الاثنين، 26 ديسمبر 2022

الكريسماس.. أصله وفصله

الكريسماس.. أصله وفصله
د. أحمد عيسى
دكتوراة العقيدة وأصول الدين.

يحتفل المسيحيون الكاثوليك والبروتستانت، ومعظم العالم مجرور وراءهم، بزخرف الأضواء وبديع الألوان، وقوة التسوق، يوم 25 ديسمبر من كل عام بذكرى ميلاد المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام، بما يسمى "الكريسماس"، فهل هذا فعلاً هو يوم ميلاد المسيح؟ وما هو أصل هذا الاحتفال؟ وما فصله أفي الشتاء، أم الخريف، أم الصيف؟ وما أبعاده التاريخية وقد صار مناسبة دينية مسيحية علمانية تجارية عالمية؟

العيد الأول

كما جاء في قسم الديانة المسيحية في "هيئة الإذاعة البريطانية"(1)، فإن الأناجيل لم تذكر تاريخ ولادة عيسى عليه السلام، ولم يكن هناك يوم للاحتفال حتى القرن الرابع الميلادي حين قرر البابا جوليوس الأول تعيين 25 ديسمبر موعداً لعيد الميلاد، وكانت هذه محاولة لتنصير الاحتفالات الوثنية التي تجري بالفعل في هذا الوقت من العام، وفي عام 529م أصبح 25 ديسمبر عطلة مدنية، وبحلول عام 567م كانت الاثنا عشر يومًا من 25 ديسمبر إلى عيد الغطاس أيامًا رسمية.

حظر الولائم


ولأن عيد الميلاد مزيج غريب من التقاليد المسيحية والوثنية والشعبية، فمنذ عام 389 بعد الميلاد، حذر القديس غريغوريوس نازيانزين (أحد الآباء الأربعة للكنيسة اليونانية) من "الولائم المفرطة والرقص وتتويج الأبواب"، كانت الكنيسة بالفعل تجد صعوبة في دفن بقايا الوثنيين غير المؤمنين لمهرجان منتصف الشتاء.

حظر العيد

ومن منتصف القرن السابع عشر حتى أوائل القرن الثامن عشر، قمع المسيحيون الأصوليون (الحركة البيوريتانية) احتفالات عيد الميلاد في أوروبا وأمريكا، كانوا يؤمنون بالقواعد الأخلاقية الصارمة، والاتباع الوثيق لكتاب العهد الجديد، ونظرًا لأن تاريخ ميلاد المسيح ليس في الأناجيل، فقد اعتقدوا أن عيد الميلاد مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالمهرجان الروماني الوثني، وكانوا يعارضون جميع الاحتفالات به، وفي عام 1644 تم حظر جميع أنشطة عيد الميلاد في إنجلترا، وشمل ذلك تزيين المنازل بالخضرة وتناول فطائر اللحم المفروم.

الجذور اليهودية


عيد الميلاد ليس مجرد مهرجان مسيحي، فالاحتفال له جذور في عطلة عيد الأنوار (الحانوكا) اليهودي، واحتفالات اليونانيين القدماء، والمعتقدات والعادات الشعبية في أوروبا، وهذا تؤيده دوائر المعارف البريطانية والأمريكية، ويحتفي اليهود بالحانوكا كذكرى لاستعادتهم حريّة العبادة، وبحسب معتقدهم، لم يكن الزيت المقدّس في الهيكل يكفي المتمرّدين على الإغريق لإنارة الشموع لأكثر من ليلتين، لكنّه بقي مشتعلاً لثماني ليال، ففي القرن الثاني قبل الميلاد، قاد اليهود المكابيّون تمرّداً على الإغريق بعد محاولة ملكهم فرض الثقافة والتقاليد اليونانية على اليهود، وفرض عبادة آلهة الإغريق في هيكل سليمان، في هذا العام 2022، يبدأ العيد من مساء 18 إلى 26 ديسمبر، وبالتالي فهو يتزامن مع "الكريسماس".

الجذور الوثنية


احتفالات منتصف الشتاء

يأتي عيد الميلاد بعد منتصف الشتاء مباشرة، تقوى الشمس وتبدأ الأيام في النمو لفترة أطول، بالنسبة للناس عبر التاريخ، كان هذا وقتًا للولائم والاحتفال، كان القدماء صيادين، ويقضون معظم وقتهم في الهواء الطلق، أدت الفصول والطقس دورًا مهمًا جدًا في حياتهم، ولهذا السبب كان لديهم تبجيل كبير للشمس، بل وعبدوها، ورأى النورمانديون في شمال أوروبا الشمس على أنها عجلة غيرت الفصول، وفي هذا الانقلاب الشتوي كان النورمان يشعلون النار، ويشربون الخمر.

أما الرومان الوثنيون فكانوا أيضًا يقيمون مهرجانًا للاحتفال بالانقلاب الشتوي، أو عيد زحل إله الحصاد عندهم، لمدة سبعة أيام من 17 ديسمبر، وربما نشأت أصلاً عن كلمات شكر كانت تُرَدَّد في الاحتفال بذكرى الزراعة الشتوية، وبمرور السنوات فقدت أهميتها الزراعية وأصبحت مناسبة للاحتفالات العامة، وكانت تقلب فيه القواعد العادية رأسًا على عقب، فالرجال يرتدون زي النساء، والسادة يرتدون ملابس الخدم، كما تضمن المهرجان مواكب وتزيين المنازل بالخضرة وإضاءة الشموع وتقديم الهدايا.

وقبل وصول المسيحية إلى الجزر البريطانية، عُقد الانقلاب الشتوي في أقصر يوم من أيام السنة (21 ديسمبر)، كان الدرويد (الكهنة السلتيك) يقطعون الثمر الأحمر الصغير "الهدال" الذي ينمو على شجرة البلوط ويمنحونه البركات، وكان يُنظر إلى أشجار البلوط على أنها مقدسة، والهدال على أنها رمز للحياة في أشهر الشتاء المظلمة.

وتزيين الأبواب كان مرتبطًا سابقًا بإله الشمس، وكان مهمًا في عادات وثنية، واستخدمته بعض الديانات القديمة المقدسة للحماية، فقاموا بتزيين الأبواب والنوافذ به إيمانًا منهم بأنه سيطرد الأرواح الشريرة.

حاولت الكنيسة كبح ممارسات غير المؤمنين الوثنية، وأعطيت العادات الشعبية معنى مسيحيًا، وأخذت الكنيسة الأغاني التي بدأت كأغان للاحتفالات مثل منتصف الصيف والحصاد، وبحلول أواخر العصور الوسطى، أصبحت ترانيم عيد الميلاد تقليدًا، كما قامت الكنيسة بحقن المعنى المسيحي في استخدام الثمار المقدسة، مما جعلها رمزًا لتاج الشوك ليسوع، ووفقًا لإحدى الأساطير، فإن أغصان القداسة تم نسجها في تاج مؤلم ووضعها على رأس المسيح الجنود الرومان الذين سخروا منه، وهم يهتفون: "السلام عليك يا ملك اليهود"، كانت بيضاء لكن دم المسيح تركها ببقعة قرمزية دائمة.

متى ولد المسيح؟

يذكر أنه في القرن الثالث الميلادي، بدأ الجدال حول جدوى الاحتفال بميلاد المسيح، وكانت الاقتراحات تشمل 21 مارس و20 مايو، ولكن على سنة 336م تبنت الكنسية في روما التي اعترفت بها الإمبراطورية الرومانية يوم 25 ديسمبر(2).

اعتراض جغرافي

وهناك من يعترض على هذا التاريخ من وجهة نظر تاريخية جغرافية، فإن بيت لحم في ديسمبر تكون الأجواء فيه باردة وممطرة وأحياناً ينزل فيها الجليد، وفي هذا الجو لا يخرج الرعاة ليلاً مع رعيهم؛ وبالتالي يصعب أن يخرج الناس في هذا الجو، كما ورد في إنجيل لوقا من أن ميلاده كان أثناء الاكتتاب وهو إحصاء الأفراد أو المواطنين في الأماكن الخاضعة لحكم الرومان؛ وبالتالي فإن طائفة تقول: إن الميلاد كان في أكتوبر، والبعض الآخر يحاول حساب الميلاد بالحساب العكسي من يوم الوفاة حسب عقيدتهم التي وفقاً لإنجيل يوحنا كان في 14 أبريل 33م، ولما بدأ دعوته في سن الثلاثين فإن ميلاده يكون في أوائل الخريف(3).

اعتراض فلكي

ومنذ بضع سنوات، قام مجموعة من علماء الفلك برسم صورة تحاكي صفحة السماء في زمان عيسى عليه السلام، حيث وجدوا أن هناك احتمالاً أن تكون نجمة عيد الميلاد التي اقتادت كهان المجوس في ذلك الوقت هي على الأرجح توحيد واضح لكوكبي الزهرة والمشتري، اللذين كانا قريبين جداً من بعضهما ويضيئان بشكل براق؛ وبالتالي نجد بعض علماء الفلك يُؤكدون أن تاريخ الميلاد كان في يوم 17 يونيو، أي في الصيف وليس الشتاء، في العام الثاني قبل الميلاد(4).

اعتراض تقويمي

وعيد الميلاد اختلف المسيحيون في موعده وانقسموا إلى فريقين، الأول يقول: إنه يوم 25 ديسمبر، والثاني (الأرثوذكس) يؤكدون أنه يوم7 يناير، وكان الاحتفال بعيد الميلاد في يوم 25 ديسمبر حتى عام 1582م، عندما لاحظ علماء الفلك في عهد البابا جريجوريوس الثالث عشر، بابا روما، أن هناك خطأ في حساب طول السنة الشمسية، حيث هي أقل من طول السنة اليوليانية (نسبة ليوليوس قيصر قبل الميلاد)، بفارق 11 دقيقة و14 ثانية، وبناء على ذلك انفصل مسيحيو الشرق (الأرثوذكس) عن مسيحيي الغرب (الكاثوليك والبروتستانت) في احتفالهم بعيد الميلاد، حيث وافق عام 1582م يوم 4 يناير، ولكي يضبط الفلكيون هذا الوضع أرسوا قاعدة تحتم حذف ثلاثة أيام كل 400 عام، ومرجع ذلك يعود إلى أن الفرق بين التقويمين بمرور الوقت إلى أن أصبح حالياً 13 يوماً، وأضحى موافقاً ليوم 7 يناير من كل عام، وسيظل هكذا حتى عام 2094م حينها سيوافق 8 يناير(5).

وبعد، فعيد مشكوك في تاريخه، ملوث ببقايا الوثنية الأولى، وصار رمزاً دينياً مسيحياً، فلا يجوز لمسلم الاحتفال به كما قال العلماء في القديم والحديث.

 

 

(1)Date of Christmas and precursors, 22 June 2009

https://www.bbc.co.uk/religion/religions/christianity/holydays/christmas_1.shtml

(2) Was Jesus really born on 25 December.

BBC iWonder، http://www.bbc.co.uk/guides/zwnsbk7

(3) Jesus’ Birth—Where and When?

www.jw.org/en/publications/books/jesus/events-up-to-jesus-ministry

(4) Jesus was born in June›, astronomers claim، The Telegraph 09 Dec 2008

(5) هل عيد الميلاد (الكريسماس): 7 يناير أم 25 ديسمبر؟

موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

(*) دكتوراة العقيدة وأصول الدين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق