الأحد، 12 فبراير 2023

السياسة والناتو وقضيّة حرق القرآن

 السياسة والناتو وقضيّة حرق القرآن

محمد فودي جابي
داعية إسلامي يقيم بالسويد

رجل متشدد ومتعصب من دولة «الدنمارك»، اسمه (رَسْمُوسْ Rasmus) سياسي معاد للأجانب، وله حزب في الدنمارك، يقول: إنّ المسلمين خطر، ووجودهم يهدد الدول الأروبيّة؛

لأنّ الإسلام في نظرته الشخصية يضيّق الخناق على حريّة التعبير والرأي، وعليه، فهم ليسوا مناسبين في هذه الدُول من حيث الانسجام والتفاهم،

وبناءً على ذلك رسم لنفسه خطة مفادها:

حرق القرآن في أماكن عامة لأجل استفزاز مشاعر المسلمين، وابتزاز المقدسات الإسلامية، وخاصة في المناطق التي تقطنها جاليات مسلمة.

وقد فعل ذلك عدة مرات، وحدثت على أعقابها اضطرابات عنيفة، واهتزت بسببها أركان الأمن في البلاد السويديّة، من إشعال للنيران على حافلات النقل العامة، وهجوم على الشرطة التي تحمي المجتمع والأمكنة العامة في البلاد، بلْ والشرطة التي تحميه شخصيا عند القيام بهذا الفعل.

وخسرتْ الدولة فيها ملايين بالعملة السويدية، ما يساوي مئات الآلاف من الدولارات.

وتم القبض على مائتي شاب ونيّف من جراء ذلك، وتم توجيه تهم القيام بأعمال الشغب والعنف في المجتمع وضد شرطة الدولة بشكل خاص إلى البعض.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذه الدولة تؤمن بحريّة التعبير والتصرف بشكل مبالغ فيه، ولا يرون حرجا في ذلك، أو بأساً أن يقوم شخص بمثل هذا العمل الشنيع.

على أن هذه النقطة بالذات لها ملابسات عديدة: أوّلها كراهية الدين في هذه البلاد بشكل عام، والإسلام بشكل خاص،

مما جعل هذه القوانين سارية حتّى بعد الأحداث التي شهدها القطر السويدي، إضافة إلى رد فعل بعض البلاد المسلمة وعلى رأسها دولة (تركيا)،

والتي أدت إلى انهيار مصالح الدولة، ومن أهم هذه المصالح القصوى والطارئة لدولة السويد هي الانضمام إلى مؤسسة عسكرية أروبيّة أمريكية مسماة ب (النَاتُو)،

والتي هي معنيّة بحماية الدول الأعضاء ضد أي تهديد أو هجوم عسكري على أيّة دولة من أعضائها.

وقد يسأل سائل:

ما الذي جعل هذه المصلحة ضرورية في هذا التوقيت للسويد، مع أنّهم عاشوا، وتطّوروا، منذ عهود، وقُرون، ولم تكن عضوا فيها؟؟!!

والجواب: هو حماية النفس من الهجوم المحتمل من الدولة العملاقة (رُوسيا)، والتي تُرعِب، وتُفزِع كل دُول المنطقة الأروبية في هذه الفترة الراهنة، وبالأخص المجاورين لها، أو مجاور المجاور.

والسويد واحدة منها، فهي تشترك في الحدود مع دولة (فنلندا)، و(فنلندا) لها حدود مباشرة مع دولة (رُوسيا).

وهذه هي المخاوف الشديدة التي يعيشها مواطنو هذه الدولة،

حيث اخترقتْ قوات الروس أجواء السويد أكثر من مرة منذ اندلاع الحرب بينها وبين (أوكرانيا)،

بدافع ضلوع السويد في مساعدة المواطنين الأكرانيين،

وتقديم اللجوء لهم بين عشية وضحاها، وكما هي مُتهمة بتعاون عسكري مع قوات أكرانية،

وبسبب هذا، وذاك، يحبذون الانسجام في سلك (الناتو) في أسرع وقت ممكن،

لكن بسبب هذا العديم الأصل (رسموس)، بات الانضمام للناتو أضغاث أحلام،

حيث رفضتْ (تُركيا) فخر المسلمين انضمامها جراء هذا الانتهاك ضد الإسلام،

وفي لائحة (النِاتو) إذا رفضتْ دولة واحدة من الدُول الأعضاء فلن يتم الانضمام أبدًا.

كما أنّ دولة (تركيا) محورية مهمة في هذه المجموعة، لأنها من أكبر وأقوى خمس دول في (النِاتو).

دور الجمعيات الإسلاميّة

وبدورنا كجمعيات إسلاميّة قمنا بإدانة هذا الفِعْل في كل المنتديات في السويد،

وحتى بدأ الانشقاق يدب في أوساط المجتمع السويدي بين مؤيّد ومعارض.

ومما يغيظ بعض السويديين هو أنّ الرجل لا تسمح له دولته الأصلية (الدنمارك) بذلك،

فكيف تسمح له السويد؟!!.

والبعض يرى ذلك «غباء سياسي» من قِبل هذه الدولة. وبسبب هذه المجهودات الجبارة الآنفة الذكر،

فقد طالب رئيس الحكومة السويديّة كل الأحزاب السياسية إلى الاجتماع الطارئ في قضيّة حرق القرآن في البلاد، معلنا مقولته الشهيرة قبل الاجتماع: (ليس كل ما هو قانون صالح للتطبيق)،

ولذا أعلنتْ (دولة فنلندا) أنّ حرق الكتب الدينيّة غير قانوني على أراضيها،

وموفد كلام رئيس الحكومة السويدية أنهم سوف يرجعون عن هذا العمل،

وإن لم يُمنع في المسودة الدستورية أو يتم التعديل،

لو نترجم قوله هذا، في منظور القواعد الأصولية في الإسلام فهذا ما نسميه:

(الاستحسان) العُدول عن النص والأخذ بغيره استحسانا، وإن شئتَ قلتَ (المصالح) لأنّها تقتضي ذلك،

لله در الإسلام في الأسبقية ووضع المنهجية السليمة والتعاليم العالية المعقولة للبشرية.

تلك كانت نبذة عن هذا الوضع المؤسف، في دولة أعيش فيها، وأحمل جنسيتها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق