الخميس، 22 ديسمبر 2022

وما زالوا يحبون الكتابة...!

 وما زالوا يحبون الكتابة...!

خواطر صعلوك

محمد ناصر العطوان


في عام 1980م، حيث لا وجود للإنترنت، أُجري حوار صحافي يجمع نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم مع الفتاة التي حصلت على ترتيب «الأولى» على الثانوية العامة، وقد سألها نجيب محفوظ عن طموحها المستقبلي، فقالت إنها ستدرس الآداب لأنها تود أن تحترف الكتابة، فنصحها محفوظ بمراجعة الفكرة وأن تتوجه لدراسة الصورة، قائلاً «المستقبل للصورة أكثر من الحروف، والتلفزيون جاء مناسباً للجيل الحالي، لأنهم من حيث التعليم استيعابهم أقل، ومن حيث الثقافة معدومو الثقافة تقريباً».

يُعلّق الكاتب المصري عُمر طاهر، على هذا الحوار قائلاً «لقد كان محفوظ محقاً، لأن الصورة تتصدر حالياً، ولولا كبرياء المطابع لأصبحت الكُتب فلكلوراً».

حسناً، عزيزي القارئ أو الكاتب المحب للكتابة، قد أتفق مع ما قاله الأديب الكبير نجيب محفوظ، رحمه الله، ومع الكاتب الرائع عمر طاهر، في أن المجد للصورة الآن وليس الكلمة، ولكن أريد أن أضيف أيضاً أن الكتابة قيمة في حد ذاتها بعيداً عن النتائج التي قد تترتب عليها من شهرة أو مجد أو راتب أو حتى مسار مهني.

إنّ الجيل الحالي والذي وُلد في عصر الإنترنت، وتم إغراقه بعشرات المليارات من الصور والفيديوهات، ما زال يحب الكتابة والنشر بل وتطوير قدراته على ذلك، ويعتبر الكلمة لها سياقها الذي يفوق الصورة، وبعضهم يمارس الكتابة مع نفسه ومع أصدقائه المقربين، وآخرون قطعوا شوطاً لا بأس فيه في ما يتعلق بالشهرة والمجد وأخذوا بتلابيب القراء حباً وكرامة.

قد أتفق مع نجيب محفوظ، رحمه الله، في أهمية ألا تكون الكتابة هي المسار المهني، بل قد تكون الهوية والهواية، وأتفق أيضاً مع أن كبرياء دور النشر والصحف يمنعها من الإغلاق، ولكن ينبغي الإضافة هنا إلى أن الكتب والصحافة الرسمية والورقية هي أحد أهم مصادر المعلومات لمواقع التواصل التي تعتمد على الصورة، وأنه انتهى زمن الصراع بين الإعلام التقليدي والإعلام الرقمي، ووصل الجميع إلى حالة من المواءمة والتناغم، تماماً مثلما حدث مع الراديو والتلفزيون سابقاً، وحدث مع الفيديو والسينما، وحدث الإيميل ومنصات «الشات السريع».

يؤمن هذا الجيل بالسرعة ولكنه يؤمن أيضاً بالجودة، يؤمن بالكتابة الجيدة وينتقد الصورة الزائفة، يُعبر من خلال الكلمات كما أنه قادر على التقاط أجمل الصور المعبرة.

سبعة وخمسون عاماً هو عمر هذه الفتاة التي قابلها نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم، ورغم أنه لا معلومات لديّ عن اسمها أو ماذا تخصّصت في ما بعد، إلا أنني متأكد أنها ما زالت تمارس الكتابة، وأنها عاشت لترى كيف أصبحت الصورة والكلمة أدوات في يد الجيل الذي جاء بعدها. 

وأن كل ما لم يُذكر فيه اسم الله... أبتر.

Moh1alatwan@

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق