاه اللاجئين لدى بعض الناس. قد يحاول السياسيون العنصريون اختلاق مبررات لأنفسهم. لكن سياستهم العنصرية هذه تحرض وتستفز وتنتج هذه الجماعات.
وتنعكس فوائد بطولات هذه الأيديولوجية الخطيرة وغير العقلانية على هذا البلد والأمة في وجه “ليلى محمد” البريء.
وإذا تمكنوا من العثور على شيء يفتخرون به في هذا الوجه، فليبتعدوا عن التاريخ المجيد لأجدادنا الذين يعتبرون مثالًا يحتذى به في الشهامة والشجاعة منذ زمن بعيد.
ملاحظة: تم إلقاء القبض على “شاكر تشاكير” نتيجة العمل الدقيق لقوات الشرطة وولاية غازي عنتاب. كما زار والي غازي عنتاب داوود غول المسنة ليلى محمد في المستشفى، بعد تعرضها للهجوم المروع، وأشار إلى أنه لن يسمح بارتكاب مثل هذه الأعمال الإجرامية. وأود أن أتقدم له بالشكر نيابة عن شعبنا الذي تميز بشهامته ورأفته ورحمته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق