الأحد، 11 ديسمبر 2022

آخر نظرة.. آخر كلمة.. آخر سورة

  آخر نظرة.. آخر كلمة.. آخر سورة

د. أنس الرهوان 

طبيب، كاتب وباحث


سمِعَتْ أمُّ الفضلِ بنتُ الحارثِ الهلاليةُ -وهي أولُ امرأةٍ أسلَمتْ بعد أمنا خديجة، رضي الله عنهما- ابنَها عبدَ الله بنَ العباسِ رضي الله عنهما، وهو يقرأُ سورةَ المرسلات، فقالت: يا بنيَّ! واللهِ لقد ذكَّرْتَني بقراءتِكَ هذه السورة، إنها لَآخِرُ ما سمعتُ مِن رسول الله ، يقرأُ بها في المغرب.

وصعِدَ النبيُّ  المنبرَ في مرضِه الذي ماتَ فيه، مرتديًا مِلحَفَةً على كتفيه، رابطًا رأسَه بعمامةٍ، فحمِدَ اللهَ تعالى وأثنى عليه، ثم قال لأصحابه: أما بعد، فإنَّ الناسَ يكثُرونَ، ويَقِلُّ الأنصارُ، حتى يكونوا في الناسِ بمنزلةِ الملحِ في الطعام! فمَن وَلِيَ منكم شيئًا يضُرُّ فيه قومًا ويَنفَعُ فيه آخرين، فلْيَقبَلْ مِن مُحسِنهم ولْيَتجاوَزْ عن مُسيئهم.. فكان ذلكَ آخرَ مجلسٍ جَلَسَ بِه رسولُ الله  إلى الناس، كما قال عبدُ اللهِ بن العباسِ، رضي الله عنهما.

وذَكَر عقبةُ بن عامرٍ الجهنيُّ رضي الله عنهُ أنَّ رسولَ الله صلَّى على قتلى أُحُدٍ بعد ثمانِ سنينَ كالمُوَدِّعِ للأحياءِ والأموات، ثم طَلَع المنبرَ فقال:

«إني بَين أيدِيكم فَرَطٌ، وأنا عليكم شهيدٌ، وإنَّ موعدَكمُ الحوضُ، وإني لَأنظُرُ إليه وأنا في مقامي هذا! وإني لستُ أخشى عليكم أن تُشركوا، ولكن أخشى عليكم الدنيا: أن تَنَافَسوا فيها»، وكانت آخرَ نظرةٍ نَظَرَها عُقبةُ إلى رسول الله .

وقال أنسُ بن مالكٍ رضي الله عنه:

آخرُ نظرةٍ نظرتُها إلى رسولِ الله  يومَ الاثنين، كَشَفَ الستارةَ والناسُ خلْفَ أبي بكرٍ، فنظرتُ إلى وجْهِه كأنه وَرقةُ مصحفٍ، فأرادَ الناسُ أن يتحركوا، فأشارَ إليهم أنِ اثْبُتوا، وألقَى السَّجْفَ، وتوُفِّيَ في آخر ذلك اليوم.

وقالت أمنا عائشةُ بنت أبي بكرٍ الصدِّيقِ رضي الله عنهما: كان النبيُّ  يقولُ وهو صحيحٌ: «إنه لَمْ يُقبَضْ نبيٌّ حتى يَرى مقعَدَه من الجنة، ثمَّ يُخَيَّرُ»، فلمَّا نَزَل به -تعني: الموتَ- وهو على فخِذي، غُشيَ عليه، ثم أفاقَ، فأَشخَصَ بَصَرَه إلى سقف البيتِ، ثم قال: «اللهم الرفيقَ الأعلى»، فقلتُ: إذنْ لا يختارُنا! وعرفتُ أنه الحديثُ الذي كان يحدِّثُنا وهو صحيحٌ، فكانت آخرَ كلمةٍ تَكَلَّمَ بها: «اللهم الرفيقَ الأعلى»!

وكانت رضي اللهُ عنها آخرَ الناسِ به عهدًا وهو حيٌّ، أما آخِرُ الناسِ عهدًا به  وهو في قبره: فَهو قُثَمُ بنُ العباسِ رضي الله عنهما.

وآخِرُ الناسِ موتًا ممن رأى رسولَ اللهِ : عامرُ بن واثلةَ، أبو الطفيلِ الكنانيُّ رضي الله عنه، قال: ما بقيَ أَحدٌ رأى رسولَ الله  غيري، واتَّفَقَ أهلُ العلم على أنه آخِرُ الصحابةِ رضي الله عنهم وفاةً!.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق