احتفالية ذكرى النكبة.. ماذا أنتم فاعلون أيها الفلسطينيون؟
شهدت القضية الفلسطينية نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي حدثًا استثنائيًّا لافتًا، لا ينبغي أن يمر عليه الفلسطينيون مرور الكرام؛ إذ صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح قرار بتكليف "شعبة حقوق الفلسطينيين في الأمانة العامة" لتكريس أنشطتها من أجل تنظيم حدث رفيع المستوى في قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة في 15 مايو/أيار القادم، بمناسبة مرور 75 عاما على ذكرى نكبة الشعب الفلسطيني، وصوّت لصالح القرار 90 دولة، في حين امتنعت 47 دولة عن التصويت، وعارضت القرار 30 دولة؛ من بينها الولايات المتحدة وكندا وأستراليا والمملكة المتحدة.
وعدّ الكيان الصهيوني قرار النكبة معاديًا للسامية، وكذلك فعل الرئيس الأميركي جو بايدن الذي علق على محتوى القرار بصورة غير مباشرة، منتقدًا أعضاء مجلس الشيوخ الذين ترددوا في التنديد بالأعمال المعادية للسامية. هذا الحدث يفتح الباب واسعًا أمام الفلسطينيين للتحرك العاجل من أجل تغيير معادلات الصراع مع الكيان الصهيوني، لما له من دلالات وما يشتمل عليه من فرص.
الصين أيّدت القرار، ورأت أن الإدارة الجزئية للأزمة لا يمكن أن تحل مكان الحل الشامل، وأنه لا يحق لأحد استخدام حق النقض (الفيتو) في القضايا التي تؤثر على مستقبل الشعب الفلسطيني، وأنها بوصفها عضوا دائما في المجلس ستعمل على ممارسة التعددية الحقيقية فيه
دلالات مُحفّزة
رغم تأخر صدور القرار؛ فإنه لم يكن قرارًا عاديًّا بالنسبة للشعب الفلسطيني الذي يناضل على عشرات الجبهات منذ نحو 100 سنة عجفاء لم يشهد مثلها شعب في العالم المعاصر، وأن تأتي متأخرًا خير من ألا تأتي. لقد جاء هذا القرار ليضخ وقودًا جديدًا في شرايين القضية الفلسطينية على المستوى الدولي، بعد أن تراجعت كثيرا بسبب الاضطرابات التي تشهدها المنطقة العربية، والاختراقات التي قام بها الكيان الصهيوني للنظام العربي؛ متجاوزًا القرارات والمبادئ والسياسات التي تحكم الموقف معه على مدى مراحل الصراع السابقة؛ فقد تجاوزت دلالات هذا القرار ما لم يكن في حسابات الكيان الصهيوني، وأبرز هذه الدلالات:
- تزامُن صدور القرار مع ذكرى صدور قرار التقسيم في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 1974م، بعد 74 عاما؛ يشير إلى حدوث تغيّرات في الموقف الدولي، أعادت القضية الفلسطينية إلى بداياتها الأولى، وفتحت ملفاتها القديمة، لتظهر من جديد على سطح الأحداث الدولية بتأييد دول العالم، لتسلط الضوء على معاناة الشعب الفلسطيني، وتسانده من جديد لاستعادة حقوقه وتقرير مصيره، رغم ما يموج به العالم من تحولات وصراعات ومنافسات حادة بين القوى العظمى، ورغم الاعتقاد السائد بأن تلك القرارات طواها الزمن.
- موقف الكيان الصهيوني في جلسة الجمعية العامة التي اتخذت القرار يكشف عن حجم الخسارة التي مُني بها، والانزعاج الذي تسبب له، لدرجة أن يقوم سفيره لدى الأمم المتحدة جلعاد إردان باتهام الأمم المتحدة بأنها بهذا القرار تساعد على إطالة أمد الصراع، ورأى أن ذلك قد يترتب عليه تدمير الدولة اليهودية، داعيا الأمم المتحدة إلى التوقف عن تجاهل (النكبة اليهودية). في إشارة إلى اليهود الذين طُردوا من الدول العربية والإسلامية في أعقاب دولة الكيان الصهيوني. الأمر الذي دفع سفارة الكيان الصهيوني مباشرة إلى تنظيم معرض هو الأول على الإطلاق حول طرد اليهود من الدول العربية وإيران، لمدة أسبوع في الممر الرئيسي للأمم المتحدة في نيويورك تحت عنوان "قصة النكبة اليهودية".
- تكشف مواقف الدول الـ90 التي أيّدت القرار عن رفضها الشديد لما آلت إليه القضية الفلسطينية، من دون تقدم يذكر حتى اليوم، وعن تضامنها مع الشعب الفلسطيني، وتألمها للمعاناة التي يعانيها، وعن جدية مواقفها المساندة له. كما تكشف مواقف هذه الدول عن أنها مهيّأة لاتخاذ خطوات أبعد من ذلك، للوصول إلى حلول جدية ترفع الظلم عن الفلسطينيين، وتضع حدا لمعاناتهم، وتحقق لهم تقرير المصير.
ونشير في هذا السياق إلى كلمة مندوب الصين التي تخوض منافسة متعددة المجالات مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، حيث انعكست هذه المنافسة على كلمته، حين شدد على أن الإدارة الجزئية للأزمة لا يمكن أن تحل مكان الحل الشامل، مؤكدا أن الصين صديق مخلص للشعب الفلسطيني، وأن مجلس الأمن بحاجة إلى اتخاذ خطوات جوهرية لدفع حل الدولتين قدما، وأنه لا يحق لأحد استخدام حق النقض (الفيتو) في القضايا التي تؤثر على مستقبل الشعب الفلسطيني، وأن بلاده بوصفها عضوا دائما في المجلس ستعمل على ممارسة التعددية الحقيقية فيه.
وفي السياق نفسه، وصفت مندوبة دولة جنوب أفريقيا ماثو جوييني استمرار التوسع في المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية، وعمليات الطرد والهدم وتدمير الممتلكات الفلسطينية في جميع أنحاء الأرض الفلسطينية المحتلة؛ بأنه "تكتيك وقح وغير قانوني" من جانب (إسرائيل) لتغيير التوازن الديموغرافي وطابع ووضع القدس الشرقية لصالح المواطن اليهودي. وشددت على أن قيام إسرائيل بفرض نظام الفصل العنصري ضد الفلسطينيين يقوّض أي احتمالات لقيام دولة فلسطينية مستقلة.
المملكة المتحدة عارضت القرار رغم أنها صانعة النكبة للشعب الفلسطيني، وهي تدرك أكثر من غيرها تفاصيل ما حدث للشعب الفلسطيني بسبب موافقتها على إنشاء الكيان الصهيوني في فلسطين وتسهيلها ذلك، وكان الأولى بها تأييد القرار، لتكفر عن أحد ذنوبها الهائلة في حق الشعب الفلسطيني التي لن ينساها، ولن يغفرها لها أبد الدهر
أيّدت القرار 15 دولة عربية، هي: مصر والمغرب وتونس والجزائر وليبيا والسعودية وقطر والكويت وعُمان والإمارات والبحرين وسوريا والعراق ولبنان والأردن، ورغم دخول عدد من هذه الدول في علاقات تطبيع رسمية مع الكيان الصهيوني، فإن جميعها -باستثناء المغرب الذي جاءت كلمته شديدة التحفظ- وقف بشدة مع القرار، ومع حقوق الشعب الفلسطيني الثابتة والتاريخية المنصوص عليها في القرارات الدولية، وجميعها دانت الاعتداءات الصهيونية على الشعب الفلسطيني والأرض الفلسطينية، وهذا يشير إلى أن الموقف العربي في عمومه ينحاز إلى التطلعات الفلسطينية، رغم التشظّي والاضطرابات اللذين تمر بهما المنطقة العربية.
الدول الرئيسية التي عارضت القرار إلى جانب الكيان الصهيوني هي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا وأستراليا، أما الولايات المتحدة فلا غرابة في أن تعارض القرار، لأنه أصل ثابت من ثوابتها، ودرجت على ذلك في كافة قرارات القضية الفلسطينية المؤيدة لحقوق الشعب الفلسطيني. بل ذهبت في معارضتها بعيدا عندما اعتبرت أن الأمم المتحدة منشغلة في طقوسها السنوية بالتصديق على قرارات عفا عليها الزمن ومتحيزة ضد (إسرائيل)، وأن الولايات المتحدة مصممة على معارضة جميع القرارات التي تشوه سمعة (إسرائيل). وذلك في رسالة مباشرة إلى اللوبي (التجمع) الصهيوني في الولايات المتحدة لدعم الرئيس بايدن والحزب الديمقراطي من أجل الفوز في الانتخابات القادمة.
أما الموقف المستغرب فهو موقف المملكة المتحدة، فهي صانعة النكبة للشعب الفلسطيني، وهي تدرك أكثر من غيرها تفاصيل ما فعلته في الشعب الفلسطيني بسبب موافقتها على إنشاء الكيان الصهيوني في فلسطين وتسهيلها ذلك، وكان الأولى بها أن توافق على القرار لتكفر عن أحد ذنوبها الهائلة في حق الشعب الفلسطيني التي لن ينساها، ولن يغفرها لها أبد الدهر.
والأكثر غرابة من ذلك هو موقف كل من كندا وأستراليا، فرغم تفهمنا الضغوط التي تتعرضان لها من اللوبي الصهيوني داخل كل منهما، فكان الأولى بهما تأييد القرار انسجاما مع القيم الإنسانية التي تتشدقان بها صباح مساء.
وتعزز هذه المعارضة المواقف الأميركية والغربية السابقة التي تكيل بمكيالين، كما تكشف من جديد عن حجم الخداع والنفاق الذي يغلّف شعارات وقيم النظام الدولي القائم على القواعد والذي يطالبون العالم بالخضوع له. وعلى القيادة الفلسطينية أن تندد وتعارض وتفضح مواقف هذه الدول على الدوام، بمناسبة ومن دون مناسبة، بشتى الوسائل وفي جميع المجالات.
عزز مواقف جميع الدول التي صوتت لصالح القرار الرأي القائل بفشل حل الدولتين، وأنه لا بد من التحرك الجاد لتنفيذ هذا الحل وإقامة الدولة الفلسطينية وفقًا للقرارات الدولية، وهو الأمر المستحيل الذي لن يتحقق، وأن استمرار الفلسطينيين بهذا الحل هو بمثابة الجري وراء المستحيل، وأنه لا بد من البحث الجاد عن حلول بديلة من شأنها استعادة الحقوق الفلسطينية وإرغام الدول التي تسند الكيان الصهيوني على الاستجابة لمطالب الشعب الفلسطيني.
بقي على تنفيذ القرار 5 أشهر ونصف الشهر، فما موقفكم أيها الفلسطينيون؟ ومتى ستتحركون؟ وماذا أنتم فاعلون؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق