الخميس، 15 ديسمبر 2022

إلى الوافد صاحب الرسالة!

إلى الوافد صاحب الرسالة!

خواطر صعلوك


1 يناير 1970 

إلى ذلك السيد المحترم المجهول عند الناس والمعروف عند الله، المكتوب كوافد صفة على ورق الإقامة، والمكتوب كإنسان خلقة في اللوح المحفوظ.

تحية طيبة مليئة بالحب.. بعيداً عن زخرف القول غروراً..

قرأت رسالتك التي سلمتها لصحيفة «الراي» والتي لم يكن فيها اسم بقدر ما كان فيها رسم، وكم كانت لوحة حزينة وصارخة تلك التي أرسلتها، لوحة مليئة بالكلمة فوق الكلمة كالموجة فوق الموجة تصدر هديراً ناعماً ومتصاعداً حتى أصبحت عاصفة في منتصفها تريد أن تفهم وتعرف رغم علمها أن العارف لا يعرف!

إن الرسالة التي كتبتها يا سيدي بأسلوب يصعب كثيراً على أمثالي اختصاره لكي يتمتع بها القراء، ثم سلمتها لبوابة صحيفة «الراي» ومنها انتقلت إلى مكتب مسؤول الصفحة الأخيرة والذي بدوره مشكوراً أرسلها لي لنثبت أننا جميعاً حفنة من التراب ولا شيء سوى ذلك لولا المعاني والإيمان والروح التي تسري عبر سياقات حياتنا اليومية المليئة بالتنوع.. 
ذلك التنوع الذي هو أصل التوحيد وجوهره. 
ذلك التوحيد الذي يقول إنه لا إله إلا الله.. هو الواحد الأحد المتفرد وما سواه واحد بأشكال مختلفة، وليس كمثله شيء.

الطمي واحد والثمر ألوان.. هكذا علموني أننا من طين واحد بأشكال متنوعة.

لقد قرأت رسالتك وأجبت عن جميع أسئلتك، ولقد ساعدتني هذه الأسئلة كثيراً في أن أموضع نفسي في عالم كما ذكرت في رسالتك (لا أحد يسمع فيه لأحد، ولا أحد يهتم)، ولكن أهمية السؤال كما يقول استاذنا كامل النابلسي في كونه متعة للسائل.. وأفق مفتوح للمسؤول.

لا شك أنك أهديتني أفقاً مفتوحاً لكي أتموضع فيه بدقة لأعرف أين أقف بالتحديد ككاتب وكإنسان. فشكراً لك بحجم السماء.

ولكني وجدت أيضاً أنه من غير اللائق أن أنشر أسئلتك وأجوبتي لكي لا يتحول الموضوع إلى شكل من أشكال المتاجرة بتساؤلات وافد يشعر بالإهانة، يجيب عنها كاتب مواطن يريد أن يلمع صورته أمام الناس.

لذلك اسمح لي أن أكتفي بأن أشير لك أن رسالتك وأسئلتك وصلت.

وسأكون صريحاً معك حول موضوع الكتابة عن الوافدين الذي يؤدي للشهرة بالتأكيد.. سواء كنت تسيء لهم من خلال تصاريح أو تتعاطف معهم من خلال مقالات، ولا أبرئ نفسي،إن النفس لأمارة بالسوء، ولكني في الواقع أكتب عن نفسي وما أشعر به وليس عن الوافدين فقط وما يتعرضون له.

أو ربما كنت أكتبني.. وأكتبك! لأنك تشبهني وأشبهك!

أو ربما هو ما أشعر به من انتهاك صارخ ومبتذل ورخيص لقوله صلى الله عليه وآله وسلّم «الناس سواسية كأسنان المشط»، أو ربما ما أشعر به من رعب وخوف من أولئك الذين أعطوا لأنفسهم الحق في تصنيف الناس إلى سادة وعبيد.

ولكن صدقني يا صديقي المجهول وبعيداً عن المقدمات السابقة وبرغم اختلاف جنسياتنا، وألوان جوازاتنا، وأزيائنا وقدراتنا الشرائية في السوق الكبير.. إلا أننا جميعاً نبحث عن لسان مشترك يفهمنا ويجعلنا لا نشعر بالوحدة في عالم مليء بوسائل التواصل والاتصال.

ودعني أوضح لك ما أقصده..

يقول مولانا في (مثنوي):

عندما نصب لسليمان مخيمه، أتت الطيور كلها إلى محضره.

فقد وجدوا من يشاركهم اللسان، ومن هو مأذون له بأسرارهم، فأسرعوا إليه واحداً واحداً بأرواحهم.

إن المشاركة في اللسان قرابة وصلة، والمرء مع الغرباء عنه مثل سجين مقيد.

فرب هندي وتركي شريكين في اللسان، ورب تركيين كلاهما غريب عن الآخر. انتهى.

البحث عن صيغة تشاركية تراعي احترام كل منا للآخر، والانطلاق من أرضية مشتركة تحفظ للجميع كراماتهم هو بالتحديد ما نبحث عنه، وهو بالتحديد اللسان الذي يجمعنا.. وهو بالتحديد ما يجعلنا نشعر بالخوف والوحدة عندما نفقده.

وتفاءل بالخير تجده، واحذر من أن تسلك طريق مدرب التنمية البشرية والتطوير الذي يطور الآخرين بالأسئلة.. بينما حياته مليئة بالهزائم.

شكرا لك وتقبل تحياتي.

وشكرا لصحيفة «الراي».. كمدرسة ومؤسسة علمتني الكثير.
كاتب كويتي

moh1alatwan@

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق