هولوكوست غزة
حلمي الأسمر
"هولوكوست غزة" تتم منذ ما يقارب الشهور الأربعة بالبث المباشر، وتحت سمع وبصر الملايين، وموثقة بالصوت والصورة، والتغطية الإخبارية الكاملة، ولا تقوم بها جهة واحدة فقط، بل تشارك فيها قوات ومرتزقة من جل دول العالم، تتزعمهم قوات جيش "دولة" أقيمت بزعم "التعويض" عما لحق بـ"شعبها!" من إبادة جماعية، وتحظى بمشاركة مباشرة او غير مباشرة ودعم لوجستي وسياسي وغطاء دولي من نصف قوى الكرة الأرضية على الأقل، تتزعمهم عصبة تهيمن على ما يسمونه مجلس الأمن، الذي يرعى حتى الآن هولوكوست غزة ويحرص على استمراره ويقف بكل وضوح ووقاحة ضد وقفه، رغم صدور قرارات محكمة العدل الدولية بوقفه فورا!
بالتزامن مع واقعة قناة سكاي نيوز، تنشر صحيفة "إسرائيل اليوم" الناطقة باسم اليمين الصهيوني، خبرا عن "مؤتمر النصر لإسرائيل" في القدس المحتلة، تقرأ فيه دعوة أكثر من صريحة للإبادة الجماعية والهولوكوست، وبعبارات لا تقبل التأويل، تقول الصحيفة:
"خريطة استيطانية من رفح إلى شمال قطاع غزة وكلمات لوزراء في الحكومة وهتافات "ترانسفير" و"الموت للإرهابيين".. انعقد مساء أمس (الأحد الماضي) في القدس "مؤتمر النصر لإسرائيل" بمشاركة وزراء وأعضاء كنيست وحشد كبير تحت عنوان: "الاستيطان وحده يجلب الأمن.. العودة إلى قطاع غزة وشمال السامرة.
وخلال تصريحات وزير الأمن الوطني (بن غفير)، رفع عدد من المتظاهرين لافتة تطالب بنقل سكان غزة، فأجابهم الوزير: "شجعوهم على المغادرة طوعا(!). الخطأ في التصوّر كلّفنا الاغتصاب والقتل والنهب. جزء من تصحيح خطأ التصوّر هو العودة إلى ديارنا في غوش قطيف. نحن بحاجة إلى العودة إلى ديارنا" لأن "هذه هي التوراة.. هذه هي العدالة التاريخية وهذا هو الحق. اليوم الجميع يفهم أن الهروب يجلب الحرب. نحن بحاجة إلى العودة إلى ديارنا والسيطرة على الأرض. أيضا تقديم مشروع تشجيع الهجرة وقانون عقوبة الإعدام للإرهابيين".
مؤتمر القدس، فضلا عن أنه تعبير عن نزعة "هولوكستية" إبادية وعنصرية حظيت حتى بمعارضة صهاينة كثر، يحمل في طياته نوعا من الغيبوبة التي بات المجتمع الصهيوني يرزح تحتها، فعن أي نصر يتحدثون وهم يخوضون عدوانا مدعوما من نصف قوى الشر (على الأقل) في العالم كله، ولم يحقق حتى بعد مرور أكثر من مائة وعشرين يوما شيئا من الأهداف التي وضعها قادته؟ والحقيقة أن هذه واحدة من مظاهر النازية الجديدة، التي تذكرنا بعنجهيات هتلر وخطاباته المتفجرة بالفخر(!) والتطرف. ولا يخامر أحدنا الشك أن مجنونا كالمدعو بن غفير هو أحد أهم تلاميذ هتلر، وهو يخرج على الناس متفاخرا بالجرائم التي ترتكبها عصابات الصهاينة المسماة جيشا، أو جرائم قطعان المستعمرين الغرباء في الضفة الفلسطينية وهم يلاحقون الرعاة ويسرقون خرفانهم، أو يحرقون محاصيلهم الزراعية.
ما حصل في القدس أخيرا، هو تعبير عن تيار رئيس في الكيان، حسب رأي الكاتب اليساري جدعون ليفي في هآرتس، الذي كتب أخيرا مقالا عن حالة التطرف والغيبوبة التي يعيشها مجتمع الصهاينة.
إسرائيل اليوم لا تشبه نفسها، هجوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر أفقدها عقلها، وبدت مشابهة لأسوأ ما يكون عليه نظام من العالم الثالث، بكل تناقضاته وتخلفه وخلافاته، وتضارب مصالح من يقوده، وهي بشرى خير لنهاية وشيكة، قد تستغرق بعض الوقت، لكنها محتمة، ولعل ما ترتكبه في غزة من إجرام مفتوح وموثق يفوق ما كل ما سجله التاريخ المعاصر من إجرام، هو بداية النهاية.
يعتقد كثيرون أن هذا الجناح متطرّف ولا يمثل المجتمع الإسرائيلي، والحال أن هذه المواقف تمثّل "التيار الرئيس"، بتعبير "جدعون ليفي" في "هآرتس".
مشروع الاستيطان والتهجير هو مشروع "الكيان" الحقيقي، ولا أدلّ على ذلك من تصاعده خلال العقود الثلاثة الماضية بعد "أوسلو" في الوقت الذي كان تجار الأوهام يَعِدون الفلسطينيين بدولة كاملة السيادة على حدود 67، بما فيها القدس الشرقية.
ميّزة هؤلاء (ومنهم نتنياهو) هي تجاوزهم للعبة الاستدراج التي سادت عقودا بعد عام 67، وجهرهم بالحقيقة، لكن باعة الأوهام في رام الله ومقاولي التطبيع العرب يرفضون الاعتراف بالحقيقة لأنها تضعهم أمام خيار يهربون منه، ألا وهو خيار القوة والمقاومة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق