الثلاثاء، 27 ديسمبر 2022

أمريكا الراهنة ودرس سقوط الجمهورية الرومانية ـ حوار مع المؤرخ الأمريكي إدوارد

    أمريكا الراهنة ودرس سقوط الجمهورية الرومانية 

               حوار مع المؤرخ الأمريكي إدوارد 



إذا كنت مواطنًا رومانيًا، في عام 200 قبل الميلاد، على سبيل المثال، فمن المحتمل أنك ستفترض أن روما ستستمر إلى الأبد.


في ذلك الوقت، كانت روما أعظم جمهورية في تاريخ البشرية، وأثبتت مؤسساتها مرونة خلال الغزوات، وفي وجه جميع أنواع الكوارث. لكن بعد أقل من قرن بدأت أسس روما في الضعف، وبحلول عام 27 قبل الميلاد انهارت الجمهورية بالكامل.


إذا كان كل هذا يبدو مألوفًا، فهذا أمر حس؛ ذلك لأن أوجه التشابه مع لحظتنا السياسية الحالية مذهل. نشر إدوارد واتس أستاذ التاريخ في جامعة كاليفورنيا في سان دييغو عام 2018، كتابًا بعنوان “”Mortal Republic (الجمهورية البائدة)، يوضح بدقة الأخطاء التي حدثت في روما القديمة – وكيف يمكن لدروس انحدارها أن تساعد اليوم في إنقاذ الجمهوريات حديثة الميلاد مثل الولايات المتحدة.


تحدثت إلى واتس عن تلك الدروس، وعن لماذا يعتقد أن الجمهورية الأمريكية، إلى جانب العديد من الجمهوريات الأخرى، تواجه خطر السير في طريق روما القديمة. وقد جرت هذه المحادثة في يناير\ كانون الثاني 2019، قبل وقت طويل من انتشار جائحة فيروس كورونا أو الاضطرابات الاجتماعية الأخيرة التي أعقبت مقتل جورج فلويد على يد الشرطة، لكن الأسئلة الأوسع التي أثارها، لا تزال لها صلة بواقعنا اليوم، تمامًا كما كانت عندما تحدثنا في البداية.


فيما يلي نسخة منقحة قليلاً من هذه المحادثة.


س. لماذا الكتابة الآن عن تدهور وانحطاط روما؟


ج. عندما بدأت بتدريس التاريخ الروماني، كانت الأسئلة الرئيسية التي تأتيني من الطلاب تدور دائمًا حول مقارنة نهاية الإمبراطورية الرومانية بأحوال الإمبراطورية الأمريكية، وكان هذا مرتبطًا عادةً بحرب العراق.


 في السنوات العشر الماضية، تلاشى هذا النوع من الأسئلة. ويهتم الطلاب الآن بروما كجمهورية، وما إذا كانت الجمهورية الأمريكية ستنهار بنفس الطريقة. إنهم يرون الكثير من أوجه التشابه هنا، لاسيما في الكيفية التي تم بها تدشين بنية النظامين.


س. أخبرني عن بعض أوجه ذلك التشابه، التي تعتقد أنها أكثر صلة بالحاضر.


ج. أولاً، علينا أن نتذكر أن الولايات المتحدة هي ديمقراطية نيابية. نميل إلى التخلي عن الجزء النيابي عندما نتحدث عن النظام السياسي الذي نعيش في ظله، ولكن في الواقع هذا أمر مهم جدًا. فهذه ليست ديمقراطية مباشرة، وروما أيضًا لم تكن ديمقراطية مباشرة.


ما لديك في كلتا الحالتين هو نظام يتم فيه اختيار الأشخاص من قبل الناخبين لاتخاذ القرارات، ثم هناك فترة من الوقت يتخذون فيها هذه القرارات، ومن ثم يتم محاسبتهم على ما أفضت إليه تلك القرارات.


لكن النواب يتخذون الخيارات، وقد لاحظ الناس أن ذلك يعمل بشكل جيد حتى يتوقف هؤلاء النواب عن اتخاذ قرارات جوهرية أو يصابون بالشلل بسبب تقلبات الرأي العام. بدأ هذان الأمران بالحدوث عندما بدأت روما في الانحطاط، وكلاهما يحدث في الولايات المتحدة الآن.


س. روما لم يكن ينبغي لها أن تفشل. لقد فشلت لأن الرومان اعتقدوا بحماقة أن روما ستستمر إلى الأبد. ما الشيء الذي كان بإمكانهم فعله بشكل مختلف، ومتى كان بإمكانهم فعل ذلك؟


ج. كان بإمكانهم التعرف على ما تم تصميم نظامهم من أجله، والذي كان ينتج حلولا وسطى وتوافقا في الآراء. في النهاية، من الأفضل عدم اتخاذ أي قرار بدلاً من اتخاذ قرار سيئ. ما فشل الرومان في تقديره هو أن عمليتهم (السياسية) كانت بطيئة ومتمهلة لأسباب وجيهة للغاية: هذه هي الطريقة التي تتجنب بها الأنظمة النيابية الكوارث، وكيف تدفع الناس إلى أن يجلسوا على الطاولة للتوصل إلى حلول وسطى.


عمل هذا النظام جيدًا في روما لمدة 300 عام، ولكن خلال القرن السابق من وجوده، تقريبًا، تم استخدام أدوات التمهل ووزن الرأي وتداوله، لا لتسهيل التسوية ولكن لعرقلة ومعاقبة الأعداء السياسيين وبشكل أساسي لمنع حدوث أي تغيير. لقد أدى ذلك إلى تدمير النوايا الحسنة داخل النظام، وإلى تسميم تلك العملية السياسية حقًا في أذهان الناخبين.


س. حسنًا، هذا يبدو مألوفًا!


ج. بالتأكيد.


س. بعد فترة وجيزة من انتخاب دونالد ترامب، كتبت عن تحذير أفلاطون من تراجع الديمقراطية. في الأساس، كان أفلاطون يعتقد أن الديمقراطيات تقع في دائرة الاستبداد عندما تؤدي الحرية الزائدة إلى الفوضى ويختار المواطنون استقرار الحكم المطلق على فوضى الديمقراطية. وهذا هو ما حدث في روما. هل تعتقد أن نفس الشيء يحدث الآن؟


ج. أعتقد أننا في المراحل الأولى من عملية يمكن أن تفضي إلى ذلك. اللحظة التي كان الرومان لديهم استعداد للقيام بهذه المقايضة حدثت بعد مرور ما يقرب من 150 عامًا من الخلل السياسي الوظيفي، ولكنها أيضًا حدثت بعد مرور جيل من الحرب الأهلية بالغة الوحشية.


وبعد تلك العملية التي بدأت، والتي كانت عبارة عن حالة من عدم المساواة الاقتصادية، وعجز الفئة العليا الناجحة في الدولة الرومانية التي كان بإمكانها معالجة عدم المساواة الاقتصادية، ونظرًا لعدم تلبية احتياجات الناس لعقود من الزمان، فقد تصاعدت التوترات لدرجة أن العنف بدأ يندلع. وبمجرد أن يبدأ العنف بالاندلاع، يكون من الصعب جدًا على الجمهورية استعادة السيطرة على نفسها.


من السهل أن نرى كيف يمكن للولايات المتحدة وغيرها من الجمهوريات الراسخة أن تشهد بدايات سيرورة مماثلة. لا أعتقد أننا وصلنا إلى هذه الحالة، ولكن هناك أسباب للقلق الحقيقي.


س. ربما تكون مشكلة عدم المساواة هي الأكثر لفتًا للنظر بالنسبة لي. ما رأيته أنت في روما، وما تراه اليوم بوضوح تام، هو أن الأثرياء يقوضون النظام الذي جعلهم أثرياء، والفشل التام في رؤية مدى الدمار الذي قد يحدثه هذا على المدى الطويل.


ج. نعم، إنها مشكلة حقيقية اليوم، وكانت مشكلة حقيقية في روما. هناك فترة محورية في روما، حوالي منتصف القرن الثاني قبل الميلاد، حيث قامت ثورة اقتصادية أدت إلى تهجير الكثير من الأشخاص الذين كانوا ينتمون إلى طبقة أرستقراطية وراثية، وأبعدتهم عن الدرجات الاقتصادية العليا في الدولة.


في الوقت نفسه، يؤدي هذا إلى خلق ظروف اقتصادية تدفع الأشخاص في الوسط إلى الإحباط الشديد لأن إمكاناتهم الاقتصادية لا تنمو أيضًا. وما يحدث في النهاية هو أن الأشخاص الذين ينتصرون في هذه الثورة الاقتصادية يحاولون الحفاظ على مكاسبهم عبر أي وسيلة ممكنة، ويشمل هذا عرقلتهم الفظيعة والجسيمة للعمل السياسي، وتزوير الانتخابات، وعدم الاستعداد لتقديم التنازلات بشكل تام.


هذه الانطلاقة فتحت الباب أمام دوامة الموت التي أدت في النهاية إلى القضاء على النظام الروماني من الداخل – ومن الأفضل أن نتعلم من ذلك. لأن قصة روما تُظهر أنه بمجرد وصولك إلى نقطة الانهيار، ولحظة اللاعودة تلك، فإنه لا يمكنك الاسترخاء على مدار الساعة.


س. لماذا لم يستطع النظام الروماني الاستجابة لهذه النزاعات الكارثية بالسرعة الكافية؟ ما هو القصور المحيط بعمليتهم السياسية تلك؟


ج. هناك دلائل على أن النظام كان يحاول الاستجابة لهذا الواقع الاقتصادي الجديد بين عامي 140 و130 قبل الميلاد. كانت هناك جهود لإصلاح العملية الانتخابية تُصعب من شراء الأصوات وتزوير الانتخابات. لكن الإصلاحات كانت تقف في منتصف الطريق، فقط لأن المصالح الراسخة تقوضها، وبالتالي فإن التدهور يستمر على قدم وساق.


س. قضيت الكثير من الوقت في رسم خرائط لتدهور الأعراف والتقاليد السياسية في روما. هل كان ذلك نتيجة قيام السياسيين الرومان بإيثار مصلحتهم الذاتية على مصلحة الجمهورية، أم أن شيئًا أعمق قد حدث في الثقافة؟


ج. أعتقد أن تآكل القواعد قد بدأ حقًا عندما اقتنع الساسة الرومانيون أنفسهم بأن مصالحهم الشخصية ومصالح الجمهورية شيء واحد. بعبارة أخرى، فقد بدأوا يتصرفون لمصلحتهم الذاتية لكنهم خدعوا أنفسهم بالتفكير في أن ذلك حقًا كان من أجل تحسين أحوال روما.


الشيء الآخر الذي تراه هو أن الساسة الرومان، مثلهم مثل الساسة الأمريكيين اليوم، قد بدأوا بالاعتقاد بأن كل ما يحتاجونه هو 51 في المائة من الناس لدعمهم، وأن الـ 49 في المائة الباقية لا تهمهم. لكن هذه ليست الطريقة التي كان من المفترض أن يعمل بها النظام الروماني، ولا الطريقة التي من المفترض أن يعمل بها النظام الأمريكي.


فقد تم تصميم الديمقراطيات النيابية لتهدئة الشغف بالديمقراطية النقية الخالصة، والعثور على نواب يمكنهم التفكير في سياسات طويلة المدى، وصياغة سياسات تحل المشكلات بطرق تحظى بدعم واسع أيضًا.


 س. أكثر ما يقلقني هو فقدان الإيمان بالمؤسسات العامة، وهو أمر قد حدث في روما وكان يشير من نواحٍ عديدة إلى بداية النهاية. من الصعب أن ننظر إلى المشهد السياسي الأمريكي ولا نرى شيئًا مشابهًا يجري على قدم وساق.


ج. أعتقد أن هذه بالتأكيد طريقة لقراءة اللحظة السياسية في الولايات المتحدة في الوقت الحالي، حيث لا يحصل الأشخاص على الأشياء التي يحتاجون إليها من النظام ومن الحكومة، سواء كانت تلك الأشياء رعاية صحية أو تدريبًا وظيفيًا أو فرصًا اقتصادية أو بنية تحتية. ترى هذا أيضًا في أواخر الجمهورية الرومانية – إن الجمهورية أصبحت ببساطة، كبيرة جدًا، وتفتقر إلى البنية التحتية لإعالة سكانها.


س. عنوان كتابك هو تذكير بأن جميع الأنظمة السياسية محدودة زمنيًا وستموت في النهاية. استمرت روما قرونًا قبل أن تنهار في الأخير. ما مدى قلقك بشأن مسار الجمهورية الأمريكية؟


ج. أنا قلق للغاية. لكني ما زلت أعتقد أن تراجعنا قابل لتغيير مساره. أنا على ثقة من أن عددًا كافيًا من الناس يدركون أنه من الأفضل أن تكون لديك جمهورية مختلة وظيفيًا على ألا يكون لديك أي شيء على الإطلاق. وفي روما، تجد لحظات الانكماش هذه، حيث يتراجع الناس ويقولون إن هذا سيء للغاية، وهذا كثير جدًا، وعلينا التراجع.


لكن الأمر متروك للأميركيين، مثلما كان الأمر متروكًا للناخبين في روما، للدفاع عن مؤسساتنا ومعاقبة الأشخاص الذين يسيئون استخدام الأدوات التي من المفترض أن تجعلها قوية، لتقويضها في المقابل. لن يقوم أي شخص آخر بذلك نيابة عنهم.


لذلك أعتقد أنها ليست نتيجة مفروغ منها بأي حال من الأحوال. التاريخ لا يعمل بهذه الطريقة. وكانت هناك لحظات بدا فيها أن الولايات المتحدة في ورطة خطيرة وتمكنت من التعافي. لكن علينا أن نكون يقظين حقًا وأن ندافع عن سلامة الجمهورية، وأن ندافع عن نزاهة نظامنا، ونعاقب أولئك الذين يسيئون استخدام مؤسساتنا وينتهكون أعرافنا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق