الأربعاء، 12 أبريل 2023

الظلمُ يمحقُ البَركة!

الظلمُ يمحقُ البَركة!

 نقطة نظام

أدهم شرقاوي

روى ابنُ الجوزيِّ في عيون الحكايات:

خرجَ كسرى في بعض أيامه للصيد ومعه أصحابه، فلاحقَ فريسةً وحده حتى ابتعدَ عمَّن كان معه، فرأى كوخاً من بعيدٍ، فقصده، فإذا عجوز بالباب جالسة، فقال لها: أنزِلُ؟

فقالتْ: اِنزِلْ.

فدخل الكوخ، فإذا ابنة العجوز قد جاءت معها بقرة كانت ترعاها، فحلبتها، وكسرى ينظرُ، فقال في نفسه: يجب أن أجعل على كل بقرةٍ إتاوةً، فهذا حليب كثير!

فأعطوه، فشربَ.

وبقيَ في الكوخ حتى المساء، إلى أن اهتدى إليه أصحابه، فقالت العجوز لابنتها: قومي فاحلبي للضيوف.

فقامتْ، فلم تجد فيها لبناً، فنادت أمها: يا أُماَّه، قد أضمَر لنا الملكُ شراً!

فقالت لها: وما ذاك؟

فقالت: جفَّ ضرعُ البقرة!

فقال كسرى في نفسه: من أين عَلِمتْ ما أضمرتُ في نفسي؟ أما إني رجعتُ عن أخذ الإتاوة على البقر!

فلبثوا قليلاً، فقالت العجوز: يا بُنيَّة، قومي فاحتلبي.

فقامت البنت، فحلبتْ أكثر مما في المرة الأولى! فنادت أمها: يا أمّاه، لقد ذهبَ ما كان في نفس الملك من الشَّر!

فسألهما كسرى: كيف علمتما بما أضمرتُ؟

فقالت العجوز: نحن بهذا المكان منذ سبعين سنة، ما عُمِلَ بعدلٍ إلا أخصبَ بلدنا، وما عُمِلَ بظُلمٍ إلا ضاقَ عيشُنا!

العدلُ يجلبُ البَركة ولو كان في الخشب، والظلمُ يمحقُ البركةَ ولو كان في الذَّهب!

فإذا مُحِقَتْ بركةُ الوقت فوجدتموه قد ضاق، وإذا مُحِقَتْ بركة الصحة فوجدتم التعب الكثير عند العمل القليل، وإذا مُحِقَتْ بركة المال فوجدتموه على كثرته لا يكفي، وإذا مُحِقَتْ بركة الأولاد فكانوا كالأرض البور لا يجني منها صاحبها إلا التَّعب، فراجعوا أنفُسَكم!

العدلُ لا تقيمه الدولة فحسب وإن كانت به أولى، ولا تلتزمُ به المحاكم فقط وإن كان وظيفتها!

العدلُ يمكن أن يقوم به أي أحد ولو كان كناساً للطريقِ، مع محبتي وتقديري لكناسي الطُرق، والظلمُ يمكن أن يقوم به أي أحد ولو كان بوَّاباً، مع محبتي وتقديري للبوابين!

اُنظُرْ في نفسِكَ هل عدلتَ في زوجتِكَ، أكرمتها كما يليق بالرجال أن يفعلوا أم أهنتها، صبرتَ عليها واحتملتَ منها أم كنتَ أنتَ والدُّنيا عليها؟! هل اتخذتها حبيبة ورفيقة درب، أم عاملتها كجارية ووعاء إنجاب؟

اُنظري في نفسكِ هل عدلتِ في زوجكِ، حملتِ معه همومه أم كنتِ أحدها؟ تفهمّتِ إمكاناته وظروفه أم زدتها صعوبة عليه فأشعرتيه بالعجز والتقصير وقلة ذات اليد؟

هل عدلنا في أولادنا في المواريث، وهل أعطينا إخوتنا وأخواتنا حظنا منها؟

هل صدقنا في البيع والشراء؟ هل قمنا بوظائفنا كما يجب أم أكلنا سُحتاً وحراماً؟ كيف نحن مع الجيران والأرحام؟!

العدلُ يُبحثُ عنه في أروقة حياتنا لا أروقة المحاكم فقط!

اِعدلوا تستقم لكم الدُّنيا، وتُطرَحُ عليكم البركة!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق