قناة السويس … اللعنة على الفرعون مدبولي
وائل قنديل
مضحك للغاية أن تستأسد ما تسمّي نفسها المعارضة المدنية المصرية على رئيس الحكومة مصطفى مدبولي، وتنهال عليه بالهجوم، لمناسبة مواقفة مجلس النواب، مبدئيًا، على التصرّف في أصول قناة السويس بالبيع والإيجار والاستغلال، بحسب قانون جديد لصندوق هيئة القناة.
لا أحد في مصر يشكّ في أن مدبولي لا يهشّ ولا ينشّ، ولا يملك سلطة تغيير ألوان حوائط مكتبه، وأن الأمر كله بيد شخص واحد، صنعت منه هذه المعارضة حاكمًا فرعونيًا، باختيارها وإرادتها، ولا تملك الشجاعة لإبداء الأنين من استبداده أو الشكوى منه، فتوجّه غضبها إلى الشخص الخطأ في المكان الخطأ.
يقولون الآن إن قناة السويس خط أحمر، كما قالوا بالأمس إن نهر النيل خط أحمر، وسيناء وتيران وصنافير خط أحمر، والعبث بمواد الدستور كذلك، لكن الزمن وحده أثبت أن كل ما سبق خط أخضر، فلا الكلام العابر المؤقت أوقف بيع تيران وصنافير، ولا هو أجبر "المشير مصطفى مدبولي" على الانسحاب من إعلان مبادئ التفريط في مياه النيل، أو منعه من تغيير مواد الدستور على مقاسات حاكم فرعوني لا يزحزحه عن عرش القصر إلا الذهاب إلى القبر.
هذه "المعارضة المدنية" تمارس فعل الحوار الوطني، بناء على استدعاء من الفرعون الذي صنعته بنفسها منذ نحو تسعة أشهر، وتحديدًا منذ تلك اللحظة التي تناول فيها حمدين صبّاحي إفطارًا رمضانيًا على مائدة الجنرال، وخرج محملًا ببعض الهدايا، أهمها إنهاء حالة الحرمان من رحلات الشتاء والصيف إلى لبنان، لكنه ترك تحت مائدة الإفطار قناعاته وآراءه في صاحب الدعوة، الذي كان قد وصفه في العام 2017 بأنه "النسخة الاكثر رداءة من نظام مبارك. وهو الاستبداد فجا وفاجرا. وهو العداء للفقراء وهو الانصياع لصندوق النقد الدولي ومؤسسات التمويل الغربية .. هو التبعية والرضوخ للمهيمن الاستعماري".
كان ذلك رأي حمدين لمناسبة قرارات وسياسات أهون وأخفّ كثيرًا مما نحن بصدده، وهو البدء في مخطّط بيع أصول قناة السويس للمستثمرين الأجانب، الذين لا يوجد ما يمنع أن يكونوا صهاينة، تلك القناة المحفورة بدماء مائة ألف شهيد مصري، ومحور ثلاث حروب خاضها المصريون ضد العدو الصهيوني.
يعلم حمدين ورهطُه، الجالسون على موائد الحوار الوطني، الذي يستخدم واجهةً لتمرير كل هذا الخراب والعبث بالأمن القومي، أن مصطفى مدبولي ليس إلا قارئ نشرة قرارات السلطة الأعلى والوحيدة، وأنه لا ينبغي أن يكون الشخص المخاطَب، أو المستهدف بالهجوم والنقد، وأن القرار هناك عند الشخص الذي تمت فرعنته بناء على طلب نفر من النخب التي قررت اعتماده "عبد الناصر الجديد".
وقد كان ذلك مبكرًا جدًا، نوفمبر/ تشرين الثاني 2013، وبعد أربعة أشهر من المذابح، حيث كان سياسيون يمسكون بالفؤوس، ويضربون الضربة الأولى لحفر طريق الطغيان، حين دشّنت شخصياتٌ عامةٌ وسياسيةٌ حركةً أطلقوا عليها "الشعب يأمر"، قرّرت منح الجنرال السيسي رتبة المشير، وطالبته بالترشّح لرئاسة الجمهورية، بعد أن أقسم أيمانًا مغلظة بأنه لا يريد ولن يسعى إلى السلطة، كما طالبته باعتماد قانون الإرهاب أسلوبًا وحيدًا للتعاطي مع كل من يعارض سياساته.
كانت حركة تهدف إلى فرض الاستبداد نظامًا للحكم، ويدهشك أنها ضمّت أسماء برلمانيين سابقين كانوا معارضين لاستبداد مبارك، من نوعية جمال زهران (أستاذ علوم سياسية) وحمدي الفخراني نائب وناشط (اقتيد إلى السجن بعد انتهاء دوره وتم سحله فوق منصّات الإعلام فيما بعد). وبحسب ما نشرته "المصري" على لسان زميلتهما الحاجة عواطف، "أطالب المشير السيسي بأن يترشّح للرئاسة ويصبح رئيساً، ولن يكسر له أحد كلمة، وأقول له، إنت من الأهرامات الثلاثة ولن يهزّك ريح".
في البدء، كانت صناعة الفرعون الذي لا يراجعه أحد، وزراعة الاستبداد الذي لا يقوى على رفع عينه في وجهه أحد، والمحصلة سلسلة لا تتوقف من العبث بالجغرافيا والتاريخ، بدءًا من النيل مرورًا بالتراب الوطني، وقلاع الصناعة الوطنية. والآن جاء دور قناة السويس، وقريبًا الأهرامات ..
فاستمتعوا بألعاب الخطوط الحمراء، والعنوا الشهيد محمد مرسي، وإن استشعرتم بعض الخجل صوّبوا نبالكم وأحبالكم الصوتية على الفرعون مصطفى مدبولي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق