جمهورية الكبتاغون.. باقية وتتمدد!!
أحمد موفق زيدان
جاء اعتماد الرئيس الأمريكي جو بايدن لقرار أقره الكونغرس الأمريكي من قبل لتفكيك شبكة المخدرات السورية بقيادة من وصفه معدو مشروع القانون بـ"ملك المخدرات"، والذي يعنون به بشار الأسد، ليؤكد من جديد خطورة هذا النظام ليس على شعبه والمنطقة فحسب، وإنما خطورته على العالم كله، لا سيما وأن القرار أناط بوزارة الخارجية الأمريكية وجهاز مكافحة المخدرات مسؤولية تطبيق القانون، ورصد له ميزانية ضخمة للدول المجاورة للنظام السوري لمواجهة مكافحة تهريب وتصدير حبوب الكبتاغون، والتي وصل عددها بحسب معهد "نيوز لاين" إلى 800 مليون حبة خلال السنوات السبع الماضية.وقد تزامن اعتماد القانون الأمريكي من قبل الرئيس مع إعلان الجهات الأمنية الأردنية السيطرة على ستة ملايين حبة كبتاغون، في أكبر عملية مصادرة أردنية في تاريخها، حيث وصل وزن الشحنة إلى طن كامل. وبحسب التحقيقات الأردنية فإن الشحنة كانت قادمة من الحدود العراقية بعد أن تم تسريبها من الحدود السورية، حيث تتكاثر هناك كالفطر مصانع تصنيع حبوب الكبتاغون، التي وصل عددها إلى أكثر من مائة مصنع، وكثير منها متمركز على الحدود الأردنية.
لوحظ بشكل واضح خلال الأشهر الماضية فرْملة أردنية وإماراتية للتطبيع مع نظام الأسد، بعد أن تيقن لديهما حنثه بما وعد به من إبعاد المليشيات الإيرانية مسافة 30 كم عن الحدود الأردنية كما نصت عليه اتفاقيات ومعاهدات 2017، ليكتشف الجميع أن تجارة المخدرات التي غدت شبكة إقليمية ممتدة من طهران إلى بغداد فبيروت فدمشق، ترعاها جهات إقليمية، وإيرانية تحديداً، وتستهدف بشكل استراتيجي الدول العربية، وتفخيخ مجتمعاتها، ونخر شريحة الشباب فيها بشكل أساسي.
ولكن ما أقلق الأمريكي أخيراً، هو أن هذه الشبكة وصل خطرها وتهديدها إلى أوروبا، وذلك بعد أن تم اكتشاف شحنات إلى وإيطاليا واليونان، وحتى ماليزيا وأفريقيا، وهو الأمر الذي عدّه القانون الأمريكي بأنه خطر على الأمن الدولي والسلامة العالمية.
ما أكدته كل التحقيقات الصحافية والاستخباراتية التي ظهرت أخيراً بأن الفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد، شقيق رئيس النظام السوري، هي من تقوم برعاية المخدرات، من تصنيع وتصدير ورعاية. وتقول المصادر الأردنية بأن هذه التجارة تحت تصرفها مسيّرات، وقوى عسكرية ورعاية إيرانية من طهران بشكل مباشر، ولذا فإن هدفها استراتيجي أكثر ما هو تكتيكي لجني الأرباح وتعويض النظام السوري عن اقتصاده المنهار.
وفي ظل هذا الانهيار الاقتصادي للعصابة الأسدية، ومع تخلي الحليفين الدولي روسيا لانشغالها في الحرب الأوكرانية، وإيران بانشغالها في انتفاضة شعبها، يجد النظام السوري نفسه وحيداً، لا سيما مع تسرّب عن رفض إيران وروسيا دعم البنك المركزي السوري الذي أعلن إفلاسه أخيراً، وقد انعكست الضائقة الاقتصادية لدرجة إعلان النظام عن توقف صرف رواتب الموظفين خلال الأشهر الثلاثة القادمة، فضلاً عن الجريمة المتفشية في المناطق الخاضعة لسيطرته نتيجة حالة الفقر الرهيبة التي وصلت إليها المدن السورية الخاضعة للنظام في ظل الشتاء القارس هناك.
جمهورية الكبتاغون الباقية والمتمددة يتحمل وزرها ومسؤوليتها المجتمع الدولي الذي تسامح مع كل ما اقترفه النظام السوري خلال السنوات الـ12 الماضية؛ من إلقاء الصواريخ والقنابل على شعبه، واستخدام الكيماوي المحرم دولياً لعشرات المرات، والقصف بالنابالم الحارق، فضلاً عن البراميل المتفجرة، واستدعاء احتلالين أجنبيين مع مليشيات طائفية عابرة للحدود لقتل الشعب السوري طوال هذه الفترة. كل هذه الأساليب والتكتيكات المستخدمة لـ12 سنة شجّع المجرم أن يسلك أساليب أخرى ويختبر معها صبر المجتمع الدولي، فوجد ذلك في تجارة الكبتاغون التي توفر له بحسب الصحف الغربية دخلاً خرافياً يتراوح بين 25 و30 مليار دولار سنوياً، وأن الشحنات المصادرة لا تتعدّى الـ10 في المئة مما يتم في الواقع والحقيقة تصديره للخارج.
وعلى الرغم من كشف الصحف الغربية الرصينة وهذا نقلاً عن أجهزة استخباراتية غربية وعربية عن اتجار النظام السوري بذلك منذ سنوات، إلاّ أن العالم كله تأقلم مع هذه التجارة وصمت تماماً عن تمويل النظام السوري لنفسه، ولآلة قتله للشعب السوري، وما جعل المجتمع الدولي يستفيق الآن هو فقط وفقط وصول البلّ إلى لحيته كما يقولون، واستشعاره خطورة بقاء هذا النظام على أمن مجتمعاته، بحيث تؤدي تفشي هذه التجارة في المجتمعات الغربية وغير الغربية إلى فوضى حقيقية تخرج عن سيطرته وقدرته على التحكم فيها.
المجرم لم يعد آبهاً لكل تهديدات المجتمع الدولي، وهو الذي رأى تسامحه معه طوال 12 عاماً، لا سيما وقد تسامح فيما هو أعظم من ذلك وهو استخدامه السلاح الكيماوي، وحين تخلّى عن سكين الكيماوي، غفر له جريمته، فهل سيتعامل معه بنفس الطريقة بأن يتخلى عن سكينه الكبتاغونية، مقابل أن يغفر له جريمته. لكن المؤشرات هذه المرة لا تشير إلى ذلك، ويبدو أن الجرّة لن تسلم هذه المرة، إذ إن كل الدلائل تؤكد على أن النظام السوري في مأزق حقيقي، لا سيما وأنه رهن نفسه تماماً لأنظمة إقليمية ودولية تعيش أزمات مضاعفة ومركبة مع المجتمع الدولي، وقد بدأت تصنف ضمن المعسكرات الخاسرة، إن كانت روسيا في حربها مع أوكرانيا، أو إيران في مواجهة انتفاضة شعبها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق