أخذَ المال... وهربَ الإبداع!
خواطر صعلوك
عزيزي القارئ، خذ هذه القاعدة... بمجرد أن تنتظر المال من الباب، حتى يهرب الإبداع من الشباك.
عزيزي القارئ، صباح الخير... ربما نكون مبدعين في شيء أو شيئين في حياتنا، مثل أن نصنع كيكة لذيذة جميع جيراننا ومعارفنا يستمتعون بها ويطلبوها منا، ربما نكون مبدعين في الخياطة وعمل وشاح أو شال يُعجب كل من يراه، ربما نكون مبدعين في الكتابة أو الرسم أو تصميم صفحات إلكترونية على الإنترنت أو حتى في ألعاب «الفيديو جيم» أو ربما نكون مبدعين في التعليم أو إعداد قهوة بنكهات جديدة على أعتى وأقدم كافيهات العالم... أياً كان، فلكل شخص منا إبداع يُشبهه، سواء علم بذلك أو لم يعلم.
ثم تحدث الظاهرة الثقافية الغريبة كما يسميها أوستين كليون، وهي أن جميع من حولك يطلب منك «من باب التقدير والإعجاب بما تفعل» أن تحول إبداعك إلى مشروع تجاري يدر عليك الأموال، فيخبر أحدهم الخياطة أن تبيع ما تُخيطه على «الإنستغرام»، وأخرى تُخبر صاحبة الكيك أن تفتح مشروعاً صغيراً يدر عليها الربح، ويُطلب من الكاتب أن يعطي دورات في الكتابة الإبداعية، ويُطلب من المُعلّم أن يُعطي ورشاً تدريبة بخمسين ديناراً في المعاهد التربوية، ومن مصمم الصفحات أن يكون «مُسوقاً» للخياطة وصاحبة الكيك والكاتب والمُعلّم... وهكذا يتحول الإبداع من شغف شخصي يُقدم للآخرين بحب، إلى لغة ومصطلحات متعلقة بسوق العمل، ثم سرعان ما يتحول الأمر إلى وظيفة رتيبة مملة.
الإبداع الذي كنا نمارسه لكي نستريح من ضغوط الحياة، يتحول مع الأيام إلى ضغط إضافي من أجل جمع الأموال.
يقول أحد الذي خاضوا تجربة تحويل هواياته الخاصة إلى وسيلة لكسب العيش «من الجيد أن تكون لديك هواية تدرُّ عليك المال من وقت لآخر، ولكن إذا تحوّلت إلى وظيفة... اهرب».
جميل أن يُصبح إبداعنا أحد مصادر رزقنا، ولكن الفخ يكمن في التفاصيل، عندما ننتظر المال ونخضع لمعاييره، هنا يُصاب الإبداع بلوثة.
أحد أصدقائنا المبدعين، كانت هوايته تصميم ورسم «أيقونات» خاصة بعروض «البوربوينت»، كان يمارسها بشغف وحب، حتى أشار إليه أحدهم «لماذا لا تحوله إلى مشروع تجاري»؟، وبالفعل انطلق في الحياة من لغة الإبداع إلى لغة السوق. ومع الأيام أصبح شاباً يرتدي نظارات خاصة بالمصممين، ويحمل حقيبة على ظهره فيها جهاز «ماك برو» مع خاصية التحديد بالقلم والتلوين، ويضع سماعات على أذنية يسمع فيها موسيقى «الكونتري الريفية»، ويُنشر له صوراً على «الإنستغرام» وهو مستمتعاً بحياته بين كل كافيهات الدنيا... حتى أخبرني ذات يوم «أخذت المال وهرب الإبداع، لم أعد أفعل ما كنت أفعله بشغف ومتعة، بل أفعل ما أفعله من أجل معايير الآخرين»... هكذا إذاً هي القاعدة، بمجرد أن تنتظر المال من الباب، حتى يهرب الإبداع من الشباك. وكل ما لم يُذكر فيه اسم الله...أبتر.
للاستزادة:
للقراء المهتمين بمفاهيم الإبداع وأدوات عملها، من أفضل ما قرأت ثلاثية أوستين كليون، اسرق مثل فنان - لا تتوقف - انشر فنك.
وهي ثلاثة كتب رائعة تتناول الإبداع بشكل مختلف وإبداعي، وتُباع في دار شفق.
Moh1alatwan@
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق