عواصف التغيير، والحكم الإلهية في التدبير (٢)
د.عبدالعزيز كامل
( تصاريف الزمن بحسب السنن )
لايدري أحد ماذا ستكون عليه أحوال عالم اليوم بعد بضع سنين، فتسارع حركة الأحداث العالمية وتقلباتها ؛ تذكرنا بانقلاب أحوال العالم قبل البعثة النبوية في غضون سنوات معدودة، لسابق علم الله بقدوم النور بعد الظلام، وذلك عندما تغير وضع الزعامة العالمية من قيادة الفرس إلى قيادة الروم، تمهيدا لسيادة المسلمين خلال سنوات قلائل بعد بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهو ما أشار إليه القرآن في قول الله تعالى : { ألم (١)غُلِبَتِ الرُّومُ (٢) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ(٣) فِي بِضْعِ سِنِينَ } [ سورة الروم ]..
★.. جاءت أخبار انتصار الروم على الفرس، في وقت انتصار المسلمين في غزوة بدر، التي كانت فاتحة لانتصارات المسلمين، ولهذا قال الله : { وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ ۚ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5) [الروم]
وقد نقل ابن كثير عند تفسيره لهذه الآيات قول عن الزبير بن عبد الله الكلابي أنه قال لابنه : (رأيت غلبة فارس الروم ، ثم رأيت غلبة الروم فارس ، ثم رأيت غلبة المسلمين فارس والروم ، كل ذلك في خمس عشرة سنة ) ..
★.. إذا كان التغيير سنة قدرية إلهية عامة؛ فإن تحتها مجموعة من السنن التابعة لها، مثل : سُنَّة التدافع الدائم بين أهل الحق و أهل الباطل، وسُنَّة تداول النصر والهزيمة بحسب قوانينهما ودواعيهما ، وكذلك سُنَّة تجديد الدين على يد المصلحين، وسُنَّة إهلاك، الظالمين ولو بعد حين، وكذا سُنَّة نهوض شعوب وأمم بعد موات آخرين، وسُنَّة تحقق وعد التمكين بغلبة المؤمنين، ، وسُنَّة الاستبدال بين صعود العاصين أوالمصلحين.، وسنة دمار قرى المترفين ، وسنة فشل المتفرقين المتنازعين, ونجاح المتعاونين المعتصمين بحبل الله المتين .. ونحو ذلك مما أشارت إليه نصوص الوحي كتابا وسنة..
★.. والأمر كما قال الله تعالى : { يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} (الرحمن/٢٦). وهذه الآية تلاها النبي صلى الله عليه وسلم عند أصحابه فقالوا : وماذاك الشأن ؟ قال : ( مِن شأنِه أنْ يغفِرَ ذَنْبًا ويُفرِّجَ كربًا ويرفَعَ قومًا ويضَعَ آخَرينَ )
رواه ابن حبان (رقم /٦٨٩) بإسناد صحيح.
وأملنا ورجاؤنا إذا وضع الله أقواما ورفع آخرين .. أن يجعل ذلك عزا للإسلام و رفعة للمؤمنين ..
يتبع بإذن الله..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق